حجر بن عدي | مَن غضب لقتله أهل السماوات

نُسب إليه الخير لرحابة ورعه وتقواه، وكان أول مَن قُتل صبرًا في الإسلام، إنه لـ حجر بن عدي الكندي أكثر الناس ولاءً لابن عم رسول الله.

مَن لُقب بـ حجر الخير .. واعتنق الإسلام في صباه

عُرف عنه الكرم والأمانة والصدق والشهامة، كان آمرًا بالمعروف وناهيًا عن المنكر، أحبّ الناس وأكثرهم دعمًا لـ ساقي الكوثر علي بن ابي طالب رابع الخلفاء الراشدين، إنه لـ حجر بن عدي الذي اختار الإسلام في صغره ليكون دينًا له يسير على نهجه.

كُنّي بـ أبي عبد الرحمن أما اسمه فهو حجر بن عدي بن معاوية…. الكندي، نشأ وترعرع في الكوفة على الشجاعة والورع والتقوى فكان مناضلًا سياسيًا قويًا، وخُلّدت سيرته العطرة في صحائف التاريخ الإسلامية.

إسلام مَن لازَم الرسول قبل انتقاله إلى الرفيق الأعلى

لم يحتج حـجر بن عدي وقتًا طويلًا لأن يلين قلبه لهذا الدين الحنيف بل كان عقله سابقًا عمره إذ قاده للدخول فيه وهو في سن صغيرة، وجاء برفقة أخيه “هاني بن عدي” إلى المدينة قاصدًا رؤية رسول الله في آخر حياته -عليه الصلاة والسلام- فظلّ ملازمًا له يتلقن منه تعاليم الدين السمح، وكان من أعيان الصحابة -رضوان الله عليهم- الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل رفع راية الإسلام ونصرة الحق.

قلة من القلائل هؤلاء الذين قال عنهم الرسول: إنهم عصابة من المؤمنين، وهم مَن تكفلوا بدفن جثمان الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري وكان حجر بن عدي من بينهم.

جهاد مَن لُقب بـ راهب خاتم الأنبياء والمرسلين

خُلق حجر بن عدي من ضلوع الشجاعة والقوة فكان فارسًا مغوارًا وقائدًا عسكريًا شهمًا منذ طفولته، فشهد فتوحات العراق والشام وتكفل بقيادة وتدريب الفرقة العسكرية التي اتجهت إلى أرض (مرج عذراء) لفتحها، فكان أول مَن صلى من المسلمين فيها، وشهد معاركًا عدة في زمن خلافة الإمام علي.

– شجاعته في معركة صفين

ظلّ حجر بن عدي مرافقًا لعلي -رضي الله عنه- طيلة حياته، فكان من أنصاره وشيعته الذين هرولوا نحو مبايعته على الخلافة بعد وفاة عثمان بن عفان، فلم يتركه ولو حتى دقيقة، فحارب معه في غزوات عدة أشهرها صفين التي شهدت على مبارزة اثنين من الفرسان الشجعان.

ففي شهر صفر من العام الهجري 37 طلب أحد قادة جيش معاوية (حـجر بن يزيد) ابن عمه (حـجر بن عدي) للقتال، فكاد ابن عدي أن يسقط الآخر أرضًا ويُسيل دماءه لولا تدخل أحد الجنود الذي كسر رمحه دفاعًا عن جيشه، وقتل كثيرين من قيادات جيش العدو في هذه الموقعة.

– دور ابن عدي في موقعة الجمل

صعد (الإمام علي) المنبر واستهل يخطب في الناس بالكوفة ليحثهم على اتباعه لمناضلة الناكثين الذين خالفوا وعودهم معه، ثم ارتقى ابنه الحسين -رضي الله عنهما- خلفه ليؤكد لهم ضرورة محاربة هؤلاء وإلحاق الهزيمة بهم رغم كثرة أعدادهم، ولكنهم لم يستجيبوا لندائهم! فتقدم عمار بن ياسر وبيّن لهم وصية رسول الله بوجوب نصرة واتباع أهل البيت إلا أنهم ظلّوا مصممين على رأيهم! حتى سمعوا بخطبة حجر بن عدي الذي أقنعهم بحديثه فجعلهم ينحدرون عن رأيهم.

فكفيلة هي موقعة الجمل بإثبات رزانة وحكمة ابن عدي الذي أقنع آلاف المؤمنين باتباع جيش الإمام علي بعدما نزحوا عن الالتحاق به خشيةً من خطر الناكثين، فيا له من دور عظيم قد قام به هذا الصحابي أو ربما تابعي كما قال عنه الإمام البخاري!

– بسالته في معركة النهروان

كان حجر بن عدي في مقدمة صفوف الجيش الذي قاده علي بن أبي طالب في موقعة النهروان ضد الخوارج، فاختاره الإمام ليكون على يمينه ووضع “شبث بن ربعي” علي يساره، وناهض حـجر بكل قوته في هذه المعركة وأثبت أنه أحد الأقوياء الشجعان.

– جدارته بالمسؤوليات الكبيرة

لقد كان العام الهجري 39 شاهدًا على قيام واحدة من أقوى الملحمات القتالية، التي استهلت بعدما بعث معاوية بن أبي سفيان جيشًا بثلاثة آلاف مقاتل يترأسه “الضحاك بن قيس” ليستولى على المناطق الواقعة تحت طاعة وولاية علي، فيقتل مَن يلقاهم وينهب أموالهم، فيُقابل ذلك بفطانة الإمام الذي جهّز جيشًا مكونًا من أربعة آلاف جندي وعلى رأس قيادته حجر بن عدي ، فيتمكن من الاصطدام بالجيش الآخر ويُلحقهم الهزيمة المُذلة لهم، ويفرّ الضحاك هاربًا إلى بلاد الشام.

حـجر بن عدي  .. صاحب العقيدة القوية والإيمان الصادق

يُرينا فصل حجر بن عدي البداية والنهاية كم كان رجلًا تقيًا مستعدًا لمحاربة الأباطيل ونصرة المظاليم وإعلاء كلمة الدين، ومدى قربه من رب العالمين وحرصه على الصلاة والصيام، وكم كانت روحه طاهرةً إلى ذاك الحد الذي لم يكن لدعواته طريق سوى الاستجابة، فما أعظم قلبه السليم وسيرته الحميدة وعقيدته المتينة التي لم تتخللها أي خطيئة أو دنيئة!

هل حجر بن عدي صحابي ؟ بهذه الكلمات يبحث الكثيرون لكي يعرفوا أهو صحابي أم تابعي! فلقد اختلف العلماء في هذه المسألة إذ رأى ابن عبد البر والحاكم أنه صحابي بينما لم يوافقهم الرأي البخاري وآخرون.

كيف مات حجر بن عدي

أسئلة تطوف بعقول الأناس عن حجر بن عدي

تجول بأذهان الكثيرين أسئلة كثيرة عن هذا الصحابي أبرزها سؤال كيف مات حجر بن عدي ؟ هل قُتل أم استُشهد بإحدى الغزوات، وتساؤل ماذا كتب على قبر حجر بن عدي ؟ وأيضًا سؤال ما موقف حجر بن عدي والامام الحسن من حرب الناكثين؟ وإلامَ تنتمي جثة الصحابي التي وجدت في توسعة الحرم ؟ فإجابات هذه التساؤلات موجودة بين سطور هذا المقال.

حجر بن عدي سير أعلام النبلاء | رمز للوفاء

مثال للوفاء والولاء هو حجر بن عدي الذي قدّم إراقة دمائه على مخالفة نهج إمامه، فلم يهب حدة السيف ولا سكرات الموت بل كانتا أهون عليه من العدول عن المبادئ التي لطالما حارب لأجلها مع الإمام علي.

دفاع حجر عن إمامه “علي” طيلة سنوات

استولى معاوية بن أبي سفيان على ولاية العراق بعد وفاة الإمام، فضم الكوفة تحت كنف حكمه وأسند إمارتها إلى المغيرة بن شعبة، فلقى حجـر بن عدي ذاته محكومةً مِن قِبل الذين يخالفون شريعته.

وكان المغيرة أكثر الكارهين لعلي إذ ظلّ سبع سنوات يذمه ويلعنه على المنابر، وكأن لسانه عاجز عن التفوه بأي حديث سوى المذكور فيه علي، وهذا ما أثار غضب الشيعة لا سيما حـجر الذي لطالما وقف على المنبر ليستنكر ذم أحد من أهل بيت رسول الله، ظلّ المغيرة حريصًا على ألا يصيب حجر بأي أذى رغم استمرار شجارهما لسنوات عدة.

وقعتا الكوفة والبصرة تحت حكم “زياد بن أبيه” بعد وفاة المغيرة، وهو أكثر الكارهين لعلي وأنصاره ولحـجر بشكل خاص، مما اعتقله أسيرًا بعدما تصادم معه ووضعه في إحدى الزنزانات، وكتب شهادات زور لأشخاص يثق معاوية بهم ليرسلها إليه فيأمر بقتل حجر حينما يرى خروجه عنه، وبهذا تنتهي حياة أشد المحبين والداعمين لعلي!

وفاة أعظم قادة الفتوحات الإسلامية شجاعةً وأمانةً

لقد كان معاوية بن أبي سفيان مترددًا في حسم مصير ابن عدي، فكان واقفًا في منتصف الطريق بين قتله وبين تركه أسيرًا خشيةً من إغارة المسلمين عليه، فبعث رسولًا إليه يُخيره بين أمرين إما البراءة من علي وإما القتل! ولكنه اختار الموت.

طلب حجر منه إراقة دماء ابنه (همام) قبله خشيةً من أن يرتد عن ولاية علي حينما يرى عنق أبيه يُقطع تحت أنظاره! وقد كان وقُتلا عام 51 هـ ودفنا بمرج عذراء، وهذا ما توقعه له الإمام علي وأخبره به قبل وفاته، أما عن نبش قبر حجر بن عدي فهي حادثة قد حدثت بالفعل بعدما نُقل جثمانه إلى مكان آخر غير المدفون فيه.