الرجال قوامون على النساء | خطاب تكليف وليس تشريف

أخبرنا الله عز وجل في الآية الرابعة والثلاثين من سورة النساء أن الرجال قوامون على النساء مبيناً علة هذه القوامة، ليؤكد لنا أنها ليست من باب التحيز وإنما هي من صميم المصلحة العامة، قوامة يراها العاقل تكليفاً فيحرص على القيام بما كُلِّف به ليحقق الاستقامة، فما هي أحكام هذه القوامة؟

ما هو تفسير الرجال قوامون على النساء ؟

يقول الله تعالى في طيات سورة النساء ((.. الرجال قوامون على النساء بما فضَّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ..))، وقد جاء في تفسير الرجال قوامون على النساء عدد من تفسيرات أهل العلم، نذكر منها ما يلي:-

1) الرجال قوامون على النساء تفسير ابن كثير :

بالنظر إلى آية الرجال قوامون على النساء تفسير ابن كثير نجد أن الرجل حاكم على المرأة، رئيس لها، أمير عليها، مقوم لسلوكها إذا حصل منه اعوجاج، وقد فضِّل عليها لبذله المال عند الزواج والنفقة عليها بعد الزواج، فكانت له الأفضال واستحق القوامة بلا جدال، ولأن الرجل أفضل من المرأة في نواحٍ عدّة وكلت إليه مناصب الولاية والقضاء وغير ذلك، واستدل ابن كثير بقول الله تعالى ((وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ)).

2) تفسير الطبري لآية الرجال قوامون على النساء :

ذكر الطبري في تفسير آية الرجال قوامون على النساء أن الرجل أهل للقوامة، فهو قادر على الأخذ بيد زوجته لتأدية حق الله عز وجل والقيام بحقوقها الزوجية، وهو إلى ذلك مسئول عن دفع مهرها والنفقة عليها وكفاية مئونتها، مما يعطيه حق تأديبها في حال امتناعها عن طاعته.

3) تفسير القرطبي لمفهوم قوامة الرجل على المرأة :

أسهب القرطبي في شرح مفهوم قوامة الرجل على المرأة في أثناء تناوله لتفسير الآية الرابعة والثلاثين من سورة النساء، فذكر أن مفهوم القوامة يشير إلى واجبات الزوج تجاه زوجته كالنفقة عليها ورعايتها والذب عنها وتدبير أمرها، كما يشير إلى حقه في الطاعة والتأديب، فالقوامة من حق الرجل بسبب تفوقه في الإنفاق ورجاحة العقل والقوة البدنية، وهي الأسباب ذاتها التي جعلته مؤهلاً لتولي الإمارة والقيام بمهام الحكم والخروج للغزو، وهي أمور تعفى المرأة منها.

وأضاف القرطبي أن كلمة القوَّام صيغة مبالغة مستمدة من القيام بالأمور والنظر فيها وبذل المجهود في حفظها، فقال ((القوامة هي المبالغة في الخدمة))، ثم أردف ((وعلى الرجل أن يبالغ في خدمة امرأته وحمايتها والإنفاق عليها))، الشيء الذي يؤكد حقيقة أن خطاب الرجال قوامون على النساء هذا خطاب تكليف وليس تشريف كما يتوهم البعض.

4) تفسير البغوي لآية الرجال قوامون :

ضمن التفاسير التي تناولت شرح آية القوامة تفسير البغوي، فقد ورد في تفسيره أن لفظتي القوام والقيم يصبان في المعنى ذاته، غير أن لفظة القوام أبلغ كونها تشير إلى القيام بالمصالح وتدبير الشئون وتقويم السلوك، لذا كانت القوامة من نصيب الرجال، إذ لهم حق السلطة المستمد من أفضليتهم في العقل والدين والولاية، فالجمعة والجماعة والجهاد كلها عبادات حكمها في حق الرجال فرض العين بيد أنها ليست فرضاً في حق النساء، وفي المقابل يكون التأديب حق للرجال.

قوامة الرجل على المرأة

5) تفسير السعدي لآية الرجال قوامون على النساء :

لم يختلف تفسير السعدي لآية الرجال قوامون على النساء عن التفاسير السابقة، فقد ذكر أن القوامة تلزم الرجل بإعانة زوجته على تأدية حق الله تعالى بواسطة المحافظة على الفرائض ومجانبة المفاسد، كما تلزم القوامة الرجل بالإنفاق على زوجته وتوفير السكن والكسوة لها، وقد اختُص الرجال بالقوامة والولاية لما يمتازون به من رجاحة العقل وقوة الجلَد مقارنةً بالنساء، إضافة إلى قيامهم بواجب النفقة وواجبات أخرى لم تفرض على النساء كالجهاد وصلاة الجمعة والجماعة.

ما هو سبب نزول آية الرِّجَالُ قوامون على النِّسَاءِ ؟

ذكر بعض المفسرين أن سبب نزول آية الرِّجَالُ قوامون على النِّسَاءِ هو أن رجلاً لطم زوجته فذهبت تشكوه إلى النبي عليه الصلاة والسلام فحكم لها بالقصاص، فلما نزلت آية الرجال قوامون على النساء دعا النبي زوجها وقرأها عليه ثم قال ((أردتُ أمراً وأراد الله غيره))، والحقيقة أن هذه القصة لم تثبت في أي حديث صحيح مرفوع، وإنما وردت في عدة روايات مرسلة عن بعض التابعين مثل قتادة والحسن والسدي.

من جهة أخرى رجح ابن عاشور أن سبب نزول هذه الآية قول بعض أمهات المؤمنين – على رأسهن ام سلمة رضي الله عنها – ((أتغزو الرجال ولا نغزو؟ وإنما لنا نصف الميراث؟))، فنزلت آيات سورة النساء من قوله تعالى في الآية الثانية والثلاثين ((وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ)) وحتى قوله تعالى في الآية الرابعة والثلاثين ((الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ)).

ما هو تفسير الرجال قوامون على النساء عند الشيعة ؟

ورد تفسير الرجال قوامون على النساء عند الشيعة في كتاب تفسير الميزان لمؤلفه العلامة الطباطبائي وهو أحد كبار علماء الشيعة، حيث ذكر العلامة أن القيم هو مَن يأمر غيره، والقوام صيغة مبالغة، وقد فُضِّل الرجال ببعض الأمور كقوة التعقل وشدة البأس، مقارنةً بالسيدات اللواتي تغلب عليهن العاطفة والرقة واللطافة، وهو ما يجعل فكرة القوامة ملائمة للرجال بما لا يدع مجالاً للشك، إضافة إلى ما يتكبده الرجال من النفقات كنفقة المهور ونفقة المعيشة.

وبالنظر إلى شرح الرجال قوامون على النساء تفسير الميزان نجد أن العلامة الطباطبائي يشكك في الرواية المتداولة بشأن سبب نزول الآية وهي قصة المرأة التي لطمها زوجها، حيث يرى أنها غير مقبولة كونها تشير إلى خطأ النبي في الحكم والتشريع وهو ما يتنافى مع عصمته صلى الله عليه وسلم.

ما هو تفسير فالصالحات قانتات حافظات للغيب ؟

استكمالًا للآية الرابعة والثلاثين من سورة النساء يقول الله عز وجل ((فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ))، وقد ذكر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية أن القانتات هن المطيعات لأزواجهن، وذكر السدي أن الحافظات للغيب هن مَن يحفظن أزواجهن في غيبتهم، فيحفظن أنفسهن ويحفظن أموال أزواجهن، وفي هذا الصدد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن خير النساء فقال ((التي تطيع زوجها إذا أمر، وتسره إذا نظر، وتحفظه في نفسها وماله)).

وللآية الكريمة فالصالحات قانتات حافظات للغيب تفسير آخر أورده بعض أهل العلم، حيث ذكروا أن القانتات هن العابدات المطيعات لله، والحافظات للغيب هن الحافظات لأسرار أزواجهن.

تفسير الرجال قوامون على النساء

ما هي أسباب قوامة الرجل على المرأة ؟

تناول أهل العلم تفسير الآية القرآنية الرجال قوامون على النساء واجتهدوا في توضيح أسباب قوامة الرجال لنفي فكرة التحيز، فذكروا الأسباب التالية:-

1) الأسباب الفطرية :

تعد الأسباب الفطرية من أهم أسباب قوامة الرجال، فقد جبلوا على القوة البدنية والقدرة على تحمل المسئولية، إضافة إلى كمال العقل وسعة الإدراك وقوة العزيمة ورجاحة الرأي وبعد النظر، وهذا لا يعني افتقار النساء لهذه الصفات لكنها في جنس الرجال أوضح وأشد، وفي جنس النساء أضعف لقوة عاطفتهن، ونتيجة لهذا التفاوت في القدرات ظهر التفاوت في التكاليف الشرعية أيضاً، فناسبت القوامة الرجال لتمام قدرتهم على تحمل مسئولية الرعاية.

2) الأسباب الكسبية :

تعزى قوامة الرجال على النساء لأسباب كسبية أيضاً، وهي إنفاق الرجال على زوجاتهم وتقديم المهور لهن وتأمين سكنهن وتوفير العيشة الهنية لهن، فالرجال أقدر على الكسب وتحصيل الرزق وهو ما جعل النفقة واجبة عليهم، وجعل القوامة حق لهم بالمنطق والعرف، وفقًا لما تمليه المصلحة.

ما هي ضوابط قوامة الرجل على المرأة :

من طريق التمعن في قراءة تفسيرات آية الرجال قوامون على النساء نجد أن هذه القوامة مقترنة بمجموعة من الضوابط التي يمكن تسميتها بحقوق المرأة على زوجها، وفيما يلي لمحة من هذه الحقوق:-

1) دفع المهر، إذ يقول الله تعالى في الآية الرابعة من سورة النساء ((وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً)).

2) النفقة عليها، ففي الآية السابعة من سورة الطلاق يقول الله عز وجل ((لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّه)).

3) إعفافها ومعاشرتها بالإحسان والمعروف، إذ يقول الله في الآية التاسعة عشر من سورة النساء ((وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)).

4) المبيت عندها، والعدل بينها وبين غيرها في حال تعدد الزوجات.

قوامة الرجل إدارة وتيسير أعمال وليست رئاسة وسيطرة :

تحدث شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب في أحد البرامج التلفزية عن مفهوم القوامة المشار إليه في آية الرجال قوامون على النساء وأكد أن المراد بالقوامة إدارة شئون الأسرة وتوفير الحماية والرعاية لها، بمعنى أنها قوامة تهدف إلى حسن الإدارة وتيسير الأعمال وتوزيع الأدوار وتبادل الحقوق والواجبات، وليست قوامة بهدف الرئاسة والسيطرة المطلقة، كما أكد الإمام الطيب أن أفضلية القوامة لا تعني أفضلية التشريف، وإنما أفضلية الاختيار الأنسب، الأكثر احتمالاً للمشاق، الأقدر على القيام بتكاليفها.

وفي السياق ذاته يقول الإعلامي السعودي أحمد الشقيري ((أكاد أجزم أن قليلاً من الرجال مَن لا يحفظ هذه الآية، وأجزم كذلك أن كثيراً منهم لم يفهمها حق الفهم))، ثم يذكر الشقيري أنه لم يفهم المعنى الحقيقي للقوامة المذكورة في القرآن الكريم إلا بعد مطالعته المتمعنة للسيرة النبوية التي تلقي الضوء على سيرة النبي الإنسان، والنبي الزوج، والنبي الأب، فمن خلالها عرف أن القوامة لا تعني عدم صدور أي أخطاء من الزوجة، بل تعني الحنكة والحكمة في التعامل مع المشكلات الزوجية ومقابلة الخطأ والتقصير بالرفق واللين.

ويضيف الشقيري أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يستشهد يوماً في أي من خلافاته الزوجية بآية الرجال قوامون على النساء من أجل تعزيز مكانته، بخلاف ما يحصل من بعض الرجال اليوم الذين يرددون هذه الآية مستشهدين بها في غير مواضعها.