تعد ظاهرة زواج الاقارب – أو الزواج اللحمي أو الزواج الداخلي – من الظواهر المجتمعية الشائعة التي يعود تاريخها إلى آلاف السنون لا سيما في منطقة الشرق الأوسط، ونتيجةً للطفرة العلمية التي شهدها مجال الطب خلال الأعوام المنصرمة ظهرت العديد من الدراسات التي تشجب هذا النوع من الزيجات وتؤكد سلبياته ومضاره وتنادي بمنعه.
كما ذهبت الكثير من الآراء التي تتمحور حول هذه الظاهرة إلى أن الزيجات القائمة على طرفين تربطهما علاقة الدم والنسب هي زيجات ذات أسس واهية ومصيرها الفشل المحتوم، وبين مؤيد لنكاح الأقارب ومعارضٍ له يحضرنا حسين الجسمي وهو يدندن قائلاً ((أصل القلب وما يريد في حاجات فيها ما نفتيش))!
لكن هل زواج الاقارب مضر حقاً؟ وهل صحيح ما أشيع عن أضراره والسلبيات التي تترتب عليه أم أنها أحكام عشوائية متسرعة تم إصدارها بناءً على حالات فردية لا يمكن التعويل عليها؟ تابعوا معنا سطور هذا المقال لنسبر أغوار تلك الظاهرة من كافة الأوجه حتى يكون الحكم عليها مصبوغاً بالإنصاف.
ما هو زواج الاقارب ؟
تجدر الإشارة في مستهل الحديث إلى أن زواج الاقارب هو شكل من أشكال الزيجات يكون بين رجل وامرأة تربطهما علاقة دم أو نسب على عكس الزواج من غير الأقارب الذي يتم بين رجل وامرأة لا تجمعهما أي عوامل وراثية.
ويترتب على النكاح بين الأقارب تراكم بعض الصفات السلبية والإيجابية عبر الأجيال وظهور ما يعرف بـ الأمراض الوراثية الناتجة عن زواج الأقارب حيث إن كلاً من الأبوين في هذا النوع من الزواج يحمل عوامل وراثية متنحية لا تستطيع التعبير عن نفسها على هيئة أمراض إلا في حال اجتماعها مع ما يماثلها.
وينقسم الأقارب في هذا الصدد إلى قسمين أحدهما أبناء العم من الدرجة الأولى وهم أبناء أشقاء الأب أو الأم أو أبناء عمومة الأب، والقسم الآخر أبناء العم من الدرجة الثانية وهم أبناء أبناء أشقاء الأب أو الأم.
هل زواج الاقارب يسبب امراض ؟
يتساءل العديد من الأشخاص هل زواج الاقارب يسبب امراض الدم والتشوهات أم لا والإجابة هي أن زيجات الأقارب قد تكون سبباً رئيسياً في الإصابة بالعديد من الأمراض والتشوهات والإعاقات؛ حيث أشارت عدة دراسات إلى أن أحد أهم السلبيات الناجمة عن زواج الأقارب ارتفاع احتمالية توارث نحو اثنين وثمانين مرضاً من بينهم مرض خضاب الدم واضطراب فقر الدم المعروف باسم الثلاسيميا ومرض زيادة الحديد في الدم.
بالإضافة إلى مرض حويصلات الكلى المتعددة وضمور عضلات الوجه والكتفين واضطرابات المناعة وأمراض خلل التمثيل الغذائي وكذلك أورام القولون والإجهاض المتكرر والإعاقات المختلفة، كما تعد الأمراض أحادية الجينات والعيوب الخلقية ومتلازمة داون والصرع وضعف السمع أو البصر المبكر وأمراض القلب التاجية وبيلة الفينيل كيتون أحد أبرز الأمراض والمشاكل الصحية التي يتم توارثها عندما يكون الأم والأب حاملين للصفات الوراثية ذاتها نتيجة وجود تاريخ عائلي لهذه المشكلات.
في الحقيقة توجد الكثير من الأمراض الوراثية الناتجة عن زواج الأقارب لكن نسبة حدوثها ضئيلة وليست مخيفة كما يشاع فعادةً ما يتم تضخيم الأمر عند طرح هذا الموضوع، ومن أهم الـ نصائح لزواج الأقارب إجراء الفحوصات اللازمة في المركز التخصصي الطبي قبل الإقدام على النكاح من العائلة لتفادي هذه الأمراض.
ما هي سلبيات زواج الأقارب وإيجابياته ؟
لـ زواج الاقارب سلبيات وإيجابيات متعددة يمكن تلخيصها فيما يلي:-
1) سلبيات زواج الأقارب :
تتضمن سلبيات زواج الأقارب انخفاض معدل الخصوبة وارتفاع احتمالية نقل الأمراض للأبناء وزيادة نسبة إصابة المواليد بالتشوهات والعيوب الخلقية، ناهيك عن اضرار زواج الاقارب الاجتماعية المتمثلة في شعور العائلة بأحقية التدخل في كافة شئون الزوجين بسبب القرابة.
2) إيجابيات زواج الاقارب :
أما عن إيجابيات زواج الأقارب فهي تتمثل في سهولة التعارف نظراً لإلمام كل من الرجل والمرأة بالمعلومات الكافية المتعلقة بالطرف الآخر فلا أسرار صحية ولا أسرار مالية يحجبها أحد الطرفين عن الآخر، أضف إلى ذلك أن الأقارب عادةً ما يخضعون للمعايير المجتمعية ذاتها لذا يترعرع الأطفال في كنف أبوين لهما القيم الدينية والموروثات الاجتماعية نفسها وهو ما يجعل العملية التربوية أكثر سهولة إذ أن التنشئة في بيئتين مختلفتين سيء للغاية.
كما تشمل إيجابيات زيجات الأقارب حصر الإرث في العائلة نفسها وعدم وجود فروقات اقتصادية شاسعة في الغالب بين الطرفين، إلى جانب أن الزوجين عندما يكونا من العائلة ذاتها لا يواجهان صعوبة في الاندماج مع عائلة الطرف الآخر ولا يتسرب إلى أي منهما شعور أنه عنصر جديد ودخيل.
هل زواج الأقارب يسبب تشوه الجنين ؟
يتساءل الكثير هل زواج الأقارب يسبب تشوه الجنين أم لا والإجابة هي أن زواج الاقارب يتسبب في زيادة احتمال حدوث التشوهات الخلقية لكن الأمر في نهاية المطاف لا يعدو كونه مجرد احتمالات قد تحدث وقد لا تحدث وهناك العديد من الزيجات التي لم ينتج عنها أي تشوهات في الأجنة، أضف إلى ذلك أن تشوه الأجنة يعزى إلى أسباب أخرى غير الزواج من الأقارب ومنها تعاطي بعض العقاقير الدوائية أثناء فترة الحمل لا سيما خلال الأشهر الثلاثة الأولى منها.
ومن أسباب حدوث تشوهات الأجنة أيضاً تعرض السيدة الحامل لبعض أنواع العدوى مثل الجدري المائي والحصبة الألمانية أو التعرض للمواد الكيميائية الضارة، بالإضافة إلى تعاطي الكحولات ونقص بعض العناصر الغذائية الهامة وتمزق الأغشية التي تحيط بالسائل الأمينوسي وغير ذلك، وهناك بعض التشوهات التي لم يتمكن المختصون من تحديد أسباب واضحة لها.
لذا يراعى في جميع الأحوال الخضوع للرعاية طوال فترة الحمل والحرص على المتابعة المستمرة وتوخي الحذر من تعاطي أية عقاقير دوائية إلا تحت إشراف الطبيبـ/ة المتخصصـ/ة، ويفضل عند الإقبال على الزواج من الأقارب إجراء الفحص الطبي الخاص بالجينات لاستطلاع النسبة المحتملة لحدوث التشوهات من عدمها.
هل نهى الإسلام عن زواج الأقارب ؟
بالطبع لم ينهَ الإسلام عن زواج الاقارب بل أحله وأعطى كلاً من الرجل والمرأة حق اختيار الشريك المناسب قريباً كان أم بعيداً، ولو كان هذا النوع من الزواج مكروهاً ما تزوج النبي عليه الصلاة والسلام من ابنة عمته زينب بنت جحش رضي الله عنها وما زوج ابنته فاطمة رضي الله عنها من ابن عمه علي بن ابي طالب رضي الله عنه، ناهيك عن أن كل المسلمين آنذاك كانوا ينتمون إلى قبيلة قريش وقد تزوجوا من القبيلة ذاتها دون حرج في الأمر.
وفي هذا الصدد يؤكد علماء اللجنة الدائمة للإفتاء أنه لا صحة لأي أحاديث يتم تداولها تفيد النهي عن الزواج بين الأقارب مثل الحديث المنسوب زوراً للنبي عليه الصلاة والسلام ((غربوا النكاح))، وقد وضحت الآية رقم خمسين من سورة الأحزاب جواز ذلك كما بينت الآية الثالثة والعشرون والرابعة والعشرون من سورة النساء المحرمات في الزواج، وفيما عدا المحارم ((لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ)).
وأضافت اللجنة أن حدوث الإعاقات إنما يكون بقضاء الله وقدره والنهي عن كل نكاح الأقارب مخافة الأمراض الوراثية المتوهمة أمر غير صحيح باستثناء بعض الحالات الخاصة التي لا تؤخذ على محمل القوانين الثابتة.
لماذا زواج الاقارب خطر ؟
يتساءل البعض لماذا زواج الاقارب خطر والحقيقة أنه لا خطر في الزواج من الأقارب طالما أنه غير متكرر في العائلة الواحدة لكن يراعى الخضوع للفحص قبل عقد النكاح من باب أخذ الحيطة والأخذ بالأسباب، فلو كان زواج الأقارب مشوب بالخطورة بشكل عام ما كان للإسلام أن يبيحه.
هل زواج الاقارب يؤثر علي الجنين ؟
من الأسئلة المتداولة هل زواج الاقارب يؤثر علي الجنين والإجابة هي أن العديد من حالات تشوهات الأجنة ناجمة عن زواج الأقارب لكن هذا لا يعني بالضرورة حدوث ذلك، ولا داعي للقلق فالخضوع للرعاية الصحية خلال فترة الحمل يكشف في وقت مبكر أي تشوهات قد تلحق بالأجنة.
ما هي المجتمعات التي يكثر فيها زواج الاقارب ؟
يكثر زواج الاقارب في المجتمعات العربية حيث إن نسبة حدوثه تتخطى الـ 49% من الزيجات حسب إحدى الدراسات، ويأتي في مقدمة هذه المجتمعات المجتمع السعودي والفلسطيني والكويتي والمصري واليمني والسوداني والعراقي، أما المجتمعات الغربية فقلما يحدث فيها هذا النوع من الزواج إذ إن نسبته لا تتجاوز 2% من إجمالي الزيجات.
متى يكون زواج الأقارب أفضل من زواج الأباعد ؟
يكون زواج الأقارب أفضل من زواج الأباعد في حال كانت العائلة تحظى بعوامل وراثية محببة ليست شائعة لدى غيرها من العائلات الأخرى مثل صفة الذكاء والجمال والقوة وطول العمر ونحو ذلك، على أن يراعى عدم الاستمرار في تزاوج الجيل من العائلة نفسها.