الابتعاد عن طريق الفتنة من الأمور الصعبة على الإنسان المسلم، وتحتاج إلى قلب سليم ونفس مؤمنة وراغبة في اتباع سنة المصطفى -عليه الصلاة والسلام-، وهذا ما عهد إليه أبي بكرة الصحابي الجليل الذي أبى الانضمام إلى واقعة الجمل والاشتراك في الفتنة بسبب كلمة سمعها من النبي -صلى الله عليه وسلم-
نبذة عن أبي بكرة الثقفي :
– اسم أبو بكرة رضي الله عنه هو نفيع بن الحارث بن كلدة بن أبي سلمة بن عوف ويمتد نسبه إلى قسي، وقيل إنه نفيع بن مسروح.
– لم يتفق العلماء والمؤرخون على تاريخ ميلاد محدد لـ أبي بكرة الثقفي ولكنهم اتفقوا على أنه مات سنة 51 أو 52 هجريًا، وعاش في البصرة وكان مولى لقبيلة ثقيف في الطائف.
– يعد أبو بكرة من الصحابة الأخيار التابعين لسنة النبي -عليه الصلاة والسلام- من أمثال مصعب بن الزبير ، حيث ذكر في قصة إسلامه أنه تدلى بواسطة بكرة إلى حصار الطائف وقال للنبي: أنا عبد فأعتقه الرسول -صلى الله عليه وسلم- واعتنق الإسلام سنة 631 ميلاديًا.
– أطلق عليه لقب “أبي بكرة” انتسابًا لحادثة إسلامه، وكان ينكر أنه ابن أبيه ويقول: أنا أبو بكرة مولى الرسول ﷺ أنا نفيع بن مسروح.
– روى عن المصطفى -عليه الصلاة والسلام- أكثر من مائة واثنان وثلاثون حديثًا، تناول منهم الإمام البخاري ستة والإمام مسلم خمسة، وحدث عنه أولاده عبيد الله وعبد الرحمن و مسلم وعبد العزيز والعديد من العلماء الأجلاء ومنهم الحسن البصري ومحمد بن سيرين والأحنف بن قيس وعقبة بن صهبان وغيرهم.
شرح حديث أبي بكرة :
جاء على لسان أبي بكرة أنه قال: لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من المصطفى -عليه الصلاة والسلام- بعدما غلبتني نفسي على القتال مع طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام والقصاص لـ عثمان بن عفان بعد قتله على يد مجموعة من الفاسدين، حيث قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لما بلغه أن أهل فارس قد وكلت عليهم امرأة وكانت بنت كسري فقال: “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”.
حدثت موقعة الجمل سنة 36 هجريًا بين مجموعة من الصحابة منهم علي بن أبي طالب وطلحة والزبير بشأن أمر القصاص لمقتل عثمان، حيث إن سيدنا علي كان غير قادرًا على تنفيذ القصاص بسبب سيطرة مجموعة من الأشخاص الفاسدين على مقاليد الأمور في المدينة المنورة وتشكيلهم قوة كبيرة ومسلحة وأصبح من الصعب التغلب عليهم.
امتنع أبو بكرة من الانضمام إلى صفوف المسلمين المتجهين إلى البصرة للقبض على قتلة عثمان بن عفان، وذلك بسبب خروج السيدة عائشة -رضي الله عنها- مع الجيش في هودج من حديد على جمل إلى البصرة بعد قضاء فريضة الحج، فوقع في قلب أبي بكرة ما ذكر على لسان النبي وقت هزيمة أهل كسري وهزيمتهم بسبب تولي أمرهم امرأة، فطبق المعنى العام ورفض اللحاق بأهل الجمل.
قصة جلد أبو بكرة على يد عمر:
تناولت الكثير من المصادر قصة عمر بن الخطاب في جلد أبي بكرة الثقفي ونافع وشبل بن معبد بعد شهادتهم على المغيرة بالزنا، حيث ذكرها الذهبي في كتابه تحت عنوان ” أبو بكرة سير أعلام النبلاء ” وقال فيها: إن الخليفة عمر قام بجلد الثلاثة بحد القذف بعد شهادتهم بالزنا على المغيرة بن شعبة لعدم توافر أربعة شهداء، فوكل الأمر إلى أمير المؤمنين فأمر بإقامة الحد عليهم ثم استتابهم، وقال لهم: توبوا إلى الله ولكن أبو بكرة رفض أن يتوب ثم قال: أنا شاهد ولستُ قاذف، وورد عنده أنه كان لا يقبل الإبداء بشهادته معللًا على ذلك بقوله: قد فسقوني.
يدخل أمر الاعتراف بمروءة أبي بكرة والأخذ بشهادته تحت نطاق الاجتهاد، حيث إن نفيع بن الحارث لم يكن إلا شاهدًا ولم يكن قاذفًا لعدم اكتمال النصاب فليس هناك شك في أنه من خيار الصحابة والصالحين الذين اتبعوا الرسول وشهد له العديد من الناس بالحق والفضل، ولم يتوقف أحد من التابعين على رواية أحاديث أبي بكرة والاحتجاج بها.
لم يرفض بعض العلماء قبول مروءة أبي بكرة بن الحارث والأحاديث التي رواها عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلم نجد أحد يطعن فيه من قبل، بل تداول الكثير من التابعين بعض الأحاديث والمشاهد التي شهدها مع الرسول وكلها صحيحة ومذكورة في البخاري.
مروءة أبي بكرة :
ورد في حق أبي بكرة بن مسروح على لسان أحد أبنائه وهو (عبد العزيز بن أبي بكرة )، قال: أن أباه تزوج امرأة ولما ماتت أراد أن يشهد دفنها ويصلى عليها وأصر على ذلك كونه أحق الناس بها، فرفض إخوتها أن يصلي عليها وحالوا بينه وبينها، إلا أنه لم يستمع إليهم وقال: أنا أولى الناس بالصلاة عليها، فسمحوا له وقالوا صدقت يا صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وما أن نزل نفيع بن الحارث إلى القبر حتى دفعه أهل زوجته بقوة ففقد وعيه، ثم حملوه إلى أهله وما أن وصل إليهم صرخ عليه عشرون من أبنائه الذكور والإناث وكان عبد العزيز أصغرهم، فقال لهم: لا تطلقون الصراخ فليس هناك أحب إلي من نفسي، ففزع أولاده من قوله وقالوا:لمَ يا أبانا؟، قال: أخشى أن يدركني زمانًا لا أستطيع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
اشتد المرض على أبي بكرة في أواخر عمره واشتكى من سوء صحته، فعرض عليه بعض أبنائه أن يأتوه بطبيب للاطمئنان على أحواله، فرفض الإنصات إليهم بشأن إحضار الطبيب، ولما جاءه الموت قال: “أين طبيبكم ليردها إن كان صادقًا”.
وفاة نفيع بن الحارث:
انتقل إلى رحمة الله تعالى الصحابي الجليل أبي بكرة الذي اجتهد في العبادة وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر وخشي على نفسه من الفتنة فامتنع عن اللحاق بأهل الجمل ومعاداة علي بن ابي طالب ، وشهد له التابعون بالفضل والأخلاق وقضى الباقي من عمره بعد إسلامه في طاعة الله، وورد عن ابن سعد أنه قال: مات أبي بكرة في خلافة معاوية بن أبي سفيان سنة 51 هجريًا وصلى عليه صديقه الأوفى أبو برزة الأسلمي.
لماذا سمي نفيع بن الحارث بأبي بكرة؟
وذلك بسبب أنه تدلى إلى حصار الطائف ببكرة للنبي -عليه الصلاة والسلام- فقال له: أنا عبد فأعتقه -صلى الله عليه وسلم- واعتنق الإسلام.
متى أسلم نفيع بن مسروح؟
أسلم أبو بكرة وهو ابن الثماني عشرة سنة بعدما تدلى إلى النبي وأطلق على نفسه مولى الرسول -عليه الصلاة والسلام- ثم انتقل للعيش في البصرة.
من هم أبناء أبي بكرة الثقفي؟
روى عنه بعض أبناءه وهم عبد الرحمن وعبد العزيز ومسلم وعبيد الله، وكانوا من أشراف مدينة البصرة وأصحاب علم ومال وجاه ومعروفين بكثرة الولايات والفضل.
من هي أم نفيع بن الحارث؟
هي جارية الحارث بن كلدة وتدعى سمية، ولم يرد ذكرها إلا في قلة قليلة من الكتب ومنهم باب زياد، نظرًا للنسب والدم الذي يربطه بها.