موقعة الجمل | فتنة النائم فيها خير من اليقظان

موقعة الجمل

تخبرنا موقعة الجمل أن الكُمَّل قد يقع منهم ما لا يليق بهم، ((فالعصمة لا تكون إلا لنبي)) كما يقول الشاعر الأندلسي أبي بكر بن زهر، تخبرنا أن الإصلاح قد يكون غايتنا في بعض الأحيان، لكن تخوننا الطريقة، لا ضير في ذلك، المهم ألا نتمادى، ألا نجد حرجاً في التراجع عن الخطأ والندم عليه، تخبرنا موقعة الجمل أن ثمة معارك تُفرَض علينا، نجد أنفسنا في خضم النزال بيد أننا لم نكن ننوي قتالاً!

موقعة الجمل البداية والنهاية :

من الكتب الموثوقة التي يمكن الاطلاع عليها للوقوف على أحداث معركة الجمل البداية والنهاية لابن كثير، ففي الصفحة رقم 229 من الجزء السابع تحدث ابن كثير عن ابتداء الوقعة مشيراً إلى أن قتل الخليفة الراشد الثالث وقع بعد أيام التشريق، وكانت أمهات المؤمنين قد عقدن عزمهن على الخروج إلى الحج في هذا العام هروباً من الفتنة، فلما عرف الناس أمر استشهاد عثمان ترقبوا ما سيحدث، وعندما بويع علي بن أبي طالب بالخلافة خرج نفر من الصحابة إلى مكة المكرمة، ومعهم أمهات المؤمنين.

حثت عائشة رضي الله عنها الناس على المطالبة بدم عثمان، مؤكدة على أن ما أقدم عليه هؤلاء القتلة جرم شنيع لا يغتفر إذ سفكوا الدماء في بلدٍ حرام وشهرٍ حرام، كما سرقوا الأموال ولم يراعوا للنبي جواراً، فطاوعها الناس وعقدوا عزمهم على السير معها حيثما ترى المصلحة، فخرجت عائشة برفقة ألف فارس ثم صاروا ثلاثة آلاف، وعندما بلغت ماء الحوأب وتناهى إلى مسمعها نباح الكلاب همت بالرجوع إذ تذكرت نبوءة الرسول فهتفت قائلة ((ردوني ردوني أنا واللهِ صاحبة ماء الحوأب)).

لكن القوم أثنوها عن قرارها ونجحوا في إقناعها فواصلوا التقدم نحو البصرة مطالبين بدم عثمان، لكن والي البصرة عثمان بن حنيف منعهم وجهز جيشه لصدهم فتشابك الفريقان ودارت رحى الحرب.

سير علي بن أبي طالب إلى البصرة :

في هذه الأثناء كان علي بن أبي طالب في المدينة المنورة يجهز جيشاً للخروج إلى بلاد الشام، فلما بلغته الأخبار غيَّر وجهته وقصد البصرة حتى يكف الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله ومَن معهما عن دخول البصرة، أو يطردهم منها إن كانوا قد دخلوها، وحث الناس على السير معه إلى البصرة فاستجاب البعض وتثاقل البقية.

فخرج أبو الحسن برفقة تسعمائة مقاتل وقال ((إن الله أعزنا بالإسلام ورفعنا به وجعلنا به إخواناً بعد ذلة وقلة وتباغض وتباعد، فجرى الناس على ذلك ما شاء الله، الإسلام دينهم والحق قائم بينهم والكتاب إمامهم حتى أصيب هذا الرجل بأيدي هؤلاء القوم الذين نزغهم الشيطان لينزغ بين هذه الأمة، ألا وإن هذه الأمة لا يد مفترقة كما افترقت الأمم قبلها، فنعوذ بالله من شر ما هو كائن أن يكون)).

سأل ابن أبي رفاعة علياً قائلاً ((يا أمير المؤمنين أي شيء تريد؟ وأين تذهب بنا؟)) فأجاب ((أما الذي نريد وننوي فالاصلاح، إن قبلوا منا وأجابوا إليه))، قال ((فإن لم يجيبوا إليه؟)) قال ((نعدهم بغدرهم ونعطيهم الحق ونصبر))، قال ((فإن لم يرضوا؟)) قال ((ندعهم ما تركونا))، قال ((فإن لم يتركونا؟)) قال ((امتنعنا منهم))، قال ((فنعم إذاً))، وقام إليه الحجاج الأنصاري قائلاً ((لأرضينك بالفعل كما أرضيتني بالقول)).

معركة الجمل عند السنة

معركة الجمل عند السنة

محاولة الصلح لحقن الدماء ودرء الفتنة :

لا زلنا نستعرض ملخصاً لأحداث موقعة الجمل كما وردت في كتاب البداية والنهاية، واصل علي بن ابي طالب مسيره إلى البصرة وليس في نيته إلا الصلح وردع المتمردين، فلما صار على مقربة من الكوفة بلغته الأخبار وعرف ما آلت إليه الأمور في البصرة من الاقتتال وطرد الوالي عثمان بن حنيف ونهب أموال بيت المال، فقال ((اللهم عافني مما ابتليت به طلحة والزبير))، ولما وصل ذي قار هرول إليه عثمان مهشماً ليس في وجهه شعرة، وشكا إليه القوم فقال له علي ((أصبت خيراً وأجراً)).

فأرسل علي ابنه الحسن وعمار بن ياسر لينظرا في الأمر ويجدا سبيلاً للصلح، فخطب الحسن وعمار في الناس يطلبان منهم النفير إلى أمير المؤمنين إذ يريد الإصلاح بينهم، فاستجاب الناس للنفير وقدموا على علي بن أبي طالب في ذي قار، فلقيهم مرَحِّباً وقال ((قد دعوتكم لتشهدوا معنا إخواننا من أهل البصرة، فإن يرجعوا فذاك الذي نريده، وإن أبوا داويناهم بالرفق حتى يبدءونا بالظلم، ولم ندع أمراً فيه صلاح إلا آثرناه على ما فيه الفساد إن شاء الله تعالى)).

نشوب معركة الجمل :

بعث بعدها عليٌّ القعقاعَ بن عمرو إلى الزبير وطلحة يدعوهما للانضمام إلى الجماعة ويحذرهما من الفرقة والاختلاف، فانطلق القعقاع وبدأ بأم المؤمنين عائشة وسألها ((أي أماه، ما أقدمكِ على هذا البلد؟)) فأجابت ((أي بني، الإصلاح بين الناس))، ثم سأل طلحة والزبير فأجابا بمثل ما أجابت به أم المؤمنين، فسألهما القعقاع عن وجه الإصلاح في ذلك فأخبراه أن ترك قتلة عثمان يعد ترك للقرآن، فأوضح لهم القعقاع أن المفسدة المترتبة على الثأر لعثمان أعظم من المصلحة المترتبة على هذا الأمر.

استمر القعقاع في إقناعهم وختم حديثه بقوله ((آثروا العافية ترزقوها وكونوا مفاتيح خير كما كنتم أولاً ولا تعرضونا للبلاء فتتعرضوا له فيصرعنا الله وإياكم))، فرضي الناس بكلامه وشارف الجميع على الصلح بين راضٍ وممتعض، واستبشر علي وتجهز للارتحال، كما فعل طلحة والزبير الشيء ذاته ليلحقا به، بات الناس كلهم في اغتباط، إلا قتلة عثمان إذ باتوا يخططون للحرب، فما إن طلع الفجر حتى انقض ألفا رجل منهم على الناس بالسيوف وأشعلوا الفتنة بين فريقي علي والزبير.

قام الناس من منامهم إلى السلاح ونشبت موقعة الجمل وكان أمر الله قدراً مقدوراً.

نهاية موقعة الجمل :

اجتمع مع علي بن أبي طالب في موقعة الجمل نحو عشرين ألفاً، فيما التف حول السيدة عائشة نحو ثلاثين ألفاً، ونادى رسول علي ((ألا كفوا ألا كفوا)) فلم يصغِ أحد، وقتِل خلقٌ كثير وجم غفير، ويذكر أن علياً قال لابنه الحسن يوم معركة الجمل ((يا حسن، ليت أباك مات منذ عشرين سنة))، استمرت الحرب سجالاً بين الطرفين، ثم انتهت الموقعة بانتصار قوات الإمام علي، وطاف أبو الحسن بين القتلى يترحم على كل مَن يعرفه وهو يقول ((يعز عليَّ أن أرى قريشاً صرعى)).

قتِل من الفريقين نحو عشرة آلاف شخص، وكان ضمن القتلى طلحة بن عبيد الله الذي رآه علياً مقتولاً فقال ((لهفي عليك يا أبا محمد، إنا لله وإنا إليه راجعون))، وأيضاً الزبير بن العوام الذي قتله ابن جرموز التميمي غدراً وهو يصلي، فلما جيء بالزبير مقتولاً إلى علي بكى وقال ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بشِّر قاتل ابن صفية بالنار))، أما جرحى موقعة الجمل فلا يحصون!

ويذكر في هذا الصدد أن علياً قال ((إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير وعثمان ممن قال الله فيهم “وَنَزَعْنَا مَا فِي صدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سرُرٍ مُتَقَابِلِينَ”)).

سبب معركة الجمل

سبب معركة الجمل

معركة الجمل عند السنة والجماعة :

تناولت العديد من الكتب والمؤلفات أحداث موقعة الجمل وضمَّنتها أخباراً مكذوبة تحط من قدر بعض الصحابة وصوَّرت المعركة على أنها نزاع وعداء شخصي دنيوي بين الفريقين، لكن معركة الجمل عند السنة والجماعة ليست كذلك، بل هي نزاع من أجل الله ورسوله، إذ اجتهد الصحابة رضوان الله عليهم كلهم في طلب الحق، فمَن أصاب فله أجران ومَن أخطأ فله أجر واحد، ومعتقد أهل السنة والجماعة هو الإمساك عما جرى والترضي عنهم جميعاً، وعدم التشكيك في صدق أي منهم أو وفائه أو حبه لله عز وجل، قاتلاً كان أو مقتولاً.

وقد ورد حديث نبوي حول الفتنة التي سبقت معركة الجمل في صحيح البخاري ومسلم، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً – أي بستان أو مزرعة – وأمره بحفظ باب الحائط، فجاء رجل يستأذن فقال النبي لأبي موسى ((ائذن له وبشره بالجنة))، فإذا هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فجاء رجل آخر فقال النبي لأبي موسى ((ائذن له وبشره بالجنة))، فإذا هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم جاء آخر يستأذنه فسكت النبي هنيهة ثم قال ((ائذن له وبشره بالجنة على بلوى ستصيبه))، فإذا هو عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقال عثمان ((إنا لله وإنا إليه راجعون)).

ماذا قال أهل العلم عن ندم عائشة بعد موقعة الجمل ؟

تحدث عدد من أهل العلم حول مسألة ندم عائشة بعد موقعة الجمل فقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة ((فإن عائشة لم تقاتل، ولم تخرج لقتال، وإنما خرجت لقصد الإصلاح بين المسلمين، وظنت أن في خروجها مصلحة للمسلمين، ثم تبين لها فيما بعد أن ترك الخروج كان أولى، فكانت إذا ذكرت خروجها تبكي حتى تبل خمارها)).

وقال الإمام الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء ((ولا ريب أن عائشة ندمت ندامةً كليةً على مسيرها إلى البصرة وحضورها يوم الجمل، وما ظنت أن الأمر يبلغ ما بلغ))، كما قال الإمام الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة ((ولا شك أن عائشة رضي الله عنها هي المخطئة لأسبابٍ كثيرة، وأدلةٍ واضحة، ومنها ندمها على خروجها، وذلك هو اللائق بفضلها وكمالها، وذلك مما يدل على أن خطأها من الخطأ المغفور، بل المأجور)).

حديث الرسول لعائشة عن موقعة الجمل :

يعد حديث الرسول لعائشة عن موقعة الجمل من معجزات النبوة، حيث صدقت نبوءة الرسول عليه الصلاة والسلام عندما قال في حضرة السيدة عائشة وأمهات المؤمنين رضي الله عنهن ((كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب))، والحوأب هو منزل بين مكة المكرمة والبصرة، وهو المنزل الذي نزلت به السيدة عائشة في أثناء سيرها إلى البصرة في موقعة الجمل عام 36 هـ، فبينما تسير ليلاً إذ بلغت بعض الماء فنبحت عليها الكلاب، وعندما سألت ((أي ماء هذا؟)) قيل لها ماء الحوأب.

عندئذ تذكرت عائشة رضي الله عنها مقولة النبي وعقدت عزمها على العودة، إلا أن طلحة بين عبيد الله والزبير بن العوام أقنعاها بالمضي، ظناً منهما أن تقدمها سيحقن دماء المسلمين ويساهم في إصلاح أمرهم، لكن تبين لها فيما بعد خلاف ذلك وندمت ندماً شديداً على الخروج.

من انتصر في معركة الجمل ؟

يتساءل البعض من انتصر في معركة الجمل والإجابة هي أن النصر كان حليف قوات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

ما الكتب التي ينصح بقراءتها في شأن موقعة الجمل ؟

من الكتب التي ينصح بقراءتها في هذا الشأن كتاب العواصم من القواصم لابن العربي وكتاب منهاج السنة لابن تيمية وكتاب البداية والنهاية لابن كثير وأيضاً كتاب عصر الخلافة الراشدة لأكرم ضياء العمري، كما يوجد كتاب لمحمد أشرف موسى وهو بحث عن معركة الجمل ملخص ومفرغ من محاضرة الداعية سعيد الكملي.

ما هو سبب معركة الجمل ؟

سبب معركة الجمل هو تأخر علي بن أبي طالب في القصاص من قتلة عثمان بن عفان، فخرج الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله في جيش إلى البصرة للثأر من قاتلي عثمان.

لماذا سميت معركة الجمل بهذا الاسم ؟

سميت معركة الجمل بهذا الاسم نسبةً إلى جمل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، إذ التف حوله معظم القتال.

مواضيع ذات صلة

كبائر الذنوبكبائر الذنوب | إماتة الفطرة وإيقاظ الشرور

ان الله اذا احب عبدا ابتلاه | الحكمة من الابتلاء