رضوى عاشور | خشيت الموت فعاشت إلى الأبد

رضوى عاشور

ثمة مَن ينتمون إلى الأدب عوضاً عن البلاد، يتخذون من الأقلام شعاراً بدلاً من الأعلام، يتزوجون ممن يشاطرهم الانتماء وإن خالفهم في الهُوية، يتناسلون ممن يحملون الأقلام كما لو أنها بندقية، لينجبوا رجالاً قادرين على مواصلة المسيرة الأدبية، حدودهم الجغرافية تشمل كل أرضٍ يتحدث أهلوها بألسنةٍ عربية، وأحبار أقلامهم مستخلصة من وجيعتهم، من عروبتهم، من رغبتهم العارمة في استرداد الحرية، من هؤلاء الروائية المصرية رضوى عاشور سليلة العائلة الأدبية وزوجة الشاعر مريد البرغوثي ابن الأراضي الفلسطينية وأم الشاعر المعاصر تميم ذي الدماء المصرية الفلسطينية، عفواً الدماء الأدبية!

من هي رضوى عاشور ؟

نعرفها دون أن نتعرف عليها، أو ربما عرفنا أنفسنا من خلالها إن أردنا الدقة، فلطالما عبرت سطور رضوى عاشور عما يعتمل في دواخلنا ولم نقوَ على التفوه به، وهبطت كلماتها على جراحنا المثخنة التي لم نجرؤ على الاعتراف بها لذواتنا فضلاً عن الاعتراف بها أمام الآخرين، صفعتنا بألمٍ عندما قالت ((المشكلة يا ولد أن قادتنا كانوا أصغر منا، كنا أكبر وأعفى وأقدر لكنهم كانوا القادة، انكسروا فانكسرنا))، وصفقت لنا بأملٍ عندما قالت ((هناك احتمال آخر لتتويج مسعانا بغير الهزيمة، ما دمنا قررنا أننا لن نموت قبل أن نحاول أن نحيا)).

وبعد أن أمضت حياتها كلها تعرفنا على أنفسنا وتسبر أغوار ذواتنا، حان دورنا للتعرف عليها، والاطلاع على الجوانب المختلفة من حياتها التي حصنتها من الفناء بالكتابة، إذ قالت ((لأني أشعر بالخوف من الموت الذي يتربص، وما أعنيه هنا ليس الموت في نهاية المطاف فحسب، ولكني أعني أيضاً الموت بأقنعته العديدة، أعني الوأد، أنا امرأة عربية ومواطنة من العالم الثالث، وتراثي في الحالتين تراث الموءودة، أعي هذه الحقيقة حتى العظم مني وأخافها إلى حد الكتابة عن نفسي، وعن آخرين أشعر أنني مثلهم أو أنهم مثلي)).

1) نسب رضوى عاشور :

تنحدر رضوى من عائلة أدبية أصيلة، فوالدها هو مصطفى عاشور الذي امتهن المحاماة وسلك طريق الأدب في الوقت ذاته، ووالدتها هي الشاعرة والفنانة الشهيرة وقتذاك مي عزام، وجدها لأمها هو المترجم الدبلوماسي عبد الوهاب عزام الذي درَّس الآداب الشرقية بجامعة القاهرة، وهكذا ترعرعت رضوى عاشور في بيتٍ أدبي يحرص على إرضاع أبنائه الأدب لا اللبن، يسكب في آذان أطفاله النصوص الشعرية لا ((ماما زمانها جايه)).

2) مولدها ونشأتها :

انطلقت صرخات رضوى الأولى تحت سماء العاصمة المصرية في السادس والعشرين من شهر مايو عام 1946 م، فعاصرت الاحتلال البريطاني وما بعده، مما ولد لديها الرغبة في التمرد على الأوضاع والكفاح من أجل نيل الحرية، ولأن كلاً منا يحارب على ثغره فقد حاربت رضوى على جبهتها وهي الكتابة، حالها حال غيرها من معاصريها مثل غسان كنفاني ومحمود درويش، فمضت تخط المذكرات والروايات والدراسات الأدبية التي تعكس الواقع بشجاعة استثنائية.

3) رحلتها التعليمية :

أنهت رضوى عاشور دراستها الابتدائية والمتوسطة والثانوية في مسقط رأسها القاهرة، ثم واصلت مسيرتها التعليمية في رحاب كلية الأدب المقارن بجامعة القاهرة، فدرست اللغة الإنجليزية هناك في الفترة التي تتراوح ما بين أواخر الستينيات ومستهل السبعينيات، وفي رحاب الجامعة ذاتها حصلت على درجة الماجستير عام 1972 م، وعن هذا يقول مريد البرغوثي ((عندما جلست – يقصد رضوى – تناقش اللجنة لتحصل على درجة الماجستير أشفقنا على اللجنة)).

وبعدها انتقلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتحصل على درجة الدكتوراه العلمية من جامعة ماساتشوستس بأمهيرست، وقد فعلتها عام 1975 م بعدما قدمت أطروحة تتناول الأدب الأفريقي الأمريكي، ثم عادت أدراجها إلى القاهرة فزاولت التدريس تحت سقف جامعة عين شمس في خضم ظروفٍ عسيرة.

روايات رضوى عاشور

روايات رضوى عاشور

4) حياة رضوى عاشور الشخصية :

بدأت قصة رضوى عاشور ومريد البرغوثي بين جنبات جامعة القاهرة، إذ التقطت أذنا رضوى ذات يوم شعراً نجحت كلماته في التسلل إلى قلبها، ((والأذن تعشق قبل العين أحياناً)) – كما يقول بشار بن برد -، وكانت رضوى تكتب الشعر آنذاك فاعتزلت كتابته بعد سماع شعر البرغوثي قائلة ((الشعر أحق بأهله)).

جمعهما حب أسطوري من اللحظة الأولى بينما لا يزالا طالبين، وسرعان ما قفزت فكرة الزواج إلى أذهانهما، غير أن أسرة رضوى لم تستقبل فكرة زواجها من مريد بالترحيب في بادئ الأمر، لكن والدها غير موقفه بعد الالتقاء بمريد والتعرف عليه عن كثب، كان لوالدها باع طويل مع الأدب لذا لم يفشل في قراءة سطور الحب المعلقة في مقلتي مريد، لم يخفَ عليه ما يكنه هذا الشاعر الفلسطيني في قلبه لابنته رضوى، فأبدى موافقته.

تمت زيجة رضوى والبرغوثي عام 1970 م، حينها علق مريد قائلاً ((وفي ظهيرة يوم 22-7-1970 م أصبحنا عائلة، ضحكتها صارت بيتي))، ثم توجت قصتهما بأجمل ما قد تتوج به أي قصة حب، عندما رزقا تميم البرغوثي عام 1977 م.

ترحيل البرغوثي من مصر :

لم تدم فرحة رضوى ومريد طويلاً، فالعام الذي شهد ولادة ثمرة حبهما هو العام نفسه الذي شهد ترحيل مريد من مصر بسبب إبداء اعتراضه على زيارة الرئيس المصري أنور السادات للدولة الصهيونية، ولم يتمكن من العودة إلى ديار محبوبته إلا بعد مضي سبعة عشر عاماً، الأمر الذي أدمى فؤاد كل منهما.

شعرت رضوى بالغربة رغم كونها في كنف وطنها، وشعر مريد بالنفي رغم أن مصر ليست وطنه، لكنه الحب يغير الجغرافيا، وفي هذه الفترة نشر مريد قصديته ((أنتِ وأنا)) التي تحدث فيها إلى رضوى قائلاً ((أنتِ جميلة كوطن محرر وأنا متعب كوطن محتل))، ثم اجتمع شمل الأسرة من جديد في عام 1994 م.

5) إنجازات رضوى عاشور :

شغلت رضوى منصب رئيس قسم اللغة الإنجليزية منذ عام 1990 م وحتى عام 1993 م، ولم تشغلها المسيرة الأكاديمية عن النشاط السياسي بل استغلت منصبها الأكاديمي في إنشاء اللجنة الوطنية لمكافحة الصهيونية في الجامعات المصرية بعدما علمت بسعي الرئيس أنور السادات للتطبيع مع الكيان الصهيوني.

كما نشرت رضوى عدداً من الأعمال الأكاديمية الهادفة كمرجع ((مع فريال غزول وآخرون)) الذي يدور حول الكاتبات العربيات، إضافة إلى ما أفرزته من أعمالٍ قصصية وروائية مزجت فيها الخيال بالواقع والتاريخ، ومن أشهر روايات رضوى عاشور ما يلي:-

أ) رواية ثلاثية غرناطة :

عد اتحاد الكُتاب العرب رواية ثلاثية غرناطة التي أصدرتها رضوى خلال العامين الميلاديين 1994 و1995 واحدة ضمن أفضل الروايات العربية الصادرة في القرن العشرين، ففي هذه الرواية تصطحب الكاتبة القارئ في رحلة ممتعة وموجعة في الآن ذاته، تطلعه على تاريخ الدولة الأندلسية التي كانت ترفل في ثوب الحضارة والعلم والتقدم فيما كانت الدول الأوروبية غارقة في مستنقعات الجهل والتخلف وقتذاك.

تحكي للقارئ تفاصيل الوقائع التي صارت عندما انهارت ممالك الأندلس وسقطت الواحدة تلو الأخرى في أيدي القشتاليين، تفصح له عما جرى للأهالي من تعذيب واضطهاد في محاولة من المحتل لإجبارهم على التخلي عن دينهم واعتناق النصرانية، لقد سردت رضوى في هذا العمل أحداثاً تاريخية في قالب قصصي بديع بأسلوب آسر ولغة عذبة.

ب) رواية الطنطورية :

رواية الطنطورية الصادرة عام 2010 م من أشهر الروايات التي أفرزتها رضوى عاشور، فقد تحدثت فيها عن قرية الطنطورة الفلسطينية وسردت في سطورها الوقائع التي شهدتها هذه القرية بعد احتلالها من قِبل بني صهيون خلال النكبة عام 1948 م، وكعادة رضوى تمزج التاريخ بالخيال وتختلق الشخوص لحياكة القصة التاريخية الأدبية، قصة كل فلسطيني عانى الشتات وتشبث بحلم العودة رغم كل شيء.

ج) رواية اثقل من رضوى :

صدرت رواية اثقل من رضوى عام 2013 م أي قبل وفاة الكاتبة بعام تقريباً، وقد ساقت بين دفتي الرواية جزءاً كبيراً من سيرتها الذاتية توثيقاً للأحداث والظروف التي عايشتها طوال العقود المنصرمة على الصعيد السياسي والاجتماعي والإنساني، كما تناولت تجربتها مع المرض الذي أنهك قواها وجعلها مفعمة بالألم والأمل والضعف والصمود والحزن والاغتباط.

د) رواية أطياف رضوى عاشور :

رواية أطياف رضوى عاشور هي سيرة ذاتية أيضاً للكاتبة، فبين طياتها تستعرض الاضطرابات السياسية التي عاصرتها في فترتي الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس أنور السادات، كما تسترجع ذكريات الأيام الخوالي عندما كانت تعقد المنافسات الشعرية في التجمعات العائلية وسط أجواء يسودها الفرح والمرح، ثم تلقي الضوء على حادثة نفي البرغوثي وما ترتب عليها من تمزق العائلة، وصدرت هذه الرواية باللغة الإنجليزية عام 1998 م ثم ترجمت إلى العربية عام 2010 م.

6) وفاتها :

رحل جسد رضوى عاشور عن عالمنا في الثلاثين من نوفمبر عام 2014 م عن عمرٍ يناهز الثمانية والستين في مسقط رأسها القاهرة بعد صراعٍ مع مرض السرطان، لكن روحها باقية بيننا، وفي بعض الغياب حضورٌ أكبر.

ما ديانة رضوى عاشور ؟

تؤكد المصادر كلها أن رضوى عاشور ديانتها هي الإسلام.

ما أشهر اقتباسات رضوى عاشور ؟

لـ رضوى عاشور اقتباسات عديدة مؤثرة يتداولها القراء ومنها اقتباس ((وكلما حاول أن يغالب ما في قلبه ازداد ما في قلبه اتقاداً)) واقتباس ((لا يمكن أن يكون الحب أعمى لأنه هو الذي يجعلنا نبصر)).

ما فحوى كتاب لكل المقهورين أجنحة ؟

ضم كتاب لكل المقهورين أجنحة عدداً من مقالات رضوى عاشور التي تدور حول السياسة والتعليم والتجارب الشخصية والإرث الثقافي ومقاومة التطبيع في الجامعات المصرية.

ما الجوائز التي حصدتها رضوى عاشور ؟

حصدت رضوى عاشور جوائز عديدة أبرزها جائزة أفضل كاتب لعام 1994 م وجائزة قسطنطين كفافيس الدولية للأدب في اليونان وجائزة سلطان العويس للرواية والقصة وأيضاً جائزة تركوينيا كارداريللي في النقد الأدبي في إيطاليا.

مواضيع ذات صلة

مسيلمة الكذابمن هو مسيلمة الكذاب | ولماذا ادعى النبوة؟

زكي نجيب محمودزكي نجيب محمود | فيلسوف الأدبـاء وأديب الفلاسـفة