جمع الصلاة | بين الإباحة والمنع

جمع الصلاة

يقول تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا)، فالصلاة هي الركن الأول بعد التسليم بوحدانية الله، وهي العهد الذي بين الإنسان وربه، لذا فإن تركها أو تأخيرها أو السهو عنها يُنذر بنار تلظى، ولكن ماذا عن جمع الصلاة ؟ هل يعني أن ذلك رخصة لتأخير الصلوات كيفما نشاء أم أن له أحكامًا وقواعد يجب الالتزام بها حتى لا نتعرض لبطلان صلواتنا؟

الصلاة | الركن الأول بعد التسليم لله بالوحدانية

الصلاة عماد الدين من أقامها فقد صلح دينه، ومن تركها عامدًا متعمدًا فهو كافر بإجماع الفقهاء، أما تسويفها وإخراجها عن ميعادها فيدخل من يفعل ذلك في من توعده ربه بنار لا تُبقي ولا تذر.

ولما كانت الصلاة هي أول ما يٌحاسب عليه العبد يوم القيامة كان ذلك مدعاة لأن تكون أول ما يشغل بال العلماء وفقهاء الدين، ويجعلهم يدونون كتبًا ومجلدات في كيفية تأديتها وأهم الأحكام الخاصة بها.

والصلاة هي وصية رسول الله لأمته، ولأهميتها فقد قسمها الله بينه وبين عباده، لذا كانت أحكامها حساسة، وقد تحرى الفقهاء كل حديث خاص بالصلاة حتى لا يعتمد المسلمون على حديث غير صحيح أو تصل إليهم معلومة خاطئة فتبطل صلاتهم وبالتالي تفسد أعمالهم، وأكثر ما شغل بال العلماء بعد الطريقة الصحيحة للصلاة هو جمع الصلاة وما يتخلله من أحكام وشروط.

جمع الصلاة | ما هو؟

يمكن الإشارة إلى أن جمع الصلاة من الناحية الشرعية يعني أداء فرضين من الصلوات مع بعضهما البعض، ولكن المعنى المفصل لجمع الصلوات يأتي كما عرفه فقهاء الدين، وهو كما يلي:

تعريف جمهور الفقهاء لجمع الصلاة:

اتفق فقهاء الشافعية والحنابلة والمالكية على تعريف شامل لجمع الصلوات، حيث قالوا إنه يعني جمع صلاتي الظهر والعصر وتأديتهما معًا في وقت الظهر وهذا ما يعرف بتقديم الصلاة، أو ضمهما معًا وصلاتهما في وقت العصر وهذا يسمى تأخير الصلاة، وكذلك المغرب والعشاء حيث تأديتهما معًا وقت المغرب أو الانتظار وإتمامهما معًا وقت العشاء.

جمع الصلوات كما عرفه الحنفية:

خالف أتباع مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان رأي جمهور العلماء حيث إن جمع الصلاة لديهم مقتصر على عرفة ومزدلفة في أثناء تأدية ركن الحج، وأشار الحنفية إلى الجمع الشكلي أي جـمع الفعل عن طريق إرجاء الصلاة الأولى إلى آخر وقتها ببضع دقائق ثم تأديتها، والقيام بإتمام الصلاة الثانية في أول الوقت، وهذا يعني الجمع عندهم.

حكم الجمع بين الصلوات

حكم الجمع بين الصلوات

حكم جمع الصلوات | بين الإباحة والمنع

اتفق فقهاء المذاهب الأربعة على جواز جـمع صلاتي الظهر والعصر تقديمًا، وكذلك المغرب والعشاء تأخيرًا في عرفة ومزدلفة وذلك اهتداءً بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث إنه فعل ذلك في حجة الوداع، ولكن وقع الخلاف بين العلماء في غير هذه المواقيت، والجدير بالذكر أن كل من قال بالجواز أو التحريم في غير عرفة ومزدلفة استند على أحاديث نبوية وآيات قرآنية، وفيما يلي أقوال العلماء في الجمع بين الصلوات بالتفصيل:

1) من قال بجواز الجمع في غير عرفة ومزدلفة

بين فقهاء الشافعية والحنابلة والمالكية أن جمع الصلاة في غير أيام الحج جائز من الناحية الشرعية ولكن يجب أن يكون له مبرر شرعي يُستند عليه، ومع ذلك فإن مصطفى السيوطي يرى أن تركه أفضل، وأشار السادة الشافعية إلى أفضلية ترك جمع الصلوات، أما المالكية فأكدوا على ضرورة وجود ثقل وشقاء للاعتماد على رخصة الجمع وأن الأولى هو الترك، وجاءت آراء هؤلاء العلماء اعتمادًا على أحاديث الجمع بين الصلاتين الواردة عن النبي وهي:

ــ عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنّه قال: (جَمع رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- بيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بالمَدِينَةِ، في غيرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ، وفِي حَديثِ وَكِيعٍ: قالَ: قُلتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ فَعَلَ ذلكَ؟ قالَ: كَيْ لا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ، وفي حَديثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ: قيلَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: ما أَرَادَ إلى ذلكَ؟ قالَ: أَرَادَ أَنْ لا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ).

ــ روى الإمام مسلم في صحيحه: (أنَّ ابْنَ عُمَرَ، كانَ إذَا جَدَّ به السَّيْرُ جَمع بيْنَ المَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بَعْدَ أنَّ يَغِيبَ الشَّفَقُ، ويقولُ: إنَّ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- كانَ إذَا جَدَّ به السَّيْرُ جَمع بيْنَ المَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ).

2) من أشار إلى حرمانية الجمع في غير عرفة ومزدلفة

أشار فقهاء الحنفية وبعض العلماء إلى عدم إباحة جمع الصلاة إلا في مزدلفة وعرفة، حيث يرون أن تسويف الصلاة وتأديتها في غير وقتها من الكبائر، ودللوا على رأيهم من نصوص القرآن والأثر:

ــ يقول تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّـهِ قَانِتِينَ)، كما قال -عز وجل- (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا)، وهاتان الآيتان إشارة إلى وجوب أداء الصلاة في وقتها المحدد دون تأجيل.

ــ ورد عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه صرف الناس عن الجمع بين الصلوات وأشار إلى أن الجمع يعد من الكبائر.

أسباب الجمع بين الصلوات | آراء العلماء

يوجد عدة أسباب لكي يتسنى للمسلم أن يجـمع بين الصلاة، ونعرضها كما يلي:

أولًا: الوقوف بعرفة ومزدلفة

جمع الصلاة في عرفة ومزدلفة من الأمور التي اتفق عليها كافة الفقهاء، وقد بينوا تفصيله بالشكل التالي:

علماء مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان : قال الأحناف إن الجمع بين الظهر والعصر يكون يوم عرفة بأذان وإقامة واحدة دون العزل بينهما بالنافلة، ومثله ما يحدث في المغرب والعشاء تأخيرًا، وأشاروا إلى عدم جواز الجمع بين الصلوات في أثناء سيرهم إلى مزدلفة، وبينوا أن سبب الجمع هو مناسك الحج وليس السفر.

فقهاء المالكية: بالنسبة للمالكية فإن جمع الصلوات جاء استنادًا على النسك وهو غير مرتبط بالسفر، حيث يضم ساكني مكة وغيرهم، وبينوا أن الجمع في عرفة سنة، ومن الممكن أن يؤدي الحاج كل صلاة في وقتها، ويجوز للحاج تأخير المغرب إلى وقت العشاء وتأديتهما معًا حتى وإن كان من مزدلفة.

الشافعية: قالوا إن الجمع في عرفة مستحب وليس واجبًا، واختلفوا عن بقية المذاهب في كون سبب الجمع هو السفر وليس مناسك الحج.

الحنابلة:  أكدوا على أن جمع الصلوات جاء بسبب المناسك وذلك لأن النبي وحد الناس في عرفة وأدى بهم الصلاة جمع تقديم دون أن يفرق بين أهل مكة وغيرهم، وأشاروا إلى أن التأخير والتقديم في الحج سنة.

ثانيًا: السفر

كما ذكرنا سابقًا أن جمع الصلاة عند الحنفية لا يصح في غير عرفة ومزدلفة لذلك فإن السفر عندهم لا يُجيز الجمع، إلا أن بقية المذاهب أعدوا السفر من الأعذار التي تبيح الجمع بين الصلاتين تقديمًا أو تأخيرًا.

واستدل جمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة على جواز جمع الصلاة في السفر بحديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- حيث قال: (كانَ النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- إذَا أَرَادَ أَنْ يَجْمع بيْنَ الصَّلَاتَيْنِ في السَّفَرِ، أَخَّرَ الظُّهْرَ حتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُ وَقْتِ العَصْرِ، ثُمَّ يَجْمَعُ بيْنَهُمَا)، ولكن الخلاف وقع بينهم في المسافة التي تجيز الجمع.

اتفق السادة الشافعية والحنابلة على أن السفر الذي يُجيز الجمع هو نفسه الذي يبيح قصر الصلاة الرباعية، وبالتالي فإن صلاة القصر والجمع لهما نفس الحكم في السفر.

أما السادة المالكية فقد بينوا أن المسافة ليست شرطًا في جمع الصلاة ، وأن ما يعرف في العرف سفر فهو يُجيز الجمع، لذا فإن المسافة سواء كانت قصيرة أو طويلة ليست من شروط جمع الصلاة في المذهب المالكي في السفر، ولكنهم اشترطوا الجدة والسرعة في السفر وكذلك ضرورة أن يكون السفر في البر فإن كان بحرًا فالجمع هنا غير مباح، وعلى هذا الأمر وافقهم ابن تيمية -رحمه الله-.

أما حكم جمع الصلاة للمسافر بعد الوصول ابن باز يرى أنه لا يجوز للمسلم أن يجمع الصلاة وهو حاضر ومقيم في بلده، كما أن فتوى ابن عثيمين في الجمع والقصر للمسافر تشير إلى أن القصر والجمع ينتهي بانتهاء السفر.

ثالثًا: المطر

أجاز كل من الشافعية والمالكية والحنابلة جمع الصلوات في أثناء المطر الذي يُنزل الضرر والمشقة بالناس إلا أن الخلاف وقع بينهما فيما هي الصلوات التي سيتم الجمع بينها، فذهب المالكية والحنابلة إلى إباحة الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء فقط دون غيرهما ويجب أن يكون الجمع في المسجد، إلا أن الحنابلة قالوا بجواز التقديم والتأخير، واستدل هؤلاء الفقهاء على قولهم بقيام أهل مدينة رسول الله بجمع المغرب والعشاء فقط عند المطر الشديد.

أما الشافعية فقالوا بالجمع بين الظهر والعصر، وكذلك المغرب والعشاء تقديمًا وتأخيرًا  في المسجد، إلا أنهم أكدوا على إباحة الجمع إذا بقي المطر يتساقط للصلاة الثانية، وقد استندوا في رأيهم على حديث عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- حيث قال: (صَلَّى رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا، في غيرِ خَوْفٍ، وَلَا سَفَرٍ).

رابعًا المرض:

يعد المرض من الأمور التي وقع فيها خلاف بين العلماء هل ممن يُبيح جمع الصلاة أم لا؟ فذهب الحنابلة إلى القول بإباحة الجمع بين الصلاة بسبب المرض استنادًا على حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- بالإضافة إلى الأحاديث التي جاء فيها سماح محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للنساء بتأخير الظهر وتعجيل العصر بسبب الاستحاضة، وقالوا إنها مرض فقاسوا عليها شتى أشكال المرض.

أما السادة الشافعية فقد حرموا جمع الصلاة لعلة المرض، إلا عدد قليل منهم وعلى رأسهم الإمام النووي ذهبوا إلى القول بجواز الجمع بموجب المرض.

يرى أتباع مذهب الامام مالك أن المرض الذي يخشى الإنسان بسببه من السقوط وقت الصلاة هو ما يُجيز جمع في الصلوات، وقد أشاروا إلى الجمع الصوري أي تأخير الصلاة الأولى إلى قبل وقتها ثم تأدية الصلاة الثانية في أول وقتها.

جمع الصلوات للخوف

جمع الصلوات للخوف

جمع الصلوات للخوف والأسر

ذهب عدد كبير من العلماء إلى جواز الجمع بين الصلاة للمقيم بسبب الخوف الشديد، واستند هؤلاء إلى قول ابن عباس إن النبي قام بـ الجمع بين الصلاتين بدون عذر لأنه لم يرد أن يحرج أمته، وكذلك الأسر أيضًا فأشار أنس بن مالك إلى جواز جمع الأسير للصلاة إذا سافر به الأعداء أو خشي نفاد الماء أما غير ذلك فله أن يصلي بشكل طبيعي.

وأما من يتساءل ويقول هل يجوز جمع الصلوات بسبب النوم ؟ فقد رد عليه بعض العلماء أن ذلك لا يجوز إلا أن يكون في الأمر مشقة حقيقية ولكن الأولى ترك الجمع.

كيفية الجمع بين الصلوات وتأديتها

أجمع فقهاء الدين على أن الجمع يتم بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء أي أن صلاة الفجر لا يسري عليه أحكام الجمع من الأساس مهما كان السبب، وفيما يلي كيفية جمع صلاة الظهر والعصر وكذلك المغرب والعشاء:

1) استحضار النية: يجب أن تُستحضر النية للجمع بين الصلاتين قبل أن يدخل الشخص في الصلاة الأولى.

2) عدم الفصل بين الصلاتين: لا يجوز الفصل بين الصلاتين بوقت كبير، حيث إن الغرض من جـمع الصلاة هو تأدية الفرضين معًا.

3) استمرار عذر الجمع: أي أن العذر الذي بُني عليه إباحة جـمع الصلاة لابد من أن يكون متحققًا في أثناء تأدية الصلاة.

4) الترتيب: إذا كان الجمع بين الظهر والعصر، فيجب تأدية صلاة الظهر أولًا، أما إذا كان جمع الصلاة بين المغرب والعشاء فمن الضروري تأدية صلاة المغرب أولًا.

5) الشروع في الصلاة بالطريقة المعروفة للصلاة حيث قراءة فاتحة الكتاب وسورة قرآنية والركوع والسجود والتسليم وغير ذلك من أركان الصلاة التي لا بدونها.

ما مفهوم جمـع الصـلاة؟

يشير إلى قيام الشخص بتأدية صلاة الظهر والعصر معًا تقديمًا أو تأخيرًا، وكذلك المغرب والعشاء.

هل يجوز للمسافر الجمع بين الصلوات؟

يُجيز كل من الشافعية والحنابلة والمالكية قيام المسافر بالجمع بين صلاتي الظهر والعصر وكذلك صلاتي المغرب والعشاء، أما الحنفية فيرونه غير جائز.

هل يمكن جـمع صلاة الفجر؟

لا بالطبع، فصلاة الفجر مستقلة بذاتها ولا يجوز جمعها مع أي صلاة أخرى، إذ لا يسير عليها الأحكام الفقهية الخاصة بجمع الصلوات.

ما هي الأعذار التي تبيح الجمع بين الصلوات؟

يوجد بعض الأعذار التي يجوز معها الجمع بين الصلوات وهي: (المرض والسفر والوقوف بعرفة ومزدلفة) بالإضافة إلى الخوف والأسر عند بعض الفقهاء.

مواضيع ذات صلة

فضل سورة البقرة في استجابة الدعاءفضل سورة البقرة في استجابة الدعاء

سورة الغاشية | تفسير وفوائد وأهميتها في الإسلام