عروة بن الورد | الشاعر الصعلوك صاحب الذكر الحسن

لم تكن الغايات يومًا وليدة اللحظة ولا البحث عن الحقيقة من الأمور السهلة على الإنسان، فالبقاء في الحياة من غير هدف يرمي بك إلى بئر الفشل ويفوت عليك فرصة تخليد اسمك في كتب التاريخ، فرؤية عروة بن الورد الفلسفية المخلوطة بالكرم والعطف على الفقراء والمساكين وإحساسه بالغبن الاجتماعي لم تكن إلا طريقًا أوصله إلى المجد والشهرة.

 عروة بن الورد | عروة الصعاليك

فُتح الستار عن شخصية خلدت اسمها في كتب التاريخ العربي والإسلامي وشاعر من اشهر شعراء العصر الجاهلي وأمير الصعاليك عروة بن الورد الذي عُرف بالكرم والأخلاق فكان خير مثال لهم، فاستطاع بكرمه وجوده إضافة نوع من الاحترام والتقدير للصعلكة التي كانت سبيله لتحقيق نوع من العدالة الاجتماعية ومساعدة الفقراء والمحتاجين، وإليك نبذة عن عروة بن زيد كالتالي:

اسمه ونسبه:

هو عروة بن الورد بن زيد من نسل عبد الله بن ناشب بن عوذ بن غالب بن عبس ويمتد نسبه إلى قيس بن مضر بن نزار، وذكر آخرون أنه ابن عمرو بن زيد حفيد عبد الله.

حياته:

ينتمي عروة إلى نسب منيف ويعد من أثرياء بني عبس وأهم سفرائها، وعاش حياته متمردًا على قبيلته ناظرًا إلى الحياة بنظرة مختلفة عنهم يرغب في معونة الفقراء وتحقيق مستوى من الراحة والرفاهية لهم، فأنشأ تيارًا فكريًا يحمل نظرة فلسفية مضمونها العدالة الاجتماعية وتفريج الكربات عن كل محتاج ضاقت عليه سبل العيش وألمت به الشدائد.

لم يتفق العلماء على تاريخ ميلاد محدد لعروة بن عمرو ولكنهم اتفقوا على أنه عاش حول منطقة يثرب في شمال الجزيرة العربية وأطلق عليه لقب (عروة الصعاليك)، حيث إنه جمع شملهم تحت راية واحدة وتولى أمرهم بعد خروجهم عن سلطة القبيلة وتمردهم على الأمور واشتراكهم في المعاناة نفسها.

فانتقلوا للعيش في البادية بعيدًا عن معتقدات القبيلة الخاطئة يسرقون من الأغنياء ويطعمون الفقراء، وكان منهم شعراء جيدين مثل تأبط شرا والشنفرى وغيرهم ممن سلكوا نفس الطريق، ويمكنك التعرف على حياة عروة بالتفصيل من خلال قراءة كتاب عروة بن الورد حياته وشعره pdf.

 صفاته

كان عروة مثالًا في الكرم والعطاء والشجاعة فذكر في جوده على لسان عبد الملك بن مروان “من زعم أن حاتمًا أسمح الناس فقد ظلم عروة بن الورد “، فاستطاع تخليد اسمه في التاريخ القديم بكل ذكر حسن وفعل جميل فكان أبو المساكين وأمير على الصعاليك الذين غنموا من كرمه مغانم كثيرة ونهلوا من فضله ما يجعلهم في غنى عن السؤال.

ولم يقتصر العطف على الصعاليك فقط بل شمل كل مريض وضعيف، فأخذ من الغني البخيل الذي يحجب ماله عن الناس ولا يمد يد العون لهم ليعطي الفقير المعدوم، فكان يطرق بابه كل شخص محتاج يسأله من جوده وعطفه.

يعد عروة بن زيد من أفضل الشعراء العرب الذين خلدوا أسماءهم في التاريخ بأشعارهم المميزة، حيث تناول الشاعر الصعلوك العديد من الأغراض الشعرية مثل الغزل والحرب ووصف السلاح بأنه شرف المقاتل وكتب عن جمال صحراء الجزيرة العربية وركز على التمرد في شعره.

شعر عروة بن الورد :

استقل عروة بن الورد بشخصية فريدة في كتابة الشعر عن غيره من شعراء عصره، فسلك طريقًا زينه بالتمرد على الواقع الذي يعيشه وتناوله بلغة سهلة الألفاظ ودقيقة المعنى، ليخرج لنا قصائد أهم ما يميزها هو الاختلاف والبساطة والابتعاد عن الصنعة والتأملات الذاتية، كما تنوعت الأغراض في شعر عروة كالتالي:

التمرد في شعر عروة بن الورد

نشأ في قلب عروة تمرد على الوضع الذي يعيشه بسبب ما لقاه من قبيلة والده التي كانت تتشاءم من أبيه وعائلة أمه قليلة الشأن والجاه، فأحس بالظلم منذ أن عرف الحياة واستقل بنفسه بعيدًا عنهم منتمياً إلى الصعاليك الذين اتخذوا التمرد أسلوب حياة وذكروه في شعرهم، فرتب الشاعر الصعلوك الكلمات وتغنى بالجمل، وأبيات شعره مثالًا على ذلك:

ذَريني أُطَوِّف في البِلادِ لَعَلَّني .. أُخَلّيكِ أَو أُغنيكِ عَن سوءِ مَحضِري

فَإِن فازَ سَهمٌ لِلمَنِيَّةِ لَم أَكُن .. جَزوعًا وَهَل عَن ذاكَ مِن مُتَأَخِّرِ

وَإِن فازَ سَهمي كَفَّكُم عَن مَقاعِد ٍ ..  لَكُم خَلفَ أَدبارِ البُيوتِ وَمُنظَرِ

شعر عروة بن الورد في الغزل

سطر التاريخ العربي الماهية الحقيقية لشعر الصعاليك وما يحرصون على إظهاره فيه، فسلكوا طريق التمرد واستخدموا الحرب والغزو لنيل المقاصد والحصول على الغنائم من أجل الفقراء والمساكين، فلن تجد في قصائدهم حنينًا إلى الديار أو التغزل في المحبوبة أو الوقوف على الأطلال كما في شعر امرؤ القيس الشاعر الملك ولكن هذا لا يمنع من أنهم سطروا أبيات شعرية جميلة في الغزل، ويظهر ذلك في شعر عروة بن الورد عندما قال:

إِن تَأخُذوا أَسماءَ مَوقِفَ ساعَةٍ .. فَمَأخَذُ لَيلى وَهيَ عَذراءُ أَعجَبُ

لَبِسنا زَماناً حُسنَها وَشَبابَها .. وَرُدَّت إِلى شَعواءِ وَالرَأسُ أَشيَبُ

كَمَأخَذِنا حَسناءَ كُرهاً وَدَمعُها .. غَداةُ اللِوى مَغصوبَةً يَتَصَبَّبُ

عروة-بن-الورد

الإيقاع في شعر عروة بن زيد:

تميزت أبيات شعر عروة بالانسجام والتناغم بين بعضها البعض انسجامًا عاليًا يصل إلى أذن السامع كأنها معزوفة موسيقية بين الجهر والهمس، ويغلب على أشعاره استخدام الحروف الجهرية ذات الإيقاع العالي واعتمد في نسج شعره على البحر الطويل الذي يعد هو الغالب على أوزانه.

قصة عروة مع زوجته سلمى الكنانية:

أغار عروة بن زيد في يوم من الأيام على قبيلة بني كنانة بدافع أخذ المال وإطعام الفقراء، فوقع نظره على امرأة منهم تدعى (سلمى الكنانية) المشهورة بلقب أم وهب وكانت بكرًا فأعتقها ثم تزوجها وأنجب منها ولدًا، وكانت ضمن الأشخاص الذين ذكرهم عروة في شعره.

حيث ذكر أن زوجته سلمى كانت تلومه على ما يقوم به من أفعال مخالفة وما يفعله في غاراته، فهذا يعرضه للخطر ويضعه على طريق الموت ولكنه كان يأمرها أن تنام وتتوقف عن لومها له أو تبقى بجواره ولا تلقي اللوم عليه وسيشرح لها عن الأسباب التي دفعته إلى تلك المخاطرة.

نبذة عن ديوان عروة بن الورد :

قضى عروة بن الورد حياته يساعد الفقراء ويقدم يد العون لهم رافضًا البقاء خلف أسوار الخوف تاركًا المحتاجين يتخبطون في الشوارع والطرقات، فكتب الشعر الذي عبر عن تضحياته في سبيل إسعاد غيره وكرمه وجوده مع كل محتاج ضاقت به سبل العيش ووثق في العديد من القصائد شهامته وبسالته، وعلى الرغم من وجود عنترة بن شداد في قبيلته إلا أنهم كانوا يأتمون بشعره.

وهذا ما بينه ابن السكيت في كتابه “فحول العرب في علم الأدب” الذي يضم شرح ديوان عروة بن الورد لابن السكيت pdf ، فتجد الكثير من محبي الشعر الجاهلي يتناولون مقطوعات من شعر عروة بن الورد مع بعضهم البعض.

عروة بن الورد وعنترة بن شداد :

هناك صلة بين عروة بن الورد خير شعراء الصعاليك وصاحب الذكر الحسن وبين عنترة بن شداد فارس من فرسان الجاهلية وصاحب معلقة من المعلقات السبع وشاعر من أهم شعراء العصر الجاهلي، حيث ينتمي هذان الشاعران إلى قبيلة عبس ويمتلكان نفس الشجاعة والنظرة الإبداعية في الشعر.

عاش عروة حياته في البادية يسرق من الغني ويعطى الفقير بينما قضى عنترة بن شداد جزءًا كبيرًا من حياته عبدًا قبل أن يصير سيدًا وفارسًا من أهم فرسان العرب الأشداء، وشاء القدر أن يجمعهما نفس المصير في حرب داحس والغبراء التي استمرت أعوامًا طويلة، والتي بها خسرت العرب رجلين وفارسين من خيرة الفرسان والرجال.

كيف مات عروة بن الورد ؟

اختلف المؤرخون في أي عام مات عروة بن زيد، فمنهم ما قال إنه توفي مقتولًا في غارة من غاراته التي كان يقوم بها من أجل الفقراء عام 596 م قبل الإسلام بحوالي ست وعشرين سنة، والبعض الآخر قال: إنه توفي عام 616 م قبل الهجرة النبوية مقتولًا على يد رجل من بني طهية.