قصة عنترة بن شداد الحقيقية

يعي الجميع قصة عنترة بن شداد من شعره الذي يشبه الثورة على المألوف، فلم يكن بن شداد بن قراد الذي وُلد وتربى في كنف قبيلة بني عبس فارساً مغواراً فحسب، ولكنه كان أحد أرصن شعراء العرب الذين تركوا إرثاً أدبياً محفوراً في العقول، حيث احتفظ العرب على مر الزمان بأشعار عنترة بن شداد التي كتبها على هيئة معلقة بفضل فصاحته اللغوية الفريدة، فلسان بن شداد كان أكثر حدة من سيفه وبنيان أبياته الشعرية فاق جثمانه في الجسارة والهيبة.

ما معنى اسم عنترة وما هي أشهر ألقابه؟

ما زال هناك اختلاف بين الباحثين الذين ناقشوا قصة عنترة بن شداد في مؤلفاتهم بين حقيقة اسم “عنترة”، فالبعض يرى أن عنترة بن شداد كان اسمه الحقيقي وهو اسم علم مذكر عربي يشتق من ضرب الذباب، والبعض الآخر يرى أن عنترة كان لقب الفارس وليس اسمه نظراً لشجاعته المعهودة في ساحات الحرب والقتال، كما يرون أيضًا أن “بن شداد” لم يُلحق باسم عنترة نسبة إلى أبيه شداد بل بسبب سلوكه الباسل في الشدائد والمعارك، وأن عنترة رجع بخفي حنين في الحقيقة عندما حاول إثبات نسبه إلى شداد بن قراد.

لُقب عنترة بن شداد بالعديد من الألقاب منها أبو الفوارس لشجاعته، وغراب العرب لشدة سواده، كما لُقب عنترة أيضًا بالفلحاء بسبب وجود شق في الشفة السفلية لديه.

قصة عنترة بن شداد من حيث النشأة والنسب

يمكننا ذكر قصة عنترة بن شداد مختصره من حيث نشأته ونسبه الحقيقي في عدة سطور بسيطة، حيث يرجع نسب عنترة إلى عمرو بن شداد بن معاوية بن قراد العبسي الذي يمتد إلى قبيلة “غطفان” المعروف عنها كثرة الفوارس في أهلها، وهذا ما جعل الفروسية تجري في شرايين عنترة مجرى الدم، أما بالنسبة إلى تاريخ ميلاد عنترة فإنه كان لغز مجهول، حتى اجتمع المؤرخون على أن “525” ميلادياً هو عام مولد أبو الفوارس الحقيقي، وأسندوا ذلك إلى مشاركة عنترة بن شداد في حرب “داحس والغبراء”.

وُلد عنترة بن شداد قبل ظهور الدين الإسلامي ولكنه عاصر رغم ذلك الحطيئة وعمرو بن معد بن كرب الذين أعلنا إسلامهما فيما بعد، وذكر التاريخ بعض الحقائق أيضًا عن قصة عنترة بن شداد منها نسبه لأمه والتي كانت تُدعى ” زبيبة ررغر”، وبما أن العرب قديماً كانوا لا يعترفون بتاتاً بأبناء السبايا لم يشفع لعنترة أن أمه كانت قبل الأسر أميرة حبشية، ومن هنا جاء استعباد قبيلة بني عبس لعنترة رغم مهاراته الفريدة في الفروسية ونيل الفوز في الوغى.

أبرز صفات عنترة الجسمانية والخُلقية

حاولت القصص والأفلام إخراج صورة تقريبية لـ شكل عنترة بن شداد الحقيقي من حيث الطول والبنية حتى نتعرف على هيئته الواقعية، واستندت تلك الأفلام إلى الصفات الجسمانية والخُلقية التي ذكرها العرب عن عنترة في كتاباتهم، ولعل من أبرز تلك الصفات ما يلي:

1) تميزت بنية عنترة بن شداد الجسمانية بالضخامة فكان طويل القامة وعريض المنكبين، كما كان أبو الفوارس ذو شعر مجعد على هيئة لفائف.

2) تؤكد بعض الآراء أن مظهر عنترة الخَلقي كان يشبه أباه شداد كثيراً، ولكن انفرد عنه عنترة بعبوس الوجه وجزالة العظام، كما ورث أبو الفوارس من أمه زبيبة البشرة القاتمة ولقبه بني عبس بالعبد الأسود نسبةً إلى أمه.

قصة عنترة بن شداد الحقيقية كاملة

قدرات عنترة بن شداد في الفتك بالأعداء لم تساعده في التخلص من معادلة الفقير والاغنياء التي أوصد قيودها على حياته بني عبس، فعاش أبو الفوارس الفجع في نَسبه وفي قلبه طوال عمره ولم ينجيه من هذا الألم سوى الموت، فأبيه كان يعرج بنصره في الحروب إلى السماء ثم يجعله يهوى بعبوديته إلى أرض السافلين، حيث رافقت القسوة شداد في تعاملاته مع عنترة دائماً، وأعانته على ذلك زوجته الشرعية “سمية” التي صنعت آلاف الفخاخ للإيقاع بعنترة في شرورها.

قصة عنترة وعبلة

ملخص قصة عنترة وعبلة

الحب عند عنترة بن شداد لم يكن مجرد شعور يجتاح قلبه ولكنه كان عقيدة راسخة يحارب أبو الفوارس من أجلها كل قاصٍ ودان، فالحب في قلب عنترة ما كان إلا طيف عبلة ابنة السادات كما دعاها في قصيدته الرائعة ” عذابك يا ابنة السادات سهل”، وتغنى عنترة في تلك القصيدة بأجل الأبيات في حب عبلة وأوضح لنا كيف يرى كل جُرم في حبها مباحاً حتى وإن كان يؤذيه؟!، فقال في مطلعها ” عَذابُكَ يا اِبنَةَ الساداتِ سَهلُ .. وَجورُ أَبيكِ إِنصافٌ وَعَدلُ”.

تُلخص كوكب الشرق في أغنيتها “القلب يعشق كل جميل” قصة عنترة وعبلة التي شهد عليها حتى فتات الصخر في شبه الجزيرة العربية، فعبلة في قلب بن شداد لم تكن جميلة فحسب ولكنها كانت منبع الجمال في صورته الحقيقية، لذا عشقها عنترة وعشق في عشقها حتى الصعاب التي كابدها من أجل أن ترمقه سيدته عبلة بنظرة رضا، وظل العرب حتى اليوم يتمجدوا بتلك القصة مثلما احتفوا بـ قصة مجنون ليلى التي كان بطلها شاعر العصر الجاهلي امرؤ القيس.

لم يُذكر في قصة عنترة بن شداد الحقيقية أي أنباء عن زواجه من عبلة ابنة عمه التي كانت تعد أجمل وأنضج فتيات قبيلته، فعلى الرغم من أن أبو الفوارس وضع حياته طواعية لتنفيذ الشروط الجامحة التي وضعها عمه مالك من أجل موافقته على زواجه من عبلة، وتتمثل أصعب تلك الشروط في مواجهة الأهوال داخل أغوار الصحراء لجلب ألف ناقة من عصافير النعمان كمهر لعبلة، إلا أن مالك لم يرضخ لمباركة هذه الزيجة ودشن سباقاً بين شجعان القبائل للفوز بابنته عبلة مقابل قتل عنترة بن شداد.

كيف مات عنترة بن شداد؟

قصة عنترة بن شداد طرحت لنا الكثير من الأعاجيب الحقيقية عن حياة أبو الفوارس ومشاركته في حماية قبيلة بني عبس من غزو الأغراب، ولكنها لم تأتي لنا بنهاية أكيدة لحياة عنترة بن شداد الذي قضى أغلبها في الحرمان والشقاء بسبب العبودية، فاختلفت الروايات ما بين موت عنترة وهو في المشيب على يد ” وزر بن جابر النبهاني” الذي كان أقوى رجال قبيلة بني نبهان حين ذاك، وبين رواية أبو عبيدة التي تقول أن عنترة مات بسبب الرياح العاصفة أثناء ذهابه لبيع البعير لرجل ينتمي إلى قبيلة “غطفان”.