الشاعر إيليا أبو ماضي | رسول الشعر الحديث

نجول بالأفكار والتخيلات في سماء الدنيا ونهرب من كل الهموم التي تتراكم على قلوبنا بتلك البسمة السطحية البسيطة، ونقرأ بتأمل كبير وانبهار أكبر قصائد إيليا أبو ماضي الذي عزف على أوتار البهجة ورسم لنا جمال الطبيعة وصفائها وجعل التفاؤل والأمل منهجه وطريقه.

إيليا أبو ماضي | أحد شعراء المهجر

مولده ونشأته

ولد الشاعر اللبناني الشهير إيليا أبو ماضي في قرية المحيدثة الموجودة في لبنان عام 1889 م لعائلة فقيرة لا تملك إلا مصدر دخل واحد وهو تربية دودة القز والاهتمام بأشجار التوت، لذلك لم يتمكن هذا الشاعر من تلقي التعليم الجيد واعتمد فقط على الدروس الابتدائية البسيطة في قريته، إلى أن استطاع الالتحاق بالمدرسة المحيدثة الموجودة بجوار الكنيسة.

ضاق الحال بالشاعر إيليا (أحد أشهر شعراء المهجر ) بسبب فقره وشدة احتياجه إلى المال في بلاده، لذلك قرر الرحيل إلى عمه الذي يعمل في تجارة بيع السجائر في مصر وتحديًدا مدينة الإسكندرية وذلك في عام 1902 م وهو ابن الحادية عشرة سنة، إلا أن شغفه بالكتابة والقراءة جعله يتعلم النحو والإعراب في الليل بعد الانتهاء من عمله في النهار.

مسيرته الشعرية

في ضوء تناول معلومات عن الشاعر إيليا أبو ماضي ومسيرته الأدبية؛ استمر الشاعر إيليا أبو ماضي وهو ابن 22 عامًا في تعلم النحو والأدب في مصر إلى أن تمكن من نشر قصائد له في بعض المجلات اللبنانية الموجودة في الإسكندرية، فكان من بينهم ديوانه الأول “تذكار الماضي” عام 1911 م الذي كان السبب في التقاه بأنطون الجميل مؤسس مجلة الزهور الذي أعجب به بشدة ولفت انتباه ذكائه وكتاباته، فدعاه إلى العمل معه في المجلة وشجعه على نشر قصائده وأعماله من خلالها.

كان لـ إيليا أبو ماضي آراء خاصة في الموضوعات السياسية والوطنية سطرتها كتاباته وأشعاره، مما عرضه ذلك إلى المضايقة من قبل السلطات، فاضطر حينها إلى الهجرة من مصر إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1912 م مع مجموعة من الأدباء والشعراء الذين أطلق عليهم فيما بعد “أدباء المهجر”، ليصبح لقب إيليا أبو ماضي (شاعر المهجر).

استمر شغف إيليا أبو ماضي يلاحقه في بلاد الغرب، فشارك في تأسيس الرابطة القلمية برفقة جبران خليل جبران وآخرون في الولايات المتحدة، ليقوموا بعدها بإصدار مجموعة من المجلات التي ساعدتهم على نشر أفكارهم العربية والحفاظ على عروبتهم، ومن بين هذه المجلات “مجلة الفنون” تحت رعاية نسيب عريضة، و”مجلة السمير” التي تم وضعها تحت رئاسة إيليا أبو ماضي.

فلسفته

يعد الشاعر اللبناني أحد رموز الشعر الحديث الذي كان مادة دسمة للنقد ودارسي الشعر العربي، فقد سطر هذا الشاعر العظيم فلسفته الخاصة في الموت والكون والحياة والسياسة والمجتمع، ووضح في قصائده وأشعاره أن الموت ليس المحطة الأخيرة إنما هو بداية وتكملة لمسيرة الإنسان.

خصائص شعر إيليا أبو ماضي الفنية:

حصل الشاعر أبو ماضي على شهرة واسعة وحب الكثير من القراء العرب عن غيره من شعراء المهجر، حيث استطاع أن يضع بصمته المميزة في مجال الشعر الحديث وأجمع على ذكائه وجمال شعره مجموعة كبيرة من دارسي الشعر العربي، فكانت بداياته في كتابة المواضيع الوطنية ثم سلط اهتمامه بعد ذلك على كتابة الموضوعات الإنسانية التي تحث على مبدأ المساواة بين الناس والبعد عن فكرة التكبر والتعالي.

ما يمكن قوله في خصائص شعر إيليا أبو ماضي الفنية أنه كان يؤيد الحرية الفكرية البعيدة عن التعقيد والطوائف المذهبية متخذًا بذلك طريق جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة، ولكنه اختلف معهم في بعض الأمور مثل عقيدة تناسخ الأرواح، وذكر بعض الدارسين لشعره أنه مر بثلاث مراحل ما بين التقليدي والصعود نحو القمة وأخيرًا الاستقلال الفكري والتصور الفني.

إيليا-أبو-ماضي

أهم أعمال شاعر المهجر :

اتخذ جانب الأدب والعلم من حياة الشاعر إيليا ابو ماضي جزءًا كبيرًا، فقد كان يستغل أوقات فراغه في كتابة الشعر وتنظيمه بسبب شغفه الكبير بالأدب والشعر واهتمامه بقراءة كتب الأدب ومطالعتها باستمرار، وظل يتنقل بين المراتب الشعرية والدول حتى استقر في الولايات المتحدة الأمريكية وتفرغ للصحافة والأدب، فإليك أهم أعمال إيليا أبو ماضي في السطور الآتية:

– صدر عام 1911 م في مصر أول ديوان صغير للشاعر إيليا تحت عنوان “تذكار الماضي” يصف فيه حبه لمصر وأهلها وتعلقه بها، بالإضافة إلى تناوله لموضوعات مهمة ومختلفة عن الظلم الذي تتعرض له بلاده على يد العثمانيين وما يمارسه الحكم عليهم من استبداد.

– تم طباعة ديوان “إيليا أبو ماضي” عام 1918 م من قبل مجلة مرآة الغرب الموجودة في مدينة نيويورك الذي جاء مغيرًا عن فكره الأول وطريقته التي اعتادها، فوصف في الديوان الحياة وجمع بين فلسفة الحب والتأمل والعديد من الموضوعات الاجتماعية والوطنية بأسلوب لطيف أحيانًا وعنيف أحيانًا أخرى.

– في عام 1927 م تم إصدار ديوان خاص بـ إيليا أبو ماضي يشتمل على مقدمة للأديب ميخائيل نعيمة يمدح فيها شخصية الشاعر وقصائده، حيث يعد هذا الديوان بداية جديدة ومتطورة لشعر أبو ماضي ونضجه في تناول الموضوعات المختلفة ورسم الصور وتوازن المعنى والاهتمام بالقوافي القصيرة والطويلة.

– تعد قصيدة الخمائل من أشهر قصائد ايليا ابو ماضي وأكثرها نجاحًا، فهي التي اكتمل بها تطور أسلوب الشاعر الفكري والأدبي، وفيها تنوعت الأوزان والقوافي، ونشأة فكرة التناقضات الشعرية بين الحرب وطلب السلام والاعتراف بالواقع والدعوة إلى التأمل والإبحار في الخيال.

الجدل حول طلاسم أبو ماضي :

عرف الشاعر اللبناني الشهير إيليا أبو ماضي بتفاؤله وإبداعه الملحوظ في كتابة القصائد، فاشتهر بين الناس بدعوته إلى الحياة والمحبة و تأييده للحركة الفكرية الحرة في الشعر العربي الحديث، وانضم إلى الرابطة القلمية التي تعد من أبرز مقومات الادب العربي الجديد وأحد أهم الأسباب التي جعلت شاعر المهجر قادر على نشر فلسفته الشعرية.

وكما اعتاد هذا الشاعر على جذب الأنظار إليه بكلماته البسيطة والمحببة إلى النفس استطاع أن يثير الجدل على الصعيدين الفكري والشعري بقصيدته الشهيرة (الطلاسم) التي يعبر فيها عن حيرته وضياعه ويسأل عن سبب وجوده والحكمة من وراء ما يفعله في هذه الحياة، فأثارت هذه القصيدة الجدل حول عقيدة إيليا أبو ماضي وما يؤمن به من معتقدات وقيم.

فيقول في مطلعها (جئت، لا أعلم من أين، ولكنّي أتيت، ولقد أبصرت قدّامي طريقا فمشيت، وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيت، كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟ لست أدري).

الرد على طلاسم أبو ماضي :

بعد أن شكك إيليا أبو ماضي في أسس العقيدة الدينية في قصيدته (الطلاسم) كان لا بد من وجود رد من قبل أهل العلم والدين يشرحون فيه الهدف من الوجود والسر وراء الأسئلة الكثيرة التي طرحها في قصيدته، فعمد الشيخ محمد الجواد الجزائري إلى تحليل قصيدة إيليا أبو ماضي على أسس منطقية وعقلية توضح الإشكالية وتنهى تلك المعضلة.

على الرغم من الكلمات البسيطة والمعاني الواضحة والصيغة السهلة التي استخدمها الشاعر في القصيدة، إلا أنها قوية في المعنى وغامضة في المدلول والأفكار الفلسفية المطروحة، فجاء رد الشيخ محمد الجواد في قصيدة تحت عنوان (حل الطلاسم) يقول فيها (جئتُ دنياي وأدري، عن يقين كيف جئتُ، جئت دنياي لأمرٍ من هُدى الآيِ جلوتُ، ولقد أبصرتُ قُدّامي دليلا فاهتديتُ، ليت شعري كيف ضلّ القومُ عنه!، ليت شعري!.

متى توفي شاعر الرابطة الأكبر ؟

ذكر في وفاة إيليا أبو ماضي أنه فارق الحياة نتيجة تعرضه لنوبة قلبية يوم 23 من شهر نوفمبر في ولاية بروكلين بعد رحلة طويلة من العطاء والإبداع في مجال الشعر، فأظهر تفاؤله وحبه للطبيعة في أغلب القصائد التي كتبها وظل حريصًا على الدعوة إلى التفاؤل والبعد عن اليأس والتشاؤم، فنسج خيوط الأمل في بداية أشعاره وتغنى بألحان الحرية بعيدًا عن التعقيد والتقليد.