الجاحظ | زعيم البيان العربي

الجاحظ

امتلك من البلاغة والفصاحة ما جعله بليغ عصره، وفاق كل من عاصرهم في علمه وفكره، إنه أبو عُثْمان عُمَرُو بن بَحر الملقب باسم الجاحظ والذي عرف بكثرة علمه حتى اتصف بأنه نسيج وحده في كل العلوم، فلم يكن يترك علمًا إلا واسمه في أوائل من كتبوا فيه فكان بحق موسوعة ثقافية من الصعب أن يجود الزمان بمثله مرة أخرى.

 الجاحظ  | من هو

يتميز الجاحظ بغزارة مؤلفاته وحسن بيانه وقدرته على الكتابة بأسلوب جذاب، فقد استطاع أن يثير بكلماته ومؤلفاته العقول الضيقة، واسمه هو أبو عُثْمان عمَرُو بن بَحر بن مَحْبُوبٌ بن فَزارَة اللَّيْثِيّ الْكِنَانِيّ الْبَصَرِيّ، وقد عرف باسم الجاحظ وذلك لأنه جاحظ العينين، وقد كان دميم الشكل.

وقد ولد في عام 159 هـ في مدينة البصرة بالعراق منبع الحضارة والثقافة، فنشأ محبًا للعلم مولعًا بالثقافة والفكر، وعلى الرغم من شدة الفقر الذي نشأ فيه إلا أن ذلك لم يثنه عن طلب العلم، حيث حرص على الذهاب إلى مجالس العلم منذ الصغر مما أهله لتعلم مبادئ اللغة العربية الذي صار ضليعًا فيها بعد ذلك.

وعلى الرغم من أنه لم يكن متفرغًا لطلب العلم بسبب فقره الشديد وعمله في بيع السمك والخبز نهارًا، إلا أنه كان حريصًا على حضور مجالس العلماء بمختلف تخصصاتهم، بالإضافة إلى أنه كان يعمل في دكاكين الوراقين ليلًا ليُحصل منها العلم عن طريق قراءتها، ويذكر أنه يشبه يوسف السباعي حيث إن كل منهما أثرى الأدب العربي في عصره.

عملاق الثقافة والفكر

كان الجاحظ منذ طفولته وهو مهتم بالعلم وكان كثير المطالعة، لا يتوقف عند قراءة كتاب أو كتابين، بل إنه كان يقرأ ما يزيد عن بضعة كتب بالإضافة إلى قراءته لأوراق الدكاكين، ولم يكن يقتنع بالقراءة فقط بل كان يقرأ بتمعن ويدقق في كل كلمة حتى يفهمها ويعرف المغزى منها.

ولم تكن الكتب هي وحدها مرجعه للمعرفة بل كان أكابر العلماء والمعلمين في عصره مرجعًا له، فهو كان يحب التواصل مع المعلم وعلى الرغم من الاعتراضات الكثيرة بينه وبين معلميه إلا أنه ظل معترفًا بفضلهم مقدرًا علمهم، وظهر ذلك في الثناء عليهم في كتبه ومؤلفاته.

ولم يكن الجاحظ بالرجل الذي يقتصر على علم واحد أو اختصاص ضيق بل كان موسوعة متنقلة، حيث إنه اهتم بدراسة كل العلوم تقريبًا، فتجده ضليعًا في اللغة العربية، واسع الأفق في الثقافة الأجنبية، متعمقًا في الأدب، بارعًا في الشعر.

ومن أجل ما كان يمتلكه من علم وفكر وثقافة وصفه ابن يزداد بأجمل وصفًا حيث قال:

“نسيج وَحْدِهِ في جميع العلوم؛ علم الكلام، والأخبار، والفتيا، والعربيَّة، وتأويل القرآن، وأيَّام العرب، مع ما فيه من الفصاحة”.

قدرة الجاحظ

قدرة الجاحظ

إعمال العقل في البحث عن الحقيقة

كان عقل الجاحظ هو أهم ما يملكه في حياته، فمن خلاله تمكن من فهم الكتب وبه كتب كتبه ومؤلفاته، فلم يكن عقله بالسهل الذي يقبل أي شيء بل كان يتفحص ويدقق حتى يصل إلى ما يريد لذلك كان من أفضل أدباء وعلماء و شعراء العصر العباسي ، وكان يتبع أسلوبًا علميًا في كتابة مؤلفاته وكتبه.

منهج الجاحظ في الكتابة والتأليف:

أولًا: الشك

يعد الشك من أسس المنهج العلمي الذي اعتمد عليه الجاحظ سواء في النقل أو في الكتابة، كما أنه لم يعتمد على الشك بشكل مجرد وإنما اعتمد عليه ليصل إلى الحقيقة الواضحة، إذ أن الشك لديه ما هو إلا وسيلة ليتعرف منها على الحقيقة وهذا المنهج يشبه منهج الإمام الغزالي وغيره.

ثانيًا: النقد

يتمتع الجاحظ بعقلية نقدية متميزة ويظهر ذلك في مؤلفاته وكتبه، فهو لم يأخذ العلم دون أن يُعرضه للنقد، فليس لديه شيء أكبر من النقد، كما أنه في بعض الكتابات انتقد أرسطو لعدم اعتماده على المنطق في بعض الأوقات وغيره من العلماء والمفكرين.

وعند النظرة الجلية فيما كتبه وعرضه هذا العملاق نجد أنه تعمد تزييف الخرافات التي انتشرت في زمنه وقبل زمانه، ويواجهها بعقل رصين، ونظر ثاقب.

ثالثًا: التجريب

لم يكن الجاحظ بالمفكر الذي يجهل فضل التجريب وقدرته على التمييز بين الحقائق والخرافات، حيث إنه اعتمد على التجريب من خلال معاينته لما يتم قوله أو نقل تجارب أساتذته، حيث كان الجاحظ كثير التجربة للمعلومات التي تصل إليها ولم يقتنع بها عقله.

قدرة الجاحظ الشعرية

قدرة الجاحظ في مختلف العلوم قد فاقت التصور البشري، فكان أديبًا له قدره، ومفكرًا متنورًا، بالإضافة إلى قدرته المثيرة للدهشة في تنظيم الأبيات الشعرية، فقد تميز أسلوبه الشعري بسمو المعاني وانتقاء الألفاظ البسيطة التي تحمل في طياتها المعاني الواضحة والذي يشبه في أسلوبه الشعري أسلوب أبو فراس الحمداني من حيث بساطته، ومن أجمل ما تطرق إليه شعر الجاحظ عن الحكمة هو:

يطيبُ العيشُ أنْ تلقى حكيمًا.

غذاهُ العلمُ والظَّنُّ المصيبُ.

فيكشفُ عنكَ حيرةَ كلِّ جهلٍ.

ففضلُ العلمِ يعرفُه الأديبُ.

سقامُ الحرصِ ليسَ لهُ دواءٌ.

وداءُ الجهلِ ليسَ لهُ طبيبُ.

أهم مؤلفات الجاحظ

ترك الجاحظ إرثًا ضخمًا من الكتب والمؤلفات، فإذا أراد أي شخص أن يتخيل كم الكتب التي كتبها الجاحظ سيعجزه عقله، فقد كتب في الفنون والأدب والشعر والفكر والثقافة وغيرها من العلوم، فقد كان بارعًا في التعبير ويمتلك من البلاغة ما تمكنه من تأليف مئات الكتب، فقد كان من أفضل المفكرين والمثقفين و الشعراء العرب ، ومن أبرز مؤلفاته:

1ـ البيان والتبيان:  إذا تعمقت في قراءة هذا الكتاب ستعرف بما لا يدع مجالًا للشك أن مؤلف كتاب البيان والتبين هو الجاحظ، حيث إن أسلوبه الممتع يظهر جليًا في هذا الكتاب، وقد تناول فيه موضوعات مختلفة متمثلة في الأدب وعلم البيان والبلاغة والفصاحة بالإضافة إلى آفات اللسان، كما حدد بابًا من أجل الخطابة والتي كانت ترمز إلى فصاحة الشخص وبلاغته في زمانه، ولم يخل هذا الكتاب من بعض القضايا النقدية التي كانت منتشرة في زمانه.

2ـكتاب الحيوان: كتاب الحيوان للجاحظ يعد أول كتاب شامل في علوم الحيوان، ويتألف من 7 أجزاء، ويدور هذا الكتاب عن طبائع الحيوان والخرافات والنوادر التي تكلم فيها العرب، وقد تميز أسلوبه في هذا الكتاب بالاسترسال في الكلام من أجل إضافة المتعة.

كتاب البخلاء للجاحظ: يدور هذا الكتاب حول وصف الحياة الاجتماعية في بداية حكم الدولة العباسية، فهو كتاب أدب ولكنه بأسلوب فكاهي، حيث كانت تمتلئ أفكاره بالسخرية والتفكه في مساوئ الناس.

كيف مات الجاحظ ؟

عاش الجاحظ عمرًا طويلًا بعد أن قضاه بين قراءة الكتب وحضور مجالس العلم، فكان عمرًا مثمرًا، ولكنه الزمن لا يقدر أحدًا عليه، فهما طال العمر فهو قصير، فقد مرض الجاحظ في أواخر أيامه مرضًا شديدًا وأصيب بالفالج، ومات الجاحظ وسط كتبه التي قضى عمره كله من أجلها، حيث تشير الروايات إلا أن كتبه وقعت عليه فمات على الفور، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال “من عاش على شيء مات عليه”.

وقد مات في مدينة البصرة وهي المدينة التي ولد بها وكان ذلك في عام خمسة وخمسين ومائتين في شهر الله المحرم، وكان عمره 95 عامًا.

كيف وصف ياقوت الحموي تعلق الجاحظ بالكتب؟

وصفه بتعلقه الشديد بالكتب حيث قال : (( لم أر قطُّ ولا سمعت من أحبَّ الكتب والعلوم أكثر من الجاحظ، فإنَّه لم يقع بيده كتاب قَطُّ إلا استوفى قراءته كائنًا ما كان ولا عَجَبَ إذ ذاك في أن يُفْرِد الصَّفحات الطِّوال مرَّات عدَّة في كتبه، للحديث عن فوائد الكتب وفضائلها ومحاسنها، والحقُّ أنَّه كان أشبه بآلة مصوِّرةٍ، فليس هناك شيءٌ يقرؤه إلا ويرتسم في ذهنه، ويظلُّ في ذاكرته آماد متطاولة )) .

ما منهج الجاحظ في معرفة الحلال والحرام؟

يرى أن الحرام والحلال إنما يأتي من القرآن الكريم والسنة المتفق عليها من قبل الجميع، كما أنه لا يرى أن الصحابة بعيدون عن النقد أو أن المدينة تزيد عن غيرها من المدن من ناحية الحرام والحلال وذلك لأن أهلها لم يخرجوا عن طباع البشر.

متى مات الجاحظ؟

مات عن عمر يقترب من المائة وكان ذلك في عام 255هـ في مدينة البصرة.

ما هي أهم رسائل الجاحظ؟

كتب الجاحظ العديد من الرسائل وأهمها ((مناقب الترك، الأوطان والبلدان، البلاغة والإيجاز، الحاسد والمحسود، الجد والهزل، التربيع والتدوير، صناعة الكلام)).

مواضيع ذات صلة

زيد بن حارثةزيد بن حارثة | من دُون اسمه في كتاب الله

عائشة عبد الرحمنلمحة عن السيرة الذاتية لبنت الشاطئ | عائشة عبد الرحمن