منزلة سعيد بن جبير بين التابعين

المولى الكوفي سعيد بن جبير الذي طاف بالعلم والدين بين العباد، يدعوهم ليدخلوا في رحاب التقوى، ويرتدون ثوب الحكمة والإيمان، بن جبير كان إماماً وجهبذاً، حصد في صحوة الشمس الأمانة والصدق، ونال الشهادة من عند الله أسوة بالصديقين بعدما أغلق عيونه على نور الحق.

تابعية سعيد بن جبير لرسول الله

سعيد بن جبير هو الشهيد، المقرئ، الحافظ لكتاب الله، المعلم، فمن الصحيح أن التابعي أبو محمد لم يلتق ابداً برسول الله ( صل الله عليه وسلم)، ولكنه اقتدى به في علمه وفي منهاجه طوال عمره، فأصبح واحد من التابعين لصحابة نبي الله محمد، والذين تم ذكرهم في كتاب رجال حول الرسول الذي يحكي عن الكرام من أهل المسلمين.

التابعي هو الشخص التقي النابغ الذي عاصر أحد صحابة رسول الله في حياته، شريطة أن يتوفاه الله عز وجل على فطرة الإسلام الخالصة، وهذا الأمر ينطبق تماماً على بن جبير المخلص لعزة دين الله.

نسب سعيد بن جبير وأصله

الاسم الكامل للشهيد سعيد بن جبير هو أبو عبدالله سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الوالبي الكوفي، أبو عبد الله الأسدي لم يكن عربي الأصل كما يروي عنه بعض الأشخاص، ويرجع أصل المولي الكوفي إلى بلاد الحبشة، ولكن واحد من صلب قبيلة بني أسد يدعى (لبنى والبة بن الحارث بن أسد بن خزيمة) اشتراه فأعتقه لوجه الله، ومن هنا أطلق على سعيد لقب مولاهم الكوفي.

مولد سعيد بن جبير وتاريخ وفاته

لم يستطيع أحد من المترجمين أن يفصح عن تاريخ ولادة سعيد بن هشام الأصلي، وذلك لأن العرب قديماً كانوا يستطيعون تحديد تاريخ الوفاة فقط، ولكن من أقوال سعيد بن جبير لولده التي ساعدت العلماء في تحديد سنة مولده ” ما بقاء أبيك بعد سبعة وخمسين”، مما يعني أن بن جبير قد عاش قرابة سبعة وخمسين عاماً على قيد الحياة.

توفي سعيد بن جبير في العام الخامس والتسعين هجرياً، وبناءً على ذلك حدد المترجمين تاريخ مولد أبو عبد الله في الثامن والثلاثين هجرياً، ولكن هناك رؤية مختلفة تثبت أن سعيد بن هشام ولد في العام السادس والأربعين هجرياً، وفقاً لأشخاص أخبروا عنه بأنه توفى عن عمر 49 سنة فقط.

سعيد بن جبير سير أعلام النبلاء

بلغ سعيد بن جبير في العلم منزلة لم يصلها أحد من نوابغ المسلمين في الفترة التي عاشها، ولقبه أهل الكوفة بـ جهبذ العلماء لشدة تغلغله في أصول الدين وثوابت الفقه، روى بن جبير عن عائشة رضي الله عنها، وعن أبي هريرة، وعن الكثير من صحابة رسول الله ( صل الله عليه وسلم).

قرأ أبو محمد القرآن على عبد الله بن عباس حبر الأمة، وكان بن العباس لا يفتي في مجلس وبن جبير موجود فيه، وذكر عن عبدالله بن عباس أنه كان يرد على أهل الكوفة عندما يستفتونه في أمر وسعيد بن جبير موجود ( أليس منكم ابن أم الدهماء)، وكان يقصد بقوله العالم و الجهبذ أبو عبد الله بن جبير الأسدي.

تفسير سعيد بن جبير

ما رأى أحد المولي الكوفي بن جبير في حياته إلا وهو في حالة من اثنين، إما قائماً على تدبر كتاب ينتهل من نوره علماً، أو عاكفاً في محرابه يتأمل بديع الله في تصويره وفضله، فكان سعيد بن جبير يتعبد في المحراب وفي ساحات العلم، لا يرى أمامه في الطريق الذي يسيره إلا كل ما يرضي الله سبحانه وتعالى.

فسر أبو عبد الله الكثير من الأحاديث التي رويت عن الكثير من الصحابة مثل ابو بكر الصديق رفيق رسول الله ( صل الله عليه وسلم) وتتلمذ بن جبير في أول حياته على يد خير علماء المسلمين وأهل كتاب الله مثل أبي سعيد الخدري، ولكن الفضل كل الفضل في تعليم سعيد بن جبير كل تلك اللازمة العلمية المثقلة بالزهد والتدبر يرجع إلى ترجمان القرآن “عبدالله بن عباس” رضي الله عنه.

علم وورع سعيد بن جبير

كان سعيد بن جبير على علمٍ يقين بأن النقطة التي يحصل عليها من بحر العلم في الدنيا، سوف يفيض الله عليه من سخائه عطاءاً بفضلها في الآخرة، فلزم سعيد العبادة والورع دون أن يترك سبيل العلم الذي كان يرافق روحه مثل الهواء.

بن جبير كان كثير العبادة لوجه الله تعالى، فسبحانه جل وعلا كان ينعم عليه بالحج عام و بالعمرة عام، وكان بن جبير مخلص لقيام الليل في الأسحار، و منَ الله عليه بأن جعله في أكثر أيامه صواماً قواماً متعبداً لوجهه الكريم، وذكر عن أبو محمد في كتاب “شيخ التابعين وإمام القراء” أنه كان يختم القرآن كل ليلتين، ويمكن تحميل سعيد بن جبير pdf لمعرفة المزيد عبر ذلك الكتاب المتقن.

سبب مقتل سعيد بن جبير البداية والنهاية

اندلعت ثورة ضد الحجاج بن يوسف الثقفي في عهده، وكان عبد الرحمن بن محمد الأشعث هو الذي يقود تلك الثورة أمام بطش الحجاج، و لعب انضمام سعيد بن جبير إلى تلك الثورة دوره في حث المزيد من الشجعان إلى نزال الجائرين وأعداء كلمة الله.

وعندما ظفر الحجاج بعبد الرحمن بن محمد الأشعث هرب بن جبير إلى الأصفهان، وبعدها إلى مكة المكرمة، وظل متخفياً من بطش الحجاج إلى أن قرر سعيد الكوفي أنه لا مفر من قدر الله، وحينها اقتتله الحجاج في شهر شعبان عام 95 هجرياً، لينطفئ مع موته سراجاً ظل منيراً للعلم قرابة الخمسين عاماً.

صحة قصة الحجاج مع سعيد بن جبير

قصة الحجاج مع سعيد بن جبير صحيحة تماماً وتنقل لنا مدى الشجاعة و اللباقة التي أظهرها بن جبير في مواجهته للحجاج، وكيف انتصر سعيد المولي الكوفي في المبارزة الكلامية التي عاشها مع الحجاج قبيل وفاته بدقائق، وذلك بعدما فشلت محاولة الحجاج في زحزحة عزيمة بن جبير عن الحق والإيمان، بطرحه لملذات الدنيا الفانية أمامه.

سعيد بن جبير

دعاء سعيد بن جبير على الحجاج

دعا سعيد بن جبير على الحجاج قبل أن يقتتله شهيداً، فقال ” اللهم لا تسلطه على قتل أحداً من بعدي”، لتشل أيدي الحجاج عن قتل الأرواح الطاهرة من بعد بن جبير، ويموت ليلقى منزلة أبو جهل والظالمين في الدرك الأسفل من النار.