لا يعير الكثير من القراء غزوة الطائف اهتماماً كبيراً نظراً لأنها امتداد لـ غزوة حنين وليست غزوة مستقلة، لكن الحقيقة أنها غزوة زاخرة بالأحداث التي تستحق الوقوف والتأمل، فبين طياتها دروسٌ كثر لا ينبغي تجاهلها أو المرور عليها مروراً عابراً دون تحصيل النفع المرجو، وهذا ما يميز السيرة النبوية عن غيرها من السير، فكل تفصيلةٍ فيها تحمل وعظاً وتوجه أمراً وتوضح معنى وتكشف سراً وتنير عقلاً وتغذي قلباً وتورث أجراً.
ما هو سبب غزوة الطائف ؟
يعزى سبب غزوة الطائف إلى رغبة النبي عليه الصلاة والسلام في فتح مدينة الطائف والقضاء على القوات التابعة لقبيلتي هوازن وثقيف بعد فرارهما من غزوة حنين، حيث إن فلول هاتين القبيلتين لاذت بحصن الطائف الذي يمتاز بمتانة الأسوار ووعورة الطرقات وكثرة الجبال، وقد عمدت الفلول الهاربة بقيادة مالك بن عوف إلى تخزين الطعام والشراب الذي يكفيها لمدة عام كامل داخل الحصن، إضافةً إلى ما تحتاجه من أدوات الحرب اللازمة للدفاع عن نفسها، وهو ما جعل النبي يفرض على حصن الطائف حصاراً.
ملخص غزوة الطائف :
بدأ النبي صلى الله عليه وسلم ومَن معه من المسلمين بضرب الحصار على الطائف فعسكروا بالقرب منها في شهر شوال من العام الهجري الثامن، لكن ما إن بدءوا بالحصار حتى رشقتهم ثقيف وهوازن بالسهام والرماح فاستشهد نحو اثني عشر رجلاً من المسلمين، فأشار الصحابي الحباب بن المنذر على النبي بابتعاد المسلمين عن الحصن حتى لا تطالهم سهام ورماح الأعداء.
وبالفعل قبل الرسول مشورة الحباب وأسند إليه مهمة اختيار الموقع المناسب نظراً لخبراته الحربية الواسعة، وعندما أخبر الحباب النبي بالموقع الأنسب وهو موضع عند مسجد الطائف المعروف اليوم بمسجد ابن عباس أمر النبي الجيش بالانتقال إلى هذا الموضع فعسكروا هناك لمواصلة الحصار، وعند الاطلاع على ملخص غزوة الطائف نجد أن المسلمين قد عمدوا إلى استخدام الأساليب التالية:-
1) استعمال أسلحة جديدة :
استعان المسلمون في حصار الطائف بعدد من الأسلحة الجديدة التي لم يسبق استعمالها في المشاهد السابقة، وتمثلت هذه الأسلحة فيما يلي:-
أ- المنجنيق الذي يصوب الحجارة نحو الحصون لدكها، كما أنه يصوب القنابل نحو الدور والمعسكرات لحرقها، وقد قام بصناعة هذا السلاح الصحابي سلمان الفارسي رضي الله عنه.
ب- الدبابة التي تتخذ هيئة البيت الصغير للوقاية من سهام ورماح الأعداء أثناء دك الحصون.
جـ- الحسك الشائك وهو من أسلحة الدفاع الجيدة، حيث يصنع من خشبتين يتم وضعهما على هيئة صليب فتنتج أربع شعب مدببة تتسبب في عرقلة حركة سير الخيل والمشاة في الميدان.
2) استعمال الحرب النفسية :
عندما اشتدت مقاومة الأعداء وتسببوا في قتل مجموعة من المسلمين أصدر الرسول أمراً بحرق النخيل وبساتين العنب في الطائف، وكان لهذا بالغ الأثر في الضغط على قبيلة ثقيف والتأثير على معنوياتها وإضعاف روح المقاومة لديهم، حتى أنهم ناشدوا النبي بالله والرحم أن يتوقف عن فعل ذلك فاستجاب لطلبهم وأخبرهم أن أي عبد يخرج من الحصن فله الحرية، وبالفعل خرج بضعة عشر عبداً فأعتق الرسول رقابهم.
رفع الحصار عن الطائـف :
استمر حصار الطائف نحو أربعين يوماً، وعندما استشار النبي عليه الصلاة والسلام بعض الصحابة مثل نوفل بن معاوية أخبروه أن رفع الحصار لن يضر، لذا قرر النبي رفع الحصار عن أهل الطائف خاصةً أن حصنهم منيع وأنهم قد أعدوا ما يكفيهم لمدة عام كامل، فنادى ابن الخطاب في المسلمين قائلاً ((إنا قافلون غداً إن شاء الله))، لكن المسلمين أبدوا اعتراضهم واستنكروا فكرة الرحيل دون الظفر بفتح الطائف فقال لهم النبي ((فاغدوا على القتال)).
فلما غدوا وكرروا محاولة دك الحصن أصابتهم جراحات أليمة، فقال الرسول ((إنا قافلون غداً إن شاء الله))، عندها رضخ المسلمون لأمره وتهللت أساريرهم لعودتهم إلى ديارهم في المدينة فضحك النبي، وعندما استقلوا رحالهم رددوا ((آيبون، تائبون، عابدون، لربنا حامدون))، وقد شرع ترديد هذه الكلمات بعد قراءة دعاء السفر في حال الرجوع إلى أرض الوطن شكراً لله على تيسير الرحلة.
ويذكر أن المسلمين طلبوا من رسول الله الدعاء على ثقيف جراء أفعالهم لكنه أبى وآثر الدعاء لهم بالهداية فقال بحب وأمل ((اللهم اهدِ ثقيفاً وائتِ بهم مسلمين))، رغم ذكريات النبي مع الطائف في زيارته الأولى لهم وواقعه معهم في الزيارة الثانية إلا أنه حريص عليهم ويرجو الخير لهم، يرجو إسلامهم ويرغب في إنقاذهم من النار، وصدق مَن قال في الآية رقم 107 من سورة الأنبياء ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)).
مَن هم شهداء غزوة الطائـف ؟
ذكر المؤرخون أن شهداء غزوة الطائف هم سعيد بن سعيد بن العاص وعرفطة بن خباب وعبد الله بن ابو بكر الصديق الذي رمي بسهمٍ فمات متأثراً بالإصابة في خلافة أبيه بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام، ومن شهداء الطائف أيضاً جليحة بن عبد الله ورقيم بن ثابت بن ثعلبة وعبد الله بن أمية بن المغيرة وعبد الله بن عامر بن ربيعة وقيل حباب، كما استشهد من الأنصار في هذه الغزوة ثابت بن الجذع السلمي والحارث بن سهل بن أبي صعصعة والمنذر بن عبد الله الساعدي، رضي الله عنهم أجمعين.
وقد دفن هؤلاء في مقبرة الشهداء الواقعة أمام جدار القبلة في مسجد الطائف – المعروف اليوم بمسجد عبد الله بن عباس – بمدينة الطائف غرب المملكة العربية السعودية.
ما الدروس المستفادة من غزوة الطائف ؟
تجلت أهم الدروس المستفادة من غزوة الطائف فيما يلي:-
1) ضرورة مواكبة التطورات الجديدة وتسخيرها فيما يعود بالنفع على الأمة ويحقق لها المصلحة في الدارين، فقد استفاد المسلمون من الأسلحة الجديدة كالمنجنيق والدبابة ولم يكتفوا بالسهام والرماح التقليدية.
2) لعل الخير يكمن في الشر، فرغم انزعاج المسلمين من عدم فتح الطائف إلا أن في هذا المنع حكمة إلهية اتضحت فيما بعد، فقد أسلم أهل الطائف بعد هذه الأحدث ولو فتحت الطائف عنوة وحدث القتال لخسر الإسلام قوة الكثيرين.
3) مشروعية الانسحاب في حال اتضاح عدم وجود جدوى من إتمام المهمة أو الاعتقاد أن الخسائر ستكون كبيرة.
4) أهمية الشورى إذ أخذ النبي بمشورة الحباب بن المنذر ونوفل بن معاوية كما أذعن للصحابة عندما أرادوا تكرار المحاولة قبل فك الحصار.
5) هدي النبي في العفو والرحمة حتى مع الأعداء فعندما طلبوا منه التوقف عن حرق النخيل والبساتين رأف بهم.
ما هي نتائج غزوة الطائـف ؟
تمثلت نتائج غزوة الطائف في انتصار المسلمين رغم عدم تمكنهم من فتح مدينة الطائف، بالإضافة إلى استشهاد اثني عشر رجلاً منهم وتأثر آخرين بإصابات بليغة، وكانت هذه الغزوة آخر غزوات المسلمين مع مشركي العرب.
لماذا سميت غزوة الطائـف بهذا الاسم ؟
يتساءل البعض لماذا سميت غزوة الطائف بهذا الاسم والإجابة هي أنها سميت بذلك نسبةً إلى حصن الطائف الذي لاذ به المشركون بعد فرارهم من غزوة حنين.
كم كان عدد أفراد الجيشين في غزوة الطائـف ؟
بلغ عدد أفراد جيش المسلمين نحو اثني عشر ألف مجاهد فيما بلغ عدد أفراد جيش المشركين نحو ثلاثين ألف مقاتل، وقد تولى قيادة جيش المسلمين النبي محمد الذي جعل خالد بن الوليد في مقدمة الجيش، أما جيش المشركين فكان بقيادة مالك بن عوف.
ما الكتب التي تناولت غزوة الطائـف ؟
توجد العديد من الكتب التي تناولت غزوات الرسول بشكل عام، إذ يمكن الاطلاع على تفاصيل غزوة الطائف من كتاب الرحيق المختوم وكتاب غزوات الرسول دروس وعبر وفوائد وأيضاً كتاب الفصول في سيرة الرسول وكتاب تاريخ الطبري.