ابن باز | عالم في الدين وقوي في الحق

تظل الأمة الإسلامية كالنهر الخالد الذي لا ينضب، وراياتها مرفوعة خفاقة أبد الدهر، فمهما حدث لها من فتن تكاد تعصف بها حتى يظن الجميع أنها ماتت يُخرج الله من بين أصلاب رجالها رجالًا لا يهابون إلا الله، ولا يخشون فيه لومة لائم، رجال عرفوا قدر هذا الدين فأعلى الله قدرهم بين الناس، ومن هؤلاء الرجال ابن باز الذي كان عالمًا فقيهًا تعلم العلم وعلمه حتى صار من العلماء الذين لهم شأن كبير، وعلمهم للناس مرجع.

نبذة مختصرة عن ابن باز

هو عالم ذو مكانة كبيرة في المملكة العربية السعودية، وقد ذاع صيته في الأمة الإسلامية كلها، اسمه عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله آل باز، وقد ولد في مدينة الرياض في الثاني عشر من ذي الحجة عام 1330 هـ.

ولد ابن باز لأسرة اشتهر أفرادها بحب العلم فكان لذلك أثرًا كبيرًا عليه، حيث تلقى العلم منذ الصغر على يد العديد من المشايخ فحفظ القرآن الكريم وأتقنه وهو في سن صغير، وبعد ذلك توجه للعلوم الشرعية فنبغ فيها هي الأخرى.

نظرًا للعلم الواسع الذي امتلكه ابن باز فقد شغل العديد من المناصب ومن أهمها مفتي عام المملكة العربية السعودية، ويعتبر واحدًا من أهم علماء الدين في زمانه، وله العديد من المؤلفات التي ما تزال مرجعًا في الدين إلى يومنا هذا.

نشأة علمٍ وهدى

نشأ ابن باز في بيئة يملؤها الهدى والصلاح، انصرفت عن جمال الدنيا الخداع، ومظاهرها المزيفة، فنشأ محبًا للعلم حريصًا على تحصيله، لا يأبه للمغريات التي كانت تحيط به، وكانت الرياض في ذلك الوقت تضم العديد من المشايخ وعلماء الدين الذين ذهب إليهم ابن باز ليأخذ العلم عنهم.

فقد ابن باز والده وهو صغير فلم يكن يعرفه جيدًا، فتولت أمه تربيته وكانت حريصة على تعليمه أمور دينه، وعلى الرغم من أنه فقد بصره وهو صغير إلا أن ذلك لم يثنه عن استكمال تعليمه، فحفظ القرآن قبل أن يبلغ، ثم تلقى العلم الشرعي حيث الفقه والحديث فصارعالمًا فيهما.

كما اشتهر ابن باز في شبابه بالورع والزهد والرغبة الشديدة في المسارعة إلى فعل الخير، بالإضافة إلى قدرته القوية على الحفظ، والذكاء الشديد.

مسيرة زاخرة بالعلم والعطاء

أتقن ابن باز العلم الشرعي فصار عالمًا بكل تفاصيله مما أدى إلى توليه العديد من المناصب فصار نموذجًا يقتضى به في كل مكان عمل به، وإليك أهم أعماله:

ـ تولى القضاء في عام 1357هـ حتى عام 1371 هـ ، حيث عمل قاضيًا في بلدة الدلم، ولم يكتفً ابن باز في هذا الوقت بعمله في القضاء، فكان إمامًا لمسجد الشيخ، بالإضافة إلى عمله بالتدريس، حيث أخرج من تحت يديه العديد من العلماء والقضاة.

ـ عمل نائبًا لرئيس الجامعة الإسلامية في المدينة النبوية، وفي الوقت ذاته كان يلقي دروسًا دينية في المسجد النبوي، وبعد فترة وجيزة عين رئيسًا للجامعة الإسلامية.

ـ كما تم تعيينه رئيسًا لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

ـ وفي عام 1414 صدر قرار ملكي بتعيين ابن باز مفتيًا للملكة العربية السعودية، ثم رئيسًا لهيئة كبار العلماء، وبعد ذلك رئيسًا للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.

ـ لم تتوقف مناصب ابن باز عند ذلك الحد، بل شغل منصب رئيسًا لدار الحديث الخيرية في مكة المكرمة.

ويذكر أن ابن باز ترك بصمة واضحة في كل مكان عمل به، حيث كان يقدم كلام الله ورسوله في كل أمر، بالإضافة إلى الأعمال الخيرية التي حرص على المواظبة على فعلها وذلك على الرغم من كثرة مسؤولياته، كما أنه كان يقدم درسًا دينياً بعد صلاة الفجر يعلم فيه الشباب أمور دينهم، وعلى الرغم من أن مجلسه مع الشباب مجلسًا دينيًا إلا أنه كان يقول دعاء كفارة المجلس بعد الانتهاء منه، فكان بحق عالمًا عاملًا بما تعلمه.

فتاوى ابن باز

أبرز فتاوى ابن باز

كان ابن باز عالمًا صادقًا مع نفسه تعلم علم الحديث وأتقنه حتى صار يُؤخذ بكلامه في صحة الحديث من عدمه، وله عدد من الفتاوى التي انتشرت كالنار في الهشيم في البلدان العربية ومن أبرزها الفتوى بعدم جواز الطواف حول القبور، وقال بأن ذلك يشبه الكفر إذا كان الغرض من هذا الطواف هو التقرب إلى ساكني هذه القبور.

بالنسبة لـ طريقة الاغتسال بالسدر ابن باز يرى أنها الطريقة الأمثل للتخلص من السحر والعين والحسد، حيث يفضل لمن يعاني من أعراضهم أن يأتي بسبع ورقات من السدر ويضعها في إناء كبير به ماء، ثم يقرأ آيات السحر والمعوذات بالإضافة إلى آية الكرسي وأواخر سورة البقرة، وبعد ذلك يشرب الماء، وبإذن الله تعالى سوف يتم علاجه منهم، كما أن الرقية الشرعية مكتوبة ابن باز يفضل قراءتها يوميًا لحماية الإنسان من الأذى.

ويذكر أن حكم العملات الرقمية ابن باز لم يتطرق إليها وذلك لأن هذه العملات لم تنتشر بهذا الشكل الكبير التي هي عليه الآن في زمان الشيخ، كما يؤكد على أن حكم قراءة الفنجان غير جائز، حيث أن من يقوم بفعل هذا الأمر يعتبر دجالًا.

المؤلفات العلمية للشيخ بن باز

قدم الشيخ بن باز العديد من المؤلفات التي تعتبر مرجعًا للفتاوى في عصرنا الحالي، وكان دائمًا ما يدعوا في كتبه إلى تحصين النفس البشرية ضد الشرور، ومن أهم كتب ابن باز المتميزة:

1ـ العقيدة الصحيحة وما يضادها ونواقض الإسلام.

2ـ بيان التوحيد الذي بعث الله به الرسل جميعا وبعث به خاتمهم محمدا عليه السلام.

3ـ كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.

4ـ حكم السحر والكهانة وما يتعلق بها.

5ـ التحاكم إلى الكتاب والسنة في حفظ الأمن وحماية الأرواح.

6ـ تحفة الأخيار ببيان جملة نافعة مما ورد في الكتاب والسنة من الأدعية والأذكار.

7ـ إقامة البراهين على حكم من استغاث بغير الله أو صدق الكهنة والعرافين.

8ـ تكذيب الرؤيا المزعومة من خادم الحجرة النبوية المسمّى: الشيخ أحمد.

9ـ الفوائد الجلية في المباحث الفرضيّة.

10ـ فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر.

رسائل شديدة اللهجة لبعض حكام العرب

كان الشيخ عبد العزيز بن باز قويًا في الحق لا يخشى من ذي سلطان لأنه كان على يقين بأن كل شيء إلى زوال، لذلك عندما كان يرى شيئًا لا يرضي الله فإنه كان يقول الحق ولا يخشى أحدًا، وكان دائمًا يردد ايات السكينه حتى يسكن قلبه وتقوى عزيمته.

ومن أقوى مواقفه هو موقفه مع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، فعندما علم بأن الرئيس سيعدم سيد قطب منظر جماعة الإخوان المسلمين بعث إليه رسالة جاء فيها “بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى الرئيس جمال عبد الناصر، السلام على من اتبع الهدى. يقول الله عز وجل “ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا، فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا” والسلام.

كما أرسل رسالة إلى الحبيب بورقيبة ليخبره ببطلان كلامه الذي قال فيه بأن القرآن متناقض، وأوضح له عظم ما قاله بالإضافة إلى أنه حذره من هذا الكلام وطلب منه إصدار بيان بتوبته عن هذا الأمر.

وفاة ابن باز

لم تدم الدنيا لأحد من قبل ولن تدوم لأحد من بعد، وسيظل الموت يحصد الأرواح إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فعلى الرغم من هذه الحقيقة إلا أن موت ابن باز كان صدمة لكل المسلمين، فقد توفي في عام 1914 هـ.

ويرجع سبب وفاة ابن باز إلى تعرضه لآلام شديدة في القلب والمريء، حيث ظل يعاني من المرض مدة من الزمن حتى فاضت روحه إلى بارئها عن عمر ناهز 89 سنة.