مؤلفات ابن خلدون
تعد مؤلفات ابن خلدون من أغلى الدرر و الكنوز التي توارثتها الأجيال على مر العصور كما أنها من أفضل المنتجات الفكرية التي أنتجتها البشرية منذ أن خلق الله الأرض و من عليها , حيث تتميز مؤلفات ابن خلدون بالسلاسة في التحليل و الدقة في الوصف و المنطقية في الإستنتاج بالإضافة إلى الإبتكار و التجديد مما جعلها تصلح لكل وقت و كل زمان دون أن توضع على الرفوف ليغلفها الغبار و تتغذى عليها العثة , فقد امتلكت مؤلفات ابن خلدون من الرصانة الفكرية ما يؤهلها لأن تكون لبنةً حقيقة لقيام العديد من العلوم التي يأتي علم الإجتماع في مقدمتها , بالإضافة إلى علوم السياسة و الإقتصاد و الفلسفة و التاريخ , و قد حيكت حول مؤلفات ابن خلدون سلسلة من المناقشات و المناظرات و المؤلفات الفكرية من قبل الأدباء و العلماء و المفكرين لدى الشرق و الغرب أيضاً , حيث لم تترك مؤلفات ابن خلدون أمراً من أمور العامة في دنيانا إلا و تناولتها , لذا يعد عبد الرحمن ابن خلدون المؤسس الأول و الحقيقي لعلم الإجتماع بفضل مؤلفاته فيما أسماه آنذاك علم العمران
أفضل كتب ابن خلدون
قد لا تكون مؤلفات ابن خلدون هي الأكثر في الكم لكنها الأكثر تأثيراً في الكيف , فعلى الرغم من أن مؤلفاته لم تكن غزيرةً مقارنةً بغيرها من مؤلفات الآخرين إلا أن جميع مؤلفاته تحمل بين طياتها العلم الغزير و الفوائد الجمة , فقد كتب ابن خلدون مؤلفاته بعناية شديدة و وضع فيها عصارة فكره في مختلف مجالات الحياة , و من أفضل كتب ابن خلدون و أشهرها كتاب ” العبر و ديوان المبتدأ و الخبر في أيام العرب و العجم و البربر و من عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر ” و كتاب ” بغية الرواد في ذكر الملوك من بني الواد ” و كتاب ” الخبر عن دولة التتر ” و كتاب ” رحلة ابن خلدون ” و كتاب ” ابن خلدون ورسالته للقضاة ” و كتاب ” تلخيص المحصل لفخر الدين الرازي ” و كتاب ” طبيعة العمران ” و كتاب ابن خلدون في الأنساب , بالإضافة إلى باقة مميزة من الكتب و المؤلفات الثرية الأخرى
ابن خلدون و علم الأنساب
و أما عن علم الأنساب فقد أضاف إليه ابن خلدون الكثير , حيث ذكرت مؤلفات ابن خلدون بين طياتها أن النسب هو العلاقات التي تتولد عن صلة الرحم و هو ما يؤدي إلى العصبية القبلية التي تدفع الفرد للدفاع عن أهل عشيرته و أقربائه لاسيما إذا كان هذا النسب عن صلة قرابة قريبة , فكلما ابتعدت صلة القرابة قل تأثير النسب و تلاشت العصبية القبلية , كما أضاف ابن خلدون أن القبائل العربية التي تقطن البادية هي أكثر اهتماماً بالأنساب من غيرها ممن يقطنون الحاضرة و ذلك لأن سكان البادية يعرفون بعضهم البعض و لا يخالطون غيرهم لذا تظل أنسابهم واضحة و صريحة لا يشوبها غموض أو نسيان على عكس سكان الحاضرة , و يذكر ابن خلدون أن الاختلاط في الأنساب يحدث نتيجة التداخل و الاختلاط بين القبائل و بعضها مما يؤدي إلى الالتحام بين الأجناس المختلفة حتى يذهب النسب في طي النسيان مع مرور الزمن كما حدث ذلك قديماً بين العرب و العجم
ابن خلدون و قبائل العرب
لم يكن ابن خلدون و قبائل العرب على وفاقٍ كبير فقد هاجمهم في الكثير من مؤلفاته و انتقد أحوالهم بشكلٍ لاذع و وصفهم بالمخربين و ذكر أنهم أبعد ما يكونون عن العمران و ذلك لأن طبيعة حياتهم القاسية جبلتهم على الترحال المنافي للسكون و الاستقرار و التعمير بجانب عدم انسياقهم بسهولة إلى السلطة السياسية الحاكمة إلا في حالة اصطباغ هذه السلطة بالصبغة الدينية كالنبوة أو الولاية , فالقبائل العربية يصعب انقيادها للسلطة دون منطق أو وازع ديني يربط انقيادهم له بالانقياد لأمر الله و رسوله مما يجعلهم على استعدادٍ للموت في سبيل تنفيذ أوامره , أضف إلى ذلك أن القبائل العربية تمتلك نزعة حب السلطة و الزعامة و الرئاسة و يعدونها تشريفاً أكثر من كونها تكلفياً و مسئولية , لذلك يرى ابن خلدون أن العمران يتناقض مع أحوال قبائل العرب و يذكر أن العرب مصدر لخراب الأوطان , و من هذا المنطلق كان ابن خلدون و قبائل العرب على خلافٍ فكري عميق جعل بعضهم ينفي عنه الأصل العربي و ينسب ابن خلدون إلى الأصل الأمازيغي نظراً لحدته في نقد الشخصية العربية على الرغم من أن ابن خلدون صاحب لسان عربي و ثقافة عربية أصيلة
كتب ابن خلدون في التاريخ
و على الصعيد التاريخي كان لابن خلدون العديد من الإسهامات في هذا الميدان حيث تحدثت الكثير من مؤلفات و كتب ابن خلدون في التاريخ و يعد هو المؤسس الحقيقي للفلسفة التاريخية على الرغم من أن الفكرة الشائعة أن مؤلفات ابن خلدون تناولت علم الاجتماع فقط , و لكن الحقيقة أن ابن خلدون أضاف في علم التاريخ ما لم يضفه مؤرخ مسلم و استطاع أن يخلق فلسفة تاريخية مبتكرة تناولت علاقة المجتمع العمراني بالتاريخ و حركته من خلال عدة عوامل و هو الأساس الذي اعتمد عليه الغرب فيما بعد في علم الإجتماع الذي نسبوه إلى أنفسهم , و قد ساعد ابن خلدون في كتاباته التاريخية احتكاكه بأهل السلطة و السياسة من مختلف الحكام و اطلاعه على الكثير من بواطن الأمور بالإضافة إلى دراسته العميقة للظواهر الإجتماعية التي كان يؤمن بأن السياسة و التاريخ ما هما إلا نتاج لها يرتكز على العديد من العوامل المتشابكة التي ترتبط بها في نهاية المطاف , لذا فقد وجه ابن خلدون أصابع النقد للمؤرخين القدامى لفساد منهجهم و الأسلوب الذي اتبعوه في سرد الحقائق التاريخية عن طريق النقل دون البحث في طبيعة الأمور و الدراسة الجيدة لجميع الظواهر و العوامل المؤثرة في تلك الحقبة التاريخية و وضعها تحت مجهر المنهج العلمي
ابن خلدون و علم الإقتصاد
لم يتجاهل ابن خلدون علم الإقتصاد في كتاباته و مؤلفاته بل على العكس من ذلك تناولت مؤلفات ابن خلدون علم الإقتصاد و أساسياته كونه ركيزة ضرورية للنهوض بالمجتمع و تحقيق العمران فيه , و قد كانت دراسات ابن خلدون في هذا المجال حجر الأساس الذي قام عليه علم الإقتصاد الحديث , حيث تناولت كتاباته أساليب الإنتاج خلال تعاقب الأزمنة و الأجيال و مراحل الانتقال من الزراعة و الفلاحة في البادية إلى الصناعة و التجارة في الحضر , و سلط ابن خلدون الضوء على الصناعة كونها العامل الرئيسي في ازدهار المجتمعات و عمرانها في العصر الحديث , كما يشجب ابن خلدون تدخل السلطة و الحكومات في العملية الإنتاجية و التجارية لما يتولد عنه من مفسدة إقتصادية و نتائج عكسية