علم اصول الفقه | تاريخه ونشأته وأبرز قواعده

اصول الفقه

الإسلام هو دين السلام والحق، العدل، اليُسر، هو الجامع للمعاني السامية والمشتمل على الأحكام الوافية التي ينتهجها المسلم في حياته لينعم بسعادة الدارين، ويفهم أنه لن يكون أبدا من الخالدين لأن الخلود ليس له وجود في قاموس العالمين، بل هو صفة يختص بها رب الناس أجمعين، ولقد تعددت العلوم الإسلامية التي نسجت الخطوط الأساسية والأحكام الفقهية المهمة لكل مسلم، ويأتي على رأسها علم اصول الفقه المقترن بالتدقيق والفهم.

وفي السطور الآتية سوف نُسدل الستار عن اصول علم الفقه لتُضيء العقول المظلمة وتستزيد منها النفوس الطاهرة، فهيا بنا.

تعريف اصول الفقه

إن كلمة اصول الفقه في مجملها تنقسم إلى شطرين، الشطر الأول منها كلمة أصول وهي جمع أصل وتعني في اللغة الأساس الذي يتم الاعتماد عليه في بناء غيره سواء كان هذا الأساس ملموسًا أو معنويًا، أما في الاصطلاح فتأتي بمعنى الدليل والقاعدة ومقابل الفرع.

و كلمة الفقه في اللغة تشير إلى الفهم والإدراك، واصطلاحًا تُطلق على معرفة الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية.

ما هو علم أصول الفقه ؟

عند التحدث عن اصول الفقه باعتباره علمًا من العلوم الشرعية فلا بد من فهم معناه بطريقة صحيحة وشاملة، فهو عبارة عن معرفة القواعد العامة التي يتم من خلالها استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية.

ويتضمن علم اصول الفقه دراسة أدلة الفقه الكلية وكيفية استنباط الأحكام الشرعية منها، بالإضافة إلى حال المستفيد والصفات التي لا بد توافرها فيه ليكون مؤهل لاستخراج الأحكام من المصادر.

نشأة علم أصول الفقه

لم يتم التوصل إلى علم اصول الفقه دفعة واحدة أو خلال مرحلة زمنية معينة، بل هناك مجموعة من المراحل التي مر بها هذا العلم حتى وقتنا الحالي، وتتمثل تلك المراحل في التالي:

أولا: في عهد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم

إن مصدر التشريع الأول في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الوحي الذي كان ينزل عليه من السماء السابعة بالآيات والأحكام، لذا كان الناس والصحابة رضوان الله عليهم يستشيرون النبي محمد صلى الله عليه وسلم  ويسألونه عن كل ما يحدث لهم في أمور حياتهم سواء كانت بسيطة أو معقدة.

ثانيا: الاجتهاد في عصر الصحابة

بعد وفاة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم اجتهد الصحابة في استخراج الأحكام الشرعية من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية، كما كانوا يستشيرون بعضهم في الأحكام المستعصية عليهم.

ووجب التنويه أن علم أصول الفقه في عهد  الرسول الكريم والصحابة وأوائل عصر التابعين لم يكن علمًا مستقلًا بذاته، نظرًا إلى أن قواعده كانت محفورة في عقول الصحابة رضوان الله عليهم، فكانوا يعرفون طرق الاستدلال من الأدلة الشرعية بالإضافة إلى علمهم بأصول اللغة العربية.

ومن العوامل التي ساعدتهم بشكل كبير في هذا الأمر هو معاصرتهم لكثيرٍ من المواقف والأحداث مع النبي الأمين عليه أفضل الصلوات والتسليم، فكان يُصحح لهم أخطاءهم في الاجتهاد، مما جعلهم قادرين على فهم مقاصد الشريعة واستنباط الأحكام الفقهية منها، ومن الصحابة المجتهدين في الفتوى :عمر بن الخطاب و ابو بكر الصديق وغيرهم.

ثالثا: الفتوحات في عصر التابعين

بعد مرور فترة من الزمن بدأت الأحوال تتغير نتيجة اختلاط العرب بالعجم وظهور بعض الأحاديث الضعيفة، بالإضافة إلى ابتعاد الناس عن اللغة العربية وظهور الاختلافات بين بعضهم البعض، مما دفع الإمام الشافعي  إلى وضع قواعد وأسس عامة لعلم أصول الفقه.

وكان ذلك العصر هو شرارة انطلاق المدارس الفقهية التي لجأ إليها الناس ليتعلموا اصول الفقه بعيدًا عن الاختلاف والتحريف.

رابعا: الاكتمال والتدوين

بدأ الأئمة المجتهدون  في تأليف وتدوين علم اصول  الفقه بسبب وقوع الجدل والاختلاف في الأحكام الشرعية، وأول من خط قلمه في تأليف أصول الفقه هو أبي حنيفة النعمان ، بينما تشير بعض الأقوال إلى أنه الإمام الشافعي.

ولم يتفق الأئمة على منهج واحد، حيث كان لكل إمام قواعده التي يعتمد عليها في الفتوى ولكن مع مراعاة الأحكام الشرعية المستنبطة من أدلتها التفصيلية.

الفرق بين الفقه وأصول الفقه

ترتبط اصول الفقه بالفقه ارتباطًا وثيقًا، حيث لا وجود لأحدهما دون الآخر، ولكن هناك بعض الفروقات التي جعلت كلا منهما علمًا مستقلًا بذاته، وبين طيات السطور الآتية سوف نسلط الضوء على الفرق بين الفقه وأصول الفقه من حيث المفهوم والموضوع على النحو الآتي:

– مقارنة من حيث المفهوم

كما ذكرنا سلفًا أن الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية المكتسبة من أدلتها التفصيلية، وهناك 4 مصادر أساسية يعتمد عليها الفقهاء في استنباط الأحكام وهي: القرآن الكريم والسنة النبوية، بالإضافة إلى الإجماع والقياس وتُسمى بـ الأدلة الشرعية في أصول الفقه .

أما أصول الفقه فهي العلم بالقواعد التي توضح للمجتهد المسلك الذي يجب أن ينتهجه لاستنباط  الأحكام الشرعية من الأدلة.

– مقارنة من حيث الموضوع

يُناقش علم الفقه كل الأحكام الشرعية المتعلقة بالأفعال الدينية والدنيوية للإنسان المكلف، بالإضافة إلى علاقته بربه ونفسه ومجتمعه، وعلى الصعيد الآخر يتناول علم اصول الفقه كافة الأدلة التي يتم من خلالها الوصول إلى الأحكام الفقهية ومراتبها، وكذلك طرق استخراج الأحكام الشرعية من تلك الأدلة بشكل إجمالي وتفصيلي.

الفرق بين الفقه وأصول الفقه

الفرق بين الفقه وأصول الفقه

قواعد أصول الفقه

هناك الكثير من الأحكام  والفروع  التي تندرج تحت قواعد اصول الفقه ، والتي أُلفت فيها العديد من الكتب، وأتفق العلماء على خمس قواعد أساسية وهي:

1 –  اليقين لا يرفع بالشك، فعلى سبيل المثال إذا تيقن الرجل من طهره وشك في الحدث فإنه طاهر، والعكس صحيح.

2 – إزالة الضرر ، وقد تم بناء تلك القاعدة على قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار).

3 – المشقة تجلب التيسير وذلك تبعًا لقوله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج).

4 – العادة محكمة أو العادة معتبرة.

5 – الأمور بمقاصدها، بمعنى أن النية هي أساس العبادات ويتضح ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى).

أصول المذهب الشافعي

قام الإمام الشافعي بتوضيح الأصول التي اعتمد عليها في مذهبه عبر كتابه الشهير الأم والرسالة، وتتمثل هذه الأصول في القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع، بالإضافة إلى قول الصحابي في حال لم يتعارض رأيه مع صحابي آخر.

أما آراء الصحابة التي يكون فيها اختلاف فيأخذ بالقول الأقرب إلى كتاب الله عز وجل وسنة نبيه، أو يلجأ إلى الرأي المطابق للقياس.

مزايا المذهب الشافعي

1 – الاستدلال بالأحاديث النبوية الشريفة، والإكثار من القياس.

2 – حرص الإمام الشافعي على الاتصال بأصحاب المذهب الحنفي، كما كان شغوفًا بالاطلاع على كتب الإمام محمد بن الحسن.

3 – الإمام الشافعي كان أحد تلاميذ الإمام مالك لذا تأثر مذهبه بمدرسة الحجاز والعراق بشكل كبير.

4 – يعد المذهب الشافعي من أكثر المذاهب توسعًا في استعمال الأحاديث الشريفة والاستدلال بها، وقام باعتماد الرأي والقياس بنسبة ضعيفة، وعلى الصعيد الآخر وضع قواعد وأصول خاصة للقياس.

5- وتعددت مصادر المذهب الشافعي ومنها: الأم للشافعي، والمهذب للشيرازي.

نبذة مختصرة عن مؤسس المذهب الشافعي

هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان، من أشهر صفاته أنه كان كريم الخلق، كثير العلم، رفيع الشأن، شديد المروءة وفوق ذلك كان متواضعًا ولم يجلس معه أحد إلا أُعجب بصفاته الحسنة.

أصول المذهب الحنبلي

اعتمد الإمام أحمد على بعض الأصول في تكوين مذهبه، وهي كالآتي:

أولا: القرآن والسنة هما الأساس الذي بنى عليه الإمام مذهبه، وإذا وجد الحكم فيهما لا يلجأ أبدًا إلى غيرهما من الأصول الأخرى كالقياس أو الإجماع.

ثانيا: فتاوى الصحابة رضوان الله عليهم هي المسلك الثاني الذي انتهجه الإمام أحمد بن حنبل إذا لم يجد الحكم في الكتاب والسنة.

ثالثا: الأخذ بأقوال الصحابة الأقرب إلى القرآن والسنة في حال اختلفت الآراء في نفس المسألة، وإذا لم يتبين له الرأي الأقرب إلى الكتاب والسنة فإنه يُوضح كافة الآراء دون ترجيح أحدها.

رابعا: اتباع الأحاديث الضعيفة والمُرسلة عندما لا يكون للمسألة أثرًا ولا يوجد للصحابة قولًا.

خامسا: القياس هو آخر ما يلجأ إليه الإمام في حال لم يتوصل إلى أي دليل من الأدلة السالف ذكرها.

علماء المذهب الحنبلي

يضم المذهب الحنبلي في كنفه العديد من العلماء، ويمكن ذكرهم على سبيل المثال لا الحصر في الآتي:

–  أحمد بن محمد بن الحجاج.

– إبراهيم بن إسحاق الحربي.

– أحمد بن محمد بن هانئ.

خصائص المذهب الحنبلي

ينفرد المذهب الحنبلي بمجموعة من السمات ومنها:

1 – الاهتمام الكبير بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

2 – الأخلاق الحميدة التي عُرف بها الإمام احمد بن حنبل من أبرز العوامل التي ساهمت في انتشار مذهبه.

3 – إعطاء أهمية ضخمة للسنة النبوية التي تنبلج منها الأحاديث الشريفة.

4 – اتباع الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، والتصدي لكل من يحاول الإساءة للدين الحنيف.

أصول المذهب الحنفي

يتميز المذهب الحنفي بأنه أول المذاهب الفقهية الأربعة، وترجع جذوره إلى أرض العراق بشكل عام ومدينة الكوفة بشكل خاص، وقد أثمر ذلك المذهب عن العديد من الاجتهادات والأحكام الشرعية التي كان لها أثر بالغ الأهمية في علم اصول الفقه ، وقد انتشر المذهب الحنفي في كثيرٍ من الأقطار مثل: بلاد فارس والروم ومصر، العراق، الهند وبعض مدن اليمن.

وعند إمعان النظر في الأصول العامة للمذهب الحنفي نجد أن أبو حنيفة اهتم بمصادر التشريع الأساسية وهي القرآن الكريم والسنة النبوية، كما أنه أسس مسند حديثي خاص بمذهبه، ولكنه تشدد في قبول الحديث وتوسع في القياس والاستحسان.

لمحة عن مؤسس المذهب الحنفي

هو النعمان بن ثابت بن زوطى، وُلد في مدينة الكوفة، وتميز عصره بازدهار العلم، واختلفت الأقاويل حوله، هناك من قال أنه من التابعين، والبعض الآخر اعتبره من أتباع التابعين، كما أنه أدرك بعض الصحابة الكرام  ومنهم: سهل بن سعد الساعدي، وأنس بن مالك الذي نال شرف خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويمكنك أن تتطلع على مزيد من فضائله من خلال قراءة قصة انس بن مالك  الموجودة بين ثنايا موقع ملحوظة المتميز.

وقد اتسم الإمام أبو حنيفة النعمان بذكائه وقوة حجته وسرعة بديهته، بالإضافة إلى حُسن مظهره وانشغاله في عبادته.

أصول المذهب الحنفي

أصول المذهب الحنفي

ما هي افضل كتب اصول الفقه ؟

تعددت الكتب التي تناولت أصول الفقة ومنها: الإحكام في أصول الأحكام، أثر الأدلة المختلف عليها، الورقات في أصول الفقه، روضة الناظر وجنة المناظر.

ما هي أهمية علم أصول الفقه؟

يحتضن علم اصول الفقه منافع عظيمة وتأتي على رأسها التفقه في الدين والالمام بالواجبات والحقوق ليمضي المسلم في الطريق الصحيح، بالإضافة إلى حماية الدين من التحريف والتضليل وغيرها.

ما هي الشروط الواجب توافرها في المجتهد؟

لا بد أن تكون هناك بعض الشروط المتوفرة في الشخص المجتهد الذي يسعى لاستنباط الأحكام الشرعية من الأدلة وهي: الإسلام، البلوغ، العقل، الإحاطة بمدارك الشرع، العدالة والتقوى.

هل هناك علاقة بين علم أصول الفقه والعلوم الأخرى؟

نعم بالطبع، حيث يرتبط علم أصول الفقه بعلم الفلسفة الإسلامية وعلوم اللغة العربية، علوم القرآن الكريم والحديث وغيرهم.

مواضيع ذات صلة

كتاب-الشافعي-وهو-اول-كتاب-في-الفقهتمعن كتاب الشافعي وهو اول كتاب في الفقه

حكم زيارة الأضرحةحكم زيارة الأضرحة