عند الحديث عن العولمة تستحضر ذاكرتي مشهد الفنان سعيد صالح في مسرحية ((العيال كبرت)) عندما قال ((احنا مش في عصر انفتاح ولا إيه؟))، نعم فالعولمة هي الانفتاح على العالم بأسره وإزاحة كل الحواجز والأسوار لتصبح المجتمعات كافة منكمشة في مجتمع واحد دون اعترافٍ بالحدود الجغرافية، ورغم المزايا المتعددة لهذا الاندماج إلا أنه ساهم في خلق كارثة حقيقية وهي طمس الهوية، لقد بات العالم قرية كونية يسود فيها نظام التبعية، والبقاء للأقوى!
الانفتاح على العالم لا بأس به، وتلاشي المسافات جميل، واكتساب العلوم والمعارف المتنوعة رائع، لكن الذوبان في المجتمعات الأخرى والانسلاخ عن الثوب المحلي والتحول إلى مسوخ لها القيم ذاتها والعادات نفسها والتقاليد التي لا تختلف عن غيرها في شيء هذا هو السوء بعينه والقبح في أبشع صوره والخطيئة التي لا يغض الطرف عنها عاقل.
ينبغي أن نتعامل مع العولمـة من منطلق باولو كويلو عندما قال ((أنت لديك قيمك وأنا لديَّ قيمي، وما نحن بحاجة إليه هو الحفاظ على الخلفية الثقافية لكل منا في حين تتعلم مني وأنا بدوري أتعلم منك، وفي نهاية المطاف فإنك تبقى كما أنت وأنا كذلك)).
ما هي العولمة ؟
يشير مصطلح العولمة إلى جعل الشيء عالمياً أو دولياً في مدى انتشاره أو تطبيقه بحيث يصبح مفهوماً أو مناسباً أو في المتناول لكل دول العالم، وقد ظهر هذا المصطلح في المجال الاقتصادي في بادئ الأمر ثم شمل المجال السياسي ثم تسرب إلى مجالات أخرى كالثقافي والاجتماعي وغير ذلك، فلم تعد العولمـة مقتصرة على الجوانب المالية بل أضحت تتجسد في العادات والتقاليد والقيم والمعتقدات، وهو ما أعطى الدول العظمى المتطورة حق الهيمنة على الدول الأخرى، إنها البرجوازية!
في ظل تفشي العولمـة لم تعد الدول الكبرى بحاجة للجوء إلى الاستعمار العسكري إذ نجحت فيما هو أعنف منه وهو الاستعمار الفكري، إن كان الأول بالكراهية والإكراه فالآخر بالرضا والحب والاختيار، وإن كان الأول يُشعر المستعمر بالهوان والإذلال فالآخر يمنحه شعوراً زائفاً بالحرية والاستقلال بيد أنه غارقٌ في الاستعمار حتى الثمالة.
وفي هذا السياق يقول الحاكم الفرنسي شارل ديغول ((لقد فعلت لنا لغتنا ما لم تفعله لنا جيوشنا، فلغتنا جعلت القوم أتباعاً لنا أذلة وجيوشنا احتلت الديار ورحلت عنها وخلفت لنا الكراهية))، ولا شك أن اللغة هي أحد جوانب العولمـة الفكرية، عذراً الاستعمار الفكري.
مفهوم العولمة ونشأتها :
حاول الكثير من العلماء والمتخصصين صياغة تعريفات متعددة لشرح مفهوم العولمة نظراً لتشعبه وتعقيده، فذكر عالما الاجتماع مارتين ألبرو وإليزابيث كينغ أن العولمة هي ((كل تلك العمليات التي يندمج بواسطتها الناس في العالم في مجتمع عالمي وحيد))، ووصفها أستاذ علم الاجتماع رولاند روبرتسون بأنها ((انضغاط العالم وتكثيف وعي العالم ككل))، فيما عرفها الاقتصادي تاكيس فوتوبولوس بأنها ((ظهور النخبة العابرة للدول وتراجع فكرة الدولة القومية)).
وفي الصدد ذاته أضاف المفكر الفيلسوف محمد الجابري تعريفاً للعولمـة فقال ((هي العمل على تعميم نمط حضاري يخص بلداً بعينه – وهو الولايات المتحدة الأمريكية بالذات – على بلدان العالم أجمع)).
ويرى فريق من الباحثين أن بداية مفهوم العولمة ونشأتها تعود إلى القرن الميلادي الخامس عشر بالتزامن مع عصر النهضة الأوروبية الحديثة وظهور المجتمعات القومية، فيما رأى فريق آخر أن نشأة العولمة ترجع إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، وخلاصة القول أن مفهوم العولمـة ذو منشأ غربي، والهدف منه هو الترويج لمنتجاته وأفكاره وثقافته وتعميمها على العالم أجمع.
ما هي أسباب العولمة ؟
تعزى أهم أسباب انتشار العولمة إلى العوامل التالية:-
1) تطور وسائل الاتصال :
من أهم الأسباب التي ساهمت في تفشي ظاهرة العولمة تطور وسائل الاتصال الحديثة المتمثلة في الإنترنت ووسائل الاتصالات التكنولوجية – كـ احدث هاتف ايفون والهواتف المحمولة الذكية الأخرى -، حيث ساعدت هذه الوسائل على توسيع أعمال الشركات وإتمام المهام المعقدة من مواقع بعيدة عن موقع التصنيع، كما يسرت الرد على الأسئلة والاستفسارات عن بعد وأتاحت التوظيف من مختلف دول العالم.
2) التحسينات في وسائل النقل :
ساعد توفر سفن الشحن الكبيرة على نقل كميات ضخمة من البضائع بين شتى دول العالم بتكلفة منخفضة، فأصبحت السلع تصل إلى الناس في كل مكان خلال وقت قصير نظير أقل التكاليف بفضل التحسينات التي طرأت على وسائل النقل، وهو أحد أسباب العولمة الاقتصادية التي أدت إلى تنمية التدفقات التجارية بين البلاد.
3) حركة رأس المال :
شجعت بعض المنظمات مثل منظمة التجارة العالمية ((WTO)) سياسة التجارة الحرة بين دول العالم وهو ساعد على إزالة الحواجز بين البلاد وساهم في تعزيز مفهوم العولمـة، إذ بات انتقال رأس المال عبر الحدود الدولية سهلاً مما أتاح للشركات إمكانية النمو خارج الأطر المحلية لتتحول بذلك إلى شركات عالمية متعددة الجنسيات، ويعد انتشار منيو ماك في أكثر من 118 بلداً خير مثال على هذه الشركات.
4) التطورات السياسية :
لعبت بعض التطورات السياسية دوراً بارزاً في دعم مفهوم العولمـة، فعلى سبيل المثال أكسبت الحرب الباردة – التي ألحقت الهزيمة بالنظام الشيوعي المتجسد في الاتحاد السوفيتي ومعسكره الاشتراكي – مصطلح العولمة شعبية كبيرة.
ما هي آثار العولمة ؟
تجلت أهم آثار العولمة في النقاط الآتية:-
1) ظهور أسواق عالمية مشتركة لتبادل السلع والأموال.
2) تشكيل حكومة سياسية عالمية لها الحق في تنظيم العلاقات بين الدول.
3) زيادة التنافسية وتحسين الإنتاجية.
4) تطوير البنية التحتية لشبكات التواصل مما أسفر عن زيادة سرعة نقل البيانات.
5) التدفق المعلوماتي الهائل عبر الهواتف وشبكة الإنترنت.
6) التأثير على طريقة اللباس واللغة والتراث والهوية خاصةً في الدول النامية.
ما أهمية العولمة ؟
عرفنا ما هي العولمة وألقينا الضوء على أسبابها وأهم الآثار الناجمة عنها، وتالياً سنتناول أهميتها والجوانب الإيجابية التي تنطوي عليها.
تتمثل أهمية العولمة في توسيع نطاق الوصول إلى الأسواق وتلبية متطلبات الأفراد وزيادة القدرة التنافسية وانخفاض متوسط التكاليف، كما أن تأثير العولمة على الاقتصاد تأثير إيجابي إذ تساهم الشركات متعددة الجنسيات في جلب الثروات التي يمكن استغلالها في تطوير قطاعات الدولة المختلفة كالتعليم والصحة ونحو ذلك مما يعزز الاقتصاد ويحقق التنمية في البلاد.
وتشمل إيجابيات العولمـة أيضاً سهولة تبادل معلومات ثقافية وأفكار إبداعية وخبرات متنوعة وأساليب حياة بين الشعوب بجانب زيادة الوعي بالأحداث الحاصلة في مختلف أنحاء العالم، إضافة إلى انتشار التكنولوجيا وتشجيع الابتكار وتحسين مستويات المعيشة والوصول إلى المواهب الجديدة.
ما هي أنواع العولمة ؟
تنقسم العولمـة إلى العولمـة السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، ويمكن الاطلاع على أنواع العولمة pdf من خلال تحميل بعض الكتب مثل كتاب ما هي العولمة لأولريش بيك وكتاب العولمة لجلال أمين وكتاب العولمة والحياة اليومية للاري راي.
ما هي مظاهر العولمة الثقافية ؟
من مظاهر العولمة الثقافية سيادة اللغة الإنجليزية في مختلف جوانب الحياة والانسلاخ عن الهوية العربية الإسلامية وانتشار الممارسات السلوكية السيئة إلى جانب اندلاع الثورة التقنية والمعلوماتية.
كيف تؤثر العولمة على إدارة الأعمال ؟
يتساءل البعض كيف تؤثر العولمة على إدارة الأعمال والإجابة هي أن العولمـة تساهم في توفير فرص عمل للأفراد في مختلف دول العالم، حيث تعمل الدول المتقدمة على إتاحة فرص العمل للدول النامية بتكاليف زهيدة، كما أن العولمـة تشجع فتح الأسواق الجديدة وترفع سقف المنافسة وتدعم سياسة التطوير.
ما أبرز تحديات العولمة ؟
من أبرز تحديات العولمـة الفقر والبطالة والفوارق الطبقية والأمية واستغلال الأيدي العاملة والهجرة القروية، إضافة إلى فقدان الهوية الوطنية واستنزاف الموارد الطبيعية والتدهورات البيئية والتقلبات المناخية.