يقول الجاهلون إن المرأة لم يكرمها الإسلام فجاءت سورة النساء لتؤكد أن ما قيل لم يكن إلا محض هراء، وضربت عرض الحائط بكلام الأفاقين الذين زعموا أن المرأة ما هي إلا أداة، ولقد ورد في هذه السورة العديد من الأحكام التي تتعلق بالمرأة وتبين حقوقها وواجباتها لتعرف بذلك نساء المسلمين أن لهن مثل ما عليهن في هذا الدين.
سورة النساء | إلمامة ساطعة حولها
تعد سورة النساء إحدى السور الطوال، فهي ثالث أطول سورة في القرآن الكريم بعد سورة البقرة وآل عمران من حيث عدد الآيات، أما من حيث عدد الصفحات فهي ثاني أطول سورة بعد البقرة، وتقع في الجزء الأول من كتاب الله.
سـورة النـساء من السور المدنية التي نزلت على النبي محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، وقد أنزلها الله على نبيه بعد سورة الممتحنة.
إن عدد ايات سورة النساء يبلغ 176 آية، وتقع في الترتيب الرابع في المصحف الشريف بين سور القرآن الكريم، كما أن ترتيبها في كتاب الله يأتي بعد سورة آل عمران وقبل سورة المائدة.
أما لماذا سميت سورة النساء بهذا الاسم ؟ فالإجابة تتمثل في كون هذه السورة تحدثت عن الأحكام التي تخص المرأة في حالات الميراث والزواج والطلاق وغيرها من الأمور، ومن المعلوم أن معظم سور القرآن الكريم تمت تسميتها تبعًا لما تحدثت عنه.
فضل سورة النساء:
القرآن الكريم كله خير، فهو كتاب مبارك دائم البركة والمنفعة، فهو كلام رب العالمين له من الفضائل ما تعجز عن تصورها عقول البشر مجتمعين، ولما كانت سـورة النـساء من سور القرآن الكريم كانت هي الأخرى لها فضل عظيم.
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: “قال لي النبي صلى الله عليه وسلم اقرأ علي القرآن، قلت يا رسول الله: آقرأ عليك، وعليك أُنزل؟ قال: نعم، فقرأت سـورة النـساء حتى أتيت إلى هذه الآية “فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا، قال حسبك الآن فالتفتُ إليه، فإذا عيناه تذرفان”
ثم إن سورة النساء تحوي عددًا من الآيات التي يرى فيها عبد الله بن مسعود أنها تفوق عنده سعادة الدنيا، ومن هذه الآيات قوله تعالى: “إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما”، وآية “إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء”.
ويظهر فضل سـورة النـساء الكبير في قول عمر بن الخطاب التالي: “من قرأ البقرة وآل عمران والنساء في ليلة كُتب من القانتين”.
مدى ارتباط سـورة النـساء بما قبلها
إن ترتيب القرآن الكريم لم يأت هباءً وإنما رتبه الرسول صلى الله عليه وسلم تبعًا لأوامر رب العالمين، فهو لا ينطق عن الهوى، ولهذا عند تدبرنا في القرآن الكريم وترتيب السور نكتشف الكثير والكثير من الأسرار، فنجد أن هناك سورًا ترتبط بما قبلها وسورًا ترتبط بما بعدها، وفي إطار حديثنا عن تفسير سورة النساء للشعراوي مكتوبة نلقي الضوء عن ارتباط هذه السورة بما قبلها وهي “سورة آل عمران”، ويظهر هذا الارتباط في نقطتين هما:
1) بدأت آيات سورة النساء بالحديث عن التقوى حيث قوله تعالى “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ”، وقد ختم الله سورة آل عمران بالحديث عن التقوى أيضًا وذلك في قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”، ويعرف هذا الأمر بتشابه الأطراف.
2) دعت كل من سورة آل عمران وسـورة النـساء إلى توحيد الله تعالى الذي هو أساس قيام المجتمع.
ما هي مقاصد سورة النساء ؟
سـورة النـساء واحدة من أطول سور القرآن الكريم، وعند تأملنا آيات سورة النساء مكتوبة كاملة بالتشكيل سنجد أنها تدور حول عدد من المقاصد التي نوضحها في طيات السطور التالية:
1) أشارت الآيات إلى توحيد الله عز وجل الذي هو الغرض الرئيسي في كل سور القرآن الكريم، وهو أيضًا مقصد من مقاصد سورة النساء ، فتوحيد الله تعالى هو الأساس الذي يقوم عليه المجتمع الإسلامي، وينبثق منه منهج الحياة.
2) تحدثت سـورة النـساء باستفاضة عن بناء الأسرة المسلمة، وتنظيم العلاقة بين الزوجين.
3) تأسيس دولة إسلامية على أسس قوية، ومن أهم مقوماتها الحفاظ على الأمانة وردها إلى أهلها، وكذلك الرجوع إلى شرع الله في كل الأمور الحياتية، وتَجلى ذلك في قوله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما).
4) تحذير المسلمين من رءوس النفاق والفتنة الذين يطمحون إلى زعزعة المجتمع الإسلامي وهدمه بشتى الطرق.
5) إلقاء الضوء على بعض الأفعال السيئة التي كانت منتشرة في الجاهلية، وتحذير المسلمين منها مثل تقطيع الأرحام وأكل أموال اليتامى، وكذلك عدم إعطاء المهور للنساء.
6) بَين الله تعالى للمسلمين في سـورة النـساء أن الهدف من أحكام الإسلام إنما هو لصالحهم في الدنيا والآخرة وليس لأجل تحميلهم ما لا يطيقون.
7) وضحت بعض آيات سورة النساء أهمية الجهاد في سبيل الله كعنصر أساسي في الدفاع عن هذا الدين، ثم إنه يساعد في تبليغه للناس كافة.
8) إثبات الوحدانية لله عز وجل فسبحانه ليس له شريك ولا ولد، وإبطال عقيدة أن سيدنا عيسى هو ابن الله، والتأكيد على أن محمد رسول الله هو النبي الخاتم الذي بُعث للناس أجمعين، فمن اتبعه نجا ومن عصاه هلك.
9) يؤكد الله عز وجل في سـورة النـساء أن أمر النجاة من نار _لا تبقي ولا تذر_ متوقف على الإيمان بالله، وحسن العمل وليس الأماني، ويظهر ذلك في قوله تعالى: (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا).
10) إقامة الحجة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وما جاء به.
تجليات حول بعض آيات سـورة النـساء
يقول سيد قطب: (إنَّ هذا القرآنُ لا يمنح كنوزه إلا لمن يُقبِلُ عليه) وها نحن نقبل على القرآن الكريم متمثلًا في سـورة النـساء لنستخرج من آياتها الأحكام، ونتدبر معانيها، وفيما يلي تفسير سورة النساء ابن كثير لبعض آياتها:
أولًا: ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ….”
ذكرت كتب التفسير أن هذه الآية أنزلها الله تعالى على سيد البشرية بسبب أن قومًا حفاة عراة جاءوا إلى النبي الكريم ليسألوه عن أمور دينهم، وعندما وقعت عين النبي عليهم تأثر لسوء حالهم، فقام للناس خطيبًا وتلا هذه الآية ليحث الناس على إخراج الصدقات.
ثانيًا: “وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ…..”
تعد هذه الآية من الآيات التي تشير إلى ضرورة البعد عن أكل أموال اليتامى بالباطل حتى لا يتعرض الإنسان لعقاب من الله عز وجل، ونزلت هذه الآية في رجل من قبيلة غطفان كان قد امتنع عن إعطاء ابن أخيه اليتيم أمواله، ثم إنه كان قد بدّل غنمه الضعيفة مع غنم ابن أخيه السمينة.
ثالثًا: “وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ …….”
هذه الآية نزلت في أولئك الأشخاص الذين يرغبون في الزواج من اليتيمة التي في ولايتهم طمعًا في مالها حيث قالت السيدة عائشة رضي الله عنه عندما سئلت عن هذه الآية: (هي اليتيمةُ تكونُ في حِجْرِ وليِّها فيرغبُ في مالِها وجمالِها, ويريدُ أن يتزوجَها بأدنى من سُنَّةِ صَداقِها، فنهوا أن يَنْكِحوهُن إلا أن يُقسِطوا لهن فيكملوا الصَّداقَ، وأمروا بنكاحِ من سواهُن من النساءِ).
رابعًا: ” يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى …..”
يشير بعض الناس إلى أن هذه الآية تعرف باسم آية الوضوء في سورة النساء ولكن ذهب عدد كبير من المفسرين إلى أن هذه الآية لم تتطرق إلى الوضوء.
اختلاف العلماء حول آية زواج المتعة سورة النساء
تعد آية “وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ………” من الآيات التي اختلف فيها العلماء، حيث يرى بعضهم أنها آية المتعة التي تدل على زواج المتعة قبل أن تُنسخ ويتم تحريم هذا الزواج.
وقال عدد آخر من العلماء إن هذه الآية لم تشر إلى زواج المتعة بل أشارت إلى الزواج الصحيح مكتمل الأركان، ولكن محل الاتفاق بين العلماء في كون زواج المتعة تم تحريمه والآية منسوخة.
أحكام التجويد في سـورة النـساء
استخراج أحكام التجويد في سورة النساء كاملة ليس بالأمر اليسير وإنما يتطلب جهدًا كبيرًا، فالقرآن الكريم بداخله العديد من هذه الأحكام التي تحتاج إلى دراسة واسعة، إلا أننا نحاول جاهدين أن نعرض بعض أحكام التجويد في سورة النساء، وذلك فيما يلي:
ــ الإدغام: وهو التقاء حرف ساكن بحرف متحرك فيدخلان مع بعضهما البعض، ويظهر ذلك في كلمة “نفس” في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ).
ــ الإظهار: وهو نطق النون الساكنة أو التنوين دون غنة ظاهرة ولا “وقف أو سكت أو تشديد”، ويتضح ذلك في “وإن” في قوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ).
ــ القلب: وهو أن يَقلب القارئ النون الساكنة أو التنوين ميماً ومثال ذلك “من” في قوله تعالى (وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُم بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ).
ــ الإخفاء: وهو أن يُنطق حرف النون الساكنة أو التنوين بشكل ما بين الإظهار والإدغام، ومن أمثلته في سورة النساء كلمة “الأنثيين” في قوله تعالى: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْن).
أبرز متشابهات سورة النساء
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ)، وهذا يعني أن القرآن الكريم يشابه بعضه بعضًا، ويدل بعضه على بعض، وفيما يلي بعض متشابهات سورة النساء :
1) آية “يأيها الناس” وردت في سـورة النـساء وكذلك في كل من “الأعراف، يونس، الحج”.
2) آية ” ٱلَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ” جاءت بنفس الشكل في سورة النساء، بينما وردت في سورة الأعراف بهذه الألفاظ: “هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا “.
3) آية “وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا” جاءت في سـورة النساء وكذلك في سورة التوبة.
4) جاءت آية ” وَذَٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ” في سـورة النساء، بينما وردت في سورة المائدة والتوبة والصف والتغابن دون الواو حيث قوله “ذَٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ”، وفي سورة الصافات وردت بالشكل التالي: ( إِنَّ هَذَا لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ).
متى نزلت سورة النساء على النبي صلى الله عليه وسلم؟
نزلت كل آياتها على النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة في المدينة المنورة عدا آية واحدة نزلت عليه في فتح مكة.
لماذا سميت سورة النساء بهذا الاسم؟
أُطلق على سورة النساء هذا الاسم نظرًا لما تضمنته السورة من أحكام عديدة تخص المرأة.
كم عدد آيات سورة النساء؟ وما هو ترتيبها في المصحف؟
عدد آيات سورة النساء يبلغ 176 آية، وتقع في الترتيب الرابع في القرآن الكريم بعد (الفاتحة، البقرة، آل عمران).
ما هو ترتيب سورة النساء بين سور القرآن من حيث الطول؟
تأتي سورة النساء بعد سورة البقرة وسورة آل عمران من حيث عدد الآيات فهي أقل منهما، أما من ناحية عدد الصفحات فسورة النساء تأتي خلف سورة البقرة مباشرة.