ابن زيدون | شاعر الأندلس وصاحب النونية الفصحى

ابن زيدون

لقد كانت الأندلس موطنًا فسيحًا للشعر والأدباء؛ حيث الأبيات الشعرية التي اختُصرت بداخلها معاني الجمال، والقصائد المعبرة عن الحنين والهيام؛ لا سيما التي كتبها ابن زيدون لمحبوبته الأزلية بكل شغفٍ واشتياقٍ.

مَن هو ابن زيدون ؟

سأسرح بعيدًا بأفكاري وسأجلب آلاف الصحائف ومئات الأقلام الحبرية؛ لكي أُعَنون فيها عن شاعر الأندلس؛ بليغ الأقوال؛ باذخ العواطف؛ لبق اللسان ابن زيدون ، هذا الشاعر الجليل الذي تنوع في كتاباته ومؤلفاته فكتب عن الغزل والفخر ووصف طبيعة مدينته الساحرة؛ فلقد كان أحد ساكني قاعدة قرطبة التي عُرفت بجمالها ومناظرها الخلابة، والتي باتت في نظره وكأنها شبيهةٌ بالجنانٍ على هذه الأرض.

لقد ظلّت كنيته واسمه الرائج ابن زيدون بينما هو أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون المخزومي، أمير شعراء الأندلس وصاحب النونية والضادية اللتين كانتا منهجًا ومنوالًا لمَن لحق به من الشعراء في كافة العصور الإسلامية، وظلّ متألقًا في أعماله الأدبية حتى بات من أشهر الشعراء العرب على مر الأزمان.

نبذة مختصرة عن: ابن زيدون حياته وشعره

لم يكن يومُ ميلاد ابن زيدون كسائر الأيام الأخرى؛ بل انفرد بكونه يومَ ميلادٍ جديدٍ للشعر الأندلسي، وُلد أمير شعراء الأندلس في عام 1003 م في فصل الخريف الشهير بموسم ميلاد حياة جديدة على كوكب الأرض، وامتدت أصول هذا الأديب الجليل إلى إحدى القبائل العربية، والتي كان لها شأنٌ عظيمٌ في الجاهلية والإسلام، وللاطلاع على المزيد من المعلومات عن هذا الشاعر النبيل يمكنك تحميل كتاب ابن زيدون حياته وشعره pdf.

يا له من بيتٍ رفيعٍ تحاوطه الثقافة والثراء من كافة الجهات؛ حقًا فهو بيت بني زيدون أكبر بيوت طائفة مخزوم جاهًا وأدبًا، تلك البيئة المعرفية التي ترعرع ابن زيدون واكتسب منها الكثير والكثير، فكان والده رجلًا مثقفًا وعلى درايةٍ واسعةٍ بأصول اللغة والآداب، وعاش في كنف جده في الحادية عشرة من عمره حينما انتقل أبوه إلى الفردوس الأعلى.

لقد كان جده خيرَ الأب والرفيق والراعي والسند له، كما باتت والدته داعمةً له طيلة حياته فهي لا تملك ابنًا سواه، فأصبح مغرورًا بوسامته إلى حدٍ كبيرٍ مما دفعه ذلك إلى اتباع اللهو والمتعة، وكان لعصر الانفتاح الذي عاش فيه ابن زيدون دورٌ مؤثرٌ حيث أُغرم بالغناء والفنون؛ فصار يتغنى بسحر مدينته وجمالها الخلاب كما كتب أروع قصائد في الحب والغزل.

نونيه ابن زيدون

لربما هذه القصيدة الشعرية التي حملت اسم نونية ابن زيدون هي أفضل ما ذُكر في الأدب عن الفراق في تاريخ الشعر العربي، فلقد كانت بمثابة خيوط الغزل والنسيج التي استعان بها الأدباء اللاحقون له من أجل نسج قصائدهم الأدبية، واحتضنت هذه النونية التي اختُتمت أبياتها بالنون بين كنفيها كمْ الآلام والأسى الذي ظلّ معانيًا منه جراء فراق حبيبته ولادة بنت المستكفي.

ولعل من أبرز أبيات هذه القصيدة الرائعة التي عبّر فيها عن مدى اشتياقه إلى محبوبته ما يلي:-

– أن الزمان الذي ما زال يُضحكنا … أنسًا بقربهم قد عاد يُبكينا

– والله ما طلبت أهواؤنا بدلًا… منكم ولا انصرفت عنكم أمانينا

ضادية ابن زيدون

لقد قصد ابن زيدون بهذه القصيدة المليئة بألفاظ الشجن إرسال رسالة ما إلى غريمه في حب ولادة، وقام بوصفه فيها بمَن حاول تحريض ملك الغابة بعد سكونه؛ كما حذّره بأن يكف عن محاولاته هذه فأخلاق ابن زيدون السامية مانعةً له من الرد على سفيهٍ مثل ابن عبدوس.

واحتوت هذه الضادية التي تعد أشهر قصائد ابن زيدون على خمسةِ مقاطعٍ سأذكر جزءًا من كل مقطعٍ فيما يلي:-

– حذار حذار فإن الكريم إذا سيم خسفًا أبى فامتعض.

– أُعيذك مِن أن ترى مِنزعي إذا وَتَري بالمنايا انقبض.

– أبا عامر أين ذاك الوفاء إذ الدهر وسنان والعيش غضّ.

– لعَمري لفوّقت سهم النضال وأرسلته لو أصبت الغرض.

– أبا عامر عثرة فاستقل لتبرم مِن ودنا ما انتفض ولا تعتصم ضلّة بالحجاج وسيّم فرُبّ احتجاج دُحض.

شعر ابن زيدون في الحب

احتضنت قصائد هذا الشاعر النبيل بين جنباتها العواطف الدافئة وكلمات العتاب ولهفات الاشتياق، وتلفّظ بحتريّ المغرب بـ اجمل ما قيل في الحب من الكلمات العذبة مُسطرًا إياها بأقلامه في قصائده الخاطفة للألباب، فلولا هذا الحب ما كان للحياة مذاقٌ أو حتى مكان.

وظلّ شاعر الأندلس متغزلًا في حبيبته بأسمى الألفاظ والعبارات، وكان من أبرع وأقدر الأدباء الذين أنجبتهم المغرب على مر الزمان، والذين انفردوا بصدارة التألق في العصر الأندلسي الرائج فيه تغني الشعراء، ولم تكن المغرب وحدها هي بلدة الأدباء بل باتت العراق مسكنًا ومنبعًا لظهور أعرق الشعراء، وهو الجاحظ  صاحب الثروة الأدبية والمخزون العقلي الذي ألّف ما يقارب من 360 كتابًا في مختلف المجالات.

شعر ابن زيدون في الحب

شعر ابن زيدون في الحب

ما سبب هجاء ولادة لابن زيدون؟

لقد استفضنا بالحديث عن أشهر شعراء الأندلس ابن زيدون دون أن يأخذنا الكلام إلى ذِكر حبيبته ولادة بنت المستكفي، أميرة الأندلس شاعرة العرب ابنة الخليفة محمد المستكفي التي ولدت في عام 994 ه‍، وبات بيتها مأوىً لرجال الشعر والأدباء بعدما توفى أبوها، ولقد نظمت ندوةً لكبار الشعراء قد حضرها ابن زيدون ومن هذا المنطلق استهلت العلاقة بينهما.

لقد وقع الاثنان في حب بعضهما البعض حتى أشرقت قصة حبهما للعالم أجمع حينها، فالحب للصادقين والثابتين لا لأصحاب الحجج والأعذار؛ لذا لم يكن لهذين الاثنين نصيبٌ من هذا الدوام، فلقد أصبح قلبه منشغلًا بامرأة أخرى؛ ألا وهي جارية سمراء اللون شهيرة بالغناء.

لربما كان الحبُ صادقًا من طرفٍ واحدٍ أو أقرب ما يكون إلى مشاعرٍ قد أُعطت لفترةٍ ومن ثم زالت، فلقد أعطت ولادة كل ما تملكه من الأحاسيس العاطفية له إلا أن قلبه وذهنه قد خُطفا فجأةً من قِبل هذه الجارية، لذا أدارت ولادة وجهها موجهةَ العتاب والهجاء لحبيبها الذي تركها وحيدةً في منتصف الطريق، ولامته في قصيدتها فقالت موجهةً له:-

لو كنت تنصف في الهوى ما بيننا ..  لم تهوَ جاريتي ولم تتخير

وتركت غصنًا مثمرًا بجماله ..  وجنحت للغصن الذي لم يثمر

ولقد علمت بأنني بدر السما ..  لكن هديت لشقوتي بالمشتري

ماذا يُستمد من قصة ولادة وابن زيدون؟

إن أبرز ما يمكنني استنباطه من هذه القصة الجميلة هو أن مدينة الحب لايسكنها العقلاء بل يستوطن فقط فيها أصحاب العقول المُجنّة بالحبِ والعطاءِ الدائمِ، وليس المُفرين من أول المطاف؛ من قبل تخطي الأشواك؛ آنف التعرض للأزمات.

ولقد كان لهذه القصة الرائعة أثرٌ خالدٌ في الشعر العربي؛ حيث أثرت علاقة الحب هذه المكتبة العربية بأشعارٍ غاية في الجمال، وفسحت المجال أمام كل مبدعٍ من أجل صياغة حكاياته ومواقفه الشخصية في شكل مسرحي أو قصصي بأسلوب نثري تقشعر له الأذهان من شدة الرواء.

هل تزوج ابن زيدون بولادة في النهاية؟

لم يُطلق على الحب حبًا ما دام غير مكللٍ بالزواج، ولكن في بعض الأحيان تكون المواقف كفيلةً للتعبير عن مدى شدة الهيام، وهذا ما أثبتته ولادة على مدار عدة سنواتٍ،  فلقد رفضت الزواج وفاءًا لابن زيدون الذي ظلّ محتجزًا لسنواتٍ خلف القضبان.

فلقد ظلّت ولادة متلهفةً للقاء حبيبها طيلة هذه السنوات ولكنها أبت حينما آن الأوان لهذا اللقاء، فلقد تمكّن الشيب منها وصارت كهلةً لذا رفضت أن يراها وهي على ذلك الحال، فما أجملها صورة ولادة المحفورة في ذاكرة أبي الوليد وهي في عمر العشرينات والثلاثينيات! تلك هي المرة الأخيرة التي رآها فيها وكانت فائقةَ الجمال؛ فكل جميل زائل ولا دائم سوى خالق الجمال.

ديوان ابن زيدون

خطوةٌ رائعةٌ قد قام بها ابن زيدون ألا وهي تأسيسه ديوان شعري عالج فيه شتى الموضوعات والأغراض من الشكوى والحنين والاشتياق، وترك هذا الفارس والأديب أثرًا له ليكون محفورًا بارزًا في كتب التاريخ ألا وهو ديوانه الجميل، ولقد مات ابن زيدون إلا إن شعره ومؤلفاته لم تمُت.

ماذا كان مصير ابن زيدون؟

وقع اختيار ولادة على الوزير ابن عبدوس ليكون حبيبًا لها؛ وذلك كناية عن حبيبها الذي تغزل في جاريتها، وكان هذا الوزير محبًا لولادة لذا قرر التخلص من أبي الوليد الذي تحبه ولادة حبيبته، ولقد نجح الوزير وأعوانه في إلحاق التهم بهذا الشاعر الجليل؛ والتي كانت سببًا رئيسيًا في إدخاله السجن لسنوات طويلة.

لقد وضعت النهايات ستائرها حتى لا تنكشف خباياها عن الناظرين، وصارت هذه الخواتيم خارج نطاق التخمينات في أزمنةٍ مختلفةٍ؛ فمَن كان متوقعًا بتشابه حياة ابي الوليد و أبو فراس الحمداني ؟! واللذان باتا سجينين بين أربعة جدران لا خامس لها بالرغم من حياتهما الثرية في بيئةٍ زاخرةٍ بالثقافة والعلم، إنه لدليل كافٍ على أن الزنزانة لا تعرف من أين أتيت؟!

وفاة ابن زيدون

لم يكن اليأس في قاموس ابي الوليد أبدًا بالرغم من أسره مدة أربعين سنةً، فعندما أُتيحت فرصة الهروب له لم يفكر كثيرًا؛ بل فرّ هاربًا من هذه الزنزانة مودعًا إياها بكامل سعادته، ولم يكن أمامه حلٌ سوى الاتصال بوالي إشبيلية المعتضد ليمد له يد العون، وبالفعل عاش في كنفه وشغل منصبًا في إحدى الوزارات الهامة، وظلّ معززًا مكرمًا حتى وافته المنية.

ما المدة التي قضاها هذا الشاعر وراء القضبان؟

لقد ظلّ سجينًا لمدة 40 عامًا ولكنه تمكن من الهروب بعد هذه الفترة الطويلة، وذهب إلى الحديقة التي لطالما كان جليسًا فيها مع حبيبته.

كيف تأثر بحتري المغرب بثقافة عائلته؟

تأثر هذا الأديب العظيم كثيرًا بأبيه الذي كان فقيهًا وقاضيًا ذا شأن كبير؛ حيث ترعرع في بيئة ثقافية محبة للأدب والأدباء حتى صار شاعرًا نبيلًا له بصمات عظيمة في الشعر العربي.

لماذا أُطلق على هذا الشاعر لقب بحتريّ المغرب؟

لقد كان هذا اللقب من نصيبه تشبيهًا له بالشاعر البحتري الذي عُرف شعره بالعذوبة والسلاسة؛ علاوة على علمه الغزير وفصاحة قصائده.

ما أبرز الأغراض الشعرية لابن زيدون؟

تنوع شعره بشكلٍ عميقٍ حيث كان يقصد به الغزل؛ الشكوى؛ العتاب؛ الاعتذار؛ الفراق؛ الحنين والشوق؛ الرثاء وغيرهم.

مواضيع ذات صلة

عبيد-الله-بن-زيادعبيد الله بن زياد | قاتل الحسين -رضي الله عنه-

مي زيادةكواليس من حياة معشوقة الأدباء مي زيادة