الحسن البصري | رضيع بيت النبوة

ما أجمل تاريخنا الإسلامي حينما يفصح لنا عن شخصيات سُطرت أسماؤها بأحرف من نور! لا سيما الأشخاص الذين ملئوا الأرض علمًا وهدى، وأناروا للناس طريقهم، أولئك الذين عرفوا أن الدنيا دار ظعن فأهانوها، وأن الآخرة دار مقام فعملوا لأجلها، وعلى رأس هؤلاء سيد التابعين الحسن البصري الذي تربى في بيت زوج خير البرية، وترعرع وسط الصحابة رضوان الله عليهم، فانتهل منهم العلم والحكمة فصار فقيهًا في الدين، قويًا في الحق، ورضي الله عن أنس بن مالك حين قال فيه ((سلوا مولانا الحسن فإنه سمع وسمعنا فحفظ ونسينا)).

من هو الحسن البصري ؟

في مدينة رسول الله وُلد، وبين أطهر الناس تربى وتعلم، وكأن البركة قد أحيطت بجسده وعقله حيث شرف المكان وساكنيه، فصار عالمًا في أمور دينه، ذاعنًا بالحق في كل مقام، لا يخشى في الله لومة لائم، إنه الإمام الحسن البصري الذي وُلد في عام 21 هـ في أواخر خلافة الفاروق عمر الذي حنكه بيده المباركة.

نسب الحسـن البصـري:

اسمه هو الحسن بن أبي الحسن يسار أبو سعيد وكان أبوه مولى زيد بن ثابت الأنصاري وهو من أهل ميسان أي أنه عربي الأصل، إلا أنه سكن المدينة المنورة، وأعتقه سيده ثم تزوج وأنجب الحسـن البصـري، وأمه هي “خيرة” وكانت مولاة أم سلمة زوج رسول الله.

نشأة الحسـن البـصري:

ترعرع الحسن البصري وسط خير الناس بعد الأنبياء، فحصل على البركة والعلم الوفير، فمنذ اللحظة الأولى التي جاء فيها إلى الدنيا حنكه فاروق الأمة بيده ودعا له حيث قال: ((اللهم فقهه في الدين وحببه إلى الناس)) وقد أجيبت هذه الدعوة فصار فقيهًا يشار إليه بالبنان، ومحبوبًا قريباً من قلوب عامة الناس، ولهذا فقد صارت عقيدة الحسن البصري قوية متينة بُنيت على أساس قوي.

ولم تتوقف نشأة الحسـن البصـري وسط الصحابة فقط، بل إنه نشأ في بيت النبوة، فقد كانت أمه تتركه عند أم سلمة حينما تقضي لها حاجتها، فتهتم به وترعاه، ومن شدة حبها له فقد حن ثديها له فأرضعته، فهنيئَا له لبن أم المؤمنين.

كانت هذه النشأة هي من غرست بذور تقوى الله والخوف منه في قلبه، فقد نشأ على التعلق بالقرآن الكريم فحفظه وهو لم يبلغ العاشرة من عمره، و وظهر حبه للسنة عبر حفظ الكثير من الأحاديث النبوية من الصحابة الكرام.

الرحيل إلى البصرة:

عندما بلغ الخامسة عشرة من عمره انتقل إلى العراق فاستوطن  مدينة البصرة، ودرس هناك الفقه والحديث، واتسعت مداركه في اللغة العربية، ثم عمل معلمًا لكتاب الله، فذاع صيته بين أهل البصرة، وزادت خطبه الدينية التي كان يوجهها للناس بهدف النصح وتقديم المواعظ.

بعد أن استقر في البصرة، وعرف الناس قدره وعلمه، حصل على رواق في مسجد البصرة لتعليم الناس أصول دينهم، وعلوم قرآنهم، ولغتهم العربية.

هيئة الحسـن البـصري:

وكأن الله أراد أن يكون الحسن البصري حسن الخلق والخِلقة، أما خُلقه فكان يسير على منهج رسول الله متمم مكارم الأخلاق، أما خِلقته فقد نقل من رآه أنه كان جميل الشكل، وسيم المظهر، مليح الصورة، ليس به ما يعيبه.

كما أن جسده كان معتدلًا، فكان ذا هيبة، وكان يسير بين الناس بوقار يُعجبهم، وقد قال فيه الأصمعي: (ما رأيت رجلًا ذا زندٍ عريضٍ مثل زند الحـسن البصـري، حتّى إنّ عرضه كان شبرًا).

ما الخصال التي حظي بها الحسن البصري؟

حاز الحسن البصري على العديد من الخصال، والصفات الحسنة التي جعلت منه رجلًا مهاب الجانب، يثق الناس في علمه وفقهه، وقد تمتع الحسن البصري بالصفات التالية:

أولًا: الزهد

كان رجلًا زاهدًا، ولكنه ليس الزهد الذي تصحبه الثياب الرثة، أو الاستكانة الكاذبة، وإنما زهد في الدنيا وما فيها بحقِ، حيث عرف أن الدنيا دار زوال فامتلكها قبل أن تملكه، ووضعها تحت قدمه وليس في قلبه، وعرف أن الآخرة دار مستقر فأعد لها صالح الأعمال.

ثانيًا: العبادة

كان عابدًا لله، مستمعًا لأقواله، منفذًا لأحكامه، فكان صوامًا قوامًا، وكان يبكي من خشية الله خوفًا من عذابه، وأملًا فيما أعده الله من نعيم لعباده الصالحين، وكان يخشى النار وسيرتها، ويستعيذ بالله منها حتى قال يزيد بن حوشب فيه: ((إني لم أر أحزن من الحسن وعمر بن عبد العزيز وكأنّ النار قد خُلقت لهما)).

ثالثًا: العلم الوفير

امتلك الحسن البصري من العلم ما جعله أعلم أهل زمانه، حتى قال فيه ابن سعد: ((كان الحسن جامعًا عالمًا عاليًا رفيعًا ثقة مأمونًا عابدًا ناسكًا كبير العلم فصيحًا جميلاً وسيمًا وكان ما أسند من حديثه وروى عمن سمع منه فحسن حجة))، وقد قيل عنه إنه أفقه من رأى الناس، وقال عنه الغزالي رحمه الله: ((كان الحسن البصري أشبه الناس كلاماً بكلام الأنبياء وأقربهم هدياً من الصحابة)).

رابعًا: الفصاحة والبلاغة

لقد ملك الحسن البصري لسانًا بليغًا، كانت كلماته كأنها الدرر المكنون، وقد لقبه البعض أنه أفصح أهل زمانه حتى فاق الحجاج بن يوسف في ذلك وقد شهد له الحجاج نفسه بذلك.

خامسًا: القوة في الحق

قلما نجد أناسًا لديهم القدرة على قول الحق أمام ولاة الأمر، فما بالك بقول الحق الذي نهايته الموت؟! لكن الحسـن البـصري لم يكن مثل عامة الناس فقد كان قويًا في الحق لا يخشى إلا الله حتى لو أن كلمة الحق خاصته ستلقيه في المهالك.

سيرة الحسن البصري

الحسن البصري

مكانة الحسـن البصـري بين الناس

لا ينكر مكانة الحسن البصري إلا حاقد، ولا يجهل قدره إلا جاهل، فقد كان محبوبًا بين الناس، مهاب الجانب، فقد أحبه أهل العلم وعامة الناس معًا.

أما العلماء فكانوا يعترفون بقدره ويعرفون منزلته الدينية، فكانوا يسرعون إلى التعلم منه، وأخذ الفقه عنه، أما عامة الناس فقد رأت فيه العلم والفقه فتجمعوا حوله، وحرصوا على الاستفادة منه، فأصبح ملجئًا للناس كافة.

على يد من ارتوى الحسن البصري علمه، وما أهم مؤلفاته؟

لقد كان الصحابة رضوان الله عليهم هم الينابيع الذين ارتوى منهم الحـسن البصـري علمه، وعلى رأس هؤلاء الصحابة:

1) عبد الله بن عباس رضي الله عنه.

2) أنس بن مالك.

3) عمرو بن تغلب.

4) جابر بن عبد الله.

5) النعمان بن البشير.

وقد سطر الحسن البصري بعض علمه في عدد من المؤلفات العلمية ومع أنها لم تكن كثيرة إلا أنها ما زالت نبراسًا في مجال العلم الديني إلى الآن، ومن أبرز كتب الحسن البصري : (كتاب تفسير الحسن البصري ، فضائل مكّة والسّكن فيها).

مواقف سجلتها عدسة التاريخ الإسلامي في حياة الحسـن البـصري

الإنسان مواقف وأفعال لا أقوال، فما أذيع عن الحسـن البصـري بشأن الحق والشجاعة لم يكن مجرد كلمات رنانة وإنما أفعال وثقها التاريخ، ومن أبرز قصص الحسن البصري التي تبين قوته ما يلي:

موقفه مع طاغية بني أمية:

الحجاج بن يوسف الثقفي هو الظالم المتجبر  الذي عاصره الحسـن البصـري، وبالطبع لم يكن للبصري أن يصمت عن ظلمه، فاستغل اجتماع الناس حول قصر الحجاج، وظل يعدد جرائمه، وانتهاكه للحرمات، فما كان من الحجاج إلا أن أمر به لتُقطع رأسه، وعندما دخل عليه الحـسن البصـري تغير موقف الحجاج، وأجلسه بجانبه وظل يسأله عن علوم الدين والبصري يجيبه.

وعندما سُئل البصري عن تغير موقف الحجاج معه، قال بأنه كان يردد دعاءً عندما دخل عليه، ويذكر أن دعاء حسن البصري عند دخوله على الحجاج كان: ((يا ملاذي عند كربتي يا مؤنسي في وحشتي، اللهم اجعل نقمته علي بردًا وسلامًا كما جعلت النار بردًا وسلامًا على إبراهيم)).

مقام الحـسن البصـري عند الحكام:

كان الحسن البصري رفيع المقام لدى الحكام، فعندما تولى عمر بن هبيرة أمر العراق أرسل له ليستشيره في أمور الحكم، فنصحه بقوة، وأقام عليه الحجة، وأمره بالابتعاد عن الظلم وانتهاك الحرمات.

رسالة الحسن البصري إلى عمر بن عبد العزيز:

لما تولى عمر بن عبد العزيز أمر المسلمين أرسل له الحسن البصري رسالة نصح وإرشاد قال فيها:

((اعلم يا أمير المؤمنين، أن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل، وقصد كل جائر، وصلاح كل فاسد، وقوة كل ضعيف، ونصفة كل مظلوم، ومفزع كل ملهوف، والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالراعي الشفيق على إبله، الرفيق بها، الذي يرتاد لها أطيب المراعي، ويذودها عن مراتع الهلكة، ويحميها من السباع، ويكنها من أذى الحر والقرّ، والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالأب الحاني على ولده، يسعى لهم صغاراً، ويعلمهم كبارًا، يكتسب لهم في حياته، ويدخر لهم بعد مماته)).

أشهر وصايا الحسن البصري

في إطار الحديث عن سيرة الحسن البصري pdf يجب أن نشير إلى أنه لم يترك فرصة إلا ووعظ الناس، وكانت من وصاياه الرائعة:

1) “بئس الرفيقان الدينار والدرهم؛ لا ينفعانك حين يفارقانك”.

2) “يا ابن آدم عملك عملك، فإنّما هو لحمُك ودمُك، فانظر على أي شيء تلقى عملَك”.

3) “يا ابن آدم دينك دينك فإنّما هو لحمُك ودمُك، إن يسْلَم لك دينُك يسْلَم لك لحمُك ودمُك، وإن تكن الأخرى فنعوذ بالله، فإنها نارٌ لا تطوى، وجرح لا يَبْرأ، وعذابٌ لا ينفد أبدًا، ونفسٌ لا تموت”.

4) “يحق لمن يعلم أن الموت موردُه، وأن الساعة موعدُه، وأن القيام بين يدي الله مشهدُه أن يطول حزنه”.

وفاة الحسـن البصـري

في عشية يوم الخميس الموافق غرة شهر رجب لعام 110 هـ  انتقل الإمام العالم، والرجل الزاهد الحسن البصري إلى جوار ربه بعد أن قضى حياته في طاعته، وابتغاء مرضاته، ودفن في اليوم التالي لموته وهو يوم الجمعة.

متى وُلد الحـسن البصـري؟

وُلد الحسن البصري في عام 21 هجرياً في المدينة المنورة.

هل تزوج الحسن البصري ؟

نعم تزوج الحـسن البصـري وأنجب.

هل تربى الحسن البصري في بيت النبوة؟

نعم بكل تأكيد، وكان ذلك في بيت أم سلمة أم المؤمنين.

هل تقابل الحسن البصري وعلى بن أبي طالب مع بعضهما البعض؟

هناك فريق يؤكد على أن الحسن البصري قابل عليًا وسمع عنه، وفريق آخر ينفي ذلك.

مواضيع ذات صلة

البوطىالبوطي | اكتشف أسرار وحكمة هذا العالم الروحي العميق

عبيد-الله-بن-زيادعبيد الله بن زياد | قاتل الحسين -رضي الله عنه-