كان العرب قديمًا يشتهرون بالشعر والبلاغة في الحديث، حيث كان يوجد هناك سوق خاص لإلقاء الشعر وكان الشعراء يتنافسون فيه، وأطلقوا عليه سوق عكاظ، وكان ومن أشهر شعراء العصر الجاهلي هو أمية بن أبي الصلت الذي عاصر الرسول وكان يعرف جيدًا صدق ما جاء به الرسول، وكان أمية يتميز بالبلاغة الشديدة بل والغموض في بعض الأحيان وهذا ما كان ظاهراً بصورة واضحة في أشعاره وقصائده التي كتبها.
وسنتناول محطات متنوعة في حياته قبل ظهورالإسلام وبعده، مع الحديث عن الأسباب التي جعلت شعره يتميز عن غيره من الشعراء في العصر الجاهلي، بجانب أهم المواقف التي كانت مؤثرة بدرجة كبيرة في حياته، ومن خلال هذه السطور يمكن التعرف على الكثير من الـ معلومات عن أمية بن ابي الصلت ، وفك الكثير من الشفرات التي جعلته شاعرًا يحيطه الغموض.
نشأة أمية بن أبي الصلت
لا يعتبر أمية بن أبي الصلت الاسم الحقيقي له بل كان يدعى عبد الله بن أبي ربيعة الثقفي، ولد في مدينة الطائف، وكانت عائلته تدين بالدين الحنفي، حيث تضم هذه الديانة أتباع سيدنا إبراهيم عليه السلام، ويتسم الحنفيون بكرههم الشديد لعبادة الأصنام والأوثان، وظهر تمسكه بدينه في أشعاره من خلال الحديث عن الجنة وتوحيد الله وكرهه لبعض العادات التي انتشرت بين العرب في العصر الجاهلي مثل شرب الخمر ولعب الميسر، وهذا ما جعله يختلف عن غيره من شعراء عصره، والذين كانوا يتناولون موضوعات مثل الغزل أو المديح عند كتابة أشعاهم مثل امرؤ القيس والذي كان يشتهر بكتابة شعر الغزل.
ذكر بن سُلام أن أمية بن أبي الصلت كان يتقرب من أهل الكتاب ويعرف الكثير عن أمور دينهم، وتعود على قراءة الكتب المقدسة لليهود والمسيحين، وهو ما انعكس على أشعاره، وتحدثت الكثير من ابيات امية بن ابي الصلت عن وصف الجنة وكيف خلق الله السماوات والأرض، كما تحدث عن الملائكة وصفاتهم.
وكان من أهم صفات أمية بن أبي الصلت أنه كان كثير التنقل، حيث كان يسافر إلى اليمن وبلاد فارس وبالإضافة إلى بلاد الشام والحبشة، وعلى الرغم من أن أمية بن أبي الصلت قد عاصر الإسلام إلا انه لم يعتنقه وذلك لأسباب سيتم ذكرها لاحقاً.
أهم ما يميز أشعار أمية بن أبي الصلت عن غيره من شعراء عصره
كان شعر أمية بن أبي الصلت يختلف في كل شيء عن غيره من الأشعار، حيث اقتبس أمية الكثير من الكلمات والأفكار التي استوحاها من التوراة والإنجيل، لأنه كان مولعًا بقراءة هذه الكتب المقدسة، وهذا ما ظهر في الأسلوب الذي ذكر به الله سبحانه وتعالى، حيث كان يسمي الله باسم السلطيط أو التغرور وغيرهما من الأسماء التي استوحاها من ثقافات متعددة.
وكان أمية يتميز باستخدام كلمات مجهولة لا يعرف عنها العرب شيء، والتي كان من الصعب عليهم تفسير المعاني التي كان يقصدها من هذه الكلمات، ورأى البعض أن تلك الكلمات قد تكون مقتبسة من الثقافة الحبشية أو الحضارة الفارسية، ومن أشهر الشعراء الذين اتصفوا بالبلاغة والغموض أيضًاهو النابغة الذبياني ، حيث كان العرب يقارنون بين شعره وشعر أمية من حيث الألفاظ غير العربية التي استخدمت في أشعارهما.
رأى العلماء في أشعار وقصائد أمية
كان علماء اللغة العربية لايحبذون مناقشة شعر أمية بن أبي الصلت وهذا بسبب علة الألفاظ المجهولة المستخدمة في الأبيات، والبعض وصف ذلك إما لبلاغته الفريدة أو لجنونه، حيث وصف “الكميت” أمية بأنه أشعر الناس، وذلك لأنه يمتلك القدرة على قول أشعار وكلمات تنافس شعراء عصره، لكن لا يستطيع غيره من الشعراء قول أشعار تماثل التي يقولها أمية، وهذا لبلاغته الفريدة التي جعلته من أشهر شعراء العصر الجاهلي.
حلم أمية بن أبي الصلت في النبوة
نتيجة لقراءة أمية لكتب التوراة والأنجيل كان على علم بقدوم نبي آخر الزمان، بل تمنى أنه يكون هو ذلك النبي، ولهذا السبب كان يسافر ويتنقل بين البلدان لمعرفة صفات هذا النبي، فسافر إلى الشام يقابل الرهبان ويعرف منهم معلومات عن النبي المنتظر وصفاته، لكي يتحلى بها، حيث كان يدعو الله بأن يمنحه النبوة.
ولهذا بمجرد معرفته ببعثة سيدنا محمد وهبوط الوحي عليه شعر بأن حلمه قد ضاع، بل وأخذ يحقد على الرسول واعتبر أن الرسول قد سرق حقه في النبوة، ونتيجة لهذا الحقد استكبر ورفض أن يدخل الإسلام.
علاقة أمية بن أبي الصلت بالإسلام
رغم إدعاء البعض بأن أمية اعتنق الإسلام، لكن لا يوجد دليل قاطع على ذلك، بل الرأي الأغلب أن أمية بن أبي الصلت كان معادياً للإسلام في آخر سنوات حياته، على الرغم من أنه كان يعرف بأن الله سيرسل نبي آخر الزمان.
والدليل على معرفة أمية بقدوم آخر الأنبياء حديث ابو بكر الصديق أنه سمع كلام أمية مع زيد بن عمرو عند الكعبة حول النبي المنتظر، حيث قال إنه ينتظر ظهوره من العرب أو أهل فلسطين، وتعجب أبو بكر كثيراً من هذا الحديث لأنه لم يكن يعرف بقدوم هذا النبي الذي سيكون خاتم المرسلين.
وهناك رواية أخرى تقول أن أمية بن أبي الصلت قد ذهب للنبي وأخبره أنه يؤمن بصدق ما جاء به لكنه لم يعلن إسلامه وبعدها اتجه إلى بلاد الشام ولم يعد منها إلا بعد غزوة بدر، وقد ادعى البعض أنه كان ذاهب لرسول الله لكي يعلن إسلامه، لكن عندما أخبره الناس بأن المسلمين قد قتلوا أقاربه من المشركين ثارت فيه صفات الجاهلية من الغضب والعصبية العمياء ورفض دخول الإسلام، وذهب ينشد أشعاراً يرثي فيها قتلى المشركين، ولم يكتفِ بهذا فقط بل أخذ يوجه السباب والكلمات المبتذلة للمؤمنين الذين إتبعوا الرسول.
وكان يقوم بتحريض الكفار على محاربة المسلمين والأخذ بالثأر لكي يأخذ حق أقاربه الكفار الذين قتلوا على يد المسلمين، لكن الحقيقة أنه استغل هذه الواقعة لكي يخفي كرهه للرسول، ونتيجة اشتعال نيران غضبه تجاه الإسلام مات وهو كافر في السنة التاسعة من الهجرة في مدينة الطائف ولم يكن يسلم الكثير من أهل ثقيف بعد.
حب الرسول لأشعار أمية بن أبي الصلت
وبالحديث عن علاقته بالنبي، كان سيدنا محمد يحب كثيراً الاستماع إلى الشعر الذي يكتبه أمية حيث ورد في حديث شريف عن الرسول على لسان الشّريد بن سويد الثقفي رضي اللَّه عنه قال: “رَدِفْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ: هَلْ مَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ شَيْءٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: هِيهْ، فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتًا، فَقَالَ: هِيهْ، ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ بَيْتًا، فَقَالَ: هِيهْ، حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وكان الرسول أيضًا يحب الإستماع إلى شعر حسان بن ثابت والذي لقب بشاعر الرسول.
الآية التي نزلت في أمية بن أبي الصلت
كان أمية موحداً بالله ويعلم جيداً بقدوم نبي سيكون خاتم الأنبياء، وكانت قصائده دائما ما تحتوي على أبيات تدل على قوة إيمانه بالله، لكنه شعر بخيبة أمل كبيرة وتحطم حلم حياته بعد أن ضاع أمله في أن يكون خاتم المرسلين، لكن من العجيب أن يكون قد ورد في القرآن الكريم آيات تحدثت بصورة غير مباشرة عن أمية بن أبي الصلت ، وذكرت هذه الآيات في سور متعددة من القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى في:
1-“سورة الأعراف آية 175: “وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ.”
2- “وفي سورة آل عمران آية 8: “رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ.”
3- وقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى في سورة آل عمران آية 86-88: “﴿ كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ ﴾.”
تناولت الآيات الكريمة الحديث عن أولئك الذين كانوا يؤمنون بالله ولديهم العلم، وكانوا على معرفة بأن الله سيرسل لهم نبيًا يكون آخر الرسل، لكن بسبب غرورهم وتمسكهم بعادات الجاهلية لم يؤمنوا بالرسول وكفروا بما جاء به من عند الله، وهذا ما ينطبق علي أمية بن أبي الصلت الذي كان لديه من العلم والإيمان بالله ما يجعله أول من يؤمن بالنبي محمد لكن ظل علي عنده وكرهه للرسول وللمسلمين ومات وهو علي كفره.
ما الذي كان يميز شعر أمية بن أبي الصلت عن غيره من شعراء عصره؟
تميز شعر أمية باحتوائه على العديد من المعاني والكلمات الغامضة والمقتبسة من حضارات غير عربية.
لماذا لم يسلم أمية بن أبي الصلت؟
لأنه علم بقتل أقاربه في غزوة بدر على يد المسلمين، مما جعله يغضب كثيراً ويعادي المسلمين.
لماذا كان أمية يحب التنقل بين البلدان؟
لأنه كا يريد معرفة معلومات عن ثقافات أخرى غير الثقافة العربية، ويريد تعلم الكثير من العلوم.
ما هو تفسير الآيات التي تحدثت بصورة غير مباشرة عن أمية؟
تحدثت الآيات عن أولئك الذين كانوا لديهم العلم بقدوم النبي ولم يؤمنوا به، وهذا ما فعله أمية بن أبي الصلت.