فتح الأندلس | ما أظهر بسالة جيوش المسلمين

فتح الأندلس

عظيم الأثر هو الدين الإسلامي الحنيف الذي غرس الشجاعة في نفوس أتباعه وألهمهم المقدرة على مناضلة أعدائه، فكم أرانا بواسل المسلمين الذين قصدوا فتح الأندلس بسالتهم وإلحاحهم على نصرته وإعلاء رايته.

نبذة عن الأندلس أو المعروفة باسم “إسبانيا الإسلامية”

عُرفت “الأندلس” في صحائف التاريخ العربي الإسلامي باسم إسبانيا الإسلامية أو أيبيريا الإسلامية، وهي حضارة أُسست ببلاد الغرب لا سيما شبه الجزيرة الإيبيرية (البرتغال وإسبانيا حاليًا)، ولقد توسعت حدودها إلى أن وصلت للجزء الجنوبي من فرنسا بعدما أثبتت جدارتها وقوتها في القرن الثامن الميلادي.

حال إسبانيا قبل فتحها بالأيادي العربية

كم عانت إسبانيا في آخر فترات الحكم القوطي من تذبذب أحوالها السياسية والاجتماعية، هذا الأمر الذي جعلها فريسةً سهلةً وما أيسر اصطيادها والانقضاض عليها من قِبل أهل الشمال أو الجنوب! فلقد انقسم المجتمع الإسباني حينئذ إلى فئات عدة: منها مَن تصارع على تولي حكم البلاد؛ هؤلاء النبلاء الذين امتلكوا عقارات كثيرة وأُعفوا من دفع الضرائب، ومنها من عانى شظف العيش والفقر فكانوا يعملون في مزارع أصحاب النفوذ والممتلكات.

فتح الأندلس | أحد أعظم الفتوحات الإسلامية

لقد وضّحت لنا الكتب التاريخية كم كان المسلمون الأوائل شجعان، فلقد كان نشر الدين الإسلامي هو غاية هؤلاء الذين خاضوا عشرات المعارك والغزوات في سبيل رفع رايته، وكان فتح مكة هو نفق عبور وتسلل الإسلام إلى الكثير من البقاع، وإكمالًا للسنة النبوية أقام المسلمون الكثير من الفتوحات لتفشي الإسلام في شتى البلدان، وكان فتح الأندلس إحدى هذه المعارك التي أظهرت بسالة المسلمين، فدعونا نسلط الضوء على مراحل فتح الأندلس في الأسطر التالية:

– بداية التفكير في الفتح

إن أول مَن خطرت بباله فكرة فتح الأندلس هو (عقبة بن نافع) الذي دفعته انتصاراته العظيمة بقارة إفريقيا إلى غزو بلاد الأندلس، ولكنها مرّت مرور الكرام في بادئ الأمر بعدما نصحه والي طنجة (الكونت يوليان) بصرف النظر عن التفكير بهذا الأمر، وقد كان على صواب؛ فالحال في بلاد المغرب لم يكن مستقرًا آنذاك.

حينما تمكّن (ابن نصير) من فتح بعض البلدان في زمن الخليفة (الوليد بن عبد الملك)؛ اتجهت عقول المسلمين نحو غزو بلاد الأندلس، فلقد كان احتلالها سهلًا عليهم إذ لا يفصلهم عنها سوى مضيق ما.

– التخطيط لفتح إسبانيا

اجتمع الخليفة الأموي بدمشق مع قائده الموّكل إليه حُكم المغرب (موسى بن نصير) لوضع خطة ما تمكنهما من فتح الأندلس وضمها تحت جناح الحكم الإسلامي، فقصد ابن نصير القيام بحملات استكشافية كثيرة على الجزء الجنوبي من إسبانيا وفقًا للخطة الموضوعة، واستعان موسى بخدمات والي سبتة (الكونت يوليان) فجهّز الأخير جيوشه استعدادًا لإغارة الأندلس.

اتجه يوليان وجنوده على متن مركبين قاصدين الهجوم والغزو؛ فأراق الدماء وأخذ الغنيمة ورجع بيديه ممتلئتين بالخيرات، فانتشرت الأخبار في كل شبر بإسبانيا فازدادت حماسة الناس للقتال، ولم يكن موسى مكتفيًا بهذه الغارة التي تكفل بها الكونت، بل أراد المزيد والمزيد؛ إذ كلّف (طريف بن مالك) بشن الهجوم على الساحل الجنوبي للأندلس.

– عبور المسلمين إلى الأندلس عبر المضيق

لقد اخترق طريف بلاد الأندلس عن طريق المضيق الفاصل بينها وبين المغرب بجيش مؤلَف من 500 فرد (100 فارس و400 رجل)، وكان ذلك في شهر رمضان من العام الهجري 91، فنجح في نهبها والانتفاع من ثرواتها ثم عاد بجيشه سالمًا غانمًا، وحينها تيقن كم كان يوليان على صواب عندما قال إن الاستيلاء على إسبانيا وتخطي حدودها ليس بالشيء الصعب، فما أضعفها مقاومة أفرادها لجيش المسلمين!

– إسناد مهمة غزو الأندلس إلى أشجع الرجال

عندما أتى الدور على فتح الأندلس لجعلها ولاية إسلامية عربية، لم يجد (موسى بن نصير) رجلًا أشجع وأقوى من (طارق بن زياد) ليكلفه بتأدية هذه المسؤولية العظيمة، لذا أعدّ جيشًا مكونًا من سبعة آلاف مقاتل لغزوها، واعتمد على الأساطيل الإسلامية التي ظلّت في حيازته وتحت زعامته.

توجه طارق بن زياد إلى مدينة طنجة التي تمركزت السفن بها قاصدًا الوصول إلى أحد الجبال التي تحد المغرب جنوبًا وإسبانيا شمالًا، فعندما وصل هو وجنوده أسفل الجبل تفاجؤوا بجيش القوط مستعدين ومجهزين لمحاربتهم، فقد كانوا على علم أن الجيوش الإسلامية قادمة لشن الإغارة عليهم إكمالًا لسلسلة الغارات الاستطلاعية التي فعلوها مسبقًا.

– ما ينتظر جيش المسلمين عند سفح الجبل

لم يكن أمام جيش المسلمين حل سوى تغيير مخططاتهم العسكرية، مما تحتم عليهم النزول ليلًا في أحد الأماكن الصخرية، ولقد استعانوا ببرذعات دوابهم ومجاديف سفنهم لكي تساعدهم على اجتياز مياه البحر وصعود الصخور المرتفعة، هذا الأمر الذي جعلهم محاوطين لجيش القوط من سائر الجهات؛ فانقضوا عليهم قبل إدراكهم أنهم قد وقعوا فريسة في يد المسلمين.

لقد كان النصر حليفًا لأحباب الله ورسوله الكريم عند هذا الجبل الذي سُمي باسم (جبل طارق) نسبةً إلى القائد الشجاع (طارق بن زياد)، الذي بصم بأصابعه على أول نصر له في أرض الأندلس.

قادة فتح الأندلس

قادة فتح الأندلس

قصة حرق السفن | تصرف حكيم من قائد نبيل

باتت قصة حرق السفن إحدى القصص الشائعة التي تتذكرها الأذهان كلما اقتصر الحديث عن فتح الأندلس ، فحينما وصل جنود المسلمين إلى الشاطئ الإسباني وجدوا مَن ينتظرونهم لمحاربتهم، فوضع طارق بن زياد نفسه مكان هؤلاء ليختبرهم فيرى أهم شجعان أم جبناء! ولكنه استشعر الخوف داخل نفوسهم وكأنهم على مقربة من الانسحاب.

لقد ماتت جميع الحلول أمام أعين طارق بن زياد عدا حلًا واحدًا ألا وهو التخلص من هذه السفن، وذلك لئلا يسمح لجنوده بالتفكير في الانسحاب من مهاجمة الأعداء، وبهذا يكون قد قطع شتى الطرق عليهم، ثم خطب فيهم وتلفّظ بـ الكلم الطيب وبيّن لهم فضل الجهاد في سبيل الله.

فبدأ خطبته متفوهًا: (أيها الناس أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر، واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام…..).

إقامة القواعد والحواجز لتأمين ساقة الجيش

مكث أحد قادة فتح الأندلس “طارق بن زياد” أيامًا عدة بالجبل المسمى على اسمه، فشيّد أحد الأسوار ليكون سدًا منيعًا يحجب رؤية الأعداء لهم وأطلق عليه “سور العرب”، وجهّز قاعدة عسكرية على ضفاف ذاك الجبل لحماية ظهور المسلمين إذا أرادوا الانسحاب وسُميت بـ “جزيرة أم حكيم”، ولقد أبدع في إنشاء هذه القاعدة، فما أسهل الاتصال بينها وبين مدينة سبتة المغربية في حين تأزمه بالنسبة لإسبانيا نتيجة وجود المرتفعات والتلال الشامخة!

تمكّن القائد العسكري (طريف بن مالك) من تعمير قاعدة أمامية بمدينة طريفة، وكان حينئذ الملك القوطي (لذريق) منشغلًا بإهماد الثورات المعادية ضده في الشمال، ولكن حينما وصله خبر عبور المسلمين لـ فتح الأندلس أسرع بجيشه متجهًا إلى الجنوب لملاقاتهم.

معركة كورة شذونة | قتال مستمر لثمانية أيام

توجه طارق بن زياد إلى غرب إسبانيا متخذًا قاعدة “طريفة” حصنًا منيعًا لحماية ساقة جيشه، فأكمل السير إلى أن وصل كورة شذونة لا سيما “بحيرة لاخندا”، وأرسل جواسيسًا إلى الشمال ليعرفوا له عدد الجيش الذي سيواجههم، فعادوا وأخبروه مدى جسامة الجيش الذي أعدّه لذريق لمقاتلتهم، فشعر طارق بالضيق والانزعاج الشديد من هذا الحديث.

أرسل ابن زياد إلى ابن نصير رسالةً يستغيث فيها به ليمده بجنود آخرين، فأمده موسى بخمسة آلاف مقاتل ليصل عدد جيش المسلمين المتجه لـ فتح الأندلس إلى إثنى عشر ألفًا، ودارت المعركة بين هذين الجيشين في الثامن والعشرين من رمضان واستمرت ثمانية أيام ليكون انتهاؤها مسك الختام بانتصار محبي محمد رسول الله على جيش الملك القوطي المكون من مئة ألف فارس في واحدة من أعظم المعارك الإسلامية، التي سُميت بمعركة كورة شذونة أو “وادي لكة”.

استمرار المسلمين في إقامة المعارك لإكمال فتح الأندلس

باتت أبواب الأندلس مفتحةً أمام المسلمين للعبور خلالها بعدما حالفهم النصر في موقعة شذونة، فانطلق طارق بن زياد مع جيشه قاصدًا الشمال باتجاه مدينة (طليطلة) فوجد قلعة ما تُسمى بـ (إسيجه) فاكتنفها واستحوذ عليها، وقسّم جيشه إلى فرق عدة ثم أرسل فريقًا إلى قرطبة يترأسه (مغيث الرومي)؛ فحاصرها تسعين يومًا ثم تمكّن من أسرها، وبعث آخر إلى البيرة ففتحها.

ظلّ طارق مستمرًا في زحفه باتجاه الشمال إلى أن وصل (طليطلة)؛ فاقتحمها بسهولة دون أي مقاومة حيث فرّ حكامها وسكانها هاربين منها، فنهب من كنائسها وقصورها الكثير والكثير.

خضوع بلاد الأندلس للحكم الإسلامي

خشي ابن زياد ألاعيب الملك القوطي؛ فكتب إلى موسى بن نصير يلتمس منه المعونة، فذهب إليه مع جيش مكون من ثمانية ألف مقاتل ولكنه قصد طريقًا مخالفًا لما عبر منه طارق لـ فتح الأندلس ، وفي طريقه استحوذ على مدن عدة منها: إشبيلية وقرمونة حتى وصل إلى طليطلة، فالتقى بطارق بن زياد وأكمل السير معه قاصدين احتلال شتى المدن الأندلسية، ثم عاد القائدان بالجيشين معًا إلى دمشق تلبيةً لنداء الخليفة الأموي، وعُيّن (عبد العزيز بن موسى بن نصير) واليًا على الأندلس.

وبهذا أتم طارق بن زياد فتح الاندلس بعدما ظلّ بها شهورًا عدة، فما أعظمه هذا القائد الإسلامي الذي تحلى بالبسالة والشجاعة! فلم يفر هاربًا كما فعل الملك القوطي، ولم يستسلم رغم كثرة الفتوحات والغزوات بل كان جديرًا بالمسؤوليات.

أسباب فتح الأندلس

أسباب فتح الأندلس

أسباب فتح الأندلس

لم يكن هدف المسلمين من الفتح الاسلامى للاندلس هو الاستيلاء على أراضيها الرحيبة، فرغبتهم الأولى نشر الإسلام في شتى بقاع الأرض، فكما قال المولى -عز وجل- في كتابه العزيز: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ…} ولأن أصدق الحديث كتاب الله؛ فلا تعلوه كلمة، ولعل أبرز أسباب فتح الأندلس ما يلي:-

– إيصال الدعوة المحمدية التي جاء بها رسولنا الكريم إلى العالم أجمع وتعليم الناس أصول هذا الدين الحنيف، فهذا هو الهدف الأساسي من إقامة الفتوحات والمعارك الإسلامية كافة.

– تفشي الدين الإسلامي في بلاد الأندلس بل واستمرار رواجه حتى الوصول إلى أقاليم ما وراء البحار.

– فك أسر المجتمع الإسلامي المقيد بحبال الاستبداد والعبودية.

– جعل حدود البلاد الإسلامية تحت أجنحة أصحابها وحمايتها من أخصامهم البيزنطيين.

– اتساع نطاق خريطة العالم الإسلامي.

– الاستجابة لنداء ملك سبتة (يوليان) بضرورة فتح الأندلس وإسقاط العرش عن حاكمها، وتحويلها إلى ولاية إسلامية خاضعة للحكم العربي.

حياة فاتح الاندلس | مَن كان عاشقًا للجهاد في سبيل الله

شهد العام الهجري 92 على تاريخ فتح الاندلس على يد أحد أشهر القادات العسكرية الإسلامية (طارق بن زياد)، وليد عام 50 هجريًا، الذي ترعرع في بيئة عربية محبة للإسلام، وعُرفت عنه الشجاعة والحماسة اللتان ظهرتا في خوضه للمعارك والفتوحات، وفي هذه الأسطر السابقة تتمركز الإجابة على سؤال متي فتحت الاندلس ؟ أما عن تساؤل في اي عهد فتحت الاندلس ؟ فالإجابة: في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك.

ظلّ ابن زياد فاتح الاندلس شغوفًا للغاية بالجهاد في سبيل الله، فكم كان مناضلًا شجاعًا بارعًا في المبارزة والمواجهات، ولهذا اعتمد عليه ابن نصير في الفتوحات الإسلامية؛ فكثيرًا ما جعله على رأس الجيوش المتجهة إلى غزو أعداء الإسلام.

لماذا سُميت جزيرة أم حكيم بهذا الاسم؟

يرجع سبب إطلاق طارق بن زياد هذا الاسم على تلك الجزيرة نسبةً إلى جارية له قد اصطحبها معه إلى بلاد الأندلس، ولكنه تركها فيها فنُسبت إليها.

متى توفي طارق بن زياد فاتح الأندلس؟

توفي طارق بن زياد أحد أعظم قادة الإسلام العسكريين في بلاد الشام عام 101 هـ/720 م.

كم كان عدد جيش المسلمين المنطلق إلى إسبانيا؟

تألف جيش المسلمين الذي ذهب لغزو بلاد الأندلس بقيادة طارق بن زياد من سبعة آلاف محارب.

كم استمر حكم المسلمين لبلاد الأندلس؟

استمر حكم المسلمين لبلاد الأندلس ما يقرب من ثمانية قرون أي أكثر من 800 سنة.

مواضيع ذات صلة

ملكة سبأقصة ملكة سبأ “بلقيس” وسيدنا سليمان في القرآن الكريم

معركة اليرموكالعبقرية الحربية للمسلمين في معركة اليرموك