القرآن والسنة هما عماد الدين، وهما مصدرا التشريع اللذان أوصانا الرسول بالتشبث بهما تجنباً للضلال، لكن ماذا لو تعرضا للانحراف؟ ستضيع الأمة بلا شك، لذا عنى المولى عز وجل بحفظهما فسخر فريقاً من خلقه لخدمتهما، بشر مثلنا لكنهم كرسوا حياتهم لحراسة جناب الدين وصيانة الشريعة من الانحراف، جابوا البلاد من الفسطاط إلى بغداد وهجروا الوساد والمهاد وخلصوا العقيدة من أوجه الفساد فنفعوا العباد وتركوا لنا خير زاد وكانوا للشريعة خير الأجناد، من هؤلاء الامام مسلم بن الحجاج، أحد الأعلام وصاحب أدق كتب السنة وأشهرها بعد كتاب صحيح البخاري.
نسب الامام مسلم ومولده :
يرجع نسب الإمام مسلم إلى قبيلة بني قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة وهي إحدى القبائل العربية الأصيلة، فَـ اسم الإمام مسلم الكامل هو مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد بن كوشاذ القشيري النيسابوري، سمي النيسابوري نسبةً إلى مسقط رأسه مدينة نيسابور عاصمة مقاطعة خراسان فيما مضى، وكنيته أبو الحسين.
عرفنا من الاسم اين ولد الإمام مسلم لكن أهل العلم لم يستطيعوا تحديد العام الذي ولد به على وجه الدقة، فذهب الإمام الذهبي إلى أنه ولد في العام الهجري الـ 201 وذكر المستشرق الألماني بروكلمان أنه ولد بعد ذلك بعام فيما جزم ابن كثير وابن حجر بأن ولادة الامام مسلم كانت في عام 204 هـ، وهناك مَن رأى أن ولادته كانت بعد ذلك بعامين مثل الحاكم النيسابوري.
نشأة مسلم بن الحجاج وحياته :
يقول ابو العلاء المعري ((وينشأ ناشئ الفتيان منا ** على ما كان عوده أبوه))، وكان والد الامام مسلم الحجاج بن مسلم شيخاً معلماً يعنى بتعليم الناس العلوم الشرعية، مما كان له بالغ الأثر في تنشئة الإمام على تعظيم العلم والالتزام في طلبه والاجتهاد في البحث عنه، وكانت عادة الناس وقتذاك إرسال الصغار إلى الكُتاب لتعلم القرآن الكريم واللغة العربية والعلوم الأخرى، وكان بيت الحجاج بن مسلم أحد البيوت الحريصة على ذلك إذ دفع الحجاج ابنه إلى الحلقات النافعة وشجعه على التثقف في العلوم المختلفة كالحديث والسيرة.
وعندما شب مسلم بن الحجاج امتهن التجارة فكان يبيع الثياب والأقمشة، لكن هذا لم يشغله عن تحصيل العلم وإفادة المسلمين، فنجح في أن يكون تاجراً ناجحاً ومحدثاً بارعاً متقناً في جمع الحديث وروايته.
رحلة الإمام مسلم في طلب العلم :
ذكرنا أن نشأة الامام مسلم دفعته إلى طريق العلم منذ نعومة أظافره، فكان يسمع الحديث من الشيوخ وعمره لا يتجاوز السابعة، ثم اجتهد في البحث وارتحل لطلب العلم من مصادره، وكانت وجهته الأولى هي بلاد الحجاز لتأدية فريضة الحج والاستماع إلى العلماء هناك، ثم عاد أدراجه إلى نيسابور ومكث فيها بضع سنين درس خلالها علم الحديث على أيدي مشائخ كثر، وبعدها ارتحل قاصداً المراكز العلمية الشهيرة مثل بلاد الشام والحجاز والعراق ومصر، وفي هذه الأمصار تلقى العلم على أيدي صفوة العلماء المتقدمين.
من هم شيوخ الامام مسلم ؟
تلقى الامام مسلم علمه على يد كوكبة من العلماء ذوي المكانة المرموقة في عصره وعلى رأسهم الإمام البخاري وأحمد بن حنبل ويحيى بن يحيى النيسابوري وإسحاق بن راهويه، بالإضافة إلى قتيبة بن سعيد وشيبان بن فروخ وعبد الله بن مسلمة القعنبي وحرملة بن يحيى – صاحب الإمام الشافعي – وعثمان بن شيبة ومحمد بن المثنى وإسماعيل بن أبي أويس ومحمد بن يحيى بن أبي عمر.
ما هي أشهر مؤلفات الامام مسلم ؟
أفرز الامام مسلم بن الحجاج العديد من المؤلفات التي عثر على بعضها ولم يعثر على بعضها الآخر، ومن أشهر مؤلفاته ما يلي:-
1) كتاب صحيح الإمام مسلم :
أهم مؤلفات الإمام مسلم هو كتاب المسند الصحيح المختصر من السنن بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأن عادة العرب الميل إلى الاختصار عرف هذا الكتاب باسم صحيح الإمام مسلم أو صحيح مسلم، وقد تناول الكتاب أحاديث النبي الصحيحة التي لا تعاني ضعفاً أو وهناً والتي تجاوز عددها ثلاثة آلاف حديث غير مكرر، وضم عدداً من الموضوعات الفقهية مثل الصوم والطهارة والإيمان والصلاة والزكاة وغير ذلك، وامتاز صحيح مسلم بحسن الصياغة الترتيب وهو السبب الذي جعل بعض العلماء يقدمه على صحيح البخاري.
وقد أولى علماء المسلمين هذا الكتاب عناية خاصة نظراً لأهميته البالغة فتناولوه بالشرح المفصل في مؤلفات عدة مثل كتاب المعلم بفوائد مسلم وإكمال المعلم وصيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط والمفهم شرح تلخيص صحيح مسلم والسراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج وفتح الملهم بشرح صحيح مسلم وكذلك وشي الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج وغير ذلك.
2) كتاب المنفردات والوجدان :
أورد أبو الحسين في كتاب المنفردات والوجدان الرواة ومَن روى عنهم سواء من الرجال أو النساء، ومن خلال هذا الكتاب يمكن التعرف على الأحوال التاريخية والظروف التي يقتضيها التعريف بالراوي.
3) كتاب الطبقات :
يعرف هذا الكتاب باسم طبقات مسلم وهو من أهم الكتب التي تناولت الطبقات إذ ذكر فيه الإمام أكثر من مائتي صحابي وتابعي جعلهم في طبقة واحدة ثم قسمهم إلى طبقات متعددة وفقاً لموطنهم، فبدأ بأهل المدينة المنورة ثم مكة المكرمة ثم الطائف ثم الكوفة ثم البصرة ثم الشام فمصر واليمن، وهكذا، وبعدها ذكر الصحابيات وقسمهن بالنهج ذاته غير أنه لم يتطرق إلى التابعيات.
4) كتاب الكنى والأسماء :
رأى الإمام مسلم أن الجهل بكنى الرواة عيباً على المحدثين فأفرد كتاباً أطلق عليه اسم الكنى والأسماء وأورد فيه كناهم وسلط الضوء على أحوالهم من أجل التصدي لظاهرة الوضع في الحديث.
5) كتب أخرى مطبوعة :
من مؤلفاته الأخرى المطبوعة كتاب التمييز ورجال عروة بن الزبير وجماعة من التابعين.
6) كتب الإمام مسلم المفقودة :
للإمام مسلم مجموعة من الكتب المفقودة التي لم يعثر عليها ومنها كتاب سؤالات أحمد بن حنبل والإخوة والأخوات والمخضرمون وأوهام المحدثين وأسماء الرجال والأفراد وتفضيل السنن ورواة الاعتبار، بالإضافة إلى كتاب الأقران والأوحاد والتاريخ والعلل والمعمر في ذكر ما أخطأ فيه معمر.
ما هو منهج صحيح الإمام مسلم ؟
اتبع الامام مسلم في تأليف صحيحه نهجاً مبنياً على مجموعة من الأسس، وهي كالتالي:-
1) استيفاء الأحاديث المنتقاة لشروط الصحة كافة.
2) اختيار الرواة الحفَظَة المتقنين وأهل الاستقامة.
3) اشتراط تعاصر الراويان وثبوت لقائهما في الأحاديث المشتملة على ((عن فلان)).
4) دقة التحري وحسن الترتيب والإكثار من التحويل.
5) تكرار الحديث الواحد مرتين أو أكثر في حال وجود فائدة من التكرار.
6) التفريق بين لفظة ((حدثنا)) ولفظة ((أخبرنا)) إذ تدل الأولى على السماع فيما تدل الأخرى على العرض.
7) ترتيب الروايات في كل باب حسب صحتها إذ يورد الأصح ثم يتبعه بالروايات الأخرى.
ما هي صفات الامام مسلم الخَلقية والخُلقية ؟
1) صفات الامام مسلم الخَلقية :
تمثلت صفات الامام مسلم الخَلقية في جمال الوجه وتمام القامة وبياض شعر الرأس واللحية.
2) صفات مسلم بن الحجاج الخُلقية :
اتصف الإمام مسلم بن الحجاج بالهمة والنشاط والصبر في طلب العلم، كما اتصف بالكرم والإحسان لدرجة أنه لُقب بمحسن نيسابور، وكان رحمه الله عزيز النفس وقوراً وفياً شجاعاً لا يخشى في الله لومة لائم.
علاقة الامام مسلم بالإمام البخاري :
ثمة علاقة قوية ربطت بين الامام مسلم والبخاري، إذ كان الأول تلميذاً لدى الأخير وكان يكن له وافر الاحترام والتقدير ويسأله سؤال الصبي، كما كان يقبل ما بين عينيه ويستأذنه في تقبيل قدميه ويقول له ((لا يبغضك إلا حاسد وأشهد أن ليس في الدنيا مثلك))، وعندما مكث البخاري في نيسابور لازمه مسلم وآزره في محنته وخاصم محمد بن يحيى الذهلي من أجله.
وقد استفاد مسلم من شيخه البخاري كثيراً حتى قيل ((لولا البخاري ما راح مسلم ولا جاء))، حيث اطلع على علمه واقتفى أثره وحذا حذوه غير أنه لم يروِ عنه في صحيحه لأنه لم يلازمه إلا بعد الانتهاء من تأليفه.
وفاة الإمام أبو الحسين :
توفي الامام مسلم عشية يوم الأحد الموافق خمسة وعشرين من شهر رجب عام 261 هجرياً ثم دفن يوم الاثنين في رأس ميدان زياد بنيسابور وعمره وقتذاك يناهز الخامسة والخمسين، ويذكر في سبب وفاة الإمام مسلم أنه سئل عن حديث لا يعرفه في أحد المجالس فعاد إلى منزله وقضى الليل كله في البحث عن هذا الحديث وأكثر من تناول التمر حتى يغادر النوم عينيه، فطلع عليه الفجر وعثر على الحديث بعد أن فرغ من تناول التمر، ورجح البعض أن الكمية الكبيرة التي تناولها تسببت في إصابته بداءٍ ما قضى عليه.
ماذا قال العلماء عن الامام مسلم ؟
أشاد الكثير من العلماء بالإمام مسلم وفضله ومكانته فقال شيخه إسحاق بن راهويه ((أي رجل يكون هذا)) وقال أبو علي الحسين بن علي النيسابوري ((ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم بن الحجاج في علم الحديث))، كما قال ابن الصلاح ((رفعه الله تبارك وتعالى بكتابه الصحيح إلى مناط النجوم)) وقال ابن حجر العسقلاني ((حصل لمسلم في كتابه حظ عظيم مفرط لم يحصل لأحد مثله))، ويذكر أن إسحاق بن منصور نظر إلى مسلم وقال ((لن نعدم الخير ما أبقاك الله للمسلمين)).
مَن هم تلاميذ الإمام مسلم ؟
من تلاميذ الإمام مسلم عبد الله بن يحيى السرخسي وأبو عيسى محمد الترمذي وعلي بن الحسن الهلالي وأبو العباس السراج وأبو بكر بن خزيمة ومحمد بن عبد الوهاب الفراء والفضل بن محمد البلخي وأحمد بن المبارك المستملي وأبو حامد أحمد بن حمدون الأعمشي وإبراهيم بن إسحاق الصيرفي وغيرهم.
ما هو مذهب الإمام مسلم ؟
يرى البعض أن مذهب الإمام مسلم هو المذهب الشافعي فيما نفى آخرون ذلك وذكروا أن آراءه تشابهت مع آراء الشافعية فقط لكنه لم يقلد أي مذهب بل كان إماماً مجتهداً.
هل يمكن الاطلاع على سيرة الإمام مسلم PDF ؟
نعم يمكن الاطلاع على سيرة الإمام مسلم PDF من خلال تحميل أي من الكتب التي تناولت سيرته مثل كتاب الإمام مسلم بن الحجاج صاحب المسند الصحيح ومحدث الإسلام الكبير وكتاب التعريف بالإمام مسلم وكتابه الصحيح وأيضاً كتاب مسلم بن الحجاج.
هل تزوج الإمام مسلم ؟
يذكر أن الإمام مسلم تزوج من ابنة عبد الواحد الصفار، ورغم أنه يكنى بأبي الحسين إلا أنه لم ينجب الذكور بل اقتصرت ذريته على الإناث.