سمعت يومًا رجلًا حكيمًا ينصح ولده فيقول له “اعلم جيدًا يا بُني أن إرضاء الناس غاية لا تدرك فلا تهتم لأمرهم وافعل ما يرضي الله” وحينها تذكرت أنني قرأت هذه المقولة من قبل في كتاب صفة الصفوة لابن الجوزي الذي نقلها عن الامام الشافعي -رحمه الله- وحين تدبرت فحواها أدرك عظمة الله ووضاعة البشر.
من قائل إرضاء الناس غاية لا تدرك ؟
آراء الناس ليست مقياسًا لصلاح النفوس، لأنها مرتبطة بأهوائهم وعقائدهم وبيئتهم الثقافية التي تربوا فيها، ولقد حذرنا رسول الله من أن نتبع الجاهلين الذي يدّعون التقوى والكمال، ولقد جاء الإمام الشافعي لكي يؤكد ما قاله النبي بمقولته ” إرضاء الناس غاية لا تدرك فافعل ما هو خير لك في دينك ودعهم وما يقولون”.
وتعد هذه العبارة من أشهر اقوال الشافعى التي ترددت على ألسنة حكماء العرب وأصبحت تتوارث من جيل لآخر حتى يومنا هذا، فلا يوجد بيننا الآن إلا القليل هم من لا يعرفون إجابة سؤال إرضاء الناس غاية لا تدرك من القائل وما قصتها؟
تفسير مقولة إرضاء الناس غاية لا تدرك
قبل أن تنصح أحدًا بألا يهتم بآراء الآخرين عنه ابحث أولًا عن معنى إرضاء الناس غاية لا تدرك وكيفية تطبيق هذه الحكمة في حياتك، حتى يهتدي بك غيرك، ولقد فسر العلماء هذه المقولة على أنها تعني أن يسعى الإنسان جاهدًا لكسب رضا المحيطين به عن كل تصرفاته دون أن يعلم أنه من المستحيل كسب حبهم جميعًا وثناءهم عليه.
لذا اعلم أن كل واحد منهم يحكم عليك من وجهة نظره، وستشعر بالإحباط والشقاء طوال الوقت إذا استمعت لكلماتهم اللاذعة، ولن تتمكن من المضي قدمًا نحو تحقيق طموحاتك؛ خوفًا من انتقاداتهم.
قصص متعلقة بمقولة إرضاء الناس غاية لا تدرك
تعد قصة ارضاء الناس غاية لا تدرك الشهيرة عندما نصح الإمام الشافعي بها أبا موسى “يونس بن عبد الأعلى” هي الأكثر تداولًا بين الشعوب العربية قديمًا حين قال “يا أبا موسى إرضاء الناس غاية لا تدرك فالزم ما فيه صلاح لنفسك فإنه لا يوجد سبيل لإرضائهم”.
وفي عصرنا الحديث حاول الأدباء أن يعلموا الأطفال المغذى من هذه المقولة عن طريق دسها في قصص مسلية مثل قصة جحا وابنه مع الحمار، التي تروي أنه في أحد الأيام ذهب هو ابنه يبتاعون بعض الأغراض من السوق، وكان جحا يركب على ظهر الحمار ويسير ابنه بجواره، ليسمع جماعة من الناس وهم يتهامسون عن قسوته على ولده، فقرر أن ينزل ليركب ابنه بدلًا منه.
وبعد فترة مر على بئر يقف حوله مجموعة من النسوة اللاتي نعتن ولده بالعقوق، ليقرر أن يركبا سويًا على ظهر الحمار، ورغم ذلك لم يسلما من كلام الناس، بل اتُهما بعدم إشفاقهما على الحيوان المسكين، وحين تركا الحمار وسارا بجواره أصبح الناس يضحكون عليهما، لينظر جحا إلى ابنه في النهاية ويقول له “لن يسلم أحد من ألسنة هؤلاء أبدا” أي يقصد أن إرضاء الناس غاية لا تدرك .
ترجمة مقولة إرضاء الناس غاية لا تدرك
في ظل انفتاح الثقافة العربية على الثقافات الغربية بدأ الأجانب يهتمون بقراءة وترجمة اقوال العباقرة والعظماء المسلمين ومنهم الإمام الشافعي لكي يفهموا طبيعة تفكير العرب ويتعرفوا على أهم المبادئ التي تحكم تصرفاتهم مع بعضهم البعض، وقد تم العثور على أكثر من طريقة للتعبير عن معنى مقولة إرضاء الناس غاية لا تدرك بالانجليزية لكن يعد أسلوب الصياغة الأصح هو “Making people satisfied is a goal that can’t be achieved”
كلام الناس آفة اجتماعية
كم فتاة تحطمت حياتها عندما سمعت كلمة أنتِ قبيحة ولن يعجب بكِ أحد، وكم شابًا انهارت جسور آماله وأصبحت حطامًا بعد أن نعته مديره بالفشل، وكم زوج بغض زوجته بسبب انتقاد أقاربه لها دون مبرر، يا سادة يجب أن نعي تمامًا أن مقولة إرضاء الناس غاية لا تدرك ليست كلمات عابرة تتردد على ألسنتنا، بل هي في حقيقة الأمر تعالج مشكلة في غاية الخطورة، حيث إن تجاهلها تسبب في معاناة أغلبية الناس من أمراض ومشاكل نفسية مثل القلق والتوتر وانعدام الثقة بالنفس، وجعلت عيادات الأطباء النفسيين مكدسة بالمرضى الذين يتعرضون للتنمر واللوم بشكل مستمر.
السعادة تكمن في تجاهل آراء الناس
ينبغي لك عزيزي القارئ أن تدرك أنك إذا فهمت المغذى النبيل وراء مقولة إرضاء الناس غاية لا تدرك ستتمكن من بلوغ أقصى درجات السعادة، لأنك حين تدقق في أسباب تعاستك وانكساراتك، ستجد أنها نتيجة لتأثرك بآراء الناس السلبية، وأنه لمن المؤلم أن يكون من بينهم أفراد عائلتك، وقد يبالغون في إحباطك والتقليل من شأنك حتى تشعر أنك منبوذ، ولا تقدر على إحراز أي إنجازات حقيقية.
لذلك حاول الآن أن تحرر عقلك من كل هذه الترهات، وتتوقف عن مقارنة نفسك بغيرك، والتفت فقط لأحلامك وأهدافك التي تسعى إلى تحقيقها، وافعل كل ما يرضي الله ثم نفسك، وحاول أن تصلح عيوبك، وتعالج نقاط ضعفك، واقتدي بمن هم أهل للتقوى والصلاح، وبعد قيامك بذلك ستشعر كأنك حر طليق، ولديك رضا وقناعة عن كل تصرفاتك، ودون أن تدري ستجد السعادة تتسلل إلى قلبك رويدًا رويدا.
وصايا الرسول لتجنب انتقادات الناس
إن كنت تظن نفسك قد تعرضت للتنمر ولا تستطيع أن تكسب رضا الناس، فمهما تحقق من إنجازات دائمًا يرون أنها غير كافية وأنك عديم الفائدة، تذكر جيدًا أن خير البرية سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- تعرض إلى ظلم كبير وتحمل لأجل نشر دين الله ما لم يقدر على تحمله بشر، وكان يهون على نفسه كل هذه الأمور بالتضرع إلى المولى والصلاة وقراءة الآيات القرآنية التي تداوي جروح النفس وتلّين القلوب كقوله تعالى في سورة الحجر
“وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ(97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ(98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ”.
من هو قائل مقولة إرضاء الناس غاية لا تدرك ؟
هو الإمام محمد بن إدريس الشافعي أحد الأئمة الأربعة، ولكن يوجد بعض الأشخاص يدعون أن الفيلسوف اليوناني أرسطو قال عبارة مشابهة في المعنى، لكن هذا الرأي ضعيف.
لماذا يجب على الفرد ألا يسعى لكسب رضا الناس؟
لأنه من المستحيل أن تجتمع آراء الناس حول شخص ما، فهم يحكمون عليه وفقًا لأهوائهم وعقائدهم التي توارثهوا عن آبائهم.
كيف يمكن أن يتجاهل الإنسان انتقادات الآخرين له؟
يمكنه ذلك عن طريق إدراك أن الناس لن يتوقفوا عن مراقبته وسيبحثون دومًا عن سقطاته، لذلك يجب عليه أن يركز على أهدافه وأن يسعى إلى إصلاح نفسه ورضا ربه.
كيف يمكن مساعدة الشباب لتخطي انتقادات الناس لهم؟
يمكن ذلك عن طريق عمل ندوات ثقافية لتوعية الشباب والأطفال وحثهم على عدم التركيز على الآراء السلبية، والاهتمام أكثر بأهدافهم وطمحواتهم المستقبلية.