طوق الحمامة | علامات الحب ومراحله

الحب هو غريزة أبدية وضعها الله في قلب كل إنسان، لكن الاختلاف بين الناس يأتي في طريقة التعبير عن هذا الشعور، فالحب ما هو إلا شعور قد يجعلك تشعر بالسعادة والبهجة، وقد يجني عليك بالهم والحزن أيضًا، فهذا الشعور الفريد قد تجد في داخله كل التناقضات، وقد كان كتاب طوق الحمامة من أفضل الكتب التي تناولت الحديث عن ماهية الحب وأسراره وأظهر لنا ما هي مميزات ومساوئ هذا الشعور المتأصل داخل النفس البشرية.

يعتبر كتاب طوق الحمامة لابن حزم هو مرشد الإنسان لمعرفة الطريقة التي يتعامل بها مع الحب وتقلباته وكيف يتجنب الوقوع في المعاصي التي قد تحدث تحت مسمى الحب، وهذا ما يفرق بين الثقافة الإسلامية والغربية التي لا يوجد بها أي قيود أو حدود للحب، ويمكن استنباط ذلك عند قراءة رويات الحب لأدباء غربيين مثل رواية ظل الريح ، والتي تحكي عن العلاقات المحرمة والمشاعر المحظورة في الدين الإسلامي.

تعريف مختصر عن مؤلف كتاب طوق الحمامة

قام بتأليف كتاب طوق الحمامة الأديب والفقيه “علي بن حزم الأندلسي”، وهو من أشهر علماء الأندلس، حيث إنه احتل المرتبة الثانية باعتباره ثاني أكبر عالم أندلسي تأليفًا للكتب، في حين احتل الطبري المرتبة الأولى.

ولد ابن حزم في قرطبة عام 384هـ، ونشأ في قصر والده الذي كان يتمتع بمكانة كبيرة عند الخليفة المنصوري، لأنه كان أحد وزرائه المقربين، وكان علي بن حزم يتبع المذهب الشافعي قبل أن يقوم باتباع المذهب الظاهري، والمقصود بهذا المذهب أن الأحكام الفقهية وأصول الشريعة الإسلامية يجب أن تكون مستوحاة من القرآن الكريم والسنة النبوية وما أجمع الصحابة عليه، وأي أمر يخالف تلك المصادر لا يمكن قبوله، لذلك دائما ما كان يعارض ويهاجم علماء الفقه والشريعة في عصره ويتهمهم بأنهم يقولون ما يرضي مصالحهم.

وكان ابن حزم في صغره لا يجالس أحد سوى الجواري والنساء الموجودات في قصر أبيه، وهن من علمنه الأدب والشعر وحفظ القرآن الكريم، لذلك أدرك الدور المهم الذي تقوم به المرأة في حياة الرجل، علاوة على ذلك أن ابن حزم كان يقدس قصص الحب الطاهر التي كان شاهدًا عليها، فعندما طلب منه أحد أصدقائه وصف الحب قام بتأليف رائعة من روائع الأدب العربي وهو كتاب طوق الحمامة ليحكي فيه عن جمال الحب وآلامه، في حين تناول كتاب الداء والدواء  طريقة معالجة هذه الآلام والجروح التي يتركها العشق في القلب.

طوق الحمامة لابن حزم

تلخيص كتاب طوق الحمامة

يحتوي كتاب طوق الحمامة على ثلاثين بابٍ، يروي كل بابٍ منهم صفة من صفات الحب، فإذا توغلت في الأفكار والقصص التي يقصها عليك المؤلف في ثنايا الكتاب، سينتهي بك الأمر بأن تفهم الحب، وستكتسب مهارة التعامل مع هذا الشعور الممزوج بالخير والشر معًا.

الحب وسيلة اتصال بين القلوب

يُعَرف كتاب طوق الحمامة في الألفة والألاف الحب على أنه شعور خلقه الله داخل النفس البشرية لكي يكون وسيلة اتصال بين قلوب البشر، فكل إنسان يشعر دائمًا أنه ينقصه  شيءٌ ما، وغالبًا ما يكون هذا الشيء هو الحب، لذا يقوم الحب بدور المكمل والموصل بين هذه النفوس المنقسمة، فالنفس البشرية تشبه الحديد فهي لا تنجذب إلا لمن يشبهها، وهذا ما يفعله الحب في القلب يجعله ينجذب ويشتاق لمن يعتقد أنه يشبهه في الكثير من الطباع.

لكن لا تنخدع بالحب وتعتقد أنه شعور يجلب السعادة والراحة للقلوب فقط، بل إنه قد يجلب الهم والكسرة أيضًا، وهذا ما أكده كتاب السماح بالرحيل الذي ينصحك بترك كل ما يسبب لك الآلام  والمتاعب، ومن هذا ما رواه ابن حزم الأندلسي عن عشقه لجارية عندما كان في ريعان شبابه، فقد كان مولعًا بها فكان لا يرى بها أي عيب، ووصف في كتاب طوق الحمامة مدى حسنها وطهارتها ورزانتها، ورغم كل هذا العشق الذي كان يكنه لها في قلبه إلا أنها لم تكن تبادله نفس الشعور، وهذا ما كان يجعله يشعر بالحسرة والألم.

لكن رغم قسوة الحب أحيانًا إلا أنه قد يعطيك فرصة أخرى لكي تصل إلى نشوة السعادة، وهذا ما حدث لابن حزم عندما استطاع نسيان هذه الجارية بعد أن وقع أسيرًا لأخرى، لكن هذه المرة ذاق حلاوة العشق، لأنها كانت تبادله نفس المشاعر وتطيعه في هواه، وهذا ما جعله يعترف في كتابه طوق الحمامة بأن للحب وجهين قد يرى البعض الوجه الجميل المشرق، في حين يكون نصيب البعض الآخر الوجه القاسي المؤلم.

  علامات الحب

يوضح كتاب طوق الحمامة علامات الحب التي تظهر على الإنسان المصاب بعشق أحدهم، ويمكن تلخيص هذه العلامات فيما يلي:

1-أن يريد الفرد بصفة دائمة النظر لمن يحب، أي أن يكون لديه إدمان ورغبة  في رؤية المعشوق، وذلك أن الفرد في هذه الحالة يشعر بنشوة وابتهاج فريد من نوعه.

2- أما بالنسبة للعلامة الثانية فتتمثل في الرغبة في الحديث مع من تحب، فدائمًا ما ستجد العبارات والموضوعات التي تود الحديث فيها مع معشوقك، بل إنك تصل إلى مرحلة لا تريد فيها أن تنهي هذا الحوار حتى ولو كان حديثًا غير مفيد.

3- الشخص الواقع في الحب سيجد أن قدمه دائمًا تصحبه إلى المكان الذي يوجد به حبيبه، حتى لو كان هذا المكان يكتظ بالناس سيشعر حينها أنه خالٍ تمامًا ولا يوجد به أحدٌ سواهما.

4- وإن كان الفرد يجلس مع حبيبه في مكانٍ ما سيرغب دائمًا في لمس يده ليشعر برجفة تسري في كل جسمه، بل إنه سيرغب في لمس كل ما سبق وأن لمسه حبيبه مثل شرب الماء من نفس الموضع الذي شرب منه.

5- محاولة الاتصاف بالصفات التي تجعل الحبيب ينجذب إليك، فإن كنت شخصًا جبانًا ستجد أن الشجاعة تتسرب إلى قلبك رويدًا رويدًا، وإن كنت شخصًا بخيلًا ستحاول أن تتصرف أمام محبوبك بأقصى درجات الكرم، أي أنك ستحاول التخلص من كل الصفات التي من الممكن أن تجعل معشوقك ينفر منك.

6- ويعتبر حب السهر والغوص في الأفكار والأحلام المتعلقة بالحبيب من أهم الأعراض التي تظهر على الشخص الواقع بالحب، فكثيرًا ما كُتب شعر الغزل ليلًا.

يخبرك كتاب طوق الحمامة بأنك إذا شعرت بهذه العلامات فاعلم أنك على أبواب مرحلة جديدة من مراحل الحب وهي الاشتياق واشتعال نيران الغيرة والعشق بداخلك، بل إنه سيجد نفسه يحب كل من يرتبط بحبيبه مثل أهله وأصدقائه، علاوة على الرغبة في ممارسة كل العادات والهوايات التي يؤديها.

طوق الحمامة في الألفة والألاف

مراحل الحب

هناك عدة مراحل تمر بالإنسان حين يقع في حب شخصٍ ما، قد تكون هذه المراحل مرتبطة ببعضها البعض وقد تكون متناقضة، وقد ذكر كتاب طوق الحمامة كل هذه المراحل بالتفصيل مثلما فعل كتاب لغات الحب الخمسة  ، وتتمثل هذه المراحل فيما يلي:

حب الوصف وأحلام المحب

وصف كتاب طوق الحمامة النساء اللاتي تسكن القصور ويُحِجَب عنهن التعامل مع الرجال والخروج خارج أسوار القصر بأنهن الأكثر انجذابًا للرجال، ويصبحن أكثر تمسكًا بمن يحببن، فهن يسهرن الليل في وصف المحبوب، أو مراسلته، وحتى حين يخلدن إلى النوم يرون الحبيب في أحلامهن دون إبصاره في الحقيقة.

هل يوجد ما يسمى بالحب من النظرة الأولى؟

قد يشعر البعض أنه وقع أسيرًا في غرام أحدهم بمجرد نظرةٍ واحدةٍ، فتصيبنا الحيرة والتعجب ويدور في بالنا سؤال واحد وهو ” هل هذا حب حقيقي أم مجرد إعجاب فقط سيزول مع الوقت”، وقد تحدث ابن حزم في كتابه طوق الحمامة عن هذا النوع من الحب عندما روى قصة أحد أصدقائه الذي رأى جارية في طريقة إلى الجامع ولم يقدر أن يمنع نفسه من ملاحقتها، بل إنه وجد نفسه يذهب إلى نفس المكان عسى أن يراها مرة أخرى، لكن في كل مرة يخيب ظنه، وهذا ما جعله يصفها ويتغزل بها في أشعاره وأقواله.

الحب بعد المطاولة

ركز كتاب طوق الحمامة في باب من لا يحب إلا بالمطاولة على فكرة متناقضة تمامًا مع الباب السابق، وهذا يعني أن الحب يعتمد على العشرة والمطاولة في الحديث والتعامل مع من نحب بصفة مستمرة، ومن يؤمنون بهذه الفكرة يعتقدون أن الحب من أول نظرة ما هو إلا نتيجة إثارة غريزة الشهوة والرغبة فقط.

العين أكثر الحواس دلالة

يمكن أن تكشف العين عن المشاعر التي تكمن داخل القلوب، بل إنها تعطي إشارات تكون بديلة لقول بعض الكلمات، فمثلًا هناك نظرة تدل على أنك تنهى شخصاً ما عن فعل محدد، وقد تدل نظرات العين على الفرحة والابتهاج أو تعبر عن الكسرة والحسرة، وقد تفضح العين المحب حين يرى حبيبه، فالعين لا تكذب فهي البوابة التي تخرج منها الأحاسيس التي لا يمكن التعبير عنها بالقول .

 مراسلة الحبيب

بعد أن يكون هناك تفاهم بين الحبيبين في ترجمة إشارات العين، يبدأ المحب في إرسال الكتب والرسائل التي يصف فيها الحبيب، أو يتحدث فيها عن مشاعره الملتهبة والتي يفقد السيطرة عليها، ويتم إرسال هذه الكتب بواسطة شخصٍ ما يكون حلقة الوصل بينهما، وينبغي أن يتصف بالوفاء وكتم الأسرار، وأطلق كتاب طوق الحمامة على هذه الشخص لقب السفير.

 كتمان الحب أو إذاعته

كتمان الحب بمعنى أن يكون سرًا ولا يعلم به أحد، حتى لا يفتح بابًا للغلط أو يدخل في دائرة المعصية، فلا بد أن يكون المحب كتومًا لا يفشي حبه لأحد وأن يتصف بالحياء، وهذا ما يتناقض تمامًا مع من يقوم بإذاعة مشاعره بين الناس، وهذا ما يمكن اعتباره فعل بغيض، والذي يدل على سوء النية كالرغبة في الانتقام من الحبيب، وهذا يعتبر غدرًا وخيانة وهما من آفات الحب ومساوئه.

طاعة الحبيب أو مخالفته

هما مرحلتين متناقضتين تمامًا، ففي المرحلة الأولى يكون المحب لديه الرغبة في طاعة كل أوامر حبيبه وتحقيق كل ما يرغب به، والعكس يحدث في مرحلة المخالفة، حيث لا يرغب الفرد أن يطيع حبيبه، ويكون ذلك بهدف رغبته في البعد والعزلة عنه.

ومن التناقضات التي ذكرها كتاب طوق الحمامة أن هناك فرق بين المساعدة التي تعتبر نعمة من الله حين يهب لك صديقًا أو حبيبًا يسعى دائمًا إلى تقديم يد العون لك، ولكن إذا قام بدور الرقيب عليك فإن ذلك يكون نتيجته البغض وعدم الرغبة في القرب منه.

التعفف في الحب

يجب أن يكون هناك تحكم في الشهوات والرغبات حين تعشق فردًا ما، من خلال جعل كل المشاعر المتعلقة بالحب مبتعدة عن الاتجاه الذي يجذبك إليه الشيطان، أي أنك تضع أوامر الله ونواهيه دائمًا نصب عينك، وهذا هو الفرق بين التعفف في الحب وبين الانجراف وراء الشهوات، ويمكن التعرف على تفاصيل كل مرحلة على حدة من خلال قراءة طوق الحمامة pdf.

تحميل كتاب طوق الحمامة

يمكن أن تتعرف أكثر على مراحل الحب وما هي الآفات المتعلقة به  وكيف يمكن التحكم في المشاعر التي قد تأخذنا إلى طريق الضلال والمعصية، وذلك من خلال تحميل كتاب طوق الحمامة  .

مقتطفات من كتاب طوق الحمامة

يمكن أن نجد في كتاب طوق الحمامة اقتباسات عديدة تعبر عن مشاعر مختلفة قد تمر بنا في فترات ومراحل معينة في رحلة العشق، ومن هذه الاقتباسات ما يلي:

1-“ومن الناس من لا تصحُّ محبته إلا بعد طول المُخافتة، وكثير المُشاهدة، ومتمادي الأُنس، وهذا الذي يوشك أن يدوم ويثبت ولا يَحيك فيه مرُّ الليالي، فما دَخل عسيرًا لم يخرج يسيرًا”

2-  “وكثيرًا ما يكون لُصوق الحب بالقلب من نظرة واحدة، وهو ينقسم قسمين، فالقسم الواحد مخالف للذي قبل هذا، وهو أن يعشق المرء صورةً لا يعلم من هي، ولا يدري لها اسمًا ولا مستقرًّا. وقد عرض هذا لغير واحد”

3- “فإن الهموم إذا ترادفت في القلب ضاق بها، فإن لم ينبض منها شيء باللسان، ولم يسترح إلى الشكوى لم يلبث أن يهلك غما ويموت أسفا”