عندما التقيت عمر بن الخطاب | حوار شيق مع الفاروق

بعض اللقاءات تبعث على البهجة و السرور و بعضها يبعث على الكدر و النفور, بعضها يعيد خلقك فتعود من بعده كيوم ولدتك أمك و بعضها لا يشكل فارقاً و لا يحرك فيك ساكناً, بعضها تعود منه خفيفاً بثقل الريشة أو أخف و البعض منها تعود منه ثقيلاً كما لو أن جبلاً هبط على صدرك, و في كتاب عندما التقيت عمر بن الخطاب تخير المؤلف لقاءً يبعث السرور في نفسه و يعيد خلقه و يشعره بأنه أخف من الريشة, اختار أن يلتقي بالفاروق و ما أجمله من لقاء, حتى و إن كان خيالاً !

لقد تخيل الكاتب أنه التقى بعمر بن الخطاب و أجرى معه حواراً هدفه الوقوف على أكبر عدد ممكن من الأحداث و المواقف التي عاشها أو شهدها الفاروق لسبر أغوارها و تحليلها و تفسير خباياها مع تسليط الضوء على العديد من الافتراءات المكذوبة التي تم تداولها من أجل تشويه صورته, و على الرغم من كون اللقاء منسوجاً من خيال الكاتب و مصاغاً بأسلوب سرده إلا أنه يعتمد على أحداث و مواقف حقيقية مثبتة في سيرة و قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

مقدمة كتاب عندما التقيت عمر بن الخطاب :

يستهل الكاتب الحوار بخلق مصادفة جمعت الراوي بعمر دون أن يعرف أي منهما الآخر, فيسأله عمر ((ممن الرجل؟)) فيخبره الراوي بأنه من العرب ((الذين زال ملكهم و انقطع عزهم و صاروا كالأيتام على موائد اللئام)) ثم يسأله عن شخصه فيجيبه بأنه عمر بن الخطاب, هنا يتفاجأ الراوي و يسأله غير مصدق ((عمر هازم الروم و فارس و محطم الإمبراطوريات؟)) فيجيبه ((عمر صاحب رسول الله و لا نسب أحب إليَّ من هذا)).

ثم ينهي الكاتب مقدمة الحوار في كتاب عندما التقيت عمر بن الخطاب قائلاً ((هو عمر إذاً, الرجل الذي ليس وراءه حكاية لأنه الحكاية، و الرجل الذي يُسأل عن التاريخ لا لأنه قرأه, بل لأنه صنعه)), وبعدها يصطحب القارئ إلى صلب الحوار المثري و الماتع.

من هو مؤلف كتاب عندما التقيت عمر ؟

مؤلف كتاب عندما التقيت عمر بن الخطاب هو الكاتب الفلسطيني أدهم شرقاوي الذي ولد عام ألف و تسعمائة و ثمانين من الميلاد على أرض مدينة صور في لبنان و ترعرع فيها, و من الجامعة اللبنانية في بيروت حصل الكاتب على دبلوم التربية الرياضية و ماجستير الأدب العربي, وبعدها بدأ مشوار الكتابة و التأليف ابتداءً من صحيفة الوطن القطرية و مروراً بمنصة منتدى الساخر و وصولاً إلى إصدار عدداً من المؤلفات التي كان أولها كتاب أحاديث الصباح الصادر عام ألفين و اثنا عشر ميلادياً.

و قد اعتاد الكاتب على تذييل مؤلفاته بالاسم المستعار ((قس بن ساعدة)) الذي عرف به, و لم يلبث أن ذاع صيته و حصد شهرة واسعة بين القراء في مختلف أرجاء الوطن العربي لجودة مؤلفاته و نضج أفكاره و بلاغة مرادفاته و رقي أسلوبه و بساطة سرده و تغليف كتاباته باللمسات الدينية و تغليب الطابع الديني عليها.

عندما التقيت عمر بن الخطاب مكتبة نور :

عند قراءة مراجعة كتاب عندما التقيت عمر بن الخطاب مكتبة نور نجد في وصف الكتاب أن العلة وراء اختيار المؤلف لشخصية عمر تحديداً هو الظلم البين الذي بتنا نعانيه اليوم في مجتمعاتنا و الوجع الذي أضحى ينخر عظام المظلومين و يحرق أفئدتهم و الحسرة التي صارت كالعلقم في حلوقنا, الأمر الذي جعلنا نستشعر حاجتنا المُلحة لوجود عمر بيننا فقد ضاقت و يا ليت عدل عمر ينقذنا.

هذا ما دفع الكاتب لتأليف رواية عندما التقيت عمر بن الخطاب لاستذكار سيرة الفاروق رضي الله عنه و توضيح المواقف التي تؤكد اجتماع اللين و الحزم في شخصه و الإشارة إلى المواقف التي أيد القرآن فيها رأيه ثم الإسهاب في الحديث عن النواحي المتعددة في حياته كالعدل و السياسة و العاطفة و العائلة و الفراسة و المرأة و الشعر الجاهلي و الخلافة وغيرها من الأمور التي نوقشت على هيئة حوار سلس يدور على لسان الراوي و عمر.

تلخيص كتاب عندما التقيت عمر بن الخطاب :

تزيد صفحات كتاب عندما التقيت عمر بن الخطاب عن ثلاثمائة و خمسين صفحة, و رغم ما في المواقف المساقة في الحوار من متعة و تشويق إلا أن فئة من القراء رأت أن الاعتماد على الأسلوب الحواري الطويل جعل الملل يتسرب إليهم فلم يقدروا على مواصلة القراءة, و مثل هؤلاء يفضلون الاطلاع على تلخيص كتاب عندما التقيت عمر بن الخطاب عوضاً عن الانغماس في قراءة سطوره المتخمة بالتفاصيل, و مما ورد في الكتاب ما يلي:-

1) إسلام عمر بن الخطاب :

يروي الكاتب هنا على لسان عمر بن الخطاب قصة إسلامه التي بدأت بعزمه على قتل النبي عليه الصلاة و السلام للخلاص من أمره غير أن هناك مَن وشى له بأمر إسلام أخته و زوجها ليصرفه عن الأمر الذي هم به, فتوجه إليها غاضباً حتى شرح الله صدره حين وقعت آيات سورة طه على قلبه فتفاعل معها و تحولت مشاعره من الحنق إلى القبول فانطلق إلى رسول الله معلناً إسلامه بعدما كان شاهراً سيفه للفتك به.

2) هجرة عمر بن الخطاب :

عند قراءة كتاب عندما التقيت عمر بن الخطاب نجد أن الكاتب قد سلط الضوء على شجاعة و جرأة عمر و كيف أنه تعمد الهجرة جهراً معلناً ذلك على الملأ دون أن تعتريه ذرة خوف على عكس بقية المهاجرين الذين تسللوا من مكة سراً مخافة أن يطالهم أذى صناديد قريش.

3) وفاة النبي و استخلاف أبي بكر :

يسرد هنا الكاتب على لسان الفاروق – في رواية عندما التقيت عمر – مواقف متعددة تثبت أفضلية ابو بكر الصديق و جدارته بالخلافة كثباته يوم وفاة الرسول و تهدئته للناس إلى جانب موقفه مع سقيفة بني ساعدة و المرتدين وإلخ.

4) قصص مختلفة في حياة عمر :

بالإضافة إلى ما سبق ذكر الكتاب قصص مختلفة على لسان أبي حفص كقصة توليه الخلافة و وصية أبي بكر له و قصص موافقة القرآن لوجهة نظره في شأن أسرى معركة بدر و تحريم الخمر و اتخاذ مقام إبراهيم مصلى و حجاب زوجات الرسول وغير ذلك, علاوةً على قصص تعيين الولاة و مراقبتهم و إدارة الدولة و الحفاظ على المسلمين و جمع الناس في صلاة التراويح و توسعة المسجد النبوي و التأريخ بهجرة النبي عليه الصلاة و السلام وإلخ.

كما ساق كتاب عندما التقيت عمر بن الخطاب مجموعة من القصص المتعلقة بالعدل و الورع و الحنكة و مواقف عمر النبيلة مع الرعية وكذلك القصص التي رويت عنه و كانت مثاراً للجدل كقصة جلده لابنه عبد الرحمن و نفيه لنصر بن حجاج وغيرها, ثم ينتهي الكتاب بالقصة الأكثر ألماً و هي قصة استشهاد الفاروق و غياب ضوئه عن العالم, ((و لولا أثر النور لقلنا كنت خيال, سلاماً يا عمر الفاروق)).