البوطي | اكتشف أسرار وحكمة هذا العالم الروحي العميق

البوطى

كلما ابتعدنا عن عصر صدر الإسلام زادت حاجتنا للعلماء، فالغربة تشتد والديجور يحل محل النور والسنة تندثر والبدعة تنتشر والنفوس تتوق لمَن يدلها على طريق الرشاد بعدما اختلط الحابل بالنابل، لذا كان من فضل الله على عباده أن بعث لهم في كل زمانٍ ومكان مَن يجدد أمر دينهم ويأخذ بأيديهم ويبين لهم ما اشتبه عليهم، إنهم العلماء، ورثة الأنبياء وصفوة خلق الله، أعلام الهدى ومصابيح الدجى والأئمة السائرون على خطى المصطفى، من هؤلاء العلَّامة البوطى الذي مضى على اغتياله قرابة عشرة أعوام، فمَن هو وماذا قدم للإسلام؟

مَن هو البوطى ؟

اسم البوطى هو محمد بن سعيد بن رمضان البوطي، وهو أحد علماء المسلمين الأجلاء الذين تعود أصولهم إلى بلاد الشام، فقد ولد عام 1929 م تحت سماء قرية جليكا التي تتبع جزيرة ابن عمر المعروفة بجزيرة بوطان الواقعة على ضفاف نهر دجلة في منطقة تقاطع الحدود السورية والتركية والعراقية، وعندما بلغ من العمر أربعة أعوام انتقل مع أسرته إلى دمشق، وفي الثالثة عشر من عمره فقد والدته فتزوج والده من أخرى تحمل الجنسية التركية، وقد ساعده ذلك على الإلمام باللغة التركية بجانب اللغة العربية والكردية.

نشأة البوطى وتعليمه :

يقول ابو العلاء المعري ((وينشأ ناشئ الفتيان منا ** على ما كان عوده أبوه))، لذا نجد أن معظم علماء الأمة ترعرعوا في بيئةٍ دينية ونشئوا في أكنافٍ كانت حريصة على تلقينهم مبادئ الشريعة الإسلامية، وقد ترعرع البوطى في كنف والده سعيد البوطي – أو الشيخ ملا كما يحب أهل دمشق مناداته – الذي كان عالماً في الدين وقتذاك، فتعلم على يديه أصول العقيدة وسيرة النبي عليه الصلاة والسلام ومبادئ النحو والصرف قبل أن يصل إلى عمر البلوغ.

وعندما بلغ محمد السادسة من عمره عهد به والده إلى امرأةٍ متخصصة في تعليم الأطفال القرآن الكريم فختم عندها كتاب الله في ستة أشهر فقط، ثم التحق بمدرسة ابتدائية في حي ساروجة بدمشق، وبين جنبات هذه المدرسة تلقى علوم الدين واللغة العربية والرياضيات، وبعد إنهائه المرحلة الابتدائية التحق بجامع منجك ليتعلم على يد الشيخ حسن حبنكة الميداني، ثم ارتقى المنبر لأول مرة وخطب بالناس وعمره لا يتجاوز السابعة عشر آنذاك.

تابع مسيرة البوطي التعليمية :

أتم البوطى دراسته في معهد التوجيه الإسلامي لدى الشيخ حسن حبنكة عام 1953 م فانتقل من العاصمة السورية إلى العاصمة المصرية ليستكمل دراسته الجامعية في رحاب الأزهر الشريف الذي انتهل من علمه الشعراوي وغيره من الأئمة والعلماء إذ تعد جامعة الأزهر العريقة ثالث أقدم جامعات العالم تأسيساً، وبحلول عام 1955 م حصل البوطي على الإجازة في الشريعة الإسلامية من كلية الشريعة التابعة للأزهر الشريف، وفي العام الذي يليه نال دبلوم التربية من كلية اللغة العربية بجامع الأزهر ثم عاد أدراجه إلى دمشق.

المناصب التي شغلها البوطى :

بعد حصول البوطى على الإجازة من جامعة الأزهر عُين معيداً بكلية الشريعة في جامعة دمشق، وفي عام 1965 م حصد درجة الدكتوراه في أصول الشريعة الإسلامية فصار مدرساً في كلية الشريعة بجامعة دمشق، ومضى يرقى السلم العلمي والوظيفي حتى حظي بالأستاذية وبعدها أصبح وكيلاً للكلية وذلك في عام 1975 م.

وبحلول عام 1977 م وصل إلى العمادة فأضحى عميد كلية الشريعة كما ترأس قسم العقائد والأديان، وكان البوطي في هذه الفترة مكتفياً بالمجال الأكاديمي إلى جانب ما يلقيه من دروسٍ أسبوعية في مسجد السنجقدار وتنكز والإيمان والمسجد الأموي وأيضاً مسجد والده.

عقيدة البوطي

عقيدة البوطي

صار البوطي بعد ذلك عضواً بهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، كما حصل على العضوية بجمعية نور الإسلام في دولة فرنسا ومؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي بسلطنة عمان وأيضاً المجلس الأعلى لأكاديمية أكسفورد بإنجلترا والمجلس الاستشاري الأعلى لمؤسسة طابة بالعاصمة الإماراتية، علاوةً على ذلك ترأس البوطي اتحاد علماء بلاد الشام وتولى الإمامة في الجامع الأموي وأسندت إليه مهمة الإشراف على النشاط العلمي فيه.

إلى جانب اشتراكه في المؤتمرات العلمية والندوات العالمية ومحاضرته في شتى الدول العربية والغربية كمحاضرته في مجلس البرلمان الغربي ودفاعه عن حقوق الأقليات الإسلامية، إضافة إلى مشاركته في لقاءات المجمع الفقهي الإسلامي المنعقدة في مكة المكرمة.

مناظرة الألباني مع البوطي :

من المسائل التي تضمنتها مناظرة الألباني مع البوطي مسألة اختلاف المذاهب بين الشافعية والحنفية بالنسبة للإمام والمأموم، حيث يرى البوطى أن صلاة المأموم الذي يتبع مذهب أبي حنيفة النعمان خلف الإمام الذي يتبع المذهب الشافعي صحيحة بالإجماع أياً كانت الآراء الفقهية التي يتبناها كلاهما.

فيما يرى الألباني أن المسألة محل اختلاف وبعض الفقهاء ذهبوا إلى كراهة ذلك، وأضاف أن متبع المذهب الشافعي إذا صلى خلف متبع المذهب الحنفي وهو يعلم أنه يؤمن بأن المرء إذا توضأ ومسَّ امرأةً لا ينتقض وضوءه فصلاة هذا الشافعي باطلة وفق ما يراه الشافعية.

عقيدة البوطي :

تمثلت عقيدة البوطي في اتباع المذاهب الأربعة الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي وفق منهج الأشاعرة الذي يدعو إلى تقديم النص على العقل مع استخدام العقل كمدخل لفهم النص، وكان البوطى من العلماء المتخصصين في أصول العقائد ومن المدافعين عن منهج أهل السنة والجماعة، وقد أصدر كتاباً بعنوان ((اللامذهبية أخطر بدعة تهدد الشريعة الإسلامية))، كما أصدر مؤلفاتٍ هاجم فيها الأفكار الشيوعية والأفكار الإلحادية مثل كتاب ((نقض أوهام المادية الجدلية)).

أما عن أقوال العلماء في البوطي وعقيدته فهي متباينة، حيث يرى بعضهم أنه عالم جليل مدافع عن العقيدة الصحيحة فيما يرى البعض أن عقيدته منحرفة ومنهجه فاسد ولا يعول عليه بسبب مهاجمته للمنهج السلفي، لذا لا تتفق أبداً آراء البوطي وابن تيمية رحمهما الله.

ما هي أبرز مؤلفات البوطى ؟

عكف البوطي على تأليف أكثر من ستين كتاباً في مختلف المجالات الفكرية، ومن أبرز هذه المؤلفات ((الإنسان مسير أم مخير)) و((السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي)) و((الحوار سبيل التعايش)) و((المذاهب التوحيدية والفلسفات المعاصرة)) وأيضاً ((حرية الإنسان في ظل عبوديته لله)) و((هذا والدي))، بالإضافة إلى ((المرأة بين طغيان النظام الغربي ولطائف التشريع الرباني)) و((عائشة أم المؤمنين)) و((من الفكر والقلب)) و((هذه مشكلاتنا)) و((شخصيات استوقفتني)) وكذلك ((حقائق عن نشأة القومية)) و((من سنن الله في عباده)).

هل تزوج البوطي ؟

نعم تزوج البوطي وعمره ثمانية عشر عاماً، وله من الأبناء سبعة، ستة ذكور وفتاة واحدة.

ما هو وجه الخلاف بين البوطي والسلفية ؟

وجه الخلاف بين البوطي والسلفية هو أن البوطي يؤيد المذاهب الأربعة ويرى أن السلفية مرحلة زمنية وليست مذهباً إسلامياً فيما يرى السلفيون أن السلفية مذهباً، وقد اتفق البوطي والشعراوي في هذا الاعتقاد.

ما البرامج الإذاعية والتلفازية التي شارك فيها البوطي ؟

من البرامج الإذاعية والتلفازية التي شارك فيها البوطي برنامج لا يأتيه الباطل ودراسات قرآنية ومشاهد وعبر، إلى جانب برنامج هذا هو الجهاد والجديد في إعجاز القرآن الكريم وفقه السيرة، كما شارك في برنامج الكلم الطيب من خلال تقديم شرح لكتاب كبرى اليقينيات الكونية.

كيف توفي الشيخ البوطي ؟

يتساءل البعض كيف توفي الشيخ البوطي والإجابة هي أنه قُتل غدراً في تفجير انتحاري خلال إعطائه أحد الدروس الدينية في مسجد الإيمان بحي المزرعة في مدينة دمشق يوم الحادي والعشرين من شهر مارس عام 2013 م.

مواضيع ذات صلة

نيلسون مانديلانيلسون مانديلا | أيقونة السلام وقاهر التفرقة العنصرية

لبيد بن ربيعةلبيد بن ربيعة | الشاعر المخضرم والصحابي المُعمَّر