عروة بن الزبير | المُبتلى الصبور

عروة بن الزبير

لا بد من تسليط الضوء على سير الصحابة والتابعين من السلف الصالح فإنها أولى ما يُنظر فيها بعد كتاب الله المجيد وسنة النبي الأمين والأخذ بها، فمن تبعها اهتدى ومن أعرض عنها ضل وغوى، ولنا في سيرة عروة بن الزبير وقصة حياته المُلهمة قدوة صالحة في أعماله وأقواله.

النسب الأصيل لـ عـروة بن الزبير

لقد خص المولى -جل علاه- للمعالي أناسا أشداء، فاجتباهم لحمل دينه وتبليغ رسالته، ومنّ الرحمن عليهم بأن سخرهم لطريق الحق واستعملهم فيه، ولم يبخلوا حتى بأرواحهم من أجل ذلك، أنعم الله -سبحانه وتعالى- عليهم بالعلم الغزير والعقل المُستنير  والقلب الكبير، هؤلاء الرجال الحقيقيين الذين حملوا هم الدين وأعلوا رايته في كل مكان ومن بين أبرز رجال الصفوف الأُول من الأمة الإسلامية البطل العظيم والجَلِد القوي عـروة بن الزبير .

اسم عروة بن الزبير بالكامل هو عـروة بن الزُّبَيْرُ بن العَوَّام بن خُوَيْلِد بن أسَدَ بن عبد العُزَّى بن قُصَي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، عـروة بن الزبير كان ذا نسب شريف وأصل كريم.

نشأ عروة في خير بيوت المسلمين وأجلهم شأنا وأرفعهم مقاما وكبُر في أسرة عامرة بالمُتقين الأخيار، فأبوه هو الزبير بن العوام الصحابي الجليل أحد العشرة المُبشرين بالجنة والذي أُطلق عليه حواري المُصطفى -صلى الله عليه وسلم-، وأمه هي إحدى بنات خليفة المسلمين الأول وهي المُلقبة بذات النطاقين أنها الطاهرة العفيفة اسماء بنت ابي بكر ، وعمة أبيه هي أم المؤمنين السيدة خديجة -رضي الله عنها- وخالته هي السيدة عائشة بنت أبي بكر، يا له من حسب شريف لا يضاهيه شيء إلا شرف الإيمان وعزة الإسلام!

نشأة عـروة بن الزبير

لقد قالت المصادر التاريخية إن عـروة بن الزبير قد وُلد في المدنية المنورة في عهد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وترعرع على حب الإسلام فامتلاء قبله بالإيمان وأخذ يرجو من الله -سبحانه وتعالى- وهو في سن صغيرة أن يُنير عقله ويعلق قلبه بالعلم حتى يكون عالما عاملا ينفع الأنام بعلمه ويأخذون عنه كتاب الله المجيد وسنة نبيه الحبيب -صلى الله عليه وسلم- ويوضح لهم أحكام الدين الحنيف.

كان عـروة بن الزبير عازما على تحقيق أمنيته، ومن أجل الوصول إليها وتحقيقها دأب على طلب العلم وكد كدا عظيما، وانتهل إرثا كبيرا من البقية الباقية من صحابة النبي الأُمي سيدنا محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأخذ يُصاحبهم في كل مكان ويُصلي خلفهم في الصلوات ويتعقبهم في جميع المجالس والاجتماعات، وكما كان كثيرا ما يُلازم خالته السيدة عائشة -رضي الله عنها- فملأ جرابه من أقاويلها القيمة وروى عنها العديد من الأحاديث.

دارت الأيام وتحقق ما كان بالأمس حلما بالنسبة لـ عـروة بن الزبير ، حيث صار واحدا من أهم علماء المدينة وفقهائها ومن أكثر العارفين بالسيرة النبوية، حتى أنه صُنف من بين الأفضل، فأخذ الناس يطلبون نصيحته ومشورته في أمور الدين وكذلك الحكام والولاة أمثال عمر بن عبد العزيز بدؤوا يستعينون بـ عـروة بن الزبير على ما استرعاهم المولى -سبحانه وتعالى- من أمور العباد والبلاد، فكان يدعوا لهم بالسداد والرشاد، فغدا عروة بن الزبير سير أعلام النبلاء.

إيمانيات عروة بن الزبير

كان عروة بن الزبير صواما في الصباح، قواما في العتمات، عفيفا في الكلمات، لسانه عامر دائما بالذكر والتسبيح، وكان كتاب الله المجيد لا يُفارقه أبدا فكان خدينا له عاكفا على تدبره وتلاوته، ولا يمل على الإطلاق من قراءته في طرف النهار، فاجتهد عروة في قراءة القرآن إلى أن حفظه وطُبع في ذاكرته وأقام به آناء الليل كل يوم، وقد قيل إنه لم يترك تلك العادة الثمينة منذ صدر شبابه إلى آخر يوم في حياته إلا مرة واحدة بسبب بلاء كبير نزل به.

قال الله -تعالى- في كتابه العزيز “ٱلَّذِینَ هُمۡ فِی صَلَاتِهِمۡ خَـٰشِعُونَ”، حيث قد كان عـروة بن الزبير واحدا من الرجال الذين منّ المولى -جل علاه- عليهم بإدراك الخشوع في الصلاة، فوجد بها ما لم يجده في عمل آخر من الراحة النفسية فتيقنها أيما إتقان وأجاد شعائرها أتم الإجادة وكان يُطيلها كثيرا.

عروة بن الزبير سير أعلام النبلاء

عروة بن الزبير سير أعلام النبلاء

قصة عروة بن الزبير في الصبر

يُنزل الله -سبحانه وتعالى- ألوان عدة من البلاء على المسلمين ليس تعذيبا لهم وإنما اختبار لمدى صبرهم وصدق نواياهم وقوة إيمانهم، فيقع البلاء في أعز ما يملكون، والأتقياء الأخيار هم أكثر المُعرضون للبلاء بعد الأنبياء رضوان الله عليهم أجمعين لكي تظفر البشرية بعِبَر مُفيدة من التضحية تؤازرها على المثابرة والرسوخ وتقوي من عزائمها، وشاء الرحمن -جل علاه- أن يكون عـروة بن الزبير بن العوام من المُبتلين في الدنيا، ويتبادر إلى أذهان الجميع أسئلة بخصوص قصة عروة بن الزبير وقطع رجله.

كانت قصة عروة بن الزبير في الصبر مثالا يُحتذي به من قبل كل المسلمين، فالبلاء الذي تعرض له عـروة بن الزبير أظهر آثر القرآن الكريم الذي لازمه طوال أيامه في الدنيا، فكان جَلْدا قويا، فيا له من مشهد مؤثر تقشعر له الأبدان وتقف أمامه البشرية لامرئ تُبتر إحدى قدماه ويفقد أحد أبنائه ولسانه لا ينطق إلى بذكر الله وقلبه راضي غير ممتعض.

في أحد الأيام أرسل الحاكم الوليد بن عبد الملك إلى عروة بن الزبير يدعوه لزيارة دمشق، فلم يرغب عروة أن يرد طلب الخليفة فوافق على تلبية الدعوة، واصطحب معه في تلك الرحلة أكبر أبنائه وأحبهم إلى قلبه، فأحسن الخليفة استقباله وأكرم وفادته، وبعد تلقي الترحاب أخذ ابن عـروة بن الزبير يتجول في قصر الخليفة إلا أن وصل إلى المكان المُخصص للجياد، فتعرض للركل من قبل إحدى الدواب وكانت ركلة شديدة للغاية أودت بحياته.

تكملة قصة الصحابي الذي قطعت رجله وهو يصلي

لم يكد جرح قلب عروة بن الزبير يلتئم بعد وفاة ابنه الأكبر حتى توالت الابتلاءات عليه وأُصيبت إحدى قدميه بداء مُهلك، فأراد الخليفة الوليد بن عبد الملك أن يقدم له يد العون وقرر أن يستدعي أكفأ الأطباء لمعالجته بكل الوسائل، ولكن الأمر قد فات ومشيئة الله فوق كل أمر فقد تفشى المرض بسرعة كبيرة في كل القدم، ورأي كل الأطباء أن علاج عروة الوحيد يتمثل في بتر ساقه قبل انتشار الداء في كل الجسد.

لم يجزع عـروة بن الزبير وفوضى أمره للخالق -جلا علاه- وطلب منه الأطباء أن يتم تنويمه بتناول نوع من أنواع المشروبات المسكرة التي تساعد على عدم الشعور بالألم أثناء عملية البتر، ولكنه رفض رفضا قاطعا وقال جملته الشهيرة (هيهات، لا أستعين بحرام على ما أرجوه من العافية)، وأشار عروة على الأطباء بأن يتموا تلك العملية عندما يدخل في الصلاة، فتوضأ عروة  ونوى الصلاة وكان في خشوع تام وأخذ يدعو ربه بكل تضرع، وفي تلك الأثناء قام الأطباء ببتر قدمه.

لم يتمالك عـروة بن الزبير نفسه ووقع مغشيا عليه عندما تم وضع ساقه في الزيت المغلي بعد عملية البتر لكي يتم وقف نزيف الدماء، وكان ذلك السبب الوحيد الذي منعه من إتمام ورده اليومي من كتاب الله المجيد سواء تلاوة طرف النهار وقياما آناء الليل، ومنذ ذلك الحين عُرف عـروة بن الزبير بأنه الصحابي الذي قطعت رجله وهو يصلي، ولكنه ليس بصحابي إنما هو من التابعين الصالحين الذي أدرك معنى الإسلام جيدا وعمل بما يدعو إليه طوال حياته.

في أي عام ولد عـروة بن الزبير؟

قالت المصادر التاريخية إن عـروة بن الزبير ولد في عام 644 ميلاديا الموافق لعام 23 هجريا.

ما هي أهم مؤلفات عروة بن الزبير؟

إن عـروة بن الزبير يعد واحدا من أهم المؤرخين والمُحدثين وأهل ثقة فيما نقله عن الآخرين من الصحابة والتابعين، وأخرج كتابا جللا يعد أحد أهم المصادر التاريخية الإسلامية ألا وهو كتاب المغازي والسير.

من أشهر الصحابة والتابعين الذين روى عنهم عـروة بن الزبير؟

روى عروة بن الزبير عن عدد ليس بالقليل من الصحابة الأخيار والتابعين الأتقياء ومن أبرزهم؛ علي بن أبي طالب، عبد الرحمن بن عوف، وأسامة بن زيد، أبي أيوب الأنصاري، وأبي هريرة.

في أي سنة فارق عـروة بن الزبير الحياة؟

جاء في العديد من المصادر الموثوقة أن روح عـروة بن الزبير انتقلت إلى الرفيق الأعلى في سنة 713 ميلاديا الموافق لعام 94 هجريا.

مواضيع ذات صلة

عبد الله بن عباسهوية حبر الأمة عبد الله بن عباس

أبي بن كعبأبي بن كعب | عميد قراء الأمة