هو بطل من ابطال اكتوبر ، و المخطط لحركة الهجوم علي خط بارليف الاسرائيلي ، حيث كان رئيس اركان حرب القوات المسلحة المصرية ، و مع ذلك تم تجاهله و تناسيه و لم يكرم علي عمله البطولي في حرب اكتوبر ، هو القائد الشجاع الفريق “ سعد الدين الشاذلي ” .
سعد الدين الشاذلي الذي خدم وطنه في الكثير من المناصب ، فبخلاف كونه رئيسا للاركان ، فقط كان قائد اول فرقة سلاح المظلات ، و امينا عام مساعد جامعة الدول العربية ، بالاضافة لما سبق فقد كان في السلك الدبلوماسي ، فقد كان سفيرا لدي البرتغال و انجلترا .
مركز بسيون بمحافظة الغربية شهد مولد ” الصقر المجروح سعد الدين الشاذلي ” عام 1922 ، و درس في مدرسة بسيون المرحلة الابتدائية ، ثم انتقل للقاهرة حيث درس كلا من المرحلتي الاعدادية و الثانوية .
نجح الشاذلي في الالتحاق بالكلية الحربية عام 1939 ، و حين تخرجه برتبة ملازم ، تم تعيينه في جهاز الحرس الملكي .
و كان من المشاركين في حرب 48 في فلسطين ، و ايضا كان له دور في الحرب العالمية الثانية .
و في عام 1954 اسس اول فرقة سلاح مظلات في جمهورية مصر العربية ، و خلال العدوان الثلاثي قام بقيادة الكتيبة 75 مظلات .
و تدرجت به الرتب ، فكان ملحق حربي في لندن ، ثم قائد اللواء الاول في حرب اليمن ، و انتقل الي رتبة قائد القوات الخاصة ، ثم شغل منصب قائد لمنطقة البحر الاحمر العسكرية .
ثم اصبح رئيس اركان حرب القوات المسلحة المصرية خلال الفترة من 1971 الي 1973 .
و بعد انتهاء الحرب تم تعيينه دبلوماسيا كسفير لمصر في بريطانيا لمدة عام ، ثم انتقل سفيرا في البرتغال حتي عام 1978 .
و كان هناك علاقات قوية تربط بين الشاذلي و جمال عبد الناصر ، و كان احد الضباط الاحرار ، لكنه لم يشارك في ثورة 23 يوليو ، لانه كان في دورة في كلية اركان الحرب .
و كانت من اهم الادورار للفريق سعد الدين الشاذلي ، دوره في نكسة 67 ، عندما كان برتبة لواء و تميزه بين صفوق الجيش المصري بالذكاء و القيادة الحازمة و السيطرة .
حيث عندما تم ضرب اراضي سيناء بالطيران الاسرائيلي ، وانقطاع الاتصال بين القيادة و بين الشاذلي ، فلم يستطع اخذ اوامر منهم ، فاخذ قرارا بالعبور مع قواته الي الشرق حيث تقع الحدود الدولية ، و استقر بقواته داخل صحراء النقب بالاراضي الفلسطينية المحتلة لمدة يومان ، متمركزا بين جبلين لتجنب ضربات الطيران الاسرائيلي ، و حين تمكن من الاتصال يالقيادة في القاهرة ، و اخذ الاوامر بالانسحاب فورا ، و بالفعل من خلال مناورة في غاية الصعوبة و الذكاء ، استطاع الانسحاب يوم 8 قبل ان تغرب الشمس ، محافظا علي وحدة قواته ، منتقلا من شرق سيناء الي الفرع الغربي لقناة السويس ، و محافظا علي سلامة القوات معه ، و كان اخر من انسحبوا من سيناء .
و نتيجة شجاعته التي ابداها في سيناء ، فقد اكتسب شهرة كبيرة في الجيش المصري ، و اصبح لاول مرة قائدا للقوات الخاصة و الصاعقة و المظلات .
و في عام 1971 تم تعيينه رئيس اركان حرب القوات المسلحة المصرية بقرار من محمد انور السادات .
و كما اظهر الشاذلي شجاعة نادرة في النكسة ، فكان هو المدبر لخطة ” المآذن العالية ” في 1971 ، حيث تعتمد تلك الخطة علي الهجوم علي القوات الاسرائيلية و تدمير خط بارليف ، و احتلال لما يقرب من 10 الي 12 كيلو متر من شرق قناة السويس ، و التوقف عند ذلك الحد و اتخاذ وضع الدفاع بعد ذلك ، لان ذلك تعد اقصي نقطة ممكنة للدفاع الجوي المصري ، و ما بعد ذلك سيعرض القوات المصرية البرية لمخاطر التعرض من الطيران الاسرائيلي .
و بالفعل في اكتوبر 1973 تم تنفيذ خطة المآذن العالية بيد الجيشان المصري و السوري ، و حققت نجاحا باهرا للعرب و هزيمة ساحقة لاسرائيل ، و تم تدمير خط بارليف خلال ثماني عشر ساعة و باقل الخسائر ، بينما تتكبد العدو الكثير من الخسائر سواء في المعدات او الجنود .
و لكن طلب القيادة العسكرية السورية بزيادة الهجوم علي القوات الاسرائيلية من جهة قناة السويس ، حتي يخف الهجوم علي جبهة الجولان ، فاتخذ السادات قرارا باستكمال الهجوم شرق قناة السويس .
و لادراك الشاذلي بان حدوث ذلك يعد خطئا كبيرا ، لما يعرض ذلك القوات المصرية لامكانية الهجوم المفتوح من قبل قوات الطيران الاسرائيلية ، ان تعدت خط الاثنا عشر كيلو متر ، فقد عارض هذا القرار و بشدة ، و لكن القيادة العليا المتمثلة في الرئيس محمد السادات ، و المشير احمد اسماعيل علي ، لم تأخذ بهذا الرأي ، و اعطت القرار بالفعل بالهجوم لكل من قائدي الجيشان الثاني و الثالث .
و بالرغم من رفض كلا من قائداي الجيشان الثاني و الثالث ” اللواء سعد مأمون ” و ” اللواء عبد المنعم واصل ” لقرار استكمال الهجوم ، و قد ارسل الشاذلي اعتراضهم الثلاثة علي ذلك القرار ، و لكن المشير ” احمد اسماعيل علي ” رفض ذلك الامر و ابلغهم بانه قرار سياسي لا رجوع فيه .
و بالفعل تم سحب الفرقة 4 و الفرقة 21 ليتجها شرقا نحو منطقة المضائق ، و لكنها اصطدما في القتال مع كمائن للدبابات و مقاومة اسرائيلية بالاضافة الي قوات جويو اسرائيلية ، مما ادي لخسائر عنيفة للجيش المصري .
و بسبب قرار استكمال الهجوم ، تم خسارة ما يقرب من 250 دبابة مصرية خلال عدة ساعات .
و كان للشاذلي قرار اخر لاعادة الاتزان نسبيا للجيش بعد هذه الخسائر ، و هو باعادة المتبقي من كلا من الفرقتين 4, 21 الي غرب القناة ، ليقوما بتامين الغرب ، و لكن المشير احمد اسماعيل علي عارض علي هذا القرار ، بحجة ان الانسحاب يضعف من الروح المعنوية لدي الجنود .
و بذلك اصبحت هنالك ثغرة قوية في الجيش المصري ، و قد استغلتها اسرائيل جيدا لقلب ادوار الحرب ، و وضعت خطة عرفت باسم ” الغزالة ” التي تشير الي عبور القوات الاسرائيلية الي غرب القناة و احتلالها ، لعدم وجود اي قوة مصرية لتامين منطقة الغرب لانها اصبحت منطقة مكشوفة ، بعدما تم انتقال القوات المسؤؤلة عن تامينها الي الشرق من اجل قرار استكمال الهجوم الخاطئ ، بالاضافة الي تخطيط القوات الاسرائيلية علي محاصرة القوات المتبقية الموجودة بالشرق و خاصة بعد الخسائر العنيفة التي شهدتها في منطقة المضائق .
و من خلال طائرة امريكية ، توصل الجيش الاسرائيلي الي وجود ثغرة بدون حماية بين الجيش الثاني بالاسماعيلية ، و الجيش الثالث بالسويس ، و تم استغلال تلك الثغرة جيدا ، فتم ارسال ثلاث مجموعات عبر البحيرات المرة ، نجحت في الوصول بين الجيشان الثاني و الثالث في غرب قتاة السويس ، عند منطقة الدفرسوار ، و من هنا عرفت تلك الثغرة باسم ” ثغرة الدفرسوار ” ، و من خلالها تم توافد المزيد من القوات الاسرائيلية ، فقام بالعبور لواءان احدهما مدرع و الاخر مظلي ، و حاولت تلك القوات الهجوم علي مدينة الاسماعيلية ، و لكن تم فشل تلك الحركة ، بسبب نجاح لواء مظلات و كتيبتان صاعقة مصرية من التصدي لها ، و لكن للاسف نجحت القوات الاسرائيلية من احتلال المنطقة التي تصل بين الاسماعيلية و السويس .
و امام تلك الصعوبات و الضغوط الكثيرة ، و لكن الفريق ” الشاذلي ” استطاع ايجاد حل لتلك الازمة ، بان يتم سحب الفرقين 4 , 21 الي شرق القناة لمهاجمة القوات الاسرائيلية بالغرب ، الي جانب مشاركة اللواء 116 المتواجد بالغرب في الهجوم علي القوات الاسرائيلية المتسللة ، مع وجوب اغلاق الثغرة لمنع قدوم المزيد من القوات الاسرائيلية ، علي يد الفرقة 21 المصرية .
و لكن هذا القرار تم رفضه ايضا من قبل انور السادات ، و احمد اسماعيل ، و زاد الخلاف بين السادات و الفريق ” الشاذلي ” الي النهاية ، و اصدر السادات قرار بعزل الفريق الشاذلي من منصبه .
و لكن الامر اصبح اكثر سوءا ، و هنالك العديد من القوات الاسرائيلية التي بالفعل واصلت عبور الثغرة ، حتي احاطت بالجيش الثالث باكمله ، فاصبح الجيش المصري في وضع صعب ، و خاصة لاحتلال الطريق الموصل بين السويس و القاهرة بالقوات الاسرائيلية ، و لكنها اضطرت الي التوقف و عدم الاستمرار بالزحف نحو القاهرة ، و خاصة عند فشل احتلال مدينتي السويس و الاسماعيلية .
بعد ذلك اصدر السادات بتعيين الفريق ” الشاذلي ” سفيرا لمصر في لندن ، و لكن ” الشاذلي ” رفض هذا القرار ، و لكن السادات نجح في اقناعه ، و بالفعل انتقل الي لندن و عمل بها حتي عام 1975 ، ثم انتقل الي البرتغال حتي عام 1978
حيث في عام 1978 قدم الشاذلي استقالته بنفسه كسفير في البرتغال ، بعد هجومه و انتقاده لقرار السادات بتوقيع معاهدة ” كامب ديفيد ” ، و قرر البقاء في الجزائر كلاجئ سياسي .
” البحث عن الذات ” المذكرات التي اصدرها السادات ، و قام بها بتشويه صورة الفريق ” الشاذلي ” و حمله مسؤولية ثغرة ” دفرسوار ” ، و لكن الفريق ” الشاذلي ” رد عليه و وضح كافة الحقائق من خلال مذكراته ” حرب اكتوبر ” التي وضحت كافة التفاصيل و المسسب الحقيقي في تحول النصر الي خسارة تكبدها الجنود المصريين من دمائهم و ارواحهم ، و استغفال شعب باكمله باخبار زائفة لا صحة لها .
فأمر السادات من ازالة اي اسم او صور للشاذلي داخل غرفة العمليات ، من اجل محو اي دور للفريق ” الشاذلي ” في حرب اكتوبر .
و بسبب مذكرات حرب اكتوبر ، تم الحكم علي الشاذلي غيابيا بثلاث سنوات بتهمة الكشف عن اسرار سياسية .
بعد اربعة عشر عاما ، رجع الشاذلي الي مصر مرة اخري في عام 1992 ، في عهد محمد حسني مبارك ، و تم القبض عليه في المطار ، و حجزه في السجن الحربي ، و بقائه في منزله تحت الاقامة الجبرية بعد خروجه من السجن ، بالاضافة لمصادرة كافة امواله و نياشينه .
في فبراير 2011 تم وفاة الفريق ” الشاذلي ” ، و تم اداء صلاة الجنازة عليه غيابيا من قبل ثوار ميدان التحرير .
و بالرغم من تجاهله ، الا ان اسم الصقر الجريح الفريق ” سعد الدين الشاذلي ” سيظل دائما في قلوبنا مهما قالوا عنه من شائعات ، و لابد من الحقيقة ستظهر يوما ما للجميع ، لينال لو جزءا يسيرا من حقه .