قد يكون الاختلاف أحيانًا هو الملهم الوحيد لكي تبرز أفكارًا جديدة لم تخطر ببال أحدٍ مسبقًا، وهذا ما حدث مع كارل يونغ قبل تأليفه الكتاب الأحمر ، حيث تعرض إلى حالة نفسية نادرة أطلق عليها البعض “مواجهة اللاوعي”.
ظهرت أعراض هذه الحالة عليه عندما كان في الثامنة والثلاثين من عمره واستمرت لمدة 16 سنة قضاها في عزلة عن الجميع، وتتلخص هذه الأعراض في سماعه لأصوات غير مألوفة ورؤيته لخيالات لا يستطيع أحدٌ غيره رؤيتها.
الظروف المؤدية لتأليف الكتاب الأحمر
يعد مؤلف الكتاب الاحمر كارل يونغ مؤسس علم النفس التحليلي متأثرًا بما تعلمه على يد سيغموند فرويد، لكن بعد وقوع خلاف بينهما حاول كارل يونغ أن يسلك أسلوبًا جديدًا في العلاج والتحليل النفسي بعيدًا عما تعلمه من فرويد وهو إطلاق العنان للعقل لكي يتصور خيالات وحوارات لم تحدث في أرض الواقع، وهو ما أطلق عليه الفلسفة الروحية.
واهتدى إلى هذا الأسلوب نتيجة لتأثره بحالة نفسية فريدة تجعله يتخيل وجود أشخاص ويقيم معهم محادثات، ولهذا اعتقد البعض أن كارل يونغ كان يخاطب في الكتاب الأحمر هؤلاء الذين يحبون التعمق في التفكير أو الهروب من الواقع المؤلم إلى حياة أخرى موجودة فقط في خيالهم.
خرج هذا الكتاب إلى النور بعد خمسين عامًا من وفاة كارل يونغ بعدما كان مخفيًا في قبو بنك قديم بسويسرا، وقد ظن البعض أنه أراد الاحتفاظ به لنفسه كتجربة شخصية مستندين في ذلك على الخاتمة الغامضة التي وضعها، لكن النقطة المتفق عليها أن هذا الكتاب لا يتشابه مع غيره سواء من حيث الأفكار أو الأسلوب المتبع به.
ملخص الكتاب الأحمر
قسم كارل يونغ الكتاب الأحمر إلى ثلاثة كتب أو ما يطلق عليها مخطوطات داخلية ، وهم (الطريق لما هو آت، صور الضلال، السبر العميق)، وقد تأثر كثيرًا بالأخيولات التي كتبها سابقًا في الكتب السوداء، وحاول نسخها في هذا الكتاب مع تحريف بعض الأحداث أو الكلمات.
والفرق بين الكتب السوداء التي كتبها يونغ وبين الكتاب الأحمر أن الأولى كانت تعبر عن تجاربه الشخصية دون أن تكون موجهة لمجتمع القراء، لكن الأخير كتبه لكي يخبر العامة بأهم المحطات التي مر بها في حياته، ولم يكن الهدف وراءه هو جعل القراء يتأثرون بتجربته ويحاولون سلك نفس طريقه، بل كان يدعوهم إلى التفكير في تجاربهم الخاصة والسير في الطريق الذي يرون أنه الأفضل بالنسبة لهم، لهذا اختلفت صياغة الكتب السوداء عن هذا الكتاب لكي تتوافق مع عقل القراء بمختلف توجهاتهم.
المؤثرات الأدبية الظاهرة في الكتاب الأحمر
من أهم الكتب التي تأثر بها يونغ عندما كان يؤلف هذا الكتاب هو كتاب هكذا تكلم زرادشت للفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه الذي قرأه في عام 1914، واسترشد بأسلوبه في تقسيم الكتاب الأحمر إلى كتب وفصول داخلية.
وعلى العكس من فكر “موت الإله” التي طرحها نيتشه في كتابه بدأ يونغ بفكرة “ولادة الإله من جديد في الروح”، وقد يرى البعض أنه استوحى هذه الفكرة من “الكوميديا الإلهية” للشاعر الإيطالي دانتي التي نشرت في القرن الرابع عشر الميلادي، وكان لها تأثيرٌ كبيرٌ على التوجهات الدينية في المجتمعات الأوروبية.
مراسلات كارل يونغ
تحدث هذا الكتاب عن مخطوطة تحوي رسومات لمخلوقات غير بشرية وتحتها حوارات بين الآلهة والشياطين، وقد يختلط الأمر على المرء عند قراءة الكتاب الأحمر ويعتقد أنه من كتب العصور الوسطى الضائعة التي اشتهرت بمثل هذه الموضوعات.
حيث دارت أفكار هذا الكتاب عن مجموعة من المراسلات الواقعية أو الخيالية التي كان يرسلها كارل يونغ لمجموعة من الأشخاص مثل محادثاته الطويلة مع صديقه “هانز شميد” أثناء الحرب العالمية الأولى التي تناولت فهم النماذج السيكولوجية المرتبطة بشكل أو بآخر بتجارب ذاتية مرا بها أثناء الحرب، وبعض هذا المراسلات استنكرت مهزلة العقل البشري التي أودت بالعالم إلى دمار وخراب نفسي ومادي.
الصراع الداخلي في النفس البشرية
كان كارل يونغ يؤمن بفكرة العالم الموازي وأننا من الممكن أن نكون قد عشنا في زمانٍ آخر، وهذا يحدث عندما تعود الروح مرة أخرى إلى الجسد، لكن في زمنين مختلفين، وهذا هو التفسير الذي وضعه لحالة الحنين التي تنتابه إلى العودة مرة أخرى للقرن الثامن عشر.
ونتيجة لهذه الحالة نشأت بداخله شخصيتين متناقضتين ، فالأولى تحب الحرية والانطلاق دون التقيد بأي معتقد أو مبدأ، أما الثانية تميل إلى العزلة وممارسة الشعائر الدينية والتقرب إلى الله وهذه الشخصية تجعله متصلًا بالتاريخ وكأنها كانت تسكن في جسد أحد أفراد العصور الوسطى.
وهذه الشخصيات كانت هي المتحكم الأول في مصيره الدراسي والعملي، حيث قرر دراسة الطب تنفيذًا لرغبات الشخصية الأولى بجانب التعمق في الجانب الروحاني والنفسي مثلما تملي عليه الأخرى.
عودة الروح
وصف يونغ في الكتاب الأحمر الروح بأنها كيان ينتقل من جسد لآخر ومن زمان لآخر، وتحدث أيضًا عن فكرة قرين الروح العكسي بمعنى إذا كنت رجلًا فأنت لديك قرين مؤنث والأنثى لديها قرين مذكر.
وآمن بأن هناك مجموعة من خوارق اللاشعور التي تحتل كيان الإنسان وتتحكم في تفكيره، مما يجعله يفقد السيطرة على واقعه، وتعد ظاهرة الهروب من الواقع ما إلا نتيجة لهذا التحكم.
من هو فيلمون؟
هذه الشخصية هي إحدى الشخصيات المحورية التي ذكرها كارل يونغ في الكتب السوداء، وكان يطلق عليها “المعلم السامي”، وتطورت هذه الشخصية في أخيولاته فكانت هي من تعلمه الموضوعية والوساطة الروحية، مما يجعله يتجه إلى دراسة الفلسفة الروحانية.
ما هو العمق الروحاني؟
العمق الروحاني يعد المصطلح الأساسي في أغلب المخطوطات والكتب التي ألفها كارل يونغ، والمقصود به النظرة إلى الكون بطريقة فلسفية التي تخالف النظرة المادية البحت، وهذه النظرة الروحية تعتمد على العقل في اكتشاف الكون وخالقه.
وقد أبدع كارل يونغ في تفسير وتطبيق هذا المفهوم في الكتاب الأحمر ، حيث أقر أن قوة عقلك الباطن هي المرشد الوحيد في طريق استكشاف الكون ومعرفة أصله وتكوينه.
تحميل الكتاب الاحمر
القليل من القراء في هذا العصر من يهتم بالفلسفة الروحية التي أسسها كارل يونغ، وهؤلاء يجدون صعوبة بالغة في العثور على كتبه، لذا لكل من يرغب في قراءة الكتاب الأحمر pdf يمكنه تحميله من الرابط التالي:
مَن هو كارل يونغ مؤلف الكتاب الأحمر؟
هو فيلسوف ومفكر سويسري أسس علم النفس التحليلي وكان له دور كبير في تطوير الفلسفة الروحانية.
لماذا نُشر الكتاب الأحمر بعد خمسين سنة من وفاة كارل يونغ؟
لأنه كان مخفيًا في قبو بنك قديم في سويسرا، كما ظن البعض أن يونغ احتفظ به لنفسه كتجربة شخصية.
كم عدد اللغات التي ترجم إليها الكتاب الأحمر حتى الآن؟
ترجم هذا الكتاب إلى أكثر من ثلاث لغات وأشهرهم الألمانية والعربية والإيطالية.
ما المقصود بحالة مواجهة اللاوعي؟
هي حالة نفسية تعرض لها كارل يونغ عندما كان في سن 38، حيث يسمع أصواتًا ويرى خيالات غير موجودة على أرض الواقع.