تسدي إليهم المعروف فيرتاح بالك وتَسعد بما قدمته من إحسان، ولكنهم يقابلونه بالإساءة والنكران، وينقلبون عليك وكأن بينك وبينهم ثأر، ويمكرون بك بقلب ملئه الكفران، حقًا فما كذب الشاعر حين قال أعلمه رماية كل يوم ** فلما اشتد ساعده رماني، وكأن لسان حاله يقول لن أبذل المعروف في غير شاكر بعد الآن.
نكران الإحسان من شيم اللئام
لا يعيش الإنسان في هذه الدنيا وحيدًا منفصلًا عن الآخرين، إذ إن كل شخص يحتاج إلى غيره، حيث يأخذ كل منهم من الآخر ويعطيه، إلا أن هناك بعض الناس ممن ملأت الخسة نفوسهم، والجحود قلوبهم، فصاروا لا يبالون بأي معروف ولا يكلفون نفسهم رد الجميل.
ولقد أوصى النبي برد المعروف وشكر الناس على ما يقدمونه من خير، وحث المسلمين على ضرورة البعد عن نكران الخير، حيث ورد عن محمد رسول الله أنه قال:
“من أُعطيَ عطاءً فوجد فليجْز به، ومن لم يجد فليثن فإن مَن أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر، ومن تحلَّى بما لم يُعْطَهْ كان كلابس ثوبَي زور”.
أعلمه رماية كل يوم | من القائل؟
هذا البيت أحد أبيات قصيدة يتحدث فيها الشاعر عن نكران المعروف من شخص قدم له كل الخير، وعندما نضج انقلب عليه ولم يرع حقه، فأنشد قصيدة يهجوه فيها وكان مطلعها هذا البيت وهو ” أعلمه رماية كل يوم …فلما اشتد ساعده رماني”، وقائل هذا البيت لا يُعرف بشكل دقيق، حيث توجد روايتان في هذا الأمر وهما:
الرواية الأول: من نظم هذا البيت هو مالك بن فهم
اسمه هو مالك بن فهم بن دوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران، ويُعرف باسم “مالك الأزدي”، وهو واحد من شعراء العرب المميزين، وأنشد أعلمه رماية كل يوم ضمن عدة أبيات شعرية نظمها لكي يهجو ما فعله ولده به.
الرواية الثانية: قائل البيت هو معن بن أوس
هو أحد الشعراء العرب في العصر الجاهلي، ولكنه أدرك الإسلام وآمن، بالنبي العدنان فصار من شعراء المسلمين، وكانت له الكثير من القصائد التي يمتدح فيها صحابة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، اسمه هو معن بن أوس بن نصر المزني.
يعد من الشعراء الذين غلب على شعرهم الحكمة، فكان يميل إلى تنظيم الأبيات الشعرية التي تَنم عن حكم ومواقف حياتية، واتسم شعره بالقوة والحصافة، وقد أُعجب سيدنا معاوية بن أبي سفيان بشعره أيما إعجاب، وتُوفي عام 683 هـ، ولقد نظم بيت أعلمه رماية كل يوم بسبب ابن أخته الذي رباه في الصغر وانقلب عليه في الكبر.
أعلمه رماية كل يوم | ما حكايته؟
على الأغلب لم تخرج الكلمات الشعرية من فيه الشعراء إلا لغرض في نفسهم أو بسبب موقف تعرضوا له، والبيت الشعري الذي يقول ” أعلمه رماية كل يوم ” له حكاية مشوقة، وتختلف اعلمه الرماية كل يوم قصة قوله تبعًا لاختلاف القائل، وفيما يلي التفاصيل:
أولًا: حكاية تنظيم أعلمه الرماية كل يوم لمالك بن فهم
يرجع سبب قول مالك بن فهم لـ اعلمه الرماية كل يوم قصيدة إلى قصة شهيرة جاء فيها أن مالك كان له عدد من الذكور وكان أصغرهم يدعى “سليمة”، وهو أحب أولاده إليه، حيث كان يعلمه كيفية الضرب بالسهام بالإضافة إلى الفروسية والإمساك بالسيف حتى صار رجلًا على دراية بكل فنون القتال، وقد نتج عن هذا الحب كراهية بقية الذكور لسليمة ورغبتهم في جعل أبيه يبغضه ويغضب منه.
وكان مالك قد أوكل لأولاده مهمة حماية أفراسه بالتبادل، وبسبب حقدهم على أخيهم الأصغر قرروا أن يذهبوا إلى أبيهم ويخبروه بأن سليمة لا يباشر عمله بأمانة، حيث إنه يترك الأفراس ليلًا وينام، إلا أن مالك لم يصدقهم بسبب معرفته بكراهيتهم له، ورغبتهم في أن يقللوا من شأنه في كل موقف، ولكن مع تكرار حديث الإخوة عن كسل سليمة قرر الأب أن يتأكد بنفسه، فقام بمراقبته حتى يعلم من الصادق.
وبالفعل ذهب مالك في ظلام الليل الحالك متخفيًا ليعرف هل سليمة في مكان حراسته أم لا، وعندما رأت الخيول مالكًا وهو في هذه الحالة صهلت فانتبه سليمة، وعلى الفور أخرج سهمه وأطلقه على هذا الدخيل، وعندما عرف أن هذا الرجل أبوه كان السهم قد اخترق جسده، وظل مالك يردد ” أعلمه رماية كل يوم … فلما اشتد ساعده رماني”.
ثانيًا: سبب قول معن بن أوس لـ أعلمه رماية كل يوم
كان لمعن بن أوس ابن أخت، فأخذه معه إلى بيته، وأحسن إليه ولم يُسمعه إلا الكلم الطيب ، ورباه حتى شب وصار رجلًا، وعندئذ تركه وذهب إلى أهله -قوم أبيه- وعاداه بشدة، ولهذا نظم معن عدة أبيات يهجوه فيها، ويبين نكرانه للجميل الذي قدمه إليه، وكان من هذه الأبيات ” أعلمه رماية كل يوم *** فلما اشتد ساعده رماني”.
شرح قصيدة أعلمه الرماية كل يوم
بعد أن أشرنا إلى اعلمه الرماية كل يوم من القائل الذي نظمه آنفًا، نشير إلى عرض أبيات القصيدة كاملة وكذلك شرحها، وهذه الأبيات كالتالي:
فيا عجبًا لمن ربيت طفلًا *** ألقمه بأطراف البنان
أعلمه رماية كل يوم *** فلما اشتد ساعده رماني
وكم علمته نظم القوافي *** فلما قال قافية هجاني
أعلمه الفتوة كل وقت *** فلما طر شاربه جفاني
شرح الأبيات:
في بداية الأبيات الشعرية يتعجب الشاعر من ذاك الشخص الذي رباه صغيرًا وكان يفضله على نفسه حيث كان يضع الطعام في فيه بيديه.
وفي البيت الثاني يسرد الشاعر أفضاله على من أنكر المعروف، ويقول بأنه علمه الرماية واعتنى به حتى اشتد ساعده “أي كبر”، وكلمة اشتد تشير إلى القوة، إلا أن بعض الروايات تذكرها بكلمة “استد” بحرف السين.
ويبين بعد ذلك طرق إنكاره للجميل حيث يخبرنا بأنه علم هذا الشخص طرق تنظيم القصائد (القوافي) ومن جحوده أن أول قصيدة نظمها كانت في هجاء من علمه، وكذلك دربه على الشجاعة والقتال وعندما قوي وصار ذا قدرة أعرض عنه وأساء معاملته.
وبشكل عام فإن الفكرة العامة لهذه الأبيات هو التعجب من كيف لشخص أن يُقدم الإحسان والخير ويكون جزاؤه الإساءة، غير أن هذه الأشياء لا تنطبق إلا على الحاقدين والحقراء أما الكرام فلا، فهم أهل للاعتراف بالإحسان وفي ذلك يقول المتنبي: إذا أكرمت الكريم ملكته** وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا.
الحكم والأقوال التي تماثل أعلمه الرماية كل يوم
هناك عدد من الأقوال والحكم التي تحمل نفس معنى أعلمه رماية كل يوم وتبين مدى حقارة بعض الناس، وهي كالتالي:
1) سمّن كلبك يأكلك.
2) خيرًا تعمل شرًا تلقى.
3) جزاء سنمار.
4) ومنْ يصنع المعروفَ في غير أهله ِ **** يلاقي الذي لاقـَى مجيرُ أمِّ عامر .
ما معنى أعلمه الرماية كل يوم؟
يعني الشاعر بهذا البيت أنه بذل قصارى جهده لكي يعلم من أنكر المعروف ويعرفه أسس الرماية وذلك بشكل يومي حتى صار راميًا ماهرًا.
ما الغرض من قول الشاعر: أعلمه الرماية كل يوم؟
يرغب الشاعر في توضيح أنه قدم الإحسان لأقرب الناس إليه، ولكنه لم يجد منه سوى النكران والإساءة.
من قائل أعلمه الرماية كل يوم؟
هناك بعض الروايات التي تؤكد أن قائل هذا البيت هو مالك بن فهم، إلا أن بعض الناس تشير إلى أن معن بن أوس هو من قاله.
ما معنى نكران الجميل؟
هو عدم الاعتراف من قِبل الإنسان بأن هناك شخصًا ما قد قدم إليه معروفًا أو ساعده في شيء، وبذلك يجحده حقه.