مصاعب الحياة قادرة على سلب العقل وانحناء الظهر لولا وجود الأحبة، فتهون الحياة ببسمة خديجة وروحها العطرة وقلبها الدافئ ويا فرحة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- بسند عمه الحبيب أبو طالب وحمايته، فليس عجبًا أن يطلق المؤرخون على العام الذي توفي فيه عم الرسول -صلى الله عليه وسلم- وزوجته الحبيبة خديجة عام الحزن .
متى كان عام الحزن ولماذا سمي بهذا الاسم؟
يرجع تسمية عام الحزن بهذا الاسم إلى وفاة أبي طالب عم الرسول -عليه الصلاة والسلام- الذي كان يدافع عنه ويحميه من أذى المشركين، وقام بتربيته مع أولاده وكان خير عونًا له منذ أن مات جده عبد المطلب، بالإضافة إلى وفاة زوجته الحبيبة خديجة بنت خويلد القرشية وصديقته المخلصة وأم أولاده التي ساندته بنفسها ومالها وصدقته حين كذبه الناس وآمنت به إذ كفر به الناس، بالإضافة إلى الأحداث والمصاعب الكثيرة التي عرقلت طريق الدعوة إلى الإسلام وعبادة الله الواحد.
كان العام العاشر من البعثة النبوية قبل هجرة الرسول -عليه الصلاة والسلام- بحوالي سنتين أو أكثر حافلًا بالشدائد والمصائب ووفاة أحباب المصطفى والأقرب إلى قلبه، فشهد هذا العام وفاة زوجته خديجة التي كانت تأخذ من أزره وتسانده على تحمل الشدائد التي يواجهها في سبيل الدعوة الإسلامية وتدعمه بمالها ونفسها، وعمه الحبيب أبو طالب الحامي له من تدخلات المشركين وعداوتهم الشديدة له، فاستغلت قريش وفاة عمه وانهالت عليه المصائب والمكايد، لذلك أطلق الرسول علي هذا العام عام الحزن .
أهم أحداث عام الحزن | فقدان الأحبة
وفاة خديجة بنت خويلد:
وقع خبر وفاة السيدة خديجة كالصاعقة على قلب النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد وفاة عمه الحبيب أبو طالب بعدة أيام وسمي هذا العام بـ عام الحزن ، وذلك لما لها من مكانة عظيمة في قلب سيدنا محمد فكانت سنده العاطفي والمادي وأم أولاده وحبيبته المخلصة وذات رأي حكيم ونظرة فلسفية جيدة، وهي التي عرفته على ابن عمها ورقة بن نوفل الذي بشره بالنبوة.
وفاة أبو طالب:
تولى أبو طالب تربية ابن أخيه محمد بن عبد الله بعد موت جده عبد المطلب، فكان الأب الرحيم والسند القوي وخير الرجال في حياته -صلى الله عليه وسلم- وحماه من بطش المشركين فلم يتجرأ أحد على أذية الرسول وعمه حي يرزق، وعندما مرض أبو طالب بعد خروجه من الحصار أسرع إليه النبي حاملًا في قلبه رغبة شديدة لجعل عمه ينطق الشهادة ويدخل إلى الإسلام.
ولكنه رفض الدخول في الدين الإسلامي بسبب تأثير أبو جهل وعبد الله بن أمية عليه وقال: “إنه لا يترك دين آبائه”، فمات أبو طالب وهو كافر إلا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حزن عليه حزنًا شديدًا، كيف لا وهو الذي رباه ورعاه في صغره والمساند له في الدعوة الإسلامية.
العلاقة بين عام الحزن ومحنة الطائف :
تجرأت قريش على أذية الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاة زوجته خديجة وعمه أبو طالب والد خليفة المسلمين الرابع علي بن ابي طالب بكل أشكال القهر والبغي، فأراد الرسول إيجاد مركز جديد للدعوة غير مكة لحث الناس على الدخول في الإسلام، فخرج سيرًا على الأقدام متجهًا إلى الطائف التي تبعد عن مكة نحو عشرة أيام ولكن قومها لم يستجيبوا لدعوته وأمروا صبيانهم برمي الحجارة عليه.
يتساءل الكثير من المسلمين ماذا فعل الرسول في عام الحزن ؟ اختار النبي -عليه الصلاة والسلام- مدينة الطائف لتكون المركز الجديد للدعوة بعيدًا عن قريش وظلمها، وبسبب ما تتمتع به من موقع استراتيجي متميز لقريش واحتوائها على الشجر وبعض أملاك أغنياء مكة، بالإضافة إلى تمركز بعض مصالح قريش في الطائف فإذا نصرت الرسول ساعد ذلك في تهديد مصالحهم وتجارتهم.
خشيت قبائل الطائف (الأحلاف وبنو مالك) من عداوة قريش وهوازن والاستجابة لدعوة الرسول -عليه الصلاة والسلام-، لذلك قرروا الامتناع عن سماع كلام الرسول بل بالغوا في الأذية وسوء الأدب معه ولكنه كان حليمًا ولم يرد الإساءة بالإساءة وطلب منهم السرية والكتمان على أمره.
العبر المستخلصة من عام الحزن:
يعد عام الحزن من الأعوام الحافلة بالمصائب والشدائد التي مرت على النبي -عليه الصلاة والسلام- خلال الدعوة الإسلامية، حيث تمادت قريش في إيقاف الدعوة وأذية الرسول بعد موت عمه أبو طالب الذي كان يحميه من ظلم المشركين بماله وجاهه.
فلم يتجرأ أحد من المشركين التعدي عليه وهو في حماية عمه وكنفه، إلا أن المصائب لا تأتي فرادى فبعد مرور شهر وخمسة أيام على وفاة عمه أبي طالب توفيت زوجته أم المؤمنين السيدة خديجة التي كانت تواسيه إذا دخل بيته وأنجبت له من البنات فاطمة الزهراء وزينب وأم كلثوم ورقية ومن البنين القاسم وعبد الله، وهناك الكثير من الدروس والمواعظ المستفادة من عام الحزن كما يلي:
– من سمات المسلم الحقيقي البحث عن الطرق المؤدية إلى النجاح وعدم الاكتفاء بحل واحد فقط.
– يدرك المسلم في معظم الأحيان أن الخير فيما يظنه شرًا له، وهذا ما عهد إليه النبي حينما بدأ بالبحث عن أماكن أخرى للدعوة بعد ظلم قريش له وبعد ما واجهه منهم من صعاب.
– أنزل الله على رسوله الكريم المواساة الربانية بعد ما عانى بطش قريش وظلمهم بحدوث رحلتي الإسراء والمعراج، فهناك ارتباط بين عام الحزن والاسراء والمعراج .
– على الرغم من القرابة القوية بين الرسول وعمه أبو طالب لكن الله يمنع الاستغفار لغير المسلمين حتى وإن كانوا ذوي قرابة.
– تعلمنا من الحكايات الواردة في عام الحزن أن وجود الزوجة الصالحة في حياة الرجل مهم جدًا، فكانت السيدة خديجة خير مثال في السند والحنان والإعانة مع النبي -عليه الصلاة والسلام-.
– مهما اشتدت المصائب والكربات على الإنسان لا يجب أن يدخل اليأس إلى قلبه أبدًا، فحينما زاد أذى المشركين لرسول الله لم يستسلم وظل يفتش عن مكان جديد للدعوة فخرج إلى الطائف مستعينًا بالله عزوجل.
أطلق على عام 1420 هجريًا عام الحزن بسبب وفاة مجموعة من العلماء الأجلاء فيه ومنهم ابن باز، الطنطاوي، مناع القطان، عطية محمد سالم.
توالت المحن والشدائد عليه -صلى الله عليه وسلم- في العام العاشر من البعثة، فقال (ما نالت قريش مني شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب).
كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يستعيذ من الهم والحزن ويقول (ما يصيب المرء من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها خطاياه) ويحتسب الأجر عند الله.
خرج الرسول ﷺ من مكة على قدميه مع غلامه زيد بن حارثة حتى لا يظن المشركين أنه خارج من مكة إلى الأبد. ما السر وراء (عام الحزن ابن باز)؟
ماذا قال الرسول ﷺ في عام الحزن؟
كيف كان يتعامل النبي ﷺ مع الحزن؟
لماذا خرج الرسول ﷺ من مكة سيرًا على الأقدام؟