كم مرة ردد لسانك عبارة تجري الرياح بما لا تشتهي السفن عندما خالفت أقدارك هواك، وكم مرة ذكرها عقلك عندما كانت رياح الواقع أقوى كثيراً مما تمناه، فتلك العبارة ليست جزءاً من قصيدة، ولكنها ملاذ يلجأ إليه المرء عندما تفشل كل الكلمات في وصف شعوره حينما يفقد القدرة على إدارة الأمور كما أراد.
من مؤلف نص تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ؟
هناك بعض الألغاز الصعبة التي يكون اسم (أبو الطيب المتنبي) هو الإجابة عنها مثل من هو الشاعر الذي قتله شعره ؟، وهناك ألغازا أخرى يعرف قارئها أن المتنبي هو جوابها بسرعة مثل من قائل تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ؟!، فتلك العبارة تعد أشهر العبارات التي قالها المتنبي في أشعاره بسبب استخدام الناس المتكرر لها في الكثير من المواقف الحياتية التي يفقدون فيها الإرادة بعد أن تأتيهم الحياة بأقدارٍ لا يشتهونها.
كان لأبو الطيب المتنبي مؤلف قصيدة تجري الرياح بما لا تشتهي السفن مكانة عظيمة بين شعـراء عصره، ولُقِب بـ (شـاعر العرب) بسبب فصاحة كلماته التي ألهمت الكثير من الأدباء والشعراء على مر الأزمان، واسمه هو (أحمد بن الحسين الجـعفي الكندي الكـوفي) من مواليد الكوفة عام 303 هجرياً، ودارات معظم الأبيات التي نظمها المتنبي منذ صغره حول مدحه لذاته، ومدح الملوك والحكام.
شـرح عبارة تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
أخذت عبارة تجري الرياح بما لا تشتهي السفن مجرى الأمثال الشعبية بسبب تناقلها كثيرا على ألسنة العرب كقول يدل على حكمة أن الدنيا لن تسير دوما على هوى الإنسان، وليس كشطر ألفه المتنبي أشهر الشعراء العرب على مر العصور، وضيع ذلك الضبط الصحيح للكلمات التي اختارها المتنبي في شطره، ومنها كلمة (السُّفُـنُ) التي يعتقد الكثير أن المقصود بها جمع كلمة (سفينة)، ولكن (السَّفَنُ) في قول المتنبي يُقصد بها قائد السفينة، فالربان هو الذي يرغب دائما في أن تسري الرياح بنفس اتجاه سفينته لضمان النجاة.
يحمل بيت المتنبي الذي يقول فيه: ( ليس كل ما يتمناه المرء يدركه .. تجري الـرياح بمـا لا تشتهي السـفن) معنى واضح، وهو إن الأقدار ليست طوع المرء حتى يسيرها كيفما شاء، وأن إرادة الإنسان مهما كانت قوية وراسخة قد تزعزعها رياح الأقدار إن هبت، وجاء تشبيه المتنبي للأقدار المخالفة لهوى الإنسان بالرياح في محله، حيث إن الرياح لا تستمع إلى رغبات الربان، وتهب دوما في الاتجاه الذي تريده.
نص قصيدة بم التعلل لا أهل ولا وطن
إن الشهرة الكبيرة التي لاقتها عبارة (تجري الرياح بما لا تشتهي السفن) من بين اقوال المتنبي الخالدة، جعلت الناس يظنون أنها مطلع القصيدة، ولكن في الحقيقة هناك الكثير من الأبيات العذبة التي ذكرها المتنـبي في قصيدته، والتي يأتي اسمها الأصلي في أول أبيات القصيدة (بم التعلل لا أهل ولا وطن)، وتحتوي قصيدة تجري الرياح بما لا تشتهي السفن كاملة على الكثير من العبر عن تقلب الدهر، وتغير المشاعر بين السعادة والحزن، وعن فشل الإنسان أحيانا في الوصول إلى مبتغاه بعد سعيه الدؤوب كما يظهر في الأبيات الآتية:
بِمَ التّعَلّلُ لا أهْلٌ وَلا وَطَنُ
وَلا نَديمٌ وَلا كأسٌ وَلا سَكَنُ
أُريدُ مِنْ زَمَني ذا أنْ يُبَلّغَني
مَا لَيسَ يبْلُغُهُ من نَفسِهِ الزّمَنُ
لا تَلْقَ دَهْرَكَ إلاّ غَيرَ مُكتَرِثٍ
ما دامَ يَصْحَبُ فيهِ رُوحَكَ البَدنُ
فَمَا يُديمُ سُرُورٌ ما سُرِرْتَ بِهِ
وَلا يَرُدّ عَلَيكَ الفَائِتَ الحَزَنُ
مِمّا أضَرّ بأهْلِ العِشْقِ أنّهُمُ
هَوَوا وَمَا عَرَفُوا الدّنْيَا وَما فطِنوا
تَفنى عُيُونُهُمُ دَمْعاً وَأنْفُسُهُمْ
في إثْرِ كُلّ قَبيحٍ وَجهُهُ حَسَنُ
تَحَمّلُوا حَمَلَتْكُمْ كلُّ ناجِيَةٍ
فكُلُّ بَينٍ عَليّ اليَوْمَ مُؤتَمَنُ
ما في هَوَادِجِكم من مُهجتي عِوَضٌ
إنْ مُتُّ شَوْقاً وَلا فيها لهَا ثَمَنُ
يَا مَنْ نُعيتُ على بُعْدٍ بمَجْلِسِهِ
كُلٌّ بمَا زَعَمَ النّاعونَ مُرْتَهَنُ
كمْ قد قُتِلتُ وكم قد متُّ عندَكُمُ
ثمّ انتَفَضْتُ فزالَ القَبرُ وَالكَفَنُ
قد كانَ شاهَدَ دَفني قَبلَ قولهِمِ
جَماعَةٌ ثمّ ماتُوا قبلَ مَن دَفَنوا
مَا كلُّ ما يَتَمَنّى المَـرْءُ يُدْرِكُهُ
تجرِي الرّياحُ بمَا لا تَشتَهي السّفُنُ
المناسبة التي كتب فيها المتنبي قصيدة بم التعلل
يذكر الناس الكثير من الأقاويل عن المناسبة التي كتب فيها (أبو الطيب المتنبي) قصيدته الشهيرة (بم التعلل لا أهل ولا وطن) الذي وضع بها بيته الشهير (ليس كـل ما يتمنـاه المرء يدركه.. تـجري الريـاح بما لا تـشتهي السفن)، كقوله إياها ليعبر بها عن خذلان القدر له في تولي منصب الإمارة، ولكن كل الأقاويل التي تشيع أن المتنبي كتب تلك القصيدة لنفسه خاطئة، فالمتنبي كتب قصيدة (بم التعلل) ليعبر بها عن حزنه عندما تفاجأ بتزييف أعداء (سيف الدولة) خبر موته، وهو ما زال على قيد الحياة حينها.
الـرد على تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
على الرغم من أن قوة معنى عبارة (تجري الرياح بما لا تشتهي السفـن) زاد من استخدام الأشخاص لها عندما تخالفهم الظروف، وعندما يحدث معهم عكس الأمور التي قاموا بالتخطيط لها، إلا أن هناك بعض الآراء التي خالفت نص عبارة تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، ووجدت أن كلماتها مليئة بمعاني الاستسلام والهروب، ولذلك كان الرد على تجري الرياح بما لا تشتهي السفن بالنسبة لهم لتثبيت عزيمة المرء عندما يواجه أقدار الحياة هو تبعها بالأبيات التالية:
تجري الرياح كما تجري سفينتنا تجري الرياح …نحن الرياح ونحن البحر والسفن
ان الذي يرتجي شيئا بهمته ….يلقاه لو حاربته الانس والجن
فاقصد الي قمم الاشياء تدركها…تجري الرياح كما ارادت لها سفن
من قائل نص تجري الرياح كما تجري سفينتنا؟
في نص (تجري الرياح كما تجري سفينتنا) مخالفة بينة للمعنى المذكور في نص المتنبي (تجري الرياح بما لا تشتهي السفن)، حيث تظهر أبياته كأنها كلمات تحفيزية تحث الأشخاص على مواصلة السعي لنيل مرادهم رغم صعوبة الأقدار، ولعل تأثير تلك الأبيات الإيجابي حث العقول على طرح تساؤل تجري الرياح كما تجري سفينتنا من القائل ؟!، وذلك لمعرفة الشخص الذي استطاع قول عبارات جميلة تشحذ الهمم مثل تلك الأبيات، ولكن للأسف تم تصنيفها على أنها من قول أحد الشعراء المجهولين لعدم بيان هوية قائلها الحقيقي.
ما هي أشهر قصائد المتنبي؟
للمتنبي قصائد عديدة تنوعت ما بين المدح والهجاء والغزل، وأشهرها (الخيل والليل والبيداءُ تعرفني، ليس العليل الذي حماه في الجسد، أعز مكان في الدنى سرج سابح).
ما القصة المرتبطة بنص تجري الرياح بما لا تشتهي السـفن؟
يربط البعض بين عبارة تجري الريـاح بما لا تشتهي السفن، وبين غزوة الأحزاب عندما خالف بعض المسلمين قول النبي في صلاة العصر أولاً داخل بني قريظة.
ما هي الصور الفنية في قصيدة بم التعلل؟
امتلأت قصيدة بم التعلل لأبو الطيب المتنبي بالصور الفنية التي أظهرت معانيها العميقة، كالاستعارات المكنية، والمجازات المتعددة.
هل بالأبيات دلالات على اليأس؟
يرى البعض أن عبارة (تـجري الرياح بما لا تـشتهي السفن) بها دلالات سطحية على اليأس والخضوع لأمر القدر، وأنها تترك تأثيراً سلبياً على قارئها رغم جمال معناها العميق.