بعض الأقوال تناقلتها الأجيال ووصلت إلينا دون أن نعرف أصلها, ورِثناها أباً عن جد وورَّثناها لمَن بعدنا كما هي دون تبديل كما لو كانت آية قرآنية نخشى أن نحرف فيها, إنه موروثنا الذي بقي لنا بعد أن نُهبت الثروات وأجهضت الثورات ووئدت الأحلام وثبطت الآمال, لم يبقَ لنا إلا الأقوال! ومن هذه الأقوال التي خلدها التراث مقولة ما خاب من استشار التي لا نعرف إلى أي صنوف القول تنتمي هل إلى الأحاديث النبوية أم الحكم العربية أم الأمثال الشعبية أم غير ذلك.
لكننا مع هذا نعرف أن هذه المقولة من المقولات المأثورة التي تسمو بالإنسانية وتحثها على القيم المثالية, وفي طيات هذا المقال سنسدل الستار عن أبرز ما جاء في معنى ما خاب من استشار فهيا نبدأ المشوار.
ما معنى ما خاب من استشار ؟
إن مقولة ما خاب من استشار تحمل معنى عميق وهو أن المستشير في أمور حياته لا يعرف الخيبة ولا الخسران ولا الحرمان بل إن سعيه مكلل دائماً بالظفر والنصر والفلاح والتمكين والاستبشار كونه لا يكتفي بخبراته المحدودة بل يضيف إليها خبرات الآخرين, فيكون قراره نتاج خبرات متضافرة وخلاصة فكر عقول نيرة, على عكس القرار الناتج عن الرأي الواحد والعقل المنفرد فهو أكثر عرضة لمجانبة الصواب.
ويتضح لنا من ذلك أن الشورى مبدأ إنساني عظيم يقود إلى النفع والاستقامة في شتى نواحي الحياة سواء في الدين أو السياسة أو الطب أو غير ذلك على أن يراعى الحرص على انتقاء الأشخاص المأخوذ عنهم الاستشارة إذ لا بد أن يكونوا على قدر من الحكمة والعدل والعلم وسداد الرأي, فمشاورة السفيه كارثة والأخذ بمشورته مفضٍ إلى ما لا يُحمد عقباه.
من القائل ما خاب من استشار ؟
يتساءل البعض من القائل ما خاب من استشار والحقيقة أن هذه المقولة مما تم تناقله من التراث العربي دون معرفة الأصل, فهي ليست حديثاً منسوباً للنبي عليه الصلاة والسلام وليست مما جاء على لسان الصحابة رضوان الله عليهم, كما أنها ليست من ضمن الأمثال الشعبية التي ضربت في مناسبة ما, لكن يمكن إدراجها ضمن حكم عظيمة أو عبارات جميلة حفظها التراث لتحمل لنا وصية وفائدة جلية ومنفعة حتمية.
ما صحة حديث ما خاب من استخار ؟
لم تثبت صحة حديث ما خاب من استخار ولا ندم من استشار حيث أنه يتكئ على سند ضعيف جداً لذا عده أهل العلم من الأحاديث الموضوعة التي لا تصح ولا تجوز نسبتها للنبي صلى الله عليه وسلم حتى وإن كان المعنى محموداً, حيث ينبغي على المسلم أن يتوخ الدقة حال نسبة أي قول لأي شخص فكيف بنسبة قول للرسول عليه الصلاة والسلام الذي قال ((من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)).
والكذب على رسول الله إنما يكون بذكر ما لم يقله أو يفعله أو يقر به على أنه حديث نبوي! لأجل ذلك ذهب قول العلماء في كتب التفسير إلى أن مقولة ما خاب من استخار ولا ندم من استشار حكمة جميلة وعبارة مفيدة وهي تتماشى مع التوجيه الديني وأسس النظام السياسي الإسلامي لكنها لا تعد من ضمن الأحاديث النبوية الصحيحة.
ما أهمية الشورى في حياة الأفراد ؟
للشورى أهمية بالغة في حياة الأفراد والمجتمعات فهي السبيل لتحقيق المنافع والمصالح العامة والخاصة, يكفي أن الله تعالى أنزل سورة قرآنية تحمل اسم الشورى وفيها نجد الآية الثامنة والثلاثين التي تقول ((وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)).
والمتمعن في هذه الآية يفهم أن العمل بمبدأ الشورى امتثال لأمر الله عز وجل في المقام الأول, أي أن المستجيب لأمر ربه يواظب على إقامة الصلاة ويعمل بالمشاورة وينفق في سبيل الله, فتخيل ما أهمية الأمر الذي يقرنه الله بركنين من أركان الإسلام وهما الصلاة والزكاة؟
إن أهمية الشورى تكمن في تعزيز روح الجماعة وتقوية الروابط بين أفراد المجتمع والوصول إلى الآراء الأكثر صواباً نتيجة تبادل الخبرات والأخذ بمشورة أهل العلم والفقه وهو ما يساعد على النصر والتمكين ومجانبة الأخطاء والأضرار والمصائب وتقليل وطأة الخوف والتوتر بشأن أن تكون القرارات خاطئة, فضلاً عن ضمان رضا الرأي العام ومحو السلبية واللامبالاة, وقد فطنت العرب قديماً إلى تلك الأهمية فرددت العديد من الأقوال والحكم والأمثال التي تشير إلى ذلك مثل ما خاب من استشار و وأول الحزم المشورة وإلخ.
مبدأ الشورى في الإسلام :
يخاطب الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام في الآية رقم 159 من سورة آل عمران قائلاً ((وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)) وهو أمر واضح بتطبيق مبدأ المشورة, فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو صاحب العقل الراجح والفكر المحنك والرأي المسدد مأمور بالمشاورة فكيف بنا نحن ذوي العقول الناقصة والأفهام القاصرة والآراء الفاسدة! وفي التاريخ الإسلامي نجد العديد من المواقف التي انتهج فيها الرسول المختار مبدأ ما خاب من استشار ومنها:-
1) مشاورة الرسول عليه السلام لأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأيضاً علي بن ابي طالب رضي الله عنهم بشأن أسرى غزوة بدر.
2) مشاورة النبي عليه الصلاة والسلام لأصحابه رضوان الله عليهم يوم موقعة بدر وأخذه بمشورة الحباب بن المنذر بشأن المكان الأنسب لنزول المسلمين.
3) مشاورة الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه في شأن الخروج لغزوة أحد ومقاتلة المشركين بعد أن وصله نبأ مجيئهم إلى المدينة المنورة وعزمهم على القتال.
4) أخذ الرسول عليه الصلاة والسلام بمشورة الصحابي سلمان الفارسي رضي الله عنه عندما اقترح فكرة حفر الخندق في غزوة الأحزاب.
5) أخذ النبي عليه الصلاة والسلام بمشورة ابو بكر الصديق رضي الله عنه يوم صلح الحديبية عندما بلغ المسلمين خبر عزم المشركين على قتالهم لصدهم عن بيت الله الحرام.
ما هي صفات أهل الشورى ؟
حتى تكون مقولة ما خاب من استشار صحيحة ينبغي أن يتصف أهل الشورى بالعلم والخبرة ورجاحة العقل والعدالة والشجاعة في إبداء الرأي الصائب ولو خالف الكثير, بالإضافة إلى الاتصاف بالإخلاص والأمانة والشعور بالمسئولية حيال ما تتم استشارتهم فيه.
هل توجد حكم وأمثال شبيهة بمقولة ما خاب من استشار ؟
نعم توجد مجموعة من الحكم والأمثال العربية التي تحمل نفس مضمون هذه المقولة, ومن هذه الأقوال مَن شاور أهل النصيحة سلم من الفضيحة وأول الحزم المشورة وأيضاً المشاورة حصن من الندامة وأمن من الملامة ومَن أعجب برأيه ضل ومَن استغنى بعقله زل.
ما درجة حديث ما خاب من استخار ولا ندم من استشار ؟
ينتمي حديث ما خاب من استخار ولا ندم من استشار إلى سلسلة الأحاديث الضعيفة, فهو حديث موضوع ومكذوب عن النبي عليه الصلاة والسلام حيث أن في إسناده مَن عرفوا بالكذب والوضع.
ما أهمية صلاة الاستخارة ؟
تتجلى أهمية صلاة الاستخارة في تحقيق التوحيد من خلال التوكل على الله والافتقار واللجوء وتفويض الأمر إليه, بالإضافة إلى النجاح في المقصود والفلاح عند الاختيار وأخيراً الرضا والقناعة والطمأنينة وعدم الندم.