الرياء | الشرك الخفي المحبط للأعمال

الرياء

يقول الله تعالى في الآية الخامسة من سورة البينة ((وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ))، فالإخلاص هو جوهر الدين، هو الغاية التي بُعث لأجلها النبيين، وهو صرف العبادة لله وحده، ابتغاء وجهه، دون أن يخالج هذه العبادة شرك أكبر أو أصغر، ويعد الرياء من صور الشرك المحبطة للأعمال، وتكمن خطورته في خفائه لذا يسمى الشرك الخفي، حيث يتوهم المرائي أنه موحد، مجتهد في العبادة، لكنه في حقيقة الأمر مشرك، يضع عبادته في كيس مثقوب!

ما هو مفهوم الرياء ؟

تشير لفظة الرياء في اللغة العربية إلى التظاهر بخلاف ما هو في الباطن، وهو مشتق من الرؤية، أي الإتيان بالأعمال كي يراها الناس، ويقال راءى الناس أي نافقهم وأظهر أمامهم خلاف ما هو عليه وأراهم أنه متصف بخصال الخير والصلاح ((يُرَاءُونَ النَّاسَ))، ويشير هذا المصطلح في الفقه الإسلامي إلى أداء العبادة بقصد حصول رضا الناس لا ابتغاء وجه الله، وهو ما يتنافى مع الإخلاص الذي لا تقبل الأعمال إلا بتحققه.

وقد حذر النبي عليه الصلاة والسلام أمته من الرياء فقال ((إن أخوَف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء)).

ما هي أنواع الرياء ؟

للرياء أنواع عديدة، وأبواب كثيرة، نوجزها فيما يلي:-

1) رياء النفاق :

في هذا النوع من الريـاء لا يكون الله عز وجل هو مراد العبد من العبادة، إذ لا يقصد الإخلاص مطلقاً وإنما يقصد نيل محبة الناس وثنائهم، وهذا وجه من أوجه النفاق.

2) رياء السرائر :

هو ما تحدث عنه النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال ((أيها الناس إياكم وشرك السرائر، يقوم الرجل يصلي فيزين صلاته جاهداً لما يرى من نظر الناس إليه فذلك شرك السرائر))، ففي هذا النوع يكون الله هو مراد العبد وقصده من العبادة، لكن ما إن يطلع عليه الناس حتى يزداد نشاطه، يحاول جاهداً تحسين عبادته وتزيينها حتى تلقى استحسانهم فيحمدوه عليها.

3) الرياء الخفي :

نوع من أنواع الرياء يشير إلى ذلك الشعور الخفي بالسرور والسعادة عندما يعلم العبد أن الناس قد رأوا عبادته وامتدحوها ومجدوه عليها، فرغم أنه دخل في العبادة مخلصاً لله وخرج منها مخلصاً لله إلا أن سكون قلبه إلى المدح واغتباطه به ورغبته في الازدياد منه وتحصيل المراد من الدنيا يندرج أسفل الرياء.

4) الرياء البدني :

وجه آخر للريـاء، يتجلى في حرص العبد على إظهار النحول والشحوب ليعلم الناس أنه كثير العبادة، شديد الخوف من الآخرة، كمَن يحاول توضيح جفاف شفتيه وانخفاض صوته ليعرف الناس أنه صائم.

5) ريـاء اللباس :

نوع من الريـاء يظهر على البعض، كمَن يتعمد ارتداء الثياب المرقعة كي يبرهن للناس على زهده في الحياة الدنيا، ومَن يتعمد ارتداء زي معين خاص بطائفة من العلماء ليعده الناس عالماً.

6) الريـاء بالقول :

يكثر هذا النوع عادةً بين رجال الدين، حيث يحرص بعضهم على الإكثار من الوعظ والتذكير بالله ويسوق العديد من الأخبار والآثار لا من أجل الدعوة إلى الله وإنما من أجل المناظرة والمحاورة والمجادلة والتباهي بالعلم الغزير.

7) الريـاء بالعمل :

كالحرص على طول الركوع والسجود في الصلاة أمام الناس لإظهار الخشوع، بجانب المراءاة في الحج والصدقة ونحو ذلك.

8) الرياء بذم النفس بين الناس :

من أبواب الرياء ذم النفس بين الناس بهدف إظهار التواضع لنيل الثناء والامتداح.

أنواع <yoastmark class=

9) الرياء بجعل الإخلاص وسيلة لنيل المطالب :

يقول ابن تيمية رحمه الله ((حُكِيَ أن أبا حامد الغزالي بلغه أن مَن أخلص لله أربعين يوماً تفجرت الحكمة من قلبه على لسانه، قال: فأخلصت أربعين يوماً فلم يتفجر شيء، فذكرت ذلك لبعض العارفين، فقال لي: إنك أخلصت للحكمة، لم تخلص لله))، فالبعض يتخذ الإخلاص وسيلة لحصول مقصوده سواء كان حكمة أو حلماً أو تعظيم الناس أو غيرها من المطالب الدنيوية، وهو صورة أخرى للرياء.

10) التألم لعدم الحصول على الاحترام مقابل الإخلاص :

من الأبواب الخفية للرياء حرص البعض على الإخلاص وعدم رغبتهم في اطلاع الناس على أعمالهم، لكنهم في مقابل ذلك يتألمون إذا لم يحصدوا التقدير المناسب، ينزعجون إذا لم يحترمهم الناس إزاء إخلاصهم، كأنهم يطمعون في الحصول على الاحترام والتقدير مقابل العبادات الخفية التي أخلصوا فيها.

ما هو الرياء الالكتروني ؟

يعد الرياء الالكتروني من أبواب المراءاة المعاصرة، ويتجسد في إرسال الأحاديث والخطب والمواعظ للناس دون سماعها أو الاهتمام بها أو العمل بما فيها، إلى جانب نشر الصور التي توثق الكثير من الأعمال الصالحة كبر الوالدين وزيارة الكعبة وتقديم الصدقات وغيرها من الأعمال التي يحسن إخفاؤها، والقصد من وراء هذه الممارسات الرخيصة المبتذلة هو نيل إعجاب المتابعين.

ما هو حكم الرياء ؟

بينت النصوص في العقيدة الإسلامية أن حكم الرياء هو التحريم، وأنه نوع من الشرك الأصغر المنافي لكمال التوحيد، وأن العمل الذي يخالطه الرياء مردود وغير مقبول، حيث يروي لنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه في الحديث القدسي ((أنا أغنى الشركاء عن الشرك، مَن عمل عملاً أشرك فيه معي تركته وشركه))، ويمكن توضيح حكم المراءاة على النحو الآتي:-

1) إذا كان العمل رياءً محضاً لا يراد به الله فهذا حال المنافقين ((يُرَاءُونَ النَّاسَ))، وهذا العمل باطل بلا شك، وصاحبه مستحق للمقت والعقاب.

2) إذا كان العمل لله في الأصل ثم دخل عليه الريـاء من أوله، فهذا العمل باطل وفقاً للنصوص الصحيحة.

3) إذا كان العمل لله في الأصل ثم دخل عليه الرياء في أثناء تأدية العبادة، فهذا العمل لا يخلو من حالتين:-

أ. ألا يرتبط أول العمل بآخره، فأوله صحيح وآخره باطل.

ب. أن يرتبط أول العمل بآخره، فهذا لا يخلو من أمرين:-

الأمر الأول: أن يكون الريـاء خاطراً فيدفعه العبد ويعرض عنه ويكرهه، وفي هذه الحالة لا يضره الرياء ولا يتسبب في بطلان عمله.

الأمر الثاني: ألا يدافع الريـاء ويركن إليه ويسترسل معه ويحبه، ففي هذه الحالة يبطل العمل كله.

4) إذا كان العمل خالصاً لله ثم طرأ الرياء بعد الفراغ من العبادة – كأن يفرح لثناء الناس عليه – فلا يضره.

ما هي علامات الرياء ؟

لكل داء أعراض تشي بالإصابة به، علامات يستدل بها على وجوده، ومن أبرز العلامات التي تدق ناقوس الخطر وتشير إلى الإصابة بداء الرياء الولع بالظهور وحب الشهرة والاستعلاء على الآخرين وادعاء المثالية، ومن علامات الرياء أيضاً حب الجدال والاستمتاع بمناظرة الآخرين والميل إلى مخالفة الآراء المتفق عليها والتصدر للفتوى والعمل من أجل ما في أيدي الناس أو مخافتهم، بالإضافة إلى أداء العمل بنشاط أمام الناس وأدائه بكسل – أو تركه – في غيابهم.

حكم <yoastmark class=

الآثار المترتبة على المراءاة :

لا شك أن الرياء من أخطر الآفات التي تعود بالوبال على الفرد والمجتمع والأمة، ومن أبرز الآثار السلبية المترتبة على المراءاة ما يلي:-

1) الريـاء يمحو بركة الأعمال الصالحة، يبطلها، يجعلها تذهب أدراج الرياح.

2) المرائي يرث الذل والمهانة، فهناك حديث عن الرياء يقول فيه النبي عليه الصلاة والسلام ((مَن يسمع يسمع الله به، ومَن يرائي يرائي الله به)).

3) استحقاق مقت الله وعقابه، فلا تستجاب دعوات المرائي.

4) حرمان الثواب في الآخرة حيث يقول النبي عليه الصلاة والسلام ((بشِّر هذه الأمة بالتيسير والسناء والرفعة بالدين والتمكين في البلاد والنصر، فمَن عمل منهم بعمل الآخرة للدنيا فليس له في الآخرة من نصيب)).

5) الريـاء يورث الأمة الهزيمة ويحرمها النصر والتمكين، فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم)).

6) المرائي يزداد ضلالاً فوق ضلاله، حيث يقول الله في الآية العاشرة من سورة البقرة ((فِي قلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً)).

7) تفشي هذا الخلق في المجتمع فينتقل من المبتلين به إلى الأصحاء ثم تتوارثه الأجيال.

8) وقوع الخصومات بسبب اغترار الأبرياء بصلاح المرائين وهو ما يدفعهم للثقة بهم والاعتماد عليهم فتتضح حقيقتهم.

ما هو علاج الرياء ؟

يمكن علاج الرياء وتحصيل الإخلاص من خلال الاستعانة بالأمور التالية:-

1) معرفة أنواع الرياء وأحكامه وأسبابه، ثم قطع الأسباب واجتنابها.

2) الإلمام بجوانب التوحيد كلها – لا سيما توحيد الأسماء والصفات – وفق منهج أهل السنة والجماعة، فهذا أدعى لاستحضار عظمة الله تعالى ومعرفة أنه وحده النافع الضار الخافض الرافع المعز المذل الواهب المانع المحيي المميت الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، مما يورث الإخلاص والخشية.

3) تذكير النفس بسكرات الموت وعذاب القبر وأهوال يوم القيامة.

4) ((مَن خاف أدلج))، لذا ينبغي تخويف النفس من خطر الرياء كونه محبط للأعمال، فالخائف يبقى حذراً.

5) تذكير النفس بفقر الناس وضعفهم واحتياجهم، قال بعض السلف الصالح ((جاهد نفسك في دفع أسباب الريـاء عنك، واحرص أن يكون الناس عندك كالبهائم والصبيان، فلا تفرِّق في عبادتك بين وجودهم وعدمهم، وعلمهم بها أو غفلتهم عنها، واقْنَعْ بعلم الله وحده)).

6) الفرار من ذم الله عوضاً عن الفرار من ذم الناس، فلا أحد ينفع مدحه ويزين ويضر ذمه ويشين إلا الله وحده.

7) الشيطان هو أصل البلاء والمشجع الأول على الرياء، لذا ينبغي الحرص على القيام بكل ما يدفعه للفرار، كقراءة القرآن والتسمية والاستعاذة بالله والإكثار من السجود وترديد الأذكار المشروعة وغير ذلك.

8) الاستزادة من الأعمال الصالحة الخفية كقيام الليل والدعاء بظهر الغيب وإخراج الصدقة والبكاء من خشية الله ونحو ذلك، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام ((إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي)).

9) تذكر الموت وتخويف النفس من سوء الخاتمة، فقد يأتي الأجل وآخر ما قام به العبد هو الرياء فتكون الخسارة فادحة.

10) مرافقة أهل التقوى والإخلاص والصلاح، ((وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ)).

الفرق بين الريـاء والسمعة والعجب :

يخلط الكثير من الناس بين مفهوم الرياء والسمعة والعجب نظراً للتشابه الكبير بين هذه المفاهيم، ويكمن الفرق في أن الرياء هو قيام الفرد بالعمل الصالح كي يراه الناس فيثنوا عليه، أما السمعة فهي إخبار الناس بالعمل الصالح للحصول على الثناء، أي أن الرياء متعلق بحاسة البصر والسمعة متعلقة بحاسة السمع، وأما العجب فهو استعظام العمل الصالح واعتقاد استحقاق الأفضلية بهذا العمل، حتى وإن لم يحدث رياء أو سمعة، وهذه الثلاث تقدح الإخلاص وتنقص من ثواب العمل الصالح وقد تبطله، والإخلاص هو المعافاة من هذا كله.

هل الرياء من الكبائر ؟

يتساءل البعض هل الرياء من الكبائر والإجابة هي نعم، الرياء من أعظم كبائر الذنوب فهو يترنح بين الشرك الأصغر والأكبر، وقد عده من الكبائر المهلكات ابن القيم والذهبي وابن حجر رحمهم الله.

ما الدعاء المشروع لمَن خشي الرياء ؟

الدعاء المشروع لمَن خشي الرياء هو قول ((اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم))، كما يمكن الدعاء بقول اللهم طهر قلوبنا من النفاق وأعمالنا من الريـاء وألسنتنا من الكذب وأعيننا من الخيانة فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

ما هي أسباب الريـاء ؟

تعزى أسباب الريـاء إلى الولع بالجاه وحب لذة الحمد والثناء والرغبة في الفرار من الذم وأيضاً الطمع فيما هو في أيدي الناس.

ما هي ثمرات الإخلاص والسلامة من الريـاء ؟

من ثمرات الإخلاص والسلامة من الريـاء رفع المنزلة في الدنيا والآخرة والنجاة من عذاب الله وحب أهل الأرض والسماء واستجابة الدعاء وتفريج الكروب والشعور بالطمأنينة وتحمل المصاعب.

مواضيع ذات صلة

ان الله اذا احب عبدا ابتلاه | الحكمة من الابتلاء

صلح الحديبيةصلح الحديبية | الفتح المبين