إذا أكرمت الكريم ملكته وزاد في إحسانه

إذا-أكرمت-الكريم

لخص الشاعر أبو الطيب المتنبي حال الكريم واللئيم عند التعامل معهم والإحسان إليهم فقال: ” إذا أكرمت الكريم ملكته وإذا أكرمت اللئيم تمردا “، مبينًا في هذا البيت القصير أن أهل الكرم والفضل لا يتغيرون بالإحسان إليهم إنما يتغير من كان اللؤم طبعه.

من هو قائل إذا أكرمت الكريم ملكته ؟

لمن يتساءل ان اكرمت الكريم ملكته من قالها ؟ هو أبو الطيب أحمد بن الحسين الجعفي الكوفي المشهور بالمتنبي صاحب الطموح والكبرياء الذي ولد في الكوفة عام 303 هـ وترعرع على حب الشعر وتنقل بين البلاد لقوله في بلاط الملوك والأمراء، فنال مكانة عالية لم يصل إليها أحد قبله فلقب بشاعر العرب الذي فاق بحكمته وذكائه شعراء العصر العباسي ، وكان يحب خوض المغامرات والإبداع في قول الشعر.

وضع المتنبي بصمته المميزة على مجال الشعر، فكان بعيدًا عن التكلف والصنعة إنما استعماله لوصف المعارك والحروب ومدح من يستحق المديح وقدم في قالب مميز نوع من الجمال يروي فيه فلسفة الحياة القصيرة ويعطي بكلماته دروس وحكم عظيمة، فورد عنه 326 من القصائد من بينها اذا اكرمت الكريم ملكته واذا اكرمت اللئيم تمردا قصيدة التي تعد من أشهر ما قيل على لسانه.

يعد أبو الطيب المتنبي صاحب فلسفة خاصة وطريقة مميزة في قول الشعر جعلته واحدًا من أهم الشعراء العرب، فاستطاع بذكائه وصياغته البلاغية القوية اكتساب قرب سيف الدولة الحمداني والاغتنام من فضله وجوده ولكن أوقعه غروره في المشاكل وانتزع منه مكانته وهيبته.

أشهر قصة عن مقولة إذا أكرمت الكريم :

يروي الكثير من الناس قصة إذا أكرمت الكريم ملكته وإذا اكرمت اللئيم تمردا بأحداث مختلفة، فمن القصص المشهورة عن مقولة ” إذا أكرمت الكريم ملكته ” التي تعد من أجمل اقوال المتنبي ؛ يقول أحدهم كان هناك رجلًا تقيًا لديه فتاة في سن الزواج يتقدم لها الكثير من الرجال، وفي يوم من الأيام جاء شخص يرغب في الزواج من ابنته نظرًا لما وجد فيه من الورع والصالح، فاستقبل الأب طلبه بالرضا والقبول وأمره بإحضار كيس من البصل كمهر لابنته.

تعجب الرجل من هذا الطلب الغريب ولكنه نفذ ما طلب منه وقام بتقديم كيس من البصل إليه وتمت الزيجة، وبعد مرور عام من الزواج أنجبت زوجته طفلًا صغير وأرادت بشدة أن تقوم بزيادة أهلها، فجاءت إلى الزوج وأعربت عن رغبتها في الذهاب إليهم برفقته من أجل أن يروا طفلها الصغير، وبالفعل وافق الزوج على طلبها وسار بها إلى بيت أبيها.

بينما كانوا في الطريق نحو وجهتهم مرورا على نهار طويل يفصل بينهم وبين بيت أهلها، فقام الرجل بحمل الطفل وقطع النهر دون أن ينظر إلى حال زوجته، بينما وقفت الزوجة متعجبة مما فعل زوجها وبينما هي تسير تعثرت قدمها وسقطت في النهر، فأخذت تنادي عليه وتستغيث به ولكنه أجابها قائلًا: ” عليك بإنقاذ نفسك بمفردك، فمهرك كيسًا من البصل “.

تابع قصة إذا أنت أكرمت الكريم :

في ضوء تناول قصة إذا أكرمت الكريم ملكته؛ شعرت الزوجة حينها بالضعف والكسرة فلما تعرف ماذا تفعل بعد إعراض زوجها عنها ورفض مساعدتها، فدعت الله من قلبها أن ينقذها من هذا الموقف السيئ، وبالفعل أرسل الله إليها من يساعدها على عبور هذا النهر الطويل والعودة إلى بيت أبيها، وعندما وصلت هناك أخبرت والدها عن فعلة الزوج وما حدث معها في الطريق، فخرج الأب إلى الزوج وقال: ” أحمل طفلك وعد إلي بيتك ولا تأتي إلينا إلا بحوزتك كيسًا من الذهب “.

غادر الزوج مع طفله عازمًا على الزواج من أخرى ولكنه كلما دق باب من أجل الزواج أغلق في وجه، نظرًا لحسن سمعة زوجته وأهلها ومن جانب آخر كان الطفل بحاجة إلى حضن أمه، لذا قرر الزوج أن يجمع ما طلبه والدها منه، فظل يعمل ليل ونهار على مدار عدة سنوات حتى استطاع أن يجمع المال.

اتجه الزوج إلى بين أهل زوجته يطلب منهم العفو وردها إلى عصمته، فوافق الأب على طلبه وعفا عما سلف، وأثناء عودتهم همت الزوجة لتعبر النهر صاح الزوج وقفز أمامها وغازلها بـ كلام حب قائلًا: ” يا زوجتي يا حبيبتي أنتِ غالية ومهركِ من الذهب”، فلما سمع والدها هذا الكلام ضحك بشدة وقال: “عندما جاءنا تعاملنا معه بأصلنا فخان، ولما عاملناه بطبعه أو بأصله صان”، فهناك تشابه بين هذا المثل وبين ” إذا أكرمت الكريم ملكته وإذا أكرمت اللئيم زاد تمردًا “.

إذا-أكرمت-الكريم

إذا-أكرمت-الكريم

شرح قصيدة إذا أنت أكرمت الكريم ملكته :

أولًا: الجزء الأول من شرح قصيدة إذا أنت أكرمت الكريم ملكته

( لِكُلِّ اِمرِئٍ مِن دَهرِهِ ما تَعَوَّدا ::: وَعادَةُ سَيفِ الدَولَةِ الطَعنُ في العِدا وَأَن يُكذِبَ الإِرجافَ عَنهُ بِضِدِّهِ ::: وَيُمسي بِما تَنوي أَعاديهِ أَسعَدا وَرُبَّ مُريدٍ ضَرَّهُ ضَرَّ نَفسَهُ ::: وَهادٍ إِلَيهِ الجَيشَ أَهدى وَما هَدى وَمُستَكبِرٍ لَم يَعرِفِ اللَهَ ساعَةً ::: رَأى سَيفَهُ في كَفِّهِ فَتَشَهَّدا هُوَ البَحرُ غُص فيهِ إِذا كانَ ساكِناً ::: عَلى الدُرِّ وَاِحذَرهُ إِذا كانَ مُزبِدا فَإِنّي رَأَيتُ البَحرَ يَعثُرُ بِالفَتى ::: وَهَذا الَّذي يَأتي الفَتى مُتَعَمِّدا تَظَلُّ مُلوكُ الأَرضِ خاشِعَةً لَهُ )

بدأ الشاعر أبو الطيب المتنبي في مطلع قصيدته المشهورة ” إذا أكرمت الكريم ملكته ” بالثناء على سيف الدولة الحمداني والتغني بصفاته الباسلة وشجاعته الظاهرة في الحروب والمعارك، وبين أنه من الفرسان العظماء الذين تخشاهم الأعداء وتهابهم الملوك والرؤساء، فهو حاكم يجمع بين الفروسية والكبرياء والدهاء.

حرص الشاعر في كل بيت من أبيات القصيدة على بيان ما يتمتع به سيف الدولة وما لديه من خصال، فوصفه بالبحر في الكرم والجود على أصحابه ومن يطلب وده ويرغب في التقرب إليه، بينما يكون على خلاف ذلك في غضبه على أعدائه والأشخاص الحاقدين عليه، واستفاض في ذكر هيبته وطموحه الذي يبلغ الحدود ويتجاوز التوقعات.

ثانيًا: تحليل الجزء الثاني من القصيدة

( لِذَلِكَ سَمّى اِبنُ الدُمُستُقِ يَومَهُ ::: مَماتاً وَسَمّاهُ الدُمُستُقُ مَولِدا سَرَيتَ إِلى جَيحانَ مِن أَرضِ آمِدٍ ::: ثَلاثاً لَقَد أَدناكَ رَكضٌ وَأَبعَدا فَوَلّى وَأَعطاكَ اِبنَهُ وَجُيوشَهُ ::: جَميعاً وَلَم يُعطِ الجَميعَ لِيُحمَدا عَرَضتَ لَهُ دونَ الحَياةِ وَطَرفِهِ ::: وَأَبصَرَ سَيفَ اللَهِ مِنكَ مُجَرَّدا وَما طَلَبَت زُرقُ الأَسِنَّةِ غَيرَهُ ::: وَلَكِنَّ قُسطَنطينَ كانَ لَهُ الفِدا فَأَصبَحَ يَجتابُ المُسوحَ مَخافَةً :::وَقَد كانَ يَجتابُ الدِلاصَ المُسَرَّدا وَيَمشي بِهِ العُكّازُ في الدَيرِ تائِباً ::: وَما كانَ يَرضى مَشيَ أَشقَرَ أَجرَدا وَما تابَ حَتّى غادَرَ الكَرُّ وَجهَهُ )

في بداية المقطع الثاني من قصيدة إذا أكرمت الكريم لم يكتفِ المتنبي بما ذكره من صفات سيف الدولة ومدحه في كل بيت من الأبيات السابقة، إنما انتقل إلى ما فعله بقائد الروم (الدمستق) الذي فر هاربًا من بطش الحمداني وترك جيشه وأولاده وحدهم في المعركة، وبين ما لحق به من ذل وإهانة وسقوطه في عين جيشه وشعبه بعدما استقبل هزيمة سارحقة من حاكمه المغوار.

ظل الشاعر يقارن بين شجاعة سيف الدولة وجبن الدمستق، فيمدح قائده بأحب الصفات وأحسنها ويبين مدى هيبته وجبروته في وجه الأعداء، بينما رسم صورة مغايرة للدمستق بسبب فراره من الحرب وتخليه عن شعبه، ثم انتقل بعدها إلى الفرح والمباركة بالنصر كأنه عيد من الأعياد والسعادة فيها واجبة.

يقدم الشاعر في قالب أدبي مميز نصيحة إلى سيف الدولة الحمداني يقول فيها: إن الكريم إذا أكرمته زاد إحسانه وفضله على عكس اللئيم الذي يقابل الإحسان بالكفران ويغفل عن المعاملة الحسنة، فلا أقول عامل الناس كما تحب ان يعاملوك بل عاملوهم بما ترى منهم وبما يتفق مع طبعهم.

ثالثًا: تحليل الجزء الثالث

( أَزِل حَسَدَ الحُسّادِ عَنّي بِكَبتِهِم ::: فَأَنتَ الَّذي صَيَّرتَهُم لِيَ حُسَّدا إِذا شَدَّ زَندي حُسنُ رَأيِكَ فيهِمِ ::: ضَرَبتُ بِسَيفٍ يَقطَعُ الهامَ مُغمَدا وَما أَنا إِلّا سَمهَرِيٌّ حَمَلتَهُ ::: فَزَيَّنَ مَعروضاً وَراعَ مُسَدَّدا وَما الدَهرُ إِلّا مِن رُواةِ قَلائِدي ::: إِذا قُلتُ شِعراً أَصبَحَ الدَهرُ مُنشِداً فَسارَ بِهِ مَن لا يَسيرُ مُشَمِّرا ::: وَغَنّى بِهِ مَن لا يُغَنّي مُغَرِّدا )

بعد أن مدح الشاعر أبو الطيب المتنبي سيف الدولة وزاد في جمال صفاته ومناقبه في بداية قصيدة ” إذا أكرمت الكريم ملكته “، انتقل إلى مدح نفسه وأشعاره بأنه أعظم الشعراء وأشهرهم، فالجميع يتغنى بكلماته كيف لا وهو ضارب بالسيف وشاعر العرب والمشهور بين الناس، فمن عادة المتنبي دائمًا الثناء على نفسه وشعره.

يرى الشاعر أنه قريب من سيف الدولة كصديق مخلص يغتنم من فضله وجوده وخيره، لذا فصداقتهما موضع حسد وغيرة من المقربين والغرباء، فيطلب منه أن يجود عليه بالعطايا ويمنع عنه تلك الغيرة القاتلة التي من الممكن أن تفسد علاقتهما، فهو ملك يقدر الشعر والشعراء.

هل يحفظ الشخص الكريم الإحسان؟

عندما تحاول الإحسان إلى الشخص الكريم ومعاملته باللين والرحمة يظل متذكرًا ما فعلته له على عكس الإنسان اللئيم.

لماذا يقابل اللئيم الإحسان بالكفران؟

من طبع الشخص اللئيم عدم شكر النعمة والتمرد على الفعل والقول، ويضع في عقله أنك أكرمته خوفًا منه وليس حبًا فيه.

ما هو المميز في شعر أبي الطيب المتنبي؟

تميز شعر أبو الطيب المتنبي بعروبته وصياغته القوية واختلافه عن غيره من الشعراء.

لماذا قال المتنبي إذا أكرمت الكريم ملكته؟

يذكر في قصة قصيدة المتنبي إذا أنت أكرمت الكريم أن هناك امرأة وجدت ذئب صغير في الطريق فأخذته وربته وبعدما كبر هجم على شاة لها وأكلها.

مواضيع ذات صلة

كلام عن الأصدقاءكلام عن الأصدقاء و أهمية الصداقة في حياتنا

تجري الرياح بما لا تشتهي السفنتجري الرياح بما لا تشتهي السفن | أشهر أقوال المتـنبي