بني قريظه | غزوة سطرت نهاية اليهود في المدينة

أمر من السماء جاء للنبي بعد طول عناء بواسطة جبريل الأمين أن سر يا نبي الله الكريم إلى بني قريظه فقاتلهم فإني مزلزل الأرض من تحتهم، فنهض الرسول من مكانه ونادى في أصحابه، فجاءوا طائعين ولأمر رسولهم منفذين، فحاصروا أحفاد القردة والخنازير حتى نالوا النصر المبين.

لمحة ساطعة عن غزوة بني قريظه

الخيانة من الصفات الخبيثة التي اتصف بها اليهود على مر الزمان، فهي ديدنهم وطريقتهم في علاقاتهم مع الناس، فمهما عُقدت العهود معهم، ومهما أُخذت عليهم المواثيق ستظل الخيانة تجري في عروقهم مجرى الدم، ولهذا فكان وجودهم داخل المجتمع الإسلامي في المدينة المنورة خطرًا يداهم المسلمين، لذا كان لا بد أن يقضي عليهم رسول الله وصحابته حتى يأمنوا مكرهم.

ولم يكن النبي الكريم ليتخلص منهم دون أن يفعلوا شيئًا واضحًا حتى لو كان يعلم علم اليقين أنهم سينقضون عهدهم معه، فهو الرحمة المهداة والنبي الأمين الذي لم يتخذ قرارًا عشوائيًا يومًا ما.

وتعد غزوة بني قريظة هي الغزوة التي استطاع فيها الرسول الكريم أن يتخلص من غدر وخيانة يهود بني قريظه ، وذلك لما قاموا به من تأسيس تحالف مع الأحزاب ضد النبي في غزوة الخندق التي أظهرتهم على حقيقتهم، وإليك تفاصيل الغزوة:

بنو قريظه ينقضون عهدهم مع رسول الله:

في خضم غزوة الخندق جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر يفيد بأن يهود بني قريظه قد تحالفوا مع الأحزاب ونقضوا العهد معه، فلم يتخذ النبي أي قرار بشأنهم إلا بعد التأكد من هذا الخبر.

فأرسل الرسول سعد بن معاذ وسعد بن عبادة ومعهما نفر من الصحابة إليهم، فقال لهم سعد أنه يريد أن يجدد العهد بينهم وبين المسلمين، فرد عليهم سيد اليهود بقوله “الْآنَ وَقَدْ كُسِرَ جَنَاحُنَا”، ثم أخرجهم من الحصن ونال من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشاتمهم سعد بن معاذ.

ورجع سعد بن معاذ ومعه أصحابه إلى النبي الكريم وأخبروه بما حدث، فخشي الرسول أن تصيب المؤمنين فتنة أثناء الغزوة مما يؤدي إلى تثبيط عزيمتهم، فمنع إذاعة الخبر حتى ينتهي المسلمين من حربهم.

ذكاء النبي محمد:

أيظن إنسان أن الله تارك نبيه؟ لا ورب محمد بل هو ناصره ومؤيده، فلم تمر بضع دقائق حتى جاء الفرج من الله تعالى، حيث أتى نعيم بن مسعود الأشجعي الغطفاني إلى الرسول وأعلن إسلامه، وأخبره أنه لا يوجد شخص من قبيلته أو من القبائل المعادية على علم بإسلامه.

ومن هنا خطرت للنبي حيلة ذكية، فقال له أنت رجل واحد لن تفيد في الحرب كثيرًا، ولكن عليك أن توقع الفتنة بين يهود بني قريظه وبين قريش، فإن الحرب خدعة.

وبالفعل قام الرجل بما أمره به الرسول صل الله عليه وسلم، وكانت الخدعة أنه ذهب إلى يهود بني قريظه وحرضهم على قريش، وأخبرهم بأن رجال الأحزاب لهم بلد سوف يرجعون إليها إن انتصر الرسول عليهم، ولكن قوم بني قريظه ليس لديهم سوى المدينة المنورة.

وأشار عليهم أن يأخذوا رهائن من سادات قريش لكي يضمنوا نصرتهم لهم إن حاربهم النبي، وبالفعل اقتنع بنو قريظه بهذا الأمر.

ثم ذهب إلى قريش وأخبرهم بهذا الأمر، وأوضح لهم بأن بني قريظه عاهدوا محمدًا أن يكونوا معه، بالإضافة إلى أنهم سيأخذون رهائن من قريش بحيث يتم تسليمهم لمحمد دليلًا على ولائهم.

وبالفعل دخلت هذه الحيلة عليهم، وحدث الشجار بينهم، ولم تقبل قريش بالرهائن، وهكذا بنو قريظه لم يقبلوا أن يحاربوا معهم، وبهذا نجحت خطة النبي.

أمر القتال من الله

بعد الانتهاء من غزوة الخندق ذهب الرسول إلى بيته ليغتسل ثم صلى الصبح، ودخل بيت السيدة عائشة رضوان الله عليها، وعندما حل وقت الظهيرة أتاه جبريل وأخبره بضرورة قتال بني قريظه .

وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع يوم الخندق ووضع السلاح واغتسل فأتاه جبريل وقد عصب رأسه الغبار فقال: وضعت السلاح فوالله ما وضعته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأين؟ قال: ها هنا، وأومأ إلى بني قريظه ، قالت: فخرج إليهم رسول الله”.

مهاجمة بني قريظه في عقر دارهم:

بعد أن جاء أمر السماء بقتال بني قريظه ، أمر الرسول أصحابه بالاستعداد للخروج لحرب اليهود، وقال “من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظه”، وذهب النبي ومعهم الصحابة الكرام لقتال هؤلاء الخبثاء، وقدم الرسول سيدنا علي بن أبي طالب برايته إلى الحصن.

وعندما سمع علي بن ابي طالب بمقولات خبيثة عن النبي وأزواجه رجع حتى لقي النبي، وقال له:

” يا رسول الله لا عليك ألاّ تدنو من هؤلاء الأخابث، قال: لِمَ؟ أظنك سمعت لي منهم أذى، قال: نعم يا رسول الله لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا، فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم قال: يا إخوان القردة هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته؟ قالوا: يا أبا القاسم ما كنت جهولا”.

ولقد حاصرهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما يقرب من 25 ليلة، حتى قذف الله في قلوبهم الرعب، لدرجة أنهم تيقنوا بأن محمدًا ليس بتاركهم.

وقد أراد كعب بن أسد أن يحاورهم ليصل إلى قرار يحميهم مما هم فيه فجاء الحوار كالتالي:

((يا معشر اليهود إنه قد نزل بكم من الأمر ما ترون وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا فخذوا أيّها شئتم، قالوا: وما هن؟ قال: نتابع هذا الرجل ونصدقه فوالله لقد كان تبين لكم أنه لنبيٌّ مرسل وإنه للذي كنتم تجدونه في كتابكم فتأمنون على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم، قالوا: لا نفارق حكم التوراة أبدا ولا نستبدل به غيره.

قال: فإذا أبيتم عليَّ هذه فهَلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج إلى محمد وأصحابه رجالا مُصْلتين بالسيوف، ولم نترك وراءنا ثقلا يهمنا حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، فإن نهلك، نهلك ولم نترك وراءنا نسلا نخشى عليه، وإن نظفر فلعمري لنجدن النساء والأبناء.

قالوا: نقتل هؤلاء المساكين فما خير العيش بعدهم؟.

قال: فإذا أبيتم هذه عليَّ فإن الليلة ليلة السبت وإنه عسى أن يكون محمدًا وأصحابه قد أمِنوا فيها فانزلوا لعلنا نصيب من محمد وأصحابه غِرَّة.

قالوا: نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يكن أحدث فيه من كان قبلنا إلا من قد علمت فأصابه من المسخ ما لم يخف عليك.

قال: ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما)).

أبو لبابة يفشي السر:

بعد أن رفض بنو قريظه الخيارات التي قالها لهم كعب بن أسد، أرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلبوا منه أن يرسل لهم “أبا لبابة”، فلما ذهب إليهم استقبله الأطفال والنساء بالبكاء، فرق لهم، وعندما قالوا له أترى أن ننزل على حكم محمد، قال لهم نعم ولكنه أشار إلى حلقه أي إن نصيبهم سيكون الذبح.

ففطن أبو لبابة لما فعله، وعرف أنه بذلك خان الله ورسوله، فذهب إلى عمود المسجد وتعلق به، وقال إنه لن يبرح مكانه حتى تأتي البراءة من الله أو الموت، وبالفعل ظل في مكانه حتى عفا الله عنه.

تحكيم سعد بن معاذ:

بعد أن ضاق بنو قريظه بالحصار ذرعًا قرروا الاستسلام للنبي العدنان، ووافقوا على تحكيم سعد بن معاذ فيهم، فحكم سعد أن يتم قتل المحاربين ويسبي المسلمون النساء والأطفال، وقال له النبي إن هذا هو حكم الله ورسوله.

نهاية مهينة:

بعد أن استسلم بنو قريظه، قام النبي بحبسهم في دار بنت الحارث، ثم أمر الصحابة فحفروا لهم خنادق في أسواق المدينة، وبعد ذلك أمر بمجموعة تلو الأخرى لتُضرب رقابهم، وكان عدد الأسرى يتراوح من 400 إلى 700 أسير.

وهنا نجد سؤال هل ذبح الرسول بني قريظة ؟ يتردد على ألسنة البعض الآن، والإجابة هي: لقد قام النبي بضرب أعناقهم في الخنادق، وكان علي بن أبي طالب والزبير بن العوام هما من تولى أمر قتل اليهود.

أبرز نتائج غزوة بني قريظة

إن قصة بنو قريظة ونقض العهد مع الرسول من أهم القصص التي يجب أن يعرفها كل مسلم وذلك حتى يتيقن من أن اليهود لا عهد لهم ولا ذمة، وأن الصحابة كانوا رجال حول الرسول لم يتركوه أبدًا، ولقد كانت غزوة بني قريظه من أشرف الغزوات التي قادها النبي، وإليك أهم نتائجها:

1) هزيمة اليهود شر هزيمة وطردهم من المدينة المنورة وقتل محاربيهم.

2) سيطرة المسلمين الكاملة على المدينة المنورة.

3) أمن الرسول وصحابته غدر اليهود طوال حياتهم.

4) خشية الناس من المسلمين حتى لا يتجرأ أحدهم بخيانة النبي الكريم وصحابته.

5) وعد الله آت لا محالة، وأنه عز وجل ناصر نبيه، ولقد أرسل الله جبريل إلى بني قريظه ليزلزل الأرض من تحت أرجلهم.

الدروس المستفادة:

من أبرز الدروس المستفادة من غزوة بني قريظة هي طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنها هي نجاة للمسلمين من كل سوء، فعلى الرغم من أن المسلمين انتهوا من غزوة الخندق وهم متعبون إلا أنهم ذهبوا مباشرة إلى حرب بني قريظه دون أن يستريحوا وذلك استجابة لأمر نبيهم.

كما نستفيد من هذه الغزوة قيمة الاجتهاد في فهم النص، فعلى الرغم من أن النبي قد أخبر الصحابة بأنهم لن يصلوا العصر إلا في بني قريظه، إلا أن بعضهم فهم أن هذا الأمر إنما هو لعدم التأخير، وعندما نودي للصلاة صلوا، والبعض الآخر قال إنهم لن يصلوا إلا في بني قريظه، وعندما علم الرسول بذلك لم ينكر الأمر على الفريقين.

متى وقعت غزوة بني قريظه؟

وقعت هذه الغزوة في السنة الخامسة بعد الهجرة، وكان ذلك بعد الانتهاء من غزوة الأحزاب مباشرة.

ما هو حديث غزوة بني قريظة البخاري ؟

قال البخاري: عن عائشة قالت: لما رجع النبي من الخندق، ووضع السلاح، واغتسل، أتاه جبريل فقال: قد وضعت السلاح والله ما وضعناه! فاخرج إليهم، قال: فإلى أين؟ قال: ها هنا، وأشار إلى بني قريظه، فخرج النبي.

ماذا كان مصير بني قريظه؟

كان مصير بني قريظه قتل محاربيهم، وسبي نسائهم وأولادهم، والحصول على أموالهم.

لماذا أمر الله تعالى نبيه بقتال بني قريظه؟

لقد أمره الله عز وجل بذلك، وذلك لأنهم نقضوا عهدهم مع النبي، بل وتعاونوا مع أعدائه، وأرادوا أن يخرجوه من المدينة المنورة.

مواضيع ذات صلة

الرقية الشرعيةالرقية الشرعية من القرآن والسنة | للتحصين من السحر والحسد

عقوبة تارك الصلاةعقوبة تارك الصلاة عمداً