امرؤ القيس : ما بين الملك الشاعر والشاعر الملك

امرؤ-القيس
لكُلِّ بيتٍ سقفٌ، ولكلِّ شجرةٍ جذرٌ، ولكلِّ نبعٍ غزالةٌ، و امرؤ القيس إنْ عرفتَه ستدركُ أنَّه السقفُ والجذرُ والنَّبعُ والغَزالة للشِّعر العربي القديم.

من هو امرؤ القيس ؟

هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث بن عمرو الكندي، ولد عام 496م كما تخبرنا كتب التاريخ، أصله يمنيٌّ، أبوه ملك كندة وآمرها وسيدها، وأمُّه تدعى: فاطمة بنت ربيعة أخت كليب ومهلهل أحد بطلي حرب البسوس المشهورة في زمن الجاهلية.

كان امرؤ القيس أمير مملكة كندة اليمنية، عاش حياة التَّرف والبذخ في صباه، اشتهر بلهوه مع النساءِ مثل أبو نواس، وحبِّه لفاطمة ابنة عمه، وكان لها عاشقًا.

نهاه أبوه عن حبِّه لفاطمة وعن قول الشعر لأنّه ملك كندة القادم وعليه أن يكونَ شديدَ المهابة في استقبال مسئولياته لكنّ امرأ القيس شاعرٌ، ولد شاعرًا ومات شاعرًا وعاشَ شاعرًا، ولم يتوقَّف أبدًا عن التشبيب بالنِّساء وعن لهوهِ مما اضطَّر أبوه إلى طردِه من القبيلة فعاشَ شريدًا وحيدًا، وصارَ الشَّاعِر الملكَ وفيما بعدُ سيصيرُ الملك الشَّاعِر.

 امرؤ القيس الملك الضَّليل

تخبرنا كتبُ التَّاريخ أنّه عندما غادر امرؤ القيس قبيلته مطرودًا ظلَّ يهيم في الصَّحراء العربيّة وأحيائها مع كثير من أجناس العربية مثل طيء وبكر بن وائل وكلب، فإذا رأى نبعًا أو مكانًا للصيدِ أقام فيه الولائم والذبائح لمن معه جميعًا في كلّ يوم، ثمّ يذهبُ للصَّيدِ ويعودُ ويطعمهم ومعه الخمور والأِشربة فأقموا الاحتفالات غناءً ورقصًا بالغواني والقيانِ وظلَّ هكذا حتى ينفد النبع فيرحل إلى غيره ويعيدُ رواية القصّة من جديد.

ويذكرُ صاحب الأغاني أنّ أباه شارف على الموتِ بعد طعنةٍ قاتلةٍ من عدوه، فأراد أن يوصي ابنه بوصيّته فكتبَها ودفع بها إلى رجلٍ وأخبره أن يذهب إلى ابنه الأكبر : نافع وانظر ماذا يفعل فإذا حزن وجزع فاتركه، فذهب هذا الرسول إلى نافع فرآه يضع التراب على رأسه وينوح فتركه وذهب إلى أخيه الآخر ففعل ذلك فتركه، واستقرهم واحدًا وحدًا حتى ذهب إلى امرئ القيس في يوم لهوٍ سيء المزاج وحين لم يجزع بالخبر أعطاه الوصية.

وكان في الوصية اسم الرجل الذي قتله أباه وأخباره، وكان امرؤ القيس في ذلك الوقت يلهو ويشرب الخمر وينادم أحدهم ويلاعبه النرد! فدخل عليه رسول أبيه وقال له: قُتِلَ حُجرُ: فلم يلتَفِتْ إليه امرؤ القيس! ولم يرمش، ولم يهمهم أبدًا! وأصر على استكمال لهوهِ مع نديمِهِ قائلًا: اضرب! فلما ضرب النرد قال: ما كنت لأفسد عليك دستك فلما فرغ من لهوه قام فقال:  “الخمر علي والنساء حرام حتي أقتل من بني أسد مائة وأجز نواصي مائة”.

ويشتعلُ امرؤ القيس أسى ويسبحُ في مآسيهِ قائلًا : ضيّعني أبي صغيراً وحَمّلني دمه كبيراً، لا صحوَ اليوم ولا سكر غداً، اليومَ خمرٌ وغداً أمر، وقد أقسم ألا يغسل رأسه وألا يحتسي خمراً حتى يستلَّ الثأرَ من بني أسد ويعيدَ ملكه الضائع.

 مملكة كندة الضائعة

هي من أقدم الممالِك العربيّة، تقع بلاد كندة شرقي بلاد اليمن مما يلي حضر موت، وكندة قبيلة عربية تنسب الى ثو بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة، ويذكر أن مرتع بن معاوية بن ثور كان أول ملوك كندة، وقد اجمع مؤرخو العرب على أن حجر بن عمرو بن معاوية بن ثور المعروف بحجر أكل المرار أول ملوك كندة في نجد بعد نزوحهم من حضرموت ونزولهم ببطن عاقل.

اتخذ حجر اَكل المرار مقره في غمر كندة , وقام بتوجيه الحملات ضد القبائل الساكنة في الحجاز وشمال الجزيرة العربية والبحرين وذكر ابن الاثير ((أن حجرا اغا ببكر فاتنزع عامة ماكان بأيدي اللخميين من أرض بكر وبقي كذلك الى أن مات فدفن ببطن عاقل )) وإنَّ تاريخ وفاته حتى الآن غير معروف.

وأعقب حجر أكل المرار ولده عمرو بن حجر، الذي عرف بالقصور، لأنه قصر على ملك أبيه،فتخلى عن اليمامة لأخيه، . وخلف عمرو المقصور في الحكم ولده الحارث بن عمرو، وكان الحارث أقوى ملوك كندة وأكثرهم طموحا، وكان له أربعة أولاد عينهم ملوكا على قبائل العرب الخاضعين لحكمه، فولى حُجْرا – والد امرئ القيس- على أسد وكنانة وغطفان، وكانت منازلهم في نجد، وكان هذا آخر الملوك قبل أن الغزو المهلك لكندة من قبل بني أسد.

الرّحلة الأخيرة

ارتحل امرؤ القيس بعدما بلغه مقتل والده حجر قائلًا : “ضَيّعني صغيراً، وحمّلني دَمهُ كبيراً، لا صحوَ اليوم، ولا سكرَ غداً اليوم خمرٌ ، وغداً أمرٌ ” ثم ذهب قبيلة بكر وتغلب، فطلب منهم العون من أجل استعادة المملكة الضائعة،وبدأ رحلته اليائسة في استعادة إرث أجداده الضائع.

إلى أن وصل إلى السموأل، والحارث الغساني ـ في بلاد الشام ـ وقيصر الروم ـ في القسطنطينية ـ الذي وعده بالنصر، ويذكر الرواة  أن قيصر أرسل معه جيشاً كثيفاً، فلما رحع إلى دياره امرؤ القيس، وَشَى به الطمَّاح عند قيصر، فأرسل قيصر في طلبه رسولاً، وأعطاه حلَّة مسمومة منسوجة بالذهب، فلبسها امرؤ  القيس فرحاً بها، فتناثر لحمه، وتفطَّر جسده، فسمِّي لذلك ذا القروح، ومات بذلك! دون أن يحقق حلمه ويسترد ملكه ويثأر لأبيه.

امرؤ القيس الشاعر في عيون الأصمعي وابن قتيبة

أجمع علماء العربية قديمًا وحديثًا أن هذا الشاعر من الشعراء الفحول الكبار، وأنه من شعراء الطبقة الأولى مع النابغة الذبياني وزهير ابن أبي سلمى والأعشى، بل هو على رأس هذه الطبقة، وشهد ذلك له أهل الفصاحة والبلاغة والبيان والنقد.

ولمَّا سئل الأصمعي: من أشعر الناس؟ -أي الشعراء العرب  في ذلك الوقت- أجاب: “الذي يأتي إلى المعنى الخسيس فيجعله بلفظه كثيرًا، وينقضي كلامه قبل القافية، فإن احتاج إليها أفاد معنى زائدًا!” فقيل له: “نحو من؟” فقال: “نحو الفاتح لأبواب المعاني، وهو امرؤ القيس، حيث قال:

كأن عيون الوحش حول خبائنا
وأرحلنا الجزع الذي لم يثقبِ

 فإن كلامه انتهى إلى قوله الجزع، وزيادة المعنى في قوله: الذي لم يثقب، وفي هذه الزيادة من الحسن والإجادة ما لا يخفى.”

وهذا ابن قتيبة يقول في كتابه أدب الكاتب وكان العتبي أنشد مروان بن أبي حفصة لزهير، فقال: هذا أشعر الناس. ثم أنشده للأعشى، فقال: بل هذا أشعر الناس، ثم أنشده لامرئ القيس، فكأنما سمع به غناء على الشراب، فقال: امرؤ القيس — والله! — أشعر الناس.

ويقول أيضًا: «امرؤ القيس، من أهل نجد، من الطبقة الأولى»، وذكر قوله:

كأن المدام وصوب الغمام  وريح الخزامى ونشر القطر
يعل به برد أنيابها            إذا غرد الطائر المستحر

ثم قال: «وكل ما قيل في هذا المعنى فمنه أخذ.»

معلقة امرؤ القيس (قفا نبكِ)

ترك لنا الشعراء الجاهليون إرثًا شعريًّا ماسيًّا سمِّيَ بـ المعلقات السبع  وهو عبارة عن قصائد طوال من شدَّة شاعريِّتها يقال إنَّها كتبت بماءٍ من الذَّهب على أستارِ الكعبة، ومن هذه المعلقات قصيدة امرئ القيس الخالدة التي بكى في مطلعها الدِّيار ووقف على الأطلال وإن التشبيهات الموجودة في معلقة امرئ القيس خلابة وهذه بعض أبياتها الوامضة:

1- قِفا نبكِ من ذِكْرى حَبِيبٍ ومنـزلِ     =    بسِقطِ اللــوى بينَ الدَّخـول فحَـوْمـلِ

2- وُقوفاً بها صَحْبـي عَلـيَّ مَطِيَّهُـمْ      =    يقــولــونَ لا تهـلِـكْ أسًـى وتَجَــمَّــلِ

3- أفاطِمُ مَهْـلاً بَعْـضَ هـذا التّدَلُّـلِ       =    وَإن كُنتِ قد أزمعْتِ صَرْمي فأجْمِلي

4- أغَـرّكِ منـي أنّ حُبّـكِ قاتِـلـي          =    وَأنّكِ  مهـما  تأْمُـــري القلـبَ يَفْـعـلِ

5- وَقَدْ أغْتَدي وَالطّيرُ فـي وُكناتِهـا      =    بمُـنْـجَــرِدٍ  قَـيْـدِ  الأوابِـــدِ  هَيــكــلِ

6- مِكَـرٍّ مِفَـرٍّ مُقْبِـلٍ مُدْبِـرٍ مـعـاً           =   كجُلمـودِ صَخـرٍ حطَّه السيلُ من عَلِ

شرح معلقة امرؤ القيس

•1-  ففي البيت الأوَّل يقول لصاحبيه قفا وأسعداني وأعيناني على البكاء عند تذكري حبيباً فارقته ومنزلا خرجت منه بمنقطع الرمل المعوج بين هذين الموضعين، وفي البيت الثاني يقول: لقد وقفوا عليّ ، أي لأجلي رواحلهم ومراكبهم ، وهم يقولون لي : لا تهلك من فرط الحزن وشدة الجزع وتجمل بالصبر .

•2-  وفي البيت الثالث يقول : يا فاطمة دعي بعض دلالك وإن كنت عزمت على فراقي فأجملي الهجران، وفي الرابع يقول: قد غرك مني كون حبك قاتلي وكون قلبي منقادا لك بكل شيء تأمرينه به .

•3-  وفي البيتين الخامس والسادس يقول: قد أباكر الصيد قبل نهوض الطير من أوكارها على فرس ماضٍ في السير قليل الشعر يقيد الوحوش بسرعة لحاقه إياها كما أنه عظيم الألواح والجرم، وإنَّ هذا الفرس مكر إذا أريد منه الكر ومفر إذا أريد منه الفر ومقبل إذا أريد منه الإقبال ومدبر وإذا أريد منه إدباره في آن واحد، ثم شبهه في سرعته بحجر عظيم ألقاه السيل من مكان عال.

حقائق عن امرئ القيس

كان لامرئ القيس ألقابٌ عدة اشتهر بها في الجزيرة العربية، منها (ذو القروح – حندج – الملك الضليل ) وسمي بذي القروح بسبب دائه الذي مات به وهو يشبه داء الجدري، وسمي بالملك الضليل لأنّه انصرف عن ملك أبيه وطرد من القبيلة، وسمي بحندج لأن في بعض الروايات يقال إنه اسمه الحقيقي.

كان امرؤ القيس ناعسًا في أحضان النساءِ وغارقًا في صبوات الجسد وملذاته، حياته كلُّها لهو ولعبٌ وبهجة ولذات وخمر وصيد ومتع وحينما قتل والده وسمع بالخبر إذ بكل هذه الملذات تختفي بل هو من أخفاها وقرر ألَّا يمسَّها حتى يثأر لأبيه.

تحقق لامرئ القيس ما يريد من سفك دماء القبيلة التي دمرت بلاده وقتلت أباه لكنه لم يكتف بذلك ولم يشبع من دمائه، وتحول إلى يسمَّى بمصَّاصِ دماء بني أسد، أو حاصد أرواح الأسديين، ولأجل هذه المطاردات التي بلا طائل ملت القبائل المناصره له منه وكفت عن مساعدته، ورغم ذلك لم يهدأ وذهب إلى قيصر الروم يطلب مساعدته في مزيد من سفك دماء الأسديين.

يعتبر امرؤ القيس أول من وقف على الأطلال وطلب الوقوف عليها، وبكى عليها واستبكى عليها، وحعل الليل موجًا، وقيَّد الأوابِد وهو الذي كسر عين الشعراء في الشعر، وسبقهم إلى المعاني المبتكرة، والأخيلة المخترعة، وجاء بأساليبَ تعبيرٍ تحوّلتْ بعد ذلك إلى أعراف تقلَّد إلى يومنا هذا.

توجد علاقة وطيدة بين الشّاعر اليهوديّ السموأل وبين امرئ وقد نتج عن هذه العلاقة مثلٌ  عن الوفاء لا زال يضرب حتَّى الآن، فقد استأمن امرؤ القيس دروعه وسيوفه عند السموأل وذهب إلى ملاقاة قيصر.

وبعد ذهابه جاء ملك من ملوك الشام يطلب دروع امرء القيس فرفض السموأل، فحاصر الملك السموأل فلم يعطه السموأل شيئًا، فاختطف ابنه وهدده أنه سيقته ما لم يعطه دروع امرئ القيس، فرفض السموأل إلَّا أن يفي بوعده لامرئ القيس ويترك ابنه مقتولًا،  فجاء المثل “أوفى من السموأل”.

هل عاصر امرؤ القيس الرسول؟

لا، فقد ولد قبل الدعوة بمائة وخمسين سنة، لكن توجد أحاديث مروية عن الرسول صلى الله عليه وسلم تفيد بأنه حامل أو صاحب لواء الشعراء إلى النار

ما أفضل قصائد امرئ القيس غير المشهورة؟

قصيدة امرؤ القيس تعلق قلبي pdf وهي موجودة في ديوانه بها ثلاثة أبيات فقط، وتعتبر من أفضل قصائده الغير المشهورة.

هل ورد في التراث غزل امرؤ القيس في ليلى؟

نسبت إلى امرئ القيس بعض التغزل في ليلى لكنها ليس ليلى التي يحبها المجنون، بل ليلى أخرى، وهذه الابيات منسوبة إليه وربما ليست صحيحة.

أيوجد كتاب عن امرؤ القيس حياته سماته وخصائص شعره pdf مطبوع؟

بإمكانك الذهاب إلى كتب التراث القديمة مثل أشعار الشعراء الستة الجاهليين وكتاب روضة الأدب وستجد وفرة من أخباره.

 

مواضيع ذات صلة

عبدالله بن عمرأهم المقتطفات عن ابن الفاروق عبدالله بن عمر

سعيد بن زيدسعيد بن زيد | المٌبشر بجنان الرحمن