تعد صلاة الوتر من السنن المؤكدة التي يستحب للمسلم أن يتقرب بها لله عز و جل في حال سفره و حضره, بل و ذهب جمهور من أهل العلم إلى ترقيها من منزلة الاستحباب إلى الوجوب, و إن كانت صلاة الوتر ذات شأن عظيم طوال أيام العام فلا شك أن شأنها في شهر رمضان المبارك أعظم, و إن كان دعاء الوتر مستحب طيلة العام فلا ريب أن استحبابه في تلك الأيام المباركة آكد.
ما هو دعاء الوتر ؟
يُعرف دعاء الوتر – وفقاً لقول جمهور العلماء – بأنه الدعاء الذي يبتهل به المسلم في الركعة الفردية الأخيرة من صلاة الوتر وذلك بعد الرفع من الركوع, و قد سمي بالوتر كون الصلاة تؤدى وتراً أي أن عدد ركعاتها فردي و لا يجوز أن تؤدى شفعاً أي بعدد ركعات زوجي.
و يطلق على هذا الدعاء دعاء القنوت أيضاً و القنوت كلمة تشير إلى الإمساك عن الحديث و الدعاء في الصلاة و إطالة القيام و نحو ذلك, و تشرع قراءة دعاء القنوت في الوتر و في الصلوات الخمس أيضاً في حالات البلايا و النوازل المفجعة العارضة.
أما عن صيغ دعاء قنوت الوتر فهي متعددة أشهرها ما ورد على لسان الحسن بن علي رضي الله عنه و علي بن أبي طالب رضي الله عنه و عبد الرحمن بن أبزي رضي الله عنه.
ما حكم قراءة دعاء صلاة الوتر ؟
تباينت أقوال أهل العلم و الفقهاء في مسألة حكم قراءة دعاء الوتر في الصلاة, و تتلخص أهم هذه الأقوال فيما يلي:-
1) حكم قراءة دعاء صلاة الوتر عند المالكية :
يرى أتباع المذهب المالكي أن قراءة دعاء صلاة الوتر مكروهة.
2) حكم قراءة دعاء في الوتر عند الشافعية :
يرى متبعو المذهب الشافعي أن قراءة دعاء في الوتر سنة فقط في النصف الثاني من شهر رمضان و فيما عدا ذلك فقراءته مكروهة, بينما يرى الإمام النووي – و هو أحد فقهاء الشافعية – أن قراءته مسنونة على الدوام في أي وقت طيلة أيام العام.
3) حكم قراءة دعاء صلاة الوتر في قيام الليل عند الحنابلة :
قراءة دعاء صلاة الوتر في قيام الليل سنة كل ليلة طوال العام في مذهب الإمام أحمد بن حنبل و أتباعه.
4) حكم قراءة ادعية الوتر عند الحنفية :
تعد قراءة ادعية الوتر في الصلاة مسنونة على الدوام عند أتباع مذهب أبي حنيفة النعمان.
ما هو وقت مشروعية دعاء صلاة الوتر ؟
تعددت أقوال العلماء أيضاً في الوقت الذي يشرع فيه دعاء الوتر فأتباع المذهبين الحنفي و الحنبلي مثلاً يرون أن قراءة دعاء صلاة الوتر في قيام الليل مشروع في كل وقت و في أي يوم, بينما يرى أتباع المذهب الشافعي أن دعاء الوتر في رمضان في النصف الثاني منه فقط.
كما يرى الشافعية أن دعاء القنوت لا يشرع في الصلوات المكتوبة إلا في صلاة الفجر, و فيما عدا ذلك فهو غير مشروع إلا في حال وقوع النوازل, و في السياق ذاته يرى أتباع مذهب الإمام مالك أنه لا مشروعية لدعاء القنوت على الإطلاق, أما الإمام ابن باز فقد ذهب إلى استحباب ادعية صلاة الوتر سواء قراءة دعاء الوتر اخر الليل أو أوسطه أو أوله.
و يرتبط وقت دعاء القنوت بوقت صلاة الوتر و هو الوقت الممتد من بعد صلاة العشاء و حتى طلوع الفجر, و لا يشرع تخصيص ساعة معينة للوتر أو وقت محدد.
ما حكم ترك دعاء صلاة الوتر في قيام الليل ؟
اختلف الفقهاء أيضاً في مسألة حكم ترك دعاء الوتر في الصلاة, و كان ملخص ما جاء في أقوالهم كالتالي:-
1) يرى المذهب الحنفي أن دعاء قنوت الوتر جزء من صلاة الوتر و لا ينفك عنها لذا يجب على مَن ينساه أن يجبر صلاته بسجود السهو.
2) يرى المذهب الحنبلي أن قراءة دعاء القنوت في الوتر ليس فرضاً و إن تم تركه سهواً أو عمداً فلا شيء على المصلي و لا يؤثر ذلك على صلاته كونه ليس ركناً منها, و يباح سجود السهو فإن سجد فلا بأس بذلك.
3) يرى المذهبين الشافعي و المالكي أن دعاء قنوت الوتر سنة و لا يعد ركناً من أركان الصلاة و لا سجود للسهو على مَن نسيه أو تركه.
ما هو فضل صلاة الوتر و دعاء الوتر ؟
لا ريب أن المحافظة على أداء صلاة الوتر و قراءة دعاء الوتر لها فضل عظيم, فهي سبب من الأسباب التي تحصل بها الهداية و تنوير القلب و بياض الوجه و رضا الرب و محبته سبحانه و تعالى, كما أنها تكسب المسلم شرفاً و تورثه عزاً و تجلب له الرزق و تضفي البركة على صحته و ماله و بنيه.
إلى جانب أن المحافظة على صلاة و ادعية الوتر من أسباب استجابة الدعاء و محو الذنوب و الآثام و الكتابة عند الله من القائمين الذاكرين علاوة على أنها وسيلة لشكر المولى سبحانه و تعالى على نعمه الوفيرة و آلائه الغزيرة, و قد امتدح الله عباده المصلين في آخر الليل في الآيتين الخامسة عشر و السادسة عشر من سورة السجدة.
كما ورد في فضل الوتر جملة من النصوص النبوية فقد أخبر النبي صلى الله عليه و سلم أصحابه أن تلك الصلاة خير من حمر النعم, و أكدت السيدة عائشة رضي الله عنها أن الرسول عليه الصلاة و السلام كان ملتزماً بأدائها و دائم الحث عليها, و عندما أخبرنا أبو هريرة أن رسول الله قد أوصاه بثلاثة أمور كان الوتر أحدها مما يبرهن على عظم منزلته و جليل فضله.
ما حكم قضاء صلاة و دعاء الوتر في رمضان ؟
يتساءل البعض عن حكم قضاء صلاة و دعاء الوتر لمن فاته ذلك سواء في شهر رمضان أو غيره, و في هذا الصدد اختلفت وجهات النظر فمال الأحناف إلى أن قضاء سنة الوتر في حال النسيان أو التعمد حكمه الوجوب, بيد أن المالكية رأوا أن الوتر لا يقضى بعد صلاة الفجر و لكن يقضى قبلها.
كما رأى المالكية أنه في حال كان المسلم يصلي صلاة الفجر فرداً و تذكر أنه قد نسي الوتر فمن المندوب له أن يقطع الصلاة و يقضي صلاة و دعاء الوتر مختصر بشرط أن يضمن عدم خروج وقت صلاة الفجر, أما الحنابلة و الشافعية فقد رأوا أن هذه السنة تقضى من باب الاستحباب فقط.
دعاء الوتر من القرآن الكريم :
تحتوي آيات القرآن الكريم على جملة من الأدعية التي يمكن تضمينها في دعاء الوتر ومنها الآية رقم أربعين من سورة إبراهيم و الآية رقم خمسة و ستين من سورة الفرقان و الآية رقم 201 من سورة البقرة.
بالإضافة إلى الآيات رقم 25 و 26 و 27 من سورة طه و الآيتين رقم 85 و 86 من سورة يونس وكذلك الآية الثامنة من سورة آل عمران, فضلاً عن الآيتين رقم 83 و 87 من سورة الأنبياء.
دعاء صلاة الوتر من السنة النبوية :
توجد العديد من الأدعية المأثورة في السنة النبوية يمكن الابتهال بها في دعاء الوتر مثل الاستعاذة بالله من زوال النعمة و تحول العافية و فجاءة النقمة و كل سخط الله عز و جل, إلى جانب ذكر دعاء سيد الاستغفار و دعاء الهم و الحزن وكذلك سؤال الله العفو و العافية في الدنيا و الآخرة و الدين و الدنيا و الأهل و المال.
علاوة على الدعاء بستر العورات و تأمين الروعات و الحفظ من كل الجهات, كما يشرع سؤال الله تصريف القلب على الطاعة و تثبيته على الدين و طلب الرحمة و حسن العاقبة في الأمور كلها.
فضلاً عن طلب الهداية و التيسير و قبول التوبة و غسيل الحوبة و إجابة الدعوة و ثبيت الحجة و سداد اللسان و انتزاع الغل و الحقد و الحسد من القلب وغير ذلك مما ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم الدعاء به.
ادعية صلاة الوتر المتنوعة :
يشرع تضمين دعاء الوتر أيضاً المزيد من الأدعية المتنوعة الأخرى كسؤال الله العفو و الغفران و الجنة و العتق من النار و مجانبة الفتن ما ظهر منها و ما بطن, إلى جانب الدعاء بعدم قبض الروح إلا في حال رضا الله سبحانه و تعالى و التوسل إلى الله بأن تكون خير الأعمال خواتيمها و خير الأيام يوم لقائه.
بالإضافة إلى دعاء الله قبول الأعمال و الثبات على الطاعة و القرب منه و العيش السعيد و الرزق المديد و العمل المبارك فيه, كما يشرع للمسلم أن يدعو الله بألا يجعل الدنيا أكبر همه و لا يسلط عليه بذنوبه مَن لا يخاف الله و لا يخشاه.
ما حكم الجهر بـ دعاء القنوت في الوتر ؟
هناك قولين في حكم الجهر بـ دعاء الوتر و تفصيلهما كالآتي:-
1) القول الأول عدم استحباب الجهر بـ دعاء الوتر :
يميل بعض أهل العلم و الفقهاء – كالمالكية و الحنفية و بعض الشافعية – إلى أن حكم الجهر عند قراءة دعاء القنوت في الوتر غير مستحب استناداً إلى الآية الخامسة و الخمسين من سورة الأعراف و التي يأمر الله فيها عباده بالدعاء تضرعاً و خفية لا جهراً و الأمر بإخفاء الدعاء يشمل الوتر و غيره.
كما استدلوا بالحديث الشريف الذي يوصينا فيه النبي عليه الصلاة و السلام بإخفاء الدعاء كون الله ليس أصماً أو غائباً, علاوة على أنهم قد رءوا أن الجهر بالدعاء فيه شيء من الرياء و الأولى تجنب ذلك, و ذكر هذا الفريق أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يسر بدعاء القنوت ليسأل الناس الله حاجاتهم.
2) القول الثاني استحباب الجهر بـ ادعية صلاة الوتر :
يرى الفريق الآخر من العلماء – كبعض الأحناف و الشافعية – أن الجهر بـ دعاء الوتر مستحب للإمام و المصلي المنفرد انطلاقاً من أن عمر و أبي بن كعب كانا يجهران بدعاء القنوت في صلاة الوتر و لم يخالفهما أحد, كما أنهم قاسوا ذلك على التأمين بعد قراءة سورة الفاتحة في الصلاة.
رفع اليدين عند ترديد دعاء في الوتر :
يستحب للمسلم أن يرفع يديه عند ترديد دعاء الوتر في صلاة القنوت فقد روي عن أنس بن مالك و عمر بن الخطاب و أبي هريرة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يرفع يديه عند الدعاء, أما عن صفة رفع اليدين فيتم رفعهما بمحاذاة الصدر و لا تشرع المبالغة في الرفع كون هذا الدعاء دعاء رغبة لا ابتهال.
كما تبسط اليدين و بطنيها إلى السماء مع ضمهما إلى بعضهما البعض و عدم المباعدة بينهما كي تناسب هذه الهيئة هيئة المستجدي الذي يسأل غيره شيئاً, و قد اختلف العلماء في مشروعية مسح الوجه باليدين بعد الدعاء فرأى بعضهم أنها سنة فيما رأى البعض الآخر أنها بدعة, أما الفريق الثالث فلم ير أنها سنة و لا بدعة و رجح أفضلية الترك كون الأحاديث التي دلت على مشروعية ذلك ضعيفة.
هل يجوز قيام الليل بعد صلاة الوتر ؟
انقسم رأي الفقهاء في حكم أداء صلاة قيام الليل – أو أي نافلة أخرى – بعد صلاة الوتر إلى قسمين كما يلي:-
1) الرأي الأول و هو الجواز فللمسلم أن يصلي ما شاء و لا حاجة له بإعادة صلاة و دعاء الوتر و هو ما اتفق عليه الجمهور من الأحناف و المالكية و الحنابلة و أغلب الشافعية.
2) الرأي الثاني و هو عدم الجواز إلا في حال نقض الوتر و أداء صلاة النافلة ثم إعادة الوتر, و يتم نقض الوتر من خلال استهلال النفل بركعة و هو ما اتفق عليه فريق من الشافعية.
ما حكم صلاة الوتر في السفر ؟
لا يختلف حكم صلاة و دعاء الوتر في السفر عن الحكم في الحضر, فإن نزل المسافر في أي بلد فإنه يؤدي الوتر كما لو كان مقيماً و إن لم ينزل و كان يستقل سيارة أو طائرة أو باخرة أو نحو ذلك فمن المستحب أن يؤديها على المركبة التي يستقلها على أن يستقبل القبلة عند أداء تكبيرة الإحرام.
ما عدد ركعات صلاة الوتر ؟
أقل الوتر ركعة واحدة و يزيد المسلم فيها ما شاء حتى إحدى و عشرين ركعة شريطة أن يكون العدد فردياً, فتكون ركعة أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع أو إحدى عشرة - و هو الأفضل - أو نحو ذلك, فتصلى ركعتين ركعتين ثم قراءة دعاء القنوت في الأخيرة.
ما هو دعاء بعد الوتر ؟
يستحب قراءة دعاء بعد الوتر و هو قول سبحان الملك القدوس رب الملائكة و الروح و تكرارها ثلاث مرات كما كان يفعل الرسول, و يشرع الدعاء أيضاً بالقبول و المغفرة لموتى المسلمين و العتق من النار و صلاح الدين و الدنيا و غير ذلك.
ما حكم قراءة دعاء القنوت مكتوب كاملا من الهاتف المحمول ؟
لا بأس بقراءة دعاء القنوت مكتوب كاملا من الجوال في حال عدم حفظه حيث أن حكم ذلك الجواز, فيمكن تنزيل دعاء الوتر كامل pdf على الهاتف المحمول و القراءة منه, و لو ترك المسلم هذا الدعاء فلا حرج فهو مسنون و ليس واجب.
ما السور التي تقرأ في صلاة الوتر ؟
يقرأ في كل ركعة من صلاة الوتر سورة الفاتحة و ما تيسر من أي سورة أخرى من القرآن الكريم, و قد كان دأب النبي صلى الله عليه و سلم قراءة سورة الأعلى في الركعة الأولى و سورة الكافرون في الركعة الثانية و سورة الإخلاص في الركعة الأخيرة.