في مكة أطهر بقاع الأرض حينما كانت تموج بالكفر موجًا، حين لم يكن للمرأة حكمًا ولا رأيًا، كان هناك امرأة لم تكن يومًا عادية، عرفت برجاحة عقلها وقوة شخصيتها، وجرأتها وحزمها، لم تخضع لظلم ولم تسمح لأحد بقهرها، إنها امرأة ملكت أمر زواجها على غير عادة العرب، وهي سيدة اتهمها زوجها في شرفها فلم تنزل دمعة من عينيها، ولم تحاول تبرئة نفسها بل أقسمت ألا تجمع رأسها ورأسه وسادة، وألا ترجع إليه أبدًا، إنها هند بنت عتبة الشجاعة قبل إسلامها وبعده، فـ لله در هند حين ردت على رسول الله عندما بايعها على ألا تزني، فقالت بثقة واعتزاز (أو تزني الحرة يا رسول الله؟! ).
من هي هند بنت عتبة ؟
تعج الكتب على مر التاريخ الإنساني بأناس بعضهم قد صلح قلبه، وحسن عمله، فصارت صفحاته ناصعة البياض، وبعضهم قد فسد قلبه، وأعمى الظلم عيونه، فألقته صفحات التاريخ في الرقعة السوداء.
وبين هذا وذاك أشخاص تراوحت أيامهم بين الظلمة والبياض، فأنار الله بصيرتهم بعد أن كادت تُظلم للأبد، ومن ضمن هؤلاء السيدة هند بنت عتبة رضي الله عنها، التي أنار الله قلبها، ومَنّ عليها بالإسلام بعد أن انغمست في ظلام الجهل والشرك، وفيما يلي لمحات من حياة هند:
مولد هند بن عتبة ونسبها:
ولدت هند بنت عتبه قبل الهجرة النبوية، وتدعى هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، هي بنت سيد قومه، عرفت بفصاحتها واعتزازها بنفسها، فلم تكن لتقبل أن يهينها أحد، أو يتجرأ عليها إنسان.
كان أبوها يحبها حبًا جمًا، فلم يكن يعاملها كما كان رجال العرب تعامل البنات، ثم إنه ملكها أمر زواجها، فقد وعدها ألا يوافق على رجل إلا بعد أن يعرضه عليها، وكان لهذه التربية أثر عظيم في حياة هند.
اعتزازها بنفسها وكبريائها:
كانت هند بنت عتبة امرأة ذات أنفة، وما يدل على ذلك قصة هند والفاكهة التي حدثت، ويعتقد الكثير من الناس أن زوجها يدعى الفاكهة ولكن هذا خطأ، فهو يسمى الفاكه بن المغيرة.
وتحكي القصة أن الفاكه قد اتهم هند بنت عتبة بالزنا، حيث إنه رأى رجلًا يخرج من عندها، فاستنكرت ذلك، وعندما شهر زوجها بها بين العرب، قال لها أبوها “إن فعلت ذلك فعليك إخباري” فأقسمت له أنها صادقة ولم تفعل ذلك.
وهذا الإنكار الشديد جعل أباها يحتكم إلى كاهن اليمن، وقد أخبر الحاضرين بأنها غير زانية، وأنها ستلد ملكًا، وعندما فرح زوجها بهذا الخبر وأراد مصالحتها أبت العودة وطلبت الطلاق، فكان لها ذلك.
بعد ذلك تقدم لها أبو سفيان بن حرب وهو سيد قومه، فوافقت عليه، وعاشت معه وأنجبت منه الذرية
الانتقام لمقتل أبيها:
كانت هند تحب أباها حبًا جمًا، لذلك فقد أقسمت على أن تنتقم ممن قتل أباها، ويذكر أن عتبة بن ربيعة كان من صناديد الكفر، وقد قتل في غزوة بدر الكبرى على يد أسد الله “حمزة بن عبد المطلب”.
وبالفعل في غزوة أحد، خرجت مع جيش المشركين، وأغرت وحشيًا بالمال، ووعدته بالعتق من الرق إن هو قتل حمزة، وقد كان ذلك، ثم إنها بقرت بطنه وأخرجت كبده ومضغته، وهذا هو سبب أكل هند لكبد حمزة إلا أن بعض الروايات تؤكد أنها لم تقم بأكله.
وبعد أن شفيت غليلها من سيدنا حمزة، رددت الشعر، ومن ضمن شعر هند بن عتبة ما يلي:
نحن جزيناكم بيوم بدر ………… والحرب بعد الحرب ذات سعر.
ما كان عن عتبة لي من صبر ………….. ولا أخي وعمه وبكري.
شفيت نفسي وقضيت نذري ……………. شفيت وحشي غليل صدري.
دخول هند بنت عتبة في دين الله
بعد أن حاربت هند الإسلام طويلًا، وكانت سببًا في قتل سيد الشهداء، مَنّ الله عليها بالهداية، فسبحان من بيده قلوب العباد!
أسلمت السيدة هند بعد فتح مكة، حيث تيقنت أن هذا الدين هو الحق، وأخبرت أبا سفيان برغبتها في الإسلام، فأخبرها أن تذهب لأحد من قومها لأن أبا سفيان كانت له سوابق سيئة مع النبي، ثم إن هند قد أهدر الرسول دمها بعد مقتل حمزة.
فاستجارت بـ عثمان بن عفان فذهب معها إلى الرسول _ وقيل بأخيها أبي حذيفة_ وأسلمت بين يد الرسول وهي منتقبة لم يعرفها الرسول إلا بعد أن تحدثت بصوت مسموع.
مبايعة هند للنبي صلى الله عليه وسلم
دخلت نساء عدة في دين الله، وذهبن لمبايعة النبي العدنان، وكانت السيدة هند منهن، وعندما بدأ الرسول يأخذ منهن المبايعة، كانت هند ترد عليه في كل مرة، وعندما أجابها وأخبرها بأنها هي هند بنت عتبة ، أجابته (أي نعم عفا الله عما سلف).
وتقول هند بعد هذه المبايعة إنها لم تكن تكره أحدًا في الجاهلية كرسول الله، إلا أنه بعد الإسلام صار أحب الناس إليها، وهكذا أسلمت هند وحسن إسلامها.
جرأة وشجاعة هند بنت عتبة في المعارك الإسلامية
كانت هند شجاعة قبل الإسلام، فقد كانت تحفز الفرسان في الحروب التي قادتها قريش، وخاصة في غزوة احد ضد المسلمين، وهذه الشخصية لم تتغير بعد الإسلام حيث كانت تحث المسلمين على قتال أعداء الله، وكانت تحرض المؤمنين على الروم بقولها: (عاجلوهم بسيوفكم يا معشر المسلمين).
مواقف من حياة هند
هناك العديد من المواقف التي تبين شخصية هند، منها ما يلي:
1) في وقت مبايعة النساء للنبي، قالت له (والله إنك لتأخذ علينا أمراً ما رأتك أخذته على الرجال) وكان الرسول بايع الرجال يومئذ على الإسلام والجهاد فقط).
2) ومن أبرز مواقفها التي تبين فصاحتها وحنكتها كلامها مع الخطاب (حيث رُوي أن الخليفة عمر بن الخطاب نهى أبا سفيان بن حرب عن رش باب منزله لئلا يمر الحجاج فيزلقون فيه فلم ينته، ومر عمر فزلق ببابه فعلاه بالدرة وقال:”ألم آمرك أن لا تفعل هذا” فوضع أبو سفيان سبابته على فيه فقال عمر: “الحمد لله الذي أراني أبا سفيان ببطحاء مكة أضربه فلا ينتصر وآمره فيأتمر”، فسمعته هند بنت عتبة فقالت: “أحمده يا عمر فإنك إن تحمده فقد أوتيت عظيماً”).
3) مر عليها رجل من العرب يتميز بالفراسة، وكان ولدها معها فقال لها “إنني أتوسم فيه أن يسود قومه” فردت عليه (ثكلته إن لم يسد إلا قومه)، وهذا يدل على علو همتها، وطموحها الكبير.
وفاة هند بنت عتبة
عاشت هند بنت عتبة حياة كريمة في الجاهلية والإسلام، إلا أن الإسلام قد غير في شخصيتها كثيرًا وحسّن خصالها، وها هو عام 13 هـ يشهد على موت هند بنت عتبة التي ذاع صيتها، وعرفت بكبريائها، وشدتها، ولكنه الموت يقضي على الأقوياء كما يقضي على الضعفاء، وكان ذلك في خلافة عمر بن الخطاب، وقد ماتت في نفس اليوم الذي تُوفي فيه والد ابو بكر الصديق رضوان الله عليه.
من هي السيدة هند ؟
هي امرأة من قريش تدعى هند بنت عتبة، عرفت بالشجاعة والكبرياء، وقد ولدت قبل الهجرة النبوية، وتوفيت في عهد عمر بن الخطاب.
هل كانت هند زانية ؟
لم تكن السيدة هند زانية في الجاهلية أو في الإسلام، بل كانت امرأة عفيفة.
ما قصة هند بن عتبة وحمزة ؟
يذكر أن سيدنا حمزة قد قتل أباها وعمها وأخاها، فأقسمت أن تقتص منه، وبالفعل سلطت عليه من يقتله ثم مثلت بجسده.
ماذا قال الرسول لهند عندما قالت له إن زوجي رجل شحيح؟
قال لها النبي: (خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك).