حروب الردة | ملحمة شرسة بين الحق والباطل

بمجرد أن مات المصطفى صلى الله عليه وسلم انقلب معظم أهل القبائل العربية على أعقابهم وأعلنوها مدوية ( لن ندفع الزكاة لأحد بعد رسول الله) فكان هذا الأمر بمثابة الخنجر المسموم الذي طُعن به الإسلام، ولم تكن هذه هي الطعنة الوحيدة بل ارتد عدد من القبائل عن الدين كليةً، واتبع بعضها أنبياء آخرين، وعندما وصل الأمر لصديق الأمة أعلن عليهم الحرب فيما يعرف باسم حروب الردة ، فـ لله در أبا بكر حينما شرح الله صدره للحق فقالها صراحة (واللَّهِ لو مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ علَى مَنْعِهَا).

ما معنى الردة في الإسلام؟

قال تعالى في كتابه العزيز (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، وتشير هذه الآية الكريمة إلى أن هذا الدين قد اكتمل قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بأحكامه وفرائضه، إلا أن الكثير من الناس ممن غشيت أبصارهم، وابتعدت قلوبهم عن الحق، أرادوا أن يفرقوا بين الأحكام الدينية وينفذوا منها ما يحلو لهم بعد موت نبيهم، فعرف ذلك باسم حركات الردة.

وتشير الردة في الإسلام إلى تنصل عدد من القبائل العربية من بعض أحكام الدين الإسلامي منها الزكاة، حيث امتنعت هذه القبائل عن دفع زكاة أموالهن لخليفة رسول الله وهو ابو بكر الصديق ثم إن عددًا آخرًا من القبائل ارتد عن الدين الإسلامي بالكلية وكفروا بعد أن جاءهم الهدى.

كما ظهر أشخاص يدعون النبوة على رأسهم مسيلمة الكذاب وسجاح بنت الحارث حيث اتبعهما الكثير من الناس، ومن أجل ذلك قامت حروب الردة .

حروب الردة | نقطة مفصلية في التاريخ الإسلامي

إن حروب الردة هي عدد من الحروب خاضها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ضد الطغيان الذي ظهر جليًا عند موت نبي الأمة صلى الله عليه وسلم، حيث استغل الكثير من الناس موت الرسول ووجدوا أن هذا الوقت هو الفرصة السانحة لكي ينقضوا على الإسلام، وفيما يلي حروب الردة البداية والنهاية بالتفصيل:

أهم أسباب حروب الردة :

ليس من المنصف أن نقول إن أسباب حروب الردة تتلخص فقط في الجانب الديني وهو ارتداد بعض القبائل العربية عن الإسلام بعد وفاة النبي ورغبة البعض الآخر في منع الزكاة، وذلك لأن هناك الكثير من الأسباب السياسية التي جعلت هذه القبائل ترتد وأبرزها رغبتهم في السيطرة على قريش والمدينة المنورة ونزع سيادتهما على العرب.

كما رأى بعض الناس أنه لا داعي الآن بعد موت النبي أن يسلموا أموالهم إلى خليفة رسول الله، وأن يكتفوا بالصلاة فقط ويتصرفوا في أموالهم بالطريقة التي تناسبهم، وهذا يشير إلى أن الردة لم تكن حركة دينية فقط بل كانت سياسية أيضًا، اعتمد فيها المرتدون على نظام القبلية الذي كان سائدًا في العصر الجاهلي.

وبعد أن أجمع أهل القبائل رأيهم ذهبوا إلى خليفة رسول الله ليعلنوا أمامه أنهم لن يدفعوا زكاة أموالهم له، إلا أنهم وجدوا شدة وقوة لم يتخيلوها من الخليفة، ولكنهم في الوقت ذاته كانوا على علم بأن المدينة ليس بها جيش، وأن جيش أسامة قد خرج منها، فعادوا إلى قبائلهم وأجمعوا أمرهم على قتال المسلمين، وفي الوقت ذاته أراد أبو بكر أن يحاربهم ويستأصل شوكتهم.

مشاورات بين الصحابة وخليفة رسول الله:

عندما عادت الوفود العربية إلى بلدانها بعد أن قالت إنها لن تدفع الزكاة إلا لمن كانت صلاته سكنا لهم، اجتمع الصديق بالصحابة لبحث هذا الأمر، فمنهم من رأى أن الأمر أصبح خطيرًا خاصة مع ارتداد الكثير من المسلمين عن الإسلام كلية واتباعهم لمسيلمة الكذاب وكذلك خروج جيش أسامة إلى مهمته.

فأشاروا على الصديق أن يتألفهم حتى يشرح الله صدرهم، وأن يتركهم على ما هم عليه من منع زكاة أموالهم، وكان يوافقهم هذا الرأي عمر بن الخطاب الذي ذهب للصديق وقال له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها).

فرد عليه الصديق وقال له أوليس الزكاة حقها، لدرجة أنه احتد عليه في القول، وقال له (أجبار في الجاهلية وخوار في الإسلام يا عمر)، فعندما رأى عمر تصميم الخليفة عرف أنه الحق، فوقف معه.

حماية مدينة رسول الله:

تيقن الصديق أن المدينة المنورة في خطر خاصة أن مرتدي العرب عرفوا بأن جيش أسامة قد تركها، فخشي أن يهجموا عليها وهم في غفلة، فجعل الصديق حراسًا حولها حتى يمنعوا أي هجمة، ومن هؤلاء الحراس علي بن ابي طالب والزبير بن العوام، وسعد بن وقاص وعبد الله بن مسعود وعبد الرحمن بن عوف بالإضافة إلى طلحة بن عبد الله.

وكان أبو بكر يرغب في أن يؤجل الحرب مع المرتدين إلى أن يعود جيش أسامة، لهذا كان يرسل الرسائل ويستقبل الرسل إلا أن المنافقين لم يصبروا على ذلك.

فأغار بعض المرتدين على أطراف المدينة، إلا أن بعض الصحابة قابلوهم بالقتال، وعندما وصل الخبر للخليفة، أخذ من معه في المسجد وذهبوا إلى مكان القتال، وعجلوا فيهم السيوف حتى انتصر المسلمون وارتفعت معنوياتهم.

تجهيز الجيوش الإسلامية لقتال المرتدين:

جهز أبو بكر الصديق الجيوش لحرب المرتدين، وأرسل 11 جيشًا في آن واحد، وهم كالتالي:

ــ الجيش الأول: كان هذا الجيش تحت إمرة خالد بن الوليد وقد قاده لقتال “المتنبئ طليحة بن خويلد الأسدي” في نجد، وبعد أن يقضي عليه يتوجه إلى بني تميم.

ــ  الجيش الثاني: تحت قيادة عكرمة بن ابي جهل ، ومهمة هذا الجيش هي قتال “مسيلمة الكذاب” في بني حنيفة.

ــ  الجيش الثالث: قاده “شرحبيل بن حسنة” إلى اليمامة ليكون داعمًا لجيش عكرمة.

ــ  الجيش الرابع: ذهب إلى مرتدي بني سليم وهوازن، وكان تحت قيادة “طريفة بن حاجز السلمي”.

ــ  الجيش الخامس والسادس: توجها إلى الشمال لقتال المرتدين هناك، وعلى رأس الجيشين “عمرو بن العاص وخالد بن سعيد”.

ــ  الجيش السابع: قاده “العلاء بن الحضرمي” وذهب لقتال مرتدي قبائل ربيعة.

ــ الجيش الثامن والتاسع: توجه الجيشان إلى عمان لقتال أهل مهرة ودبا، وكانا تحت قيادة كل من “حذيفة بن محصن”، وعرفجة بن هرثمة”.

ــ الجيش العاشر: قاده “المهاجر بن أبي أمية” إلى اليمن لقتال أتباع الأسود العنسي.

ــ الجيش الحادي عشر: ذهب إلى اليمن تحت إمرة “سويد بن مقرن”.

ويذكر أن هذه الجيوش قد أدت مهمتها بنجاح، وحققت الفوز على المرتدين عدا جيشين فقط، وهما اللذان واجها مسيلمة الكذاب حتى ذهب إليه خالد بن الوليد وحقق النصر عليه.

أشهر المعارك التي خاضتها جيوش المسلمين

قاد المسلمون عددًا كبيرًا من المعارك ضد المرتدين، إلا أن معركة اليمامة تعد أشهر معارك حروب الردة على الإطلاق، ويرجع ذلك إلى أن مسيلمة الكذاب هزم المسلمين من قبل، مما اضطر الصديق إلى أن يدفع بخالد بن الوليد وجيشه لقتال هذا الفاسق.

فذهب خالد في جيش قوامه 12 ألف جندي، بينما كان عدد جيش مسيلمة 40 ألفًا، ومع ذلك حقق المسلمون في بداية الأمر فوزًا كبيرًا، ولكنه ما لبث أن انقلب هذا النصر لتراجع من قبل المسلمين، إلا أن سيف الله المسلول لم يكن ليقبل بالتراجع حيث اجتهد بشكل كبير، وقسم جيشه إلى فرق، وظل يحارب حتى مَنّ الله عليه بالنصر، وقُتل مسيلمة الكذاب على يد “وحشي” قاتل حمزة من قبل.

نتائج حروب الردة

كانت حروب الردة في عهد أبو بكر الصديق doc من الأمور الخطيرة التي واجهته في بداية حكمه، وكانت تحديًا واضحًا له وللمسلمين، إلا أنه نجح فيه بشكل كبير، فلم يكن أحد يتوقع أن يتحول أبو بكر من الشخص الرحيم، رقيق القلب إلى هذا الرجل الذي انتفض وأظهر وجهه الحقيقي، وانقض على أعداء الدين، لهذا كانت نتائج حروب الردة عظيمة، وهي كما يلي:

1) تم تثبيت حكم الدولة الإسلامية تحت راية الخليفة القوي والرجل الحق.

2) أعلن خالد بن الوليد عن نفسه أمام الخليفة، وأثبت أنه قائد عظيم يشار إليه بالبنان، وأنه لا يوجد من يفوقه في الحرب.

3) توحدت قبائل الجزيرة العربية، وعادت جُل الناس إلى الإسلام مرة أخرى، ولكن في هذه المرة دون تفريق بين الصلاة والزكاة.

4) بدأ أبو بكر في تجهيز الجيوش من أجل الفتوحات الإسلامية.

5) استشهد العديد من حملة كتاب الله، حيث استشهد ما يزيد عن 70 صحابيًا من حفظة القرآن بالإضافة إلى 1200 صحابي، وعلى رأسهم “زيد بن الخطاب”، “أبو دجانة سماك بن أوس”، “أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة”، “عبد الله بن سهيل بن عمرو” وآخرون، ويذكر أن استشهاد الحفظة أدى بعد ذلك إلى جمع القرآن خوفًا من ضياعه.

متى بدأت حروب الردة؟

بدأت حروب الردة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وامتدت بين عامي 11 و 12 هـ.

هل شارك علي في حروب الردة ؟

بكل تأكيد، فقد كان من حراس المدينة المنورة لحمايتها من أي عدوان غادر.

كيف تعامل خليفة الرسول مع حركات الردة؟

تعامل معها بحزم وقوة، وأصر على قتال المرتدين حتى لو كان بمفرده، لأنه كان على يقين بأنه لو ترك الأمر على ما هو عليه لما قامت للإسلام راية.

لماذا أشار الصحابة على الصديق في بداية الأمر بأن يترك من منع الزكاة دون محاربتهم؟

خشي بعض الصحابة من أن ينقض عليهم العرب مرة واحدة خاصة أن المدينة ليس بها جيش إلا أنهم عادوا إلى صوابهم بعد أن رأوا إصرار الصديق.

مواضيع ذات صلة

إن من البيان لسحراإن من البيان لسحرا | داء للقلوب الطاهرة والأنفس الطيبة

حكم النذر في الإسلامما هو حكم النذر في الإسلام؟