يقول تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) أي أن تكليف الله لعباده لا يأتي إلا في إطار ما يطيقونه، ويتمكنون من أدائه، وإكرامًا من الله تعالى لهذه الأمة الميمونة وتيسيرًا عليها في أمر دينها شرع الرخص ومنها المسح على الخفين ليكون بديلًا عن غسل القدمين في الوضوء، فما هو المسح على الخفين وما هي شروطه؟ هذا ما سنسرده في طيات سطورنا القادمة.
ما هو الخف والفرق بينه وبين الجورب؟
قبل أن نتعرف على حكم المسح على الخفين علينا أن نتطرق إلى معرفة ما هو الخف، حيث يمكن القول إن الخف مصنوع من الجلود ويتم ارتداؤه كساتر للقدم، أما الجورب فهو يُنسج من الصوف أو الكتان، ولا يوجد فرق بينه وبين الخف من حيث الأحكام الدينية وهذا على القول الراجح في المسح على الجوربين .
ولكن هناك عدد من العلماء اشترطوا في الجورب عدة شروط حتى يصير كالخف ويقع عليه أحكام المسح على الخفين ، حيث أشار أبو حنيفة والإمام مالك و الامام الشافعي إلى أن الجورب لا يجوز المسح عليه إلا عندما يكون به نعل.
وقد اختلف الفقهاء في كون هذا الجورب ثخين أم لا، حيث يرى معظمهم إن الجوارب إذا كانت ثقيلة ومقاومة للماء فإنه يجوز المسح عليها إلا أن أبا حنيفة لا يُجيز ذلك.
مفهوم المسح على الخفين | لغة واصطلاحًا
يعرف المسح من الناحية اللغوية على أنه إمرار اليد على شيء ما بغرض إزالة ما عليه، والخف هو ما يرتديه الإنسان في رجله ويكون من الجلد، أما اصطلاحيًا فهو يشير إلى حكم من أحكام الدين الإسلامي وهو تمرير اليد المبلولة على الخف بغرض الوضوء، وهو من الرخص التي سنها النبي صلى الله عليه وسلم للأمة الإسلامية من أجل التخفيف عنهم.
مشروعية المسح على الخفين | أدلة فقهية
يأخذ المسلمون أحكام دينهم من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، ولما كان المسح على الخفين من الأمور التي تخص الدين حيث الطهارة للصلاة التي هي أعظم ركن إسلامي لذلك يجب أن يكون قد تمت الإشارة إليه من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم حتى لا يقع الإنسان في المحذور.
ويعد المسح على الخفين من الرخص الشرعية؛ فقد جاءت فيه عدة أحاديث صحيحة تؤكد مشروعيته، ومنها:
ــ عن جَرِير بن عبد الله البَجَلِيّ -رضي الله عنه- قال: (رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بالَ، ثم توضأَ ومسحَ على خُفَّيْهِ)، في البخاري ومسلم.
ــ عن المغيرة بن شعبة -رضي الله تعالى عنه- قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأهويت لأنزِع خفيه، فقال: دَعْهُما، فإني أدخلتهما طاهرتين، فمسح عليهما) البخاري ومسلم.
وبهذه الأحاديث الصحيحة فإنه يجوز للمسلم بإجماع أئمة اصول الفقه أن يعتمد على هذه الرخصة، ويمسح على خفيه بدلًا من نزعهما، وذلك للتيسير عليه.
ما هي شروط المسح على الخفين؟
مع أن المسح على الخفين من الرخص الدينية إلا أنه لا يُؤخذ على المشاع بل له أحكام وشروط يجب تحقيقها حتى يصبح صحيحًا، وبناء عليه تصح الصلاة، وفيما يلي شروط المسح على الخف بناءً على أقوال الفقهاء:
أولًا: شروط أجمع عليها علماء الدين
رأى الفقهاء أنه لكي يصلح الخف للمسح عليه يجب أن يتوفر عدد من الشروط، وهي:
1) أن يكون الشخص على طهارة كاملة قبل أن يرتدي الخفين: يجب أن يتوضأ المسلم أولًا قبل أن يرتدي الخفين إذا أراد أن يأخذ برخصة المسح عليهما، حيث إن ارتداءهما على غير طهارة ثم المسح عليهما عند الصلاة لا يجوز؛ ففي هذه الحالة صلاته باطلة، ويجب إعادتها بوضوء كامل من غير الخفين، ويعلل هذا الشرط بقول النبي: (……إنِّي أدْخَلْتُهُما طَاهِرَتَيْنِ ….)
2) طهارة الخفين: إذا أراد المسلم المسح على الخفين ثم الذهاب إلى الصلاة فعليه أولًا أن يتأكد من طهارتهما، فإن كانا نجسين وجب خلعهما وإلا بطل الوضوء، والصلاة كذلك، وفي حال كان الخف من جلد الميتة فإن السادة الشافعية والحنفية يرون أن المسح لا يصح إلا بعد دبغه، وأما المسح على الجوارب عند المالكية والحنابلة في هذه الحالة لا يجوز سواء تم الدبغ أم لا.
3) أن يكون الخف مغطيًا للمكان المفروض غسله عند الوضوء: لقد اشترط الله تعالى في الوضوء غسل القدمين إلى الكعبين لذا يجب أن يكون الخف ساترًا لهذا المكان حتى يصلح للمسح عليه، فإن تُرك جزء ولو يسير من القدم غير مستور فإنه لا يجوز المسح على الخف.
4) متانة الخف: يُقصد بالمتانة هنا هو إمكانية المشي على الخف لقضاء الحاجة.
ثانيًا: شروط اختلف فيها علماء الدين
هناك شروط أخرى للمسح على الخفين بخلاف الشروط السابق ذكرها، ولكنها موضع اختلاف بين الفقهاء، وإليك التفصيل:
1) سلامة الخف من الخروق: اختلف العلماء في هذا الشرط ليس في الخرق ذاته وإنما في مقداره، حيث ذهب السادة الحنفية والمالكية إلى أنه في حال كان الخرق بسيطًا لا يتعدى 3 أصابع، فإنه يجوز للمسلم المسح عليه، وبذلك يسري عليه بقية أحكام المسح، أما شروط المسح على الخفين عند الشافعية والحنابلة في هذه الحالة غير متحققة، وذلك لأنهم ذهبوا إلى عدم جواز المسح على الخف الذي به بعض الخروق حتى لو كانت صغيرة للغاية.
2) أن يكون الخف مصنوعًا من الجلد: هذا الشرط خاص بـ فقهاء المالكية فقط، أما الراجح من أقوال أهل العلم فإن المسح على الخف لا يُشترط به أن يكون من الجلد أو غيره، وإنما ما يعنيهم هو قدرته على الحول بين القدم والماء.
3) أن يُرتدى الخف منفردًا: اختلف العلماء في هذا الشرط؛ فهناك من اشترط أن يكون الخف منفردًا على القدم ولا يُلبس فوقه أي شيء، وبعض العلماء ذهبوا إلى جواز المسح على الخف حتى لو كان فوقه خف آخر.
4) عدم شفافية الخف: يرى السادة الحنفية أن الأصل في المسح على الخف هو أن يكون حاجبًا للماء حتى لو كان شفافًا، أما الحنابلة فيشترطون في الخف عدم شفافيته وإظهاره للبشرة، أما المالكية فأكدوا على ضرورة أن يكون الخف مصنوعًا من الجلد وغير ذلك لا يجوز.
مبطلات المسح على الخفين
إن المسح على الخفين لا يتم باستمرار، فكما أن له شروطًًا تجعله جائزًا، فله كذلك ما يبطله ويجعل المسح عليه حرامًا شرعًا وبناء عليه تٌبطل كل الفرائض المترتبة عليه، وفيما يلي الحالات التي تُعطل رخصة المسح على الخفين :
1ــ إذا فعل المسلم ما يوجب الغسل؛ مثل الجنابة ففي هذه الحالة لا يجوز له أن يمسح على الخفين حتى لو لبسهما على طهارة، لأن الجنابة هي الحدث الأكبر، وبالتالي تُبطل طهارة الوضوء نهائيًا، والدليل على ذلك قول صفوان بن العسال: (أمَرَنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليه وسلمَ أن نمسحَ على الخفَّينِ إذا نحنُ أدخلناهُما على طُهرٍ ثلاثًا إذا سافَرنا ويومًا وليلةً إذا أقمْنا ولا نخلعَها من غائطٍ ولا بولٍ ولا نومٍ ولا نخلعَهما إلَّا من جَنابةٍ).
2 ــ انتهاء فترة المسح على الخف: حدد محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فترة المسح على الخف بيوم وليلة للمستقر في مكانه، أما المسافر فإن مدة المسح على الجوارب بالنسبة له هي ثلاث ليالٍ، ولذا فإنه بمجرد انقضاء هذه الفترة المحددة، يجب على الإنسان خلعهما والوضوء مرة ثانية.
3 ــ خلع الخف والإحداث قبل ارتدائه مرة ثانية: إذا لبس المسلم الخف على طهارة ولكنه اضطر أن ينزعه ثم لبسه مرة ثانية بعد أن أحدث فإن ذلك يٌبطل المسح حتى لو كانت مدة المسح لم تنته بعد.
كيفية المسح على الخفين
تفاوتت آراء الفقهاء الأربعة في كيفية المسح على الخفين ، حيث جاءت كما يلي:
ــ أئمة الحنفية: تبعًا للمذهب الحنفي فإن المسح يبدأ من مقدمة القدم “الأصابع” ثم يقوم الشخص بتمرير يده على القدم بأكملها في اتجاه الساق، وتكون اليد متباعدة الأصابع قليلًا حتى تتمكن من المسح بشكل أكبر، ويُذكر أن المسح يتم باليد اليمنى على القدم اليمنى، وكذلك باليد اليسرى على القدم اليسرى.
ــ أئمة المالكية: أشار السادة المالكية إلى إلزام الشخص بالمسح على كل مناطق الخف المرئية من الأعلى، ومن المفضل مسحه من الأسفل، بحيث يتم وضع أصابع اليد اليمنى على الجزء العلوي من القدم اليمنى، وأصابع اليد اليسرى على الجزء السفلي من القدم اليمنى، ثم يمررهم في اتجاه الكعب، وهكذا في القدم اليسرى؛ حيث أصابع القدم اليسرى على أعلى القدم وأصابع اليد اليمنى على أسفل القدم.
ــ أئمة الشافعية: ذهب الشافعية إلى وجوب مسح ظاهر الخفين فقط.
ــ أئمة الحنابلة: قالوا بإلزام الشخص بمسح مقدمة القدم الواضحة فقط أي الأكثر بزوغًا.
حكم المسح على ما يشبه الخف
إن حكم المسح على الخفين ثابت بالسنة النبوية المطهرة، إلا أنه مع مستحدثات الزمان ظهرت أشياء جديدة تشبه الخف مثل الجورب والأحذية، وبما أن الدين الإسلامي صالح لكل زمان ومكان فإن العلماء قد لخصوا حكم هذه الأشياء كالآتي:
1) الحذاء:
حالته الأولى: أن يكون تحته جورب قد تم ارتداؤه على طهارة، فهذا يأخذ نفس حكم الخف.
أما الحالة الثانية وهو ارتداء الحذاء على الجلد مباشرة دون جورب: فإن كان الحذاء يغطي كل أماكن الوضوء فيُعامل معاملة الخف، وإن كان غير ذلك فيجب نزعهما ثم الوضوء.
2) الجورب:
يأخذ نفس أحكام الخفين تبعًا لأغلب أقوال أهل العلم، وبذلك يكون حكم المسح على الخفين والجوربين واحدًا كما ذكرنا في بداية مقالنا، أما متى يبطل المسح على الجورب فالإجابة أنه يتبع أحكام بطلان الخف أيضا التي ذكرناها من قبل.
3) الجبائر:
قد يتعرض الإنسان للكسر وبالتالي فإنه يَلزمه جبيرة حتى يُشفى تمامًا، ولكن ما العمل في هذه الحالة مع الوضوء والصلاة؟ ومن المعروف أن الصلاة لا تسقط مهما حدث، لذلك ذهب جمهور الفقهاء إلى المسح إذا كان العضو المنكسر سيتأذى إذا سُكب عليه الماء وذلك لقوله تعالى: (لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها)، كما يشترط لجواز المسح على الجبيرة ألا تتعدى موضع الحاجة تبعًا لـ المذاهب الأربعة المتفق عليها.
أقوال العلماء عند بطلان المسح على الخفين
اتفق العلماء على أن الحدث الأكبر يبطل المسح والوضوء بشكل نهائي، حيث يجب نزع الخفين والتطهر مرة ثانية، ولكن اختلف العلماء عند انتهاء مدة المسح ونزع الخف كالتالي:
ــ إذا انتهت مدة المسح فإن الشافعية والحنفية ذهبوا إلى أن على الشخص غسل الرجلين فقط، حيث لا يُبطل الوضوء بانتهاء الفترة.
ــ أما إذا تم نزع الخف دون أن يُفسد وضوئه فإنه يكفيه غسل القدمين تبعًا للحنفية والشافعية، أما المالكية فذهبوا إلى ضرورة الوضوء.
ــ يرى بن حزم وابن تيمية أنه لا شيء عليه ما لم ينقض وضوءه.
المسح على الخف | بعذر وغير عذر
يعد المسح على الخفين من الرخص التي جاء بها دين الإسلام، وتبعًا للأحاديث التي ذكرناها آنفًا، فإنها لا تشترط وجود عذر من عدمه، لذا فإن الإجابة على هل يجوز المسح على الجوارب بدون عذر ؟ تكون نعم.
ولكن السادة المالكية يشترطون وجود حاجة للأخذ بهذه الرخصة، فإن لم يكن هناك عذر معتبر فإنهم لا يُجيزون للرجل المسح على الخف.
ما معنى المسح على الخفين؟
هو رخصة من الرخص الإسلامية التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم، ويعني أنه بإمكان الإنسان أن يمسح بيده المبللة بالماء على الخفين دون أن يضطر لنزعهما عند الوضوء.
ما مدة المسح على الجوارب؟
بالنسبة للمقيم فيمكن المسح على الجورب ليوم، أما المسافر فيمكنه المسح عليه لمدة ثلاثة أيام.
هل الحدث الأكبر يلزمه نزع الخفين؟
بكل تأكيد، فعندما يحدث الإنسان الحدث الأكبر (الجنابة) عليه أن ينزع الخفين ويتطهر مرة ثانية.
هل يأخذ الحذاء نفس أحكام الخفين؟
نعم، إذا توافرت في الحذاء نفس الشروط التي أقرها العلماء فإنه يأخذ نفس أحكام الخف في البطلان والمدة.