ابن الرومي | حياة وآثار الشاعر العربي الشهير

كفيل هو فراق الأحبة بتدمير النفس البشرية وجعلها روحًا عابرةً تسير وفق ما تشتهي السفن؛ فهذا ما تعرض له ابن الرومي الشاعر الفصيح الذي عاش حياةً سوداويةً قد غُمرت في كأس الآلام والمعاناة!

ابن الرومي | شاعر الوجدان الإنساني

يلامس الحظ الوفير وجداني الآن وأنا ممسكة بأقلامي قاصدةً تدوين مسيرةِ شاعرٍ من طبقة بشار بن برد والمتنبي، شاعرٌ قيل فيه الكثير والكثير فلمَ لا! فهو أحد الشعراء المخضرمين الذين رحلوا عن عالمنا تاركين لنا قصائد شعرية جمالها لا يضاهيه أي جمال! إنه أبو الحسن علي بن العباس بن جريج؛ وقيل جورجيس الذي اشتهر بـ ابن الرومي نسبةً إلى عِرقه إذ كان والده ذا أصول رومية.

إنه اليوم الثاني من شهر رجب عام 221 هجريًا؛ يوم أُضيئت فيه أنوار المدينة كافة في بغداد العاصمة الجميلة ترحيبًا بميلاد فرد جديد؛ وأي مولود هو؟! خير الناس وأشعر الأدباء وأحد المولّدين الذين عُرفوا بعذوبة ألفاظهم وسلاستها، يوم ولد فيه ابن الرومي صاحب الحس المرهف والقلب المثقف.

نشأة مَن قال: يا صاحبَ اللومِ هبْ لذي شغفٍ

ترعرع ابن الرومي في أكناف بلدة العقيقة التابعة لمدينة بغداد، وتتلمذ على يد المؤرخ الكبير أبي جعفر محمد بن حبيب الذي ظلّ ينهل من علمه الغزير وكأنه كان بحرًا يصطاد من لآلئه الثمينة، فكثير ما رجع إلى أستاذه لكي يتأكد من صحة مصطلحاته اللغوية، وانكب ابن الـرومي على نظم الشعر في صباه لذا صار كوكبًا لامعًا في فضاء القصائد.

لم تكن نشأة ابن الرومي جيدةً وأرستقراطيةً كأمير الشعراء احمد شوقي بل باتت قاسيةً للغاية، مؤلمة إلى حد كبير! فلقد نشأ في مجتمع غريب الأطوار تتشعب فيه الأوهام ويملأ الرعب أفئدة أفراده؛ مجتمع سادت فيه السخرية والاستهزاء من الآخرين، ولطالما تعرّض ابن الرومـي للكثير من هذه الأفعال المسيئة للإنسان؛ لذا عندما شبّ انتقم من كل سفيه لحق به الأذى يومًا ما.

أسرته:

رأى ابن الرومي في أسرته أشد الكرب والبؤس حيث ضُحي بأفراد أسرته واحدًا تلو الآخر؛ فأبواه وأخيه وخالته ثم مَن! ثم لم يبق له أحدٌ سوى ذاته! فأصبح وحيدًا في عالم ملئ بالصعاب ليس له مَن يشد عضده ويعينه على مواجهتها، ولكن إلى متى سيظل منعزلًا دون أن يفتش عمن ستؤنس وحدته؟!

يقولون إن بالزواج تأتي الراحة بعد العناء؛ والأمان بعد القلق؛ وتُدفع الوحشة بالأنس، وهذا ما جعل ابن الرومي يفكر في الزواج لكي يشعر بالراحة والأمان، فلقد تزوج وأنجب ثلاثة أولاد ولكن! لم تتخل عنه الآلام يومًا وكأنها أرادت مصاحبته مدى الحياة؛ فأخذ الموت أبناءه واحدًا تلو الآخر ومن ثم زوجته ولم يعد له غير ذاته! نفسه التي لطالما تحملت الأذى والأنين.

ربما لم تخضع الآلام والمعاناة لأشد أنواع العلاج؛ فها هو حال ابن الرومي ظلّ خاضعًا لها دون أن يتأثر بمفعولها، فلو كانت تُشفى الآلام لتطيبت جروحه دون أن يموت بها.

مؤلفات ابن الرومي | شاعر الشعور المرهف والنظرة القانطة

أخذ المؤرخون عن ابن الرومي حياته من شعره الذي كان مرآةً لتلك الأيام العصيبة التي مرّ بها وعاش تفاصيلها، فلقد سطّر أشجانه وحياته المأساوية وشدة الآلام التي شعر بها في قصائده الكثيرة، فكان شعره صادقًا معبرًا عن أوجاعه التي لم يمل أحد من قراءتها؛ وكأنه أبدع في تجسيد حياته البائسة في مؤلفاته الشعرية.

لم يتخل الحزن يومًا عن طرق ديار ابن الرومي بل بات متشبثًا بمفتاح داره الذي كلما عاد بيته عاد معه؛ وكلما خرج رافقه، وهذا ما انبلج على مؤلفاته الكثيرة التي شهدت على مرافقة الأسى له، ومن أبرز هذه القصائد ما يلي:-

– قصيدة ابن الرومي في سليمان ابن الاخفش

ألا قُل لنحويِّكَ الأخفشِ            أنِسْتَ فأقصِرْ ولم تُوحِشِ

وما كنتَ عن غيَّةٍ مُقصِراً           وأشلاءُ أُمك لم تُنْبَشِ

تحدّيتَ صَلّاً وفي نفْثه               نذيرٌ فأقلِع ولم تُنهش

أبا حسن إنّني سائلٌ               فأعدد جواباً ولا تَدْهش

ألّف ابن الرومي قصائد كثيرة لا حصر لها إلا إن أشهر مؤلفاته تلك القصيدة التي هجا بها سليمان بن الأخفش؛ فبها معان لاذعة تنحصر في الذم والسباب، ولقد نشب الخلاف بينهما وفق ما ذكره المؤرخون أن الأخفش كثير ما كان متشائمًا يتفوه بألفاظ اليأس عند بيت ابن الرومـي الذي كلما أُنصتت أذناه إلى هذه الكلمات تأثر للغاية؛ فلزم دياره وأغلق على نفسه بابه ولم يخرج منه، ومن هنا اندلعت المنافسة الشرسة بينهما التي ترتب عليها هجاء ابن الرومي له في أبياته الشعرية.

ديوان ابن الرومي

أقوال النقاد عن ابن الرومي

مكانة مرموقة حظى عليها ابن الرومي عند الأدباء والنقاد الذين تحدثوا عن فصاحته وسوء حظه، ومن أبرز هؤلاء الذين تحدثوا عنه ما يلي:-

– طه حسين

تحدّث عميد الأدب العربي طه حسين عن ابن الرومـي فقال عنه: “كان سيئ الحظ؛ حاد المزاج؛ ضعيف الأعصاب، لم ينل حبًا وفيرًا من الناس، وكان محسودًا ممن حوله”.

– ابن خلكان

لقد قال المؤرخ الحجة ابن خلكان عن ابن الرومي إنه: “شاعر مشهور صاحب النسق المثير والتوليد العجيب، أبرع مَن غاص في علم المعاني حيث كان يستخرجها من جذورها ويبرزها في أبهى صور لها”.

أغراض ابن الرومي الشعرية

1- الوصف

يعد أقدر الشعراء وصفًا وأبلغهم هجاءً وصاحب الحس الموسيقي الذي مكّنه من الوصف والتشخيص في شعره؛ فكان وصافًا بارعًا متصورًا أدخل هذا الغرض في كثير من قصائده؛ فوصف المأكل الذي بات منهمومًا فيه من جراء عيشه بين النعيم والفقير، كما وصف الطبيعة التي ظلّت مخرجه الوحيد من الواقع الأليم الذي ترعرع فيه، وكأن هذه الأوصاف مرآةٌ تعكس الشخصية الحقيقية لهذا الشاعر.

2- الهجاء

لم يكتف ابن الرومي باستعمال هذا الغرض وحده بل كان ينتقل منه مستخدمًا الوصف والاستخفاف، وكثيرا ما تعرض للسخرية والهجاء من الأشخاص الذين يعرفون ضيق أخلاقه إذ كانوا يعيبون شعره ويضايقونه مما يثيرون غضبه فيهجوهم.

امتلك لسانًا حادًا قد يكون شبيهًا بالسيف في حدته، فكان هجاؤه يسقط على الآخرين وكأنه سيفٌ قد قطع رقابهم، وكثيرًا ما تمنى العيش فى رغد ونعيم يليق بمكانته المرموقة إلا إنه لم يظفر بما رغب لذا بالغ في هجائه.

3- الرثاء

عُرف ابـن الرومـي بقوة عاطفته ورقة إحساسه في كلمات رثائه التي لطالما تأثرت بها نفوس القارئين لأشعاره، فبرع بترجمة ألامه ومرارة الرحيل في قصائده.

4- المديح

كان ابن الـرومي مسلمًا مخلصًا لأمراء العباسية حيث قال فيهم المديح معبرًا عن فخره واعتزازه بهم في قصائد كثيرة له على الرغم من نظرته التشاؤمية للحياة.

5- الغزل

لم تخل قصائد ابن الرومي من كلمات الغزل بل كان غرضًا رئيسًا في شعره، وتعد قصيدة (بأبي حسن وجهك اليوسفي) أشهر قصيدة غزلية ألّفها هذا الشاعر الفصيح.

6- العتاب والاعتذار

أحاط ابن الـرومي نفسه بالوساوس والاضطرابات النفسية التي لطالما أثرت عليه، فكان يعزل نفسه في دياره ولا يخرج منها حينما يسمع كلمات اليأس التي تنبثق من خارج داره، ولقد وصل إلى هذه الحالة العصيبة من جراء كثرة الآلام وفقدان الأحبة الذي تعرض له.

تحميل ديوان ابن الرومي

إلى كل مَن يرغب في تحميل خصائص شعر ابن الرومي pdf للاطلاع على سمات شعره؛ عليك بتحميل ديوان ابن الـرومي الذي يضم آلاف القصائد الجميلة التي أبرزها قصيدة ابن الرومي في رثاء ابنه pdf وكل ذلك عن طريق الضغط على الرابط التالي:

تحميل ديوان ابن الرومي 

وفاة ابن الرومي | مَن جاورت الآلام دياره

لقد كُتب الموت على ذرية آدم جمعاء؛ فالعلماء والشعراء وحتى الجهلاء سيموتون، وستأتي خلفهم أجيال قد ورثوا عنهم العلم والأدب فيرغبون في الوصول إلى ما حصّله غيرهم من الرفعة والمكانة السامية، فلم يقف الموت يومًا على أحد بل يكاد يأخذ الصغير قبل الكبير دون أن ينظر إلى أعمار الأناس، فمات أبو نواس و ابـن الرومـي وغيرهم من النبلاء.

لربما عمّ الحزن ديار الأمة الإسلامية في الثامن والعشرين من جمادى الأول عام 283 هـ من جراء فقد حبيبها وشاعرها البليغ ابن الرومي ؛ الذي دُسّ له السم في الطعام بسبب قوله الهجاء في الوزير العباسي القاسم بن عبيد الله، فيا أسفى على يوم احتُضر فيه مَن ظل بائسًا مدى الحياة حتى أن الحزن نفسه قد بكى على وداعه!