الشاعر جرير | السليط الرقيق واللسان الفصيح

الشاعر جرير

نال الشعر قدر كبير ومساحة عظيمة في حياة العرب في جميع العصور، مما ساهم في انتشاره بشكل كبير، فبات الشاعر لسان قبيلته والمتحدث الرئيسي باسمها في المحافل والأحداث الكبيرة، وكان يبارز شعراء القبائل الأخرى مدافعا عن قبيلته بالكلمة قبل السيف، وخير ما يُضرب به المثل في ذلك الشاعر جرير فصيح اللسان بالغ التعبير.

من هو جرير؟

هو أحد الشعراء العرب الذين فُطروا على طلاقة اللسان، ذلك الأمر الذي جعله واحدا من فحول الشعراء في عصره، فقد ساعدته فصاحته على الارتقاء إلى المرتبة الأولى بين شعراء العرب على الإطلاق.

اسمه جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي بن بدر بن سلمة بن عوف بن كليب بن يربوع بن حنظلة بن زيد مناه، و ينتهي نسب الشاعر جرير إلى قبيلة تميم ، وكان يُكنى بأبي حزرة.

وجرير من أنبل الشعراء وأجلهم، فكان لا يهجو أحدا إلا إذا كان هو البادئ، وكان يوظف موهبته الشعرية لربح المال، فكان كثيرا ما يمدح الولاة والحكام ويحصل منهم على أجر عظيم.

مولد جرير ونشأته

ولد جرير في قبيلة بدوية في منطقة اليمامة في شبه الجزيرة العربية ولم يذكر عام ولادته بالتحديد، فقال بعض المؤرخين إنه ولد في عام 30 هجريا، وبينما قال البعض الآخر إن عام ولادته كان 28 هجريا.

ولدته أمه أم قيس بن معبدة لسبعة شهور، فكبر ضعيف البنيان شديد العصبية، وكان الشعراء الآخرون في عصره يستغلون ذلك الأمر ويهجوه به.

خرج الشاعر جرير من بيت لم يكن على قدر كبير من الغنى والثراء، لكنه ترعرع في بيت أكثر أفراده ينشدون الشعر مثل أبيه وأمه وأخيه، فأخذ ملكة الشعر بالوراثة، ويمكنك عزيزي القارئ من خلال كتاب جرير حياته وشعره pdf الاطلاع أكثر على حياته وقصائده.

بدايات جرير الشعرية

عاصر الشاعر جرير عددا من الخلفاء الراشدين أمثال سيدنا عثمان بن عفان وسيدنا علي بن ابي طالب رضي الله عنهما، وعددا من حكام الدولة الأموية أمثال يزيد بن معاوية وهشام بن عبد الملك.

في البداية لم يعرف أحد الشاعر جرير وظلت أشعاره غير مألوفة ومغمورة لا يرويها أحد، إلا أن أرشده قومه بالذهاب إلى العراق، وبالفعل أخذ جرير بنصيحة قومه وشد الرحال إلى مدينة البصرة، وبدأ يتنقل بين أقطار الدولة الإسلامية وذاع صيته وتقرب من الخلفاء والولاة.

فألقى بشعره المديح على يزيد بن معاوية وعمر بن عبد العزيز والحجاج بن يوسف الثقفي، وقد نال إعجاب هؤلاء الولاة،فأكرموه وأعلوا من قدره، وبذلك أخذ شعر جرير ينتشر وأصبح معروفا.

العوامل التي أثرت في شعر جرير

كانت للبيئة العامة المتمثلة في البادية تأثيرا كبيرا على أشعار جرير، وتجلى أثرها الواضح في سلاسة ألفاظه وبعدها عن الغموض، وذلك بجانب تأثره ببيئته الخاصة التي أطلقت العنان لشاعريته ونبوغه، حيث كان معظم أفراد عائلته شعراء.

وتأثر الشاعر جرير أيضا بالدين الإسلامي، وظهر ذلك جليا في اختيار ألفاظه واستشهاده بآيات القرآن الكريم في أشعاره، وأصبح أكثر تسامحا ورقة.

خصائص شعر جرير

يوجد العديد من الخصائص التي تفرد بها شعر جرير، وجعلته يتفوق على غيره من شعراء جيله كالأخطل والفرزدق، والتي نوضح أهمها في النقاط التالية:

1- سهولة الأسلوب ورقته.

2- بساطة الألفاظ ودقة المعاني، وقوة التراكيب

3- الدمج بين الشق الأدبي والشق الإسلامي.

4- شعر جرير في قصائد الغزل كان يميل إلى العفة.

5- الجمع بين موضوعات الشعر كافة مثل الغزل والمدح والوصف والهجاء والرثاء.

6- البعد عن الانجرار وراء المعتقدات والعادات في كتابة الأشعار والخروج عن المألوف، مثل اعتقاد أن البكاء على وفاة الزوجة جريمة لا يجوز ارتكابها، فقد قام برثاء زوجته عند وفاتها.

خصائص شعر جرير

خصائص شعر جرير

أغراض الشعر عند جرير

لقد تطرق جرير إلى جميع أغراض الشعر وفنونه، ومن أبرزها ما يلي:

1) شعر جرير في الهجاء

عُر ف عن الشاعر جرير قوة الهجاء وشراسته، ومع ذلك كان لا يبادر بالاعتداء ولا يظلم أحدا، فكان يقول (أنا لا ابتدئ ولكن اعتدي)، وكان جرير كثيرا ما يربط الهجاء بالفخر، فإذا هجا افتخر، وأخذ من الهجاء وسيلة للتقليل من خصومه وإهانتهم، وجعل الفخر مُنصبا على ذاته وشاعريته ثم قومه وإسلامه، ومن أهم ما جاء به في هذا الغرض:

فغُضَّ الطَّرف إنك من نُمير … فلا كعبًا بلغتَ ولا كِلابا

2) شعر جرير في الغزل

يعتبر الغزل عند الشاعر جرير ليس منعزلا عن باقي فنون شعره، فقد جمع فيه بين نمط الغزل الجاهلي ونمط الغزل العذري، فهو يستند إلى وصف المرأة والتغزل بها، ثم يتحول إلى وصف مكنونات ذاته فيرتكز على تصوير آلامه ومعاناته، ومن أشهر أبياته في الغزل:

إِنَّ العُيونَ الَّتي في طَرفِها حَوَرٌقَتَلنَنا ثُمَّ لَم يُحيِينَ قَتلانا.

3) شعر جرير في المدح

كان الشاعر جرير دائما ما يولي اهتماما كبيرا بشعر المدح، خاصة مديحه لبني أمية، فكان يسرد مكارمهم وعظمتهم ويميل إلى المبالغة في وصف الأمويين بخصال حميدة كالشرف والعزة والثراء والرفعة، وذلك لينال إعجابهم وعطاياهم، وكان يغلب على أسلوبه الاستجداء أي الاستعطاف وطلب المعونة، والتحدث عن معاناته الشديدة من الفقر، كما يكثر من استعمال الألفاظ الإسلامية ويستشهد بالقرآن في أماديحه، ومن أبرز الأبيات التي قالها في المدح ما يلي:

ألستم خير من ركب المطايا … وأندى العالمين بطون راحِ.

جرير والفرزدق

لقد كان جرير و الفرزدق من أشهر الشعراء في عصر الدولة الأموية وأهمهم على الإطلاق، فهما من حملا على عاتقهما راية كتابة الشعر في هذا الزمان، فظلا يتباريان في فنون الشعر كافة لقرابة الأربعين عام، وقد أسفر شعر جرير والفرزدق عن ميلاد ما يسمى بالنقائض.

وكانت تلك النقائض بمثابة مباراة في الهجاء بينها، وآلت اليد العليا فيها لجرير، فهجاؤه قاسِ لاذع للغاية، حتى أنه عندما توفي الفرزدق قام جرير بهجائه ولكن عابه قومه على ذلك، وتراجع عن هجائه ورثاه.

المنافسة الشعرية بين جرير والفرزدق والأخطل

كان العصر الأموي شاهدا على نبوغ ثلاثة من أشهر شعراء العرب على الإطلاق وهم جرير والفرزدق والأخطل، وعلى الرغم من براعة وفصاحة الثلاثة في الشعر إلا أن كل واحد منهم أجاد اتجاها معينا وتميز فيه.

فتميز جرير بجمال الكلمات ورقة الأسلوب وحسن الغزل وطيبه، بينما برع الفرزدق في الفخر ومتانة الشعر والألفاظ، وبالنسبة للأخطل فقد كان يميل إلى وصف الخمر كما كان جيدا في المدح والهجاء.

أجمع عدد كبير من النقاد على أن جرير تفوق في هذه المنافسة القوية التي جمعته مع الأخطل والفرزدق، وذلك بسب رقة أسلوبه وطيب خلقه ونقاء طبعه، مما انعكس على شعره وجعله سهل الحفظ والتناول، كما أن جرير أبدع في الكثير من الفنون الشعرية مثل الهجاء والرثاء والمدح والفخر والغزل.

أقوال المعاصرين في الشاعر جرير

تطرق العديد من معاصري الشعر والأدب إلى الحديث عن جرير وشعره، ومن أبرز هؤلاء المعاصرين ما يلي:

1- الأصمعي: وضع جريرا في المراكز الأولى للشعراء في الهجاء المر.

2- الحجاج: قد قال عنه (إنه لجرو هواش)، فلو لم ينجر إلى مبارزة الشعراء ومقارعتهم، لما ترك فنا من فنون الشعر إلا وتحدث فيه، لما يمتلكه من النزعات الشعرية التي وجدت في شعره.

3- أبو عمرو بن العلاء: وضعه هو والفرزدق والأخطل في مقدمة الشعراء الذين ذاع صيتهم في العصر الإسلامي، فقد رأى أن هناك تشابها كبيرا بين شعر جرير و الاعشى ، وكذلك الأخطل والنابغة.

4- الأخطل: قال عن جرير أنه يغترف من بحر.

لماذا سمي جرير بهذا الاسم؟

الجرير في اللغة يعني الحبل، وقد تم تسمية الشاعر جرير به تحقيقا لرؤية أمه، حيث قد رأت في منامها وهي حامل أنها ولدت جريرا أو حبلا يلتف حول أعناق الناس ويخنقهم، وأن هذا الحبل ظهر بشعر أسود، وتم تفسير هذه الرؤيا لها بأنها سوف تُنجب غلاما شاعرا سيفتك العديد من الناس بلسانه وشعره، فسمته جريرا.

ما هو العصر الذي عاش فيه جرير؟

عاش جرير شاعر الأهاجي والمفاخر في عصر الدولة الأموية، وعاصر العديد من الحكام والولاة.

ما أشهر الأبيات الشعرية لجرير؟

إِنَّ العُيونَ الَّتي في طَرفِها حَوَرٌقَتَلنَنا ثُمَّ لَم يُحيِينَ قَتلانا.

متى توفي الشاعر جرير ؟

توفي الشاعر جرير في عام 728 ميلاديا و114 هجريا عن عمر يناهز 80 عام، مُخلفا ورائه إرثا شعريا عظيما لا يزال متداولا حتى وقتنا هذا.

مواضيع ذات صلة

ابن تيميةابن تيمية | رائد الفكر الإسلامي وتأثيره على التاريخ والثقافة

الجاحظالجاحظ | زعيم البيان العربي