أبو سعيد الخدري | مَن وقف صامدًا بوجه الأباطيل

أبو سعيد الخدري

هكذا تخبرنا كتب السير الذاتية وصحائف التاريخ عن حياة مَن أجادوا في علوم الدين كـ أبو سعيد الخدري ، الصحابي المهيب وسابع المكثرين الذين غاصوا في بحور الفقه والحديث، فاجتهد حتى صار من نجباء الأنصار وأعلمهم وأكثرهم رواية للأحاديث.

أبو سعيد الخدري | حافظ متقن وعالم عاقل

لقد كانت كتب التاريخ منصفةً لأولئك الأشخاص الذين اشتهروا بألقابهم وتناست الأذهان حقيقة أسمائهم كـ أبو سعيد الخدري ، ابو هريرة وغيرهم، فلم تغفل تلك الصحائف عن ذكر ما سُموا به حينما انبثقوا من أرحام أمهاتهم بل دُونت في سطورها مسمياتهم.

عُرف بأبي سعيد الخدري إلا أن اسمه (سعد بن مالك بن سنان بن ثعلبة…. بن الخزرج)، ولد في المدينة المنورة قبيل هجرة الرسول بعشرة أعوام، واحتضر أبوه (مالك) في يوم أُحد وكان من شهداء هذه المعركة الشجعان، ولقد مصّ هذا الصحابي دماء الرسول التي سقطت على وجنته حيث قال فيه: “مَن مسَ دمه دمي لا تمسه النار” فعظيم هذا الرجل الذي ارتوى ظمؤه بدم رسول الله!

نشأة مَن شهدت حلقات الرسول على حضوره

ترعرع أبو سعيد الخدري بين أكناف قبيلة الخزرج، وعانى من شظف العيش وعُسرة الحال، وتُدعى أمه أنيسة بنت أبي حارثة التي ينحدر أصلها من بني النجار، أما زوجته فهي زينب بنت كعب بن عجرة، وكان شغوفًا بطلب العلم وملء مخزون عقله بسائر العلوم الدينية لا سيما علمي الفقه والحديث اللذين أجاد فيهما حتى صار من المكثرين.

إسلام مَن تمنى المشاركة يوم أُحد ولو لدقيقة

لقد كان أبو سعيد الخدري من أوائل السباقين بدخول الإسلام، فلقد اعتنقه قبل أن تخطو قدماه سن البلوغ، وعُرف بشجاعته التي دفعته ليشارك في الغزوات الإسلامية رغم صغر سنه ولكنه استُصغر يوم احد ، فلم يشارك رسول الله في هذه المحطة التاريخية إذ لم يتخط حاجز الثلاثة عشر عامًا.

ولعل أبرز ما ذُكر في قصة أبو سعيد الخدري مع الرسول أنه قال: ((عُرضتُ يوم أحد وأنا ابن ثلاث عشرة، فجعل أبي يأخذ بيدي و يقول: يا رسول اللّه إنّه عَبْلَ العظام، و جعل نبيّ اللّه يصعِّد في النظر ويصوِّبه ثمّ قال: رُدّه فردّني)).

عظيم هو الصحابي مالك بن سنان الذي عرض ابنه على رسول الله ليكون من أهل الأنصار المشاركين في الفتوحات والمعارك التي لم تهدف سوى لرفع راية الإسلام! فلم يلتفت نظره إلى سن ابنه الصغير إذ كانت أقصى آماله أن يشارك نجله في تلك الغزوة، فلو كان ذا دراية بخبر استشهاده يوم أحد ما تمثلت رغبته العارمة في مشاركة صغيره فيه ليرى مدى فدائية وشجاعة أبيه!

مناقب أبي سعيد الخدري وسماته

يقولون إن مناقب أبي سعيد الخدري ستظلّ محفورةً في أذهاننا ولن يطويها النسيان بين صفحاته لتكون دروسًا تُدرّس للأجيال على مرّ الزمان، فكم أنك قدوة حسنة أيها الصحابي رحمك الله فماذا عن أخلاقك السمحة وعذوبة قربك من الله؟! فربما كان قلبك مخلوقًا من منابع الإيمان ومكارم الأخلاق، ولعل من أجلّ خصال ومناقب هذا الصحابي ما يلي:-

– الشجاعة والجرأة

كفيلة هي مواقف أبي سعيد الخدري بإبراز شجاعته وصلابة شخصيته لا سيما وقفاته الجريئة مع رسول الله، فلم يخف في الله لومة لائمٍ، ولقد انبلجت بسالته في شذور عدة منها ما يأتي:

– رغبته المُلحة في سلك دروب الجهاد في سبيل الله مع خير الأنام منذ صباه.

– إصراره ودفاعه عن الحق مهما كلّفه الأمر وعدم تنحيه عن رفع رايتي الحق والصواب.

– الإيثار

لقد قال المولى -عز وجل- في إحدى آيات المصحف الشريف: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) فقصد بها أولئك الصحابة الذين دومًا ما فضّلوا الآخرين على ذواتهم، الذين تألقت أرواحهم النقية فصارت أيديهم مغلولةً وشغوفةً بالإنفاق على الفقراء والمحتاجين، وقد كان أبو سعيد الخدري واحدًا من هؤلاء.

– الصبر

كم كان الصبر ساطعًا في شخصية أبي سعيد الخدري بشكل وفير؟! فما أسماها خصاله الفريدة التي تحلّى بها بل وشهد الكثيرون على اتصافه بجميعها! فمن أخلاق المؤمن الحق أن يتسم بهذا القدر من الخُلق العظيم.

– العفة والحياء

عفيف النفس هو أبو سعيد الخدري الإمام المجاهد العظيم صاحب العفة والمكارم الكثيرة، مَن أبت روحه النقية كل ما هو بغيض فمالت كل الميل إلى الاتصاف بالعفاف والخفارة.

– النُصرة

مكانة رفيعة حظى بها أبو سعيد الخدري الذي أثنى عليه المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وعلى أهل الأنصار كافة، فيا ليت بإمكان الماضي الرجوع وتكرار أحداثه مجددًا لننال شرف الحديث معك يا رسول الله!

– العلم والفقه

لقد كان عقل (سعد بن مالك) بستانًا رحيبًا مكدسًا بالثمار اليافعة المنتمية إلى فصيلة الفقه أحد أعرق العلوم الشرعية، فلقد أجاد الإبحار في هذا الفرع الرفيع حيث شُهد له بغزارة علمه لا سيما في هذا المجال الفسيح.

مناقب أبي سعيد الخدري

مناقب أبي سعيد الخدري

أبو سعيد الخدري | أحد مكثري رواية الحديث

عاش أبو سعيد الخدري حياةً رائعةً إذ كان من هؤلاء المقربين لرسول الله، فظلّ ملازمًا له يشبع جوعه بعلمه الرحيب ويملأ عقله بأحاديثه وكلماته الشريفة، فكان سابع المكثرين روايةً للحديث عن رسول الله وأصحابه الأجلاء، فلكل مَن يتساءلون عن كم روى أبو سعيد الخدري من الأحاديث؟ 1170 حديثًا أيها السائلون، كما يتقدمه في صفوف المكثرين جابر بن عبد الله أحد أعلام السنة النبوية.

لقد كان اعتناء أبي سعيد برواية الأحاديث كبيرًا للغاية، فلم يرو فقط عن خاتم الأنبياء والمرسلين بل وصل به الحال ليكون حريصًا على نقلها عن لسان الصحابة الكرام أمثال أبو بكر، بن الخطاب، بن عفان، علي بن ابي طالب ، زيد بن ثابت وغيرهم كثيرين.

الجهاد في سبيل الله | سمة الرجال الشجعان

لم تقف حداثة سن أبي سعيد الأنصاري ونعومة أظافره في وجهه مانعةً إياه من خوض الغزوات الإسلامية والجهاد في سبيل نصرة الدعوة المحمدية، فهذه هي التربية التي نشأ عليها الصحابة منذ دخولهم الإسلام ومرافقتهم لرسول الله، كما كان الأنصار أهلًا للوفاء ومنبعًا للأمان هؤلاء الذين بايعوا الرسول على النصر وتقديم أرواحهم وأموالهم في سبيل الله.

شارك أبو سعيد في جميع المعارك منذ أن صلب عوده، ولعل من أبرز هذه الملحمات التي قدّم فيها روحه قاصدًا الجهاد في سبيل الله ما يلي:-

– غزوة بني المصطلق

– غزوة الخندق

– غزوة الحديبية

– فتح مكة

– غزوة تبوك

احتضان سيرة أبي سعيد بين أكناف الكتب الإسلامية

– ذُكر في فصل ترجمة أبي سعيد الخدري البداية والنهاية من كتاب ابن كثير بعض من سيرة هذا الصحابي الجليل.

– كما احتُضنت سير الكثير من الصحابة كـ أبو سعيد الخدري الإصابة في تمييز الصحابة كتاب ابن حجر العسقلاني الذي يعد أوسع وأجّل كتاب قد أُلف في تاريخ الإسلام.

مواقف من حياة أبي سعيد الخدري

– الوصية بالخير

لطالما ظلّ أبو سعيد يخطب في جموع المسلمين ويوصيهم بفعل الخيرات، ولقد أتاه رجل يومًا ما ليطلب وصيته فأوكله بالجهاد والتقوى والإكثار من ذكر الله وتلاوة آيات كتابه المجيد.

– تعليم القرآن الكريم

ظلّ المصحف الشريف منهاجًا يسير أبو سعيد وغيره من الصحابة على خطاه، هؤلاء الذين اعتنوا به كثيرًا إذ كان شفاءً لما في صدورهم، ونورًا يضيء عتمة قلوبهم، وسكينةً تبث الأمان في أرواحهم، فمكثوا على حفظه وتعلّمه وتعليمه وتفسيره وتطبيق منهجه طوال حياتهم.

اتبع أبو سعـيد أسلوبًا متألقًا في تدريسه آيات الله لتلاميذه إذ كان يلقنهم خمس آيات بالنهار ومثلهم بالعشي، كما كان بارعًا في التفسير حيث تتلمذ على يديه كبار التابعين أمثال الحسن البصري وابن جبير.

أبرز الأحاديث التي رواها أبو سعيد الخدري

– عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلّ الله عليه وسلم- يقول: (مَن رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم.

– عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله حيث قال: (إن الله تبارك وتعالى يقول: لأهل الجنة يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم فيقولون وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟ فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا) في صحيح البخاري.

لمحة مشرقة عن آخر أيام أبي سعيد الخدري

تقع وصية الميت في بابي الواجب والجائز شرعًا ولكن ذلك بشروط منها تنفيذها ما دام بإمكان الورثة فعل مضمونها، فأما عن وصية ابي سعيد الخدري سير اعلام النبلاء التي أوكلها إلى ابنه عبد الرحمن فسقطت في محل الوجوب، فلقد وصاه بدفنه في البقيع المكان الذي احتضن جثث عشرات الصحابة الأجلاء أمثال عثمان بن عفان وعائشة ابنة الصدّيق وآخرين.

لقد كان يوم الجمعة خير شهيد على وفاة أبي سعيد الخدري الذي قيل إنه توفي عام 74 هـ، وقال آخرون 64 هـ عن عمر قد ناهز الـ 80 عامًا، فرحمة الله عليك أيها الصحابي والفقيه وأحد المكثرين لرواية الحديث الشريف.

مَن هم أخوات أبي سعيد الخدري؟

لأبي سعيد الخدري ثلاثة أخوات هم: قتادة بن النعمان من أمه، فريعة بنت مالك وزينب بنت مالك.

ما هي أول غزوة شهدها أبو سعيد الخدري؟

إن أول غزوة شهدها أبو سعـيد الخـدري هي الخندق أو ما تُعرف بغزوة الأحزاب.

مَن الأشخاص الذين رووا الحديث عن أبي سعيد؟

روى عن أبي سعـيد كثيرون منهم عبد الله بن عمر، أنس بن مالك، عامر بن سعد بن أبي وقاص، سعيد بن جبير، غيرهم.

كم عدد الأحاديث التي رواها أبو سعيد الخدري؟

كان أبو سعيد من المكثرين الذين رووا آلاف الأحاديث عن الرسول حيث روى عنه 1170 حديثًا.

مواضيع ذات صلة

الامام مالكالامام مالك | سيد الأئمة وحُجة الأمة

مصعب بن الزبيرمصعب بن الزبير | أمير العراقين وسافك الدماء