أحب قصة سيدنا يحيى و أجدها دوماً تلامس شغاف قلبي, أحب فكرة أن مجيئه كان بشرى و استجابة لدعوات لم يفتر لسان والده عن ترديدها رغم استحالة الأسباب و تعقيدها, ((رب لا تذرني فرداً و أنت خير الوارثين)), ((رب هب لي من الصالحين)).
أتساءل دوماً ما حجم اليقين الذي كان يمتلكه أبوه زكريا عليه السلام ليلقي بكل ما يخبره أن مراده محال عرض الحائط و يسترسل في توسلاته, غض طرفه عن الشيب الذي غزا شعر رأسه و العمر الذي لم يتبق منه أكثر مما قد ولى و الزوجة التي يدرك أن أرضها بور لا تطرح الثمر و ظل يدعو و يمني نفسه كما لو أن كل الأسباب مهيأة !
لقد تجاهل زكريا الأسباب و علق رجاءه على مسبب الأسباب, فطن إلى ما نحتاج أن نفطن إليه فكان له ما تمنى و جاء له يحيى كبشرى, ((يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى)), ستظل قصة النبي زكريا وابنه يحيى درساً يذكرنا بأن الله إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون و أن الحياة لا تسير دوماً وفق قانون 1+1=2 بل هناك إله لا يعجزه شيء في الأرض و لا في السماء.
ما هي قصة سيدنا يحيى ؟
تعد قصة سيدنا يحيى واحدة من القصص التي خلدها القرآن الكريم في محكم آياته, فما من مسلم إلا و يعرف يحيى و أبوه و يستذكر قصتهما كلما تلا آيات سورة آل عمران أو سورة مريم, و بما أن القرآن خلدها فهذه دلالة كافية و إشارة واضحة على أنها عظيمة و ذات معانٍ جميلة مثل قصة طالوت وجالوت وغيرها من القصص التي زخر بها القرآن.
لذا سنتناول في سطور هذا المقال قصة سيدنا يحيى بالتفصيل من خلال التحدث عن الجوانب التالية:-
1) نسب سيدنا يحيى و نشأته :
أول ما سنتحدث عنه في قصة يحيى عليه السلام هو نسبه, و الجدير بالذكر أن نسب نبي الله يحيى ينحدر من سلالة الأنبياء, فهو يحيى بن زكريا بن لدن بن مسلم بن صدوق بن حشبان بن داوود بن سليمان بن مسلم بن صديقة بن برخيا بن شلوم بن إينامن بن سليمان بن داوود بن إيشار بن حصرون بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام.
كما تجدر الإشارة إلى أن يحيى هو أول مَن حمل هذا الاسم فقد تخير الله جل و علا له اسم يحيى كونه قد أحيا به عقر أمه و قيل لأنه أحيا قلبه بالنبوة و الإيمان أو لأنه أحياه على الطاعة, فلم تكن نشأة يحيى كنشأة بقية الصبية بل أوتي الحكمة و النبوة في عمرٍ مبكر.
و في قصة سيدنا يحيى يذكر أن ثلة من الصبية طلبت منه أن يذهبوا للعب فقال لهم ((ما للعب خُلقنا, اذهبوا نصلي)), و يبرهن على ذلك قوله تعالى (( و آتيناه الحكم صبياً)).
2) قصة نبي الله يحيي مختصرة صفاته :
عند ذكر قصة نبي الله يحيى مختصرة لا بد من تسليط الضوء على صفاته عليه السلام, و قد تمثلت صفاته الجسمانية في أنه كان جميل الوجه و طويل الأنف – على عكس يأجوج ومأجوج اللذان يتسمان بصغر و ذلف الأنف – و قصير البنان و مقرون الحاجبين و رقيق الصوت.
أما صفاته الخلقية فكانت تتجلى في اتسامه بلين الجناح و الرحمة و فهم الكتاب و قوة العبادة و طهارة النفس و العفة و التواضع, علاوةً على بر الوالدين و الشرف و التقوى و الحبس عن الشهوات و المنكرات و هو ما دل عليه قول الله تعالى عند ذكر قصة سيدنا يحيى ((و حصوراً)).
3) علاقة سيدنا يحيي بسيدنا عيسى :
تشير العديد من المصادر إلى أن نبي الله يحيى بن زكريا عليهما السلام كان ابناً لخالة عيسى بن مريم عليهما السلام و كانا في الفئة العمرية ذاتها فقد كان يحيى يكبر المسيح بأشهر قليلة, كما أن كلاً من يحيى و عيسى قد أوتيا النبوة في الصغر فأحدهما في مهده و الآخر قبل أن يتجاوز السابعة من عمره على عكس بقية الأنبياء الذين لم يبعثوا قبل سن النضج و هو الأربعين في الغالب.
و في قصة سيدنا يحيى عليه السلام كاملة pdf يروى أن يشاع والدة يحيى أخبرت مريم أم عيسى قائلة ((إني أرى ما في بطني يسجد لما في بطنك)), و قد تحققت نبوءتها فكان يحيى أول مَن آمن بعيسى و صدقه.
لذا فإن يحيى من المبجلين في النصرانية و قصته مذكورة في الإنجيل كما ذكرت قصة سيدنا عيسى في القرآن غير أن يحيى معروف في المسيحية باسم يوحنا المعمدان, ناهيك عن أن قصة مقتل سيدنا يحيى الواردة في الإنجيل لا تتعارض أحداثها مع قصة مقتله في الإسلام على خلاف قصة النبي يحيى عليه السلام عند الشيعة وغيرهم.
4) قصة موت النبي يحيى :
أما عن قصة موت النبي يحيى فهي محط اختلاف بين المؤرخين لذا نجد عدداً من الروايات المتباينة في هذا الصدد, لكن غالبية الروايات التي تناولت قصة سيدنا يحيى أكدت على أنه مات مقتولاً و لم تكن وفاته طبيعية, و في هذا الصدد يذكر أن الملك آنذاك كان شغوفاً بحب امرأة من محارمه و أراد الزواج منها فنهاه يحيى عن ذلك كون الزواج من المحارم حكمه التحريم.
و تشير قصة سيدنا يحيى إلى أن موته كان على يد أحد أتباع الملك الذي حال دون زواجه ممن أحبها من محارمه, فقتل عليه السلام على حين غفلةٍ منه و هو قائم يصلي في المحراب, و هذه هي الإجابة الأكثر شهرة عن السؤال المتداول حول قصه سيدنا يحيى كيف مات و الله أعلم.
و قد كان قتل الأنبياء دأب بني إسرائيل فقد عاثوا في الأرض فساداً و استكبروا بغير وجه حق كالأمم الغابرة أمثال قوم عاد وثمود وغيرهم.
إلى ماذا ترشدنا قصة نبي الله يحيى ؟
هناك جملة من الأمور التي ترشدنا إليها قصة سيدنا يحيى بن زكريا عليهما السلام, و تتمثل أبرز هذه الأمور في أن المؤمن قد يبتلى في ثباته و عندئذ لا بد من أن يصمد في وجه الفتنة و لا يتخلى عن مبادئه في الشدائد, فها هو يحيى قد وقف في وجه المعتدين على حدود الله و لم يأبه بطغيانهم و لم يتزعزع عن مبادئه مخافة الجاه و السلطان.
من هذه الأمور أيضاً أن الحق ينصف في نهاية المطاف مهما تجبر الباطل, فقد ينتصر الباطل في الجولة لكن انتصار الحق محتم في جولات, المهم هو التشبث بشريعة الله و التزام تقوى الله للظفر بنصره, كما ترشدنا القصة إلى عدم اليأس من رحمة الله مهما ضاقت و استحكمت حلقاتها و ظننا أنها لن تُفرج فلا بد من الثقة بالله و الابتهال إليه بالدعاء دون ملل أو استعجال.
هل تزوج سيدنا يحيى ؟
يتساءل الكثير هل تزوج سيدنا يحيى و الحقيقة أن الأمر موضع خلاف لكن معظم الروايات تشير إلى أنه لم يتزوج بسبب عزوفه عن النساء و انقطاعه للعبادة على الرغم من أنه لم يكن به عنة تمنعه من ذلك.
ما هي قصة موت سيدنا زكريا ؟
تعددت الأقاويل في قصة موت سيدنا زكريا إلا أن جميعها اتفق على أنه قتل على يد أفجر بني إسرائيل, قيل إما بأمر من الملك ذاته الذي أمر بقتل ابنه يحيى و إما بسبب الشكوك المثارة حول أنه قد أوقع مريم أم عيسى في الفاحشة وذلك بعد انتشار خبر ولادتها.
ما العبر المستفادة من قصه سيدنا يحيى ؟
من العبر التي يمكن استنباطها من قصة سيدنا يحيى عليه السلام أن لطف الله و كرمه غير مقيد بتوقيت معين و أن بر الوالدين أحد أهم دعائم النجاح و أن لكل ظالم نهاية, بالإضافة إلى ضرورة الالتزام بتقوى الله و عدم الافتتان بالدنيا الزائلة.
ما الأمور التي دعا لها يحيى عليه السلام قومه ؟
دعا نبي الله يحيى عليه السلام قومه إلى أربعة أمور أساسية و هي عبادة لله وحده و عدم الشرك به و الصلاة له و المواظبة على ذكره في كل حين للتحصن من وساوس الشياطين.