الخليفة المظلوم عثمان بن عفان

 كان رجلاً يحبه الله ورسوله ومن أجله تمت بيعة الرضوان، رجلاً اختار له الله سبحانه وتعالى زوجته وعندما توفت ورآه النبي منكسرًا حزن من أجله وقال أمام الملأ “لو كان عندي ثالثة زوجتها عثمان”، إنه عثمان بن عفان الرجل الذي كان يستحي منه النبي لشده خجله وحياءه.

من هو عثمان بن عفان ؟

هو أبو عبد الله عثمان بن عفان بن أبي العاص الأموي القرشي؛ الثابت تاريخًا أنه ولد عام 567 م ولكن اختلف المؤرخين حول مكان ولادته فذهب البعض إلي أنه ولد في مكة بينما قال البعض الآخر أن ولادته كانت في مدينة الطائف.

لقد كان عثمان بن عفان من السابقين الأولين في الإسلام وحضر مع رسول الله المشاهد كلها، لقب عثمان بن عفان ذا النورين؛ وذلك لأنه تزوج من ابنتي النبي صلى الله عليه وسلم وهما السيدة رقية والسيدة أم كلثوم.

من المعروف عن عثمان أنه كان من أكثر الصحابة طاعة لرسول الله؛ إذ أسرع مهاجرًا إلي الحبشة بمجرد أن أمر النبي بذلك ومعه زوجته والضعفاء من المسلمين للحفاظ علي الإسلام وحماية المؤمنين الضعفاء، فضلاً علي أنه كان كريمًا يضحي بماله كله في سبيل نصرة الإسلام، لذا بشره الرسول بأنه واحدًا من العشرة المبشرين بالجنة ،كما بشره أيضًا أنه سوف يموت شهيدًا.

نشأة عثمان وصفاته

ولد عثمان رضي الله عنه بعد مولد النبي بـ 6 سنوات تقريبًا ليجد نفسه يترعرع في بطن من بطون سادات قريش، فلقد كان من بني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وبالتالي كان غنيًا من سادة القوم وعليتهم.

لقد تمتع عثمان بن عفان بمجموعة من الصفات الفاضلة منذ الجاهلية جعلته محبوبًا بين الخلق؛ حيث أنه لم يسجد لصنمً قط فضلاً علي أنه لم يكن يحتسي الخمر، من أبرز صفاته التي أُشتهر بها ولعه وعشقه الشديد لمعرفة أنساب العرب والأمثال فكان يتأدب علي يد فطاحل الشعراء.

بعد وفاة والد عثمان اهتم بالتجارة وذهب مع أبن عمه أبو سفيان في رحلتي الشتاء والصيف، وهنا اختلط بأقوام غير العرب وساعد ذلك في تنمية شخصيته بشكل أفضل، ولقد ظهر علي عثمان أثناء سفره الجود فكان شديد الكرم مع الجميع الكبار والصغار والأحرار والعبيد وهذا ما جعل له مكانة خاصة في بني أمية وقريش جميعها.

إسلامه

كانت الدعوة الإسلامية في بدايتها سرًا وهذا استنادًا إلي قوله تعالي:- (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)، ففي هذه المرحلة كان النبي حريصًا علي هداية الأقربين منه فقام بدعوة أبو بكر الصديق و السيدة خديجة وعلي بن أبي طالب زيد بن حارثة.

كان المسلمون آنذاك حريصين علي دعوة الأشخاص المقربين منهم والمعروفين بلين القلب و رجاحة العقل، وهذا ما جعل أبو بكر الصديق يدعو عثمان بن عفان إلي الإسلام إذ قال له وهو يخاطبه:- (ويحك يا عثمان واللَّه إنك لرجل حازم ما يخفى عليك الحق من الباطل، هذه الأوثان التي يعبدها قومك، أليست حجارة صماء لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع؟).

رد عثمان علي قول أبو بكر رضي الله عنهما فقال (بلى والله إنها كذلك)، هنا أطمئن قلب أبا بكرًا وأحس الإيمان منه فأخبره:- (هذا محمد بن عبد الله قد بعثه اللَّه برسالته إلى جميع خلقه، فهل لك أن تأتيه وتسمع منه؟) أجابه عثمان بالقبول وذهب معه إلي محمد وكان إسلامه في الرابعة والثلاثين من عمره.

عثمان بن عفان

زواجه من بنات النبي

كانتا ابنتي النبي متزوجتان من أبناء ابو لهب وعندما نزلت سورة (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) أخبرهما أبو لهب وزوجته أم جميل أن يفارقا ابنتي محمد وفعلوا ما أمروا به، وعندما بلغ الأمر لـ عثمان بن عفان رضي الله عنه هرول إلي رسول الله فرحًا يطلب يد السيدة رقية لينال شرف الزواج من آل بيت النبي.

بمجرد أن عرض عثمان الزواج علي النبي وافق علي الفور و زفتها خديجة أم المؤمنين لعثمان، وكانت أحب أزواجه إلي قلبه حتى أنه قيل (أحسن زوجين رآهما إنسان، رقية وزوجها عثمان)، وكان النبي يحثها علي طاعته ومعاملته بلطف، وهذا يظهر عندما دخل عليها رسول الله وهي تغسل شعر عثمان فقال لها:- (ا بنية أحسني إلى أبي عبد الله، فإنه أشبه أصحابي بي خُلُقًا).

أما بالنسبة لزواجه من السيدة أم كلثوم فلقد كان أمرًا من الله؛ حيث أن عندما توفيت السيدة رقية أصاب الغم والحزن قلب عثمان أنزل جبريل علي النبي يخبره أمر الله فقام النبي و استقر عند المسجد و بدأ يحدث عثمان بن عفان ويقول له:- (يا عثمان! هذا جبريل أخبرني: أن الله قد زوجك أم كلثوم بمثل صداق رقية وعلى مثل صحبتها).

 عثمان في العهد النبوي بالمدينة

1) بئر رومة

عند دخول المسلمين إلي يثرب (المدينة المنورة) كانت تفتقر إلي وجود آبار الماء، فلم يكن بها سوي بئر واحدًا يشرف عليه رجل يهودي وكان يمنع المسلمين من سقي الماء إلا بالكثير من المال، وكان فقراء المسلمين لا يطيقون ذلك وكان هذا البئر يطلق عليه بئر رومة .

لم بلغ الأمر النبي حاول أن يجعل الرجل اليهودي يبيعها لأحد المسلمين بمقابل عينًا في الجنة ولكنه رفض، فلم علم عثمان بن عفان بذلك أسرع بشرائها من الرجل وذهب إلي رسول الله يخبره ( هل تجعل لي مثل الذي جعلت لع عينًا في الجنة إن اشتريتها؟) فقال له النبي نعم! ليجد عثمان يرد عليه ويخبره أنه قد اشتراها بالفعل وتركها لله ورسوله وكان من أهم أعمال عثمان بن عفان .

2) بيعة الرضوان

أراد النبي والصحابة أن يقوموا بإحياء شعيرة الحج في السنة السادسة من الهجرة، لذا كان من الواجب أن يقوم بإرسال رسول إلي قريش ليخبرهم عن رغبة المسلمين في الدخول إلي الحج دون قتال، فوقع اختياره في البداية علي الصحابي خراش بن أمية الخزاعي ولكن بمجرد دخوله إلي مكة هم المشركين لقتله لولا تدخل الأحابيش لمنعهم.

لما عاد خراش أخبر النبي فأخذ يفكر في إرسال رسول أخر، وقد أشار البعض ذهاب عثمان بن عفان إلي قريش لما يجمعه من دم قرابة بينه وبين أبو سفيان سيد قريش في ذلك الوقت وفضلاً علي أن لعثمان قبيلة قوية تحميه من القتل.

دخل عثمان علي قريش يبلغهم رسالة النبي ليجد أبناء عمومته أبا سفيان وصفوان بن أميه يقترحون عليه أن يطوف وحده بالبيت دونهم ولكنه رفض ذلك، وبينما كانوا يخوضون في الحديث اندست شائعة بين المسلمين أن قريشًا قد قتلت عثمان فنادى رسول الله أصحابه للمبايعة علي القتال تحت شجرة الرضوان ونزلت الآيات الكريمة:- (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ).

وعندما علم المشركين بالأمر وأن المسلمين مستمرين في الـ بحث عن عثمان بن عفان أسرع أبا سفيان بصحبة عثمان، وهنا تم صلح الحديبية.

3) عثمان وجيش العسرة

في غزوة تبوك أمر رسول الله أصحابه بالصداقة وبعث إلي المدائن يطالب المسلمين بالتقدم لتجهيز الجيش وحثهم علي فضل و ضرورة النفقات في سبيل الله، ولقد قام عثمان بتجهيز ثلث الجيش بمفرده، وقد قيل في حقه فيما بعد ” ورآكَ جيش العُسرةِ الكفَّ التي تعطي وسلَّمكَ السَّخاء المقودا”.

تولي عثمان الخلافة

قبل استشهاد عمر بن الخطاب الخليفة الثاني للمسلمين جمع أصحاب النبي ليخبرهم أنه لن يستخلف عليهم أحد وسيبقى الأمر شوري فيما بينهم، وأمرهم ببضع أسماء من خيار الصحابة أصحاب السبق في الإسلام ليفاضلوا بينهم.

بعد وفاة الخليفة الفاروق رضي الله عنه انعقد مجلس ليولوا أحدًا منهم الخلافة، ولقد اجتمعت الأصوات كلها علي تأييد عثمان بن عفان وبايعه المسلمون علي توليه الأمر في مسجد النبي.

إدارة عثمان إدارة الدولة

كانت طبيعة عثمان تختلف بشكل كبير عن طبيعة الفاروق عمر الذي كان حازمًا صارمًا فيما يتعلق بأمور المسلمين؛ حيث أنه كان يتسم بلين القلب فكان أقرب لـ ابو بكر الصديق ولكنه رغم ذلك كان حريص علي ألا يغير شيءً في السياسة التي وضعها عمر، ولكنه أضاف بعض الشيء عليه وهذا يظهر فيما يلي:-

1) الشؤون المالية

قام عثمان بن عفان بوضع مجموعة من العناصر الهامة الخاصة بالسياسات المالية وهي عبارة عن:-

– فرض سياسة مال عامة إسلامية.

– عدم مخالفة الشرع فيما يتعلق بأموال الضرائب.

– أخذ الصدقات من المسلمين بالحق ووضعها في بيت مال المسلمين.

– منح المسلمين ما لهم من بيت المال بالحق.

2) فتح الخليفة عثمان بن عفان بلاد

يُذكر للخليفة الراشد عثمان بن عفان أنه في عهده قد اتسعت الدولة الإسلامية بشكل كبير؛ إذ استكمل ما قام به الفاروق وصار علي نهجه رغبة في إعلاء كلمة الحق ونصرة لدين الله حتى أن في عصره قام المسلمون بفتح العديد من الدول الأجنبية مثل؛ أرمنية وخراسان وكرمان وسجستان وإفريقية وقبرص وغيرها، كما تم في عهده إنشاء أول أسطول بحري للمسلمين.

3) جمع عثمان للقرآن

لقد أشرنا من قبل إلي أن الدولة الإسلامية اتسعت بشكل كبير في عهد عثمان بن عفان ودخل في الإسلام العديد من الأعراق والأجناس الذين يختلفون عن العرب في اللغة والعادات والتقاليد وغيرها، وبالتالي كانوا يجدوا صعوبة كبيرة في تلاوة القرآن نظرًا لتغيير لهجتهم.

ولقد ذكر البخاري وأحمد في صحيحهم أن الصحابي حذيفة بن اليمان هرول يومًا إلي الخليفة عثمان بعد مروره علي الشام بعد فتح أرمينية وقال له:- (يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى).

عندما سمع عثمان تلك الكلمات سارع بالتواصل مع أم المؤمنين حفصة بنت عمر لتُرسل له مصحف حتى يتمكن من نسخه بطريقة صحيحة ويقوم بتوزيع النسخ علي الولايات المختلفة وبالفعل قام بعمل المصحف،ولقد ذكر الفقهاء فيما بعد أن ذلك يُعد اعظم عمل انجز في عهد الخليفه عثمان بن عفان ، ونحن نرد به علي هؤلاء الذين يتساءلون لماذا حرق عثمان المصاحف ؟

الفتنة في عهد عثمان

ورد في سيرة عثمان بن عفان أن الفتنة قامت في النصف الثاني من توليته للخلافة وكان من نتائجها استشهاد عثمان ووقوع المسلمون في حروبًا من بعده حتى تنازل الإمام الحسن عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان. pdf

لعل السبب الرئيسي لظهور الفتنة هو التغير الذي حل بالمجتمع الإسلامي وظهور جيل جديد غير الصحابة والعصبية القبلية التي عادت للانتشار مرة أخرى، وهذا فضلاً عن تدخل المنافقين في الأمر لما وجدوا من يلتف حولهم من أبناء الصحابة.

كان رأس الفساد وكبير الشياطين (المنافقين ) عبد الله بن سبأ الذي كان يهوديًا ثم أسلم (لكن والله لم يدخل الإيمان قلبه ولا هو بمسلم إذ افترى علي رجل كعثمان كان يحبه الله و رسوله)، قام بحصار عثمان بن عفان في منزله لفترة طويلة ومنع عنه الماء وهو من اشتري الماء في سبيل الله ” وكلُّ ظلمٍ وإن جلَّتْ رزيَّتُه فلن يُوازِنَ ظلمًا نال عُثمانَا”.

ارتعب كبار الصحابة لما حدث فكيف يجرؤون السفهاء علي حصار عثمان ألا يعلمون من هو ذو النورين ؟ ألا يعلمون مكانته عند الله؟، سارع الصحابة بإرسال أبنائهم لحماية منزل عثمان ولإرسال له ولزوجه الطعام والشراب، فكان الحسن والحسين أبناء علي بن أبي طالب وأحفاد رسول الله يقفون علي بيته و عبدالله بن عمر ابن الفاروق.

في يومًا ذهب بعض المنافقون لقتال أبناء الصحابة الذين يقفون علي بيته لحمايته ونشب العراك بينهم، واستغل ابن سبأ ومن معه الأمر و تسللوا إلي منزل عثمان فقتلوه بطريقة بشعة لا يستحقها وهو الرقيق الجميل، قاموا بقتله بينما كان يتعبد ويقرأ القرآن وسالت الدماء الشريفة علي مصحف عثمان بن عفان .