أتعرف من هو صاحب الظل الطويل ؟

لكل منا صاحب الظل الطويل الذي يسكن مخيلته, ربما لا نعرف الكثير عنه لكننا نعرف جيداً شعور الانتماء الذي يراودنا تجاهه و الذي عبرت عنه جودي ابوت في الرواية قائلة ((بدا الأمر كأني أنتمي لشخص ما الآن و هذا إحساس مريح جداً)).

لعل السر الكامن وراء نجاح رواية صاحب الظل الطويل هو ذاك القرب العاطفي الذي لمسناه في رسائل جودي التي تستهلها دوماً بالعبارة الدافئة عزيزي يا صاحب الظل الطويل فيراودنا الشعور بأن هناك مَن يشاطرنا الأحاسيس ذاتها و يحمل عن عواتقنا مهمة التعبير عنها.

لقد تسرب إلينا – بشكلٍ أو بآخر – شعور مؤنس بأن جودي تبث رسائلها إلى كل أصحاب الظلال الطويلة نيابةً عنا ريثما نتمكن نحن من فعل ذلك – نسأل الله التساهيل -, و حتى ذلك الوقت ستبقى رواية صاحب الظل الطويل روايتي المفضلة و الأقرب إلى قلبي.

نبذة عن رواية صاحب الظل الطويل :

يصنف عمل صاحب الظل الطويل ضمن الروايات الرسائلية و هي فن أدبي يتناول عدد من المراسلات الحقيقية أو الافتراضية الموجهة إلى شخص بعينه أو مجموعة من الأشخاص, و تأتي هذه المراسلات على هيئة رواية متعددة الشخوص و الأحداث من أجل تسليط الضوء على قضية مجتمعية ما, و هذا هو الفرق الجوهري بين القصة و الرواية الأدبية.

و يعود تاريخ إصدار رواية صاحب الظل الطويـل إلى عام ألف و تسعمائة و اثنا عشر من الميلاد باللغة الإنجليزية في بلدة الولايات المتحدة الأمريكية, أما عن كاتبة هذا العمل الأدبي فهي الروائية الأمريكية جين ويبستر التي نشأت و ترعرعت تحت سماء مدينة نيويورك و لفظت بها أنفاسها الأخيرة أثناء إنجاب طفلها.

و على الرغم من أن مؤلفة صاحب الظل الطويـل قد غادرت العالم في مرحلة عمرية مبكرة إذ أن المنية قد وافتها و هي لم تكمل عقدها الثالث بعد إلا أنها نجحت في ترك أثر بارز في الساحة الأدبية لتخبرنا أن الأعمار لا تقاس بالأرقام بقدر ما تقاس بعمق الأثر المتروك و أن الخلد لم يكن يوماً من نصيب الأشخاص لكن توجد مؤلفات و كتب خلدها التاريخ و خلد ذكر أصحابها.

ما الذي تدور حوله أحداث رواية صاحب الظل الطويل ؟

تدور أحداث الرواية المعروفة صاحب الظل الطويل حول فتاة يتيمة المنشأ لا عائلة لها و تدعى جيروشا أبوت كما كانت تسميها صاحبة الملجأ الذي تربت في كنفه, لكن الفتاة كانت تبغض اسم جيروشا و تفضل اسم جودي فأطلقته على نفسها و عُرفت به.

و قد تكفل أحد الأوصياء بإرسال جودي ابوت إلى الجامعة لاستكمال دراستها بعدما حازت كتاباتها على إعجابه و اشترط عليها في مقابل ذلك أن توافيه بأخبارها بصفة شهرية عبر الرسائل المكتوبة كـ موضوع تعبير من أجل تنمية حس الكتابة لديها رغبةً منه في تحفيزها و دفعها لأن تكون كاتبة ناجحة, على ألا تنتظر منه رداً على رسائلها و ألا تتطلع لمعرفة أي معلومات متعلقة بشخصه.

كان هذا الوصي غامضاً جداً بالنسبة لجودي حتى أنها لم تتعرف على شكله و لم تلمح منه سوى ظله الذي بدا لها طويلاً فأطلقت عليه صاحب الظل الطويل بدلاً من الاسم المستعار الذي أطلقه هو على نفسه و هو جون سميث, و بالفعل خطت جودي خطوات واسعة في دراستها و ملؤها الامتنان و التقدير لذاك الذي وهبها فرصة الاستمتاع بالحياة خارج جدران الملجأ.

و رغم أن جودي لم تكن تعرف بعد من هو صاحب الظل الطويل إلا أنها واظبت على خط الرسائل له مستفيضة في السرد تارة و مكتفية بكلمات مقتضبة تارة أخرى ليتولد بداخلها شعور عميق بالانتماء له كعوض عن عائلتها المفقودة, و هذا هو ملخص رواية صاحب الظل الطويل و أهم ما تدور حوله أحداثها.

جودي ابوت

تلخيص رواية صاحب الظل الطويل :

لا أحبذ أبداً قراءة تلخيص رواية صاحب الظل الطويل فهذا لن يعوض متعة الانغماس في رسائل جودي ابوت التي تترأسها عبارة عزيزي ياصاحب الظل الطويل مرفقة باليوم و التاريخ, فالأمر يشبه قراءة تلخيص رواية السجينة دون التعمق في قراءة ما خطته مليكة من كلمات مفعمة بالألم و الأسى و المرارة.

لكن على أية حال هناك مَن لا تستهويه قراءة التفاصيل و يفضل الاطلاع على التلخيص لذا سنحاول موافاته بموجز أحداث الرواية.

1) بداية حكاية جودي ابوت :

كانت جودي أبوت واحدة من الفتيات اللواتي لم يحظين بترف النشأة بين أحضان العائلة فقد تربت تحت سقف الملجأ الذي تديره السيدة ليبيت, و رغم قسوة الحياة بين جدران الملجأ إلا أن ذلك لم يمنع جودي من أن تخرج أفضل ما لديها و ألا تتوانى عن محاولة تحويل شظف العيش إلى نكتة ساخرة و قد ساعدها في ذلك قدرتها على الكتابة و التعبير.

2) ظهور صاحب الظل الطويـل :

حظيت كتابات جودي بإعجاب أحد الأوصياء المترددين على الملجأ فقرر أن يتكفل بمصاريف إرسالها إلى الجامعة في مقابل أن تواظب على كتابة رسائل شهرية له تسرد له فيها كل ما جد من أخبارها دون أن تعرف شخصه أو تنتظر رده, و قد أطلقت عليه جودي ابوت صاحب الظل الطويل كونها لم تلمح سوى ظله أثناء مغادرته للملجأ.

3) التحاق جودي بالجامعة :

غادرت جودي الملجأ و ملؤها الفرحة و الأمل و الحماس كونها ستستهل مرحلة جديدة و ستكون على شفا حفرةٍ من تحقيق حلمها الذي لطالما راودها و هو أن تصير كاتبة, اجتهدت جودي في دراستها و داومت على خط الرسائل لصاحب الظل الطويـل الذي باتت تعده كل عائلتها.

و على الرغم من أنها لا تلتقي به – أو هكذا خُيل لها – و لا تعرف عنه سوى اسمه المستعار جون سميث إلا أن ما بداخلها حياله كان يكبر يوماً بعد يوم.

حين يهدينا أحدهم الاهتمام و ينتشلنا من بئر الأحزان و يكون لنا عوناً على تحقيق الأحلام و يؤنسنا طيفه في اليقظة و المنام و يحيل ديجور عالمنا إلى ألوان لا نكون بحاجة لمعرفة المزيد عنه لنشعر تجاهه بالحب و الامتنان, حينها لا يشغلنا الشكل و تمسي المسافات و الأعمار مجرد أرقام.

4) نهاية رواية صاحب الظل الطويـل :

مرت الأعوام و قطعت جودي أشواطاً واسعة في مجال الكتابة و بدأت في الاستقلال و كونت العديد من الصداقات, و يشاء القدر أن يقع أحدهم في حبها بعد مواقف عدة قد جمعتهما, و رغم أنها تبادله المشاعر ذاتها إلا أنها ترفض الارتباط به بعدما أفصح عن رغبته في خطبتها, فوقع في نفسه أن قلبها مشغول بحب غيره لكن الحقيقة لم تكن كذلك !

لقد خشيت جودي الفوارق الشاسعة بينهما علاوةً على أنه لا يعرف شيئاً عن ماضيها في ملجأ الأيتام فآثرت الاحتفاظ بكرامتها, لكن المفاجأة التي تكتشفها في نهاية المطاف أن ذاك الذي تقدم لخطبتها هو نفسه صاحب الظل الطويـل الذي لطالما خطت له الرسائل وذلك بعد أن يوافق أخيراً على كشف النقاب عن هويته, كان على مقربة منها إذن دون أن تعلم و يعرف عنها الكثير, فيا بهجة الروح و يا فرحة القلب.

و أخيراً تخط جودي ابوت إلى صاحب الظل الطويـل رسالة تختلف عن كل الرسائل السابقة, لقد كانت أشبه بـ قصيدة غزلية تكتبها فتاة إلى حبيبها و ليست رسالة من فتاة إلى ذاك الوصي الغامض الذي لا تعرف عنه سوى طول ظله, نسأل الله أن يلتقي كل منا بصاحب الظل الطويل الخاص به.