عبدالله بن مسعود | صاحب السواد وفقيه الأمة

إن أردنا إنشاء جيل فقيه بأحوال أمته علينا أن نلفت أنظار أولادنا إلى الخلف مثلما ننصحهم دائماً بتحديد أهدافهم المستقبلية، فنحن لدينا في تاريخ الأمة الإسلامية الكثير من الشخصيات المشرفة مثل عبدالله بن مسعود صادح القرآن وكاتم أسرار النبي – صلى الله عليه وسلم-، والذي يمكننا الاحتذاء بحياته وأخذ تضحياته وشجاعته كمنهاج نسير عليه في تلك الأيام، حتى نظل مبصرين جميعنا لنور الإيمان الحقيقي الذي يدفع الإنسان نحو الفضائل ويكبل قدماه عن الخطايا إلى يوم الملتقى الأعظم.

لمحة عن حياة عبدالله بن مسعود ونشأته

اسم حليف بني زهرة الكامل هو عبدالله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، صاحب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الذي ولد في مدينة الطائف وتوفي أباه في الجاهلية، أما أمه (أم عبد بنت عبد وُدّ بن سواءة الهُذلية) فقد دخلت إلى الإسلام وصحبت نبي الله محمد في دعوته، ونشأ بن مسعود كراعٍ للأغنام قبل أن يدخل في دين الله ويصدق دعوة نبيه.

يعد ابن مسعود الهذلي أحد الصحابة الذين كرمهم الله وجعلهم برفقة نبيه أثناء نشر الدعوة الإسلامية مثل أبي ذر الغفاري الذي أحبه الله ورسوله، ولكن الأقوال التي تتحدث عن ترتيب حليف بني زهرة في السبق إلى الإسلام تضاربت حول رأيين أحدهما يقول إن صاحب السواد سادس ستة أسلموا، وأصحاب الرأي الآخر يظنون أنه أسلم بعد 22 نفساً سبقته إلى نطق الشهادتين.

بماذا لقب عبدالله بن مسعود ؟

حصد بن مسعود الكثير من الألقاب طوال حياته ومن أشهرها فقيه الأمة، صاحب السواد، الإمام الحبر، صاحب نعلي رسول الله ووساده وسواكه، كما كناه نبي الله محمد –صلى الله عليه وسلم- بأبي عبد الرحمن الهذلي المكي، ولقبه الرسول أيضًا بـ (ابن أم عبد)، وهذا اللقب تم ذكر اسم حليف بني زهرة به في كثير من الأحاديث النبوية الشريفة التي أشاد الرسول فيها بفصاحته وجهوريته، ولعل أشهر تلك الأحاديث ” من سرَّه أن يقرأ القرآن غضًّا كما أُنزل، فليقرأه بقراءة ابن أم عبد”.

قصة إسلام عبد الله بن مسعود

روى عبد الله بن مسعود قصة إسلامه ولقاءه برسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وأبي بكر اول من اسلم من الرجال بنفسه، فقال ” كنت أرعى غنمًا لعقبة بن أبي معيط، فمر بي رسول الله ﷺ وأبو بكر، فقال: يا غلام، هل من لبن؟ قلت: نعم، ولكني مؤتمن. قال: فهل من شاة لم ينزّ عليها الفحل؟ فأتيته بشاة، فمسح ضرعها، فنزل لبن، فحلب في إناء، فشرب، وسقى أبا بكر. ثم قال للضرع: اقلُص، فقلص. ثم أتيته بعد هذا، فقلت: يا رسول الله، علمني من هذا القول، فمسح رأسي، وقال: إنك غلام مُعَلَّمٌ”، وحينها أسلم بن مسعود وظل ملازماً للنبي وهاجر معه الهجرتين.

بما اشتهر عبدالله بن مسعود ؟

اشتهر عبد الله بن مسعود بالكثير من الصفات الحسنة التي جعلت من اسمه راية قيمة يرفعها المسلمون على مر الأزمان، ومن أبرز الأشياء التي اشتهر بها فقيه الأمة أنه كان حاملاً لكتاب الله يتلوه بصوت عذب ونابغة في تفسيره، وتفقه بن مسعود في جميع أمور الدين والسنة وكان صاحب رأي سديد بين قومه، كما اشتهر أيضًا حليف بني زهرة بالأمانة حتى قبل أن يعتنق الدين الإسلامي ويقوم بمساندة رسول الله في المشاهد كلها دون أن يتخلف عن حضور أي غزوة منهم.

أشهر الصفات التي تحلى بها فقيه الأمة

أثنى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ومعه الكثير من الصحابة مثل سعد بن معاذ –رضي الله عنه- على الإمام الحبر بن مسعود، فقد كان فقيه الأمة وصاحب سر محمد شجاعاً في الدفاع عن دين الله ويعد أول من جهر بآيات القرآن في (مكة المكرمة) بعد النبي، كما كان الشخص الوحيد المسموح له بطرق باب رسول الله في أي وقت من الليل أو النهار، وتحلى بن مسعود بالعديد من الصفات المميزة التي يتمثل أبرزها فيما يلي:

أولاً: صفات عبد الله بن مسعود الجسمانية

كان ميزان عبد الله بن مسعود راجحاً في العلم والأدب لا في قوة وضخامة البدن، حيث كان يدفعه إيمانه بالهدي النبوي دائماً إلى مجابهة الأخطار وإعلاء كلمة الإسلام في كل اتجاه دون أن ينبعث الخوف مرة في قلبه، واتصف حليف بني زهرة خلقياً بأنه كان نحيل الساقين، هزيل البنية، قصير القامة، ولا يحمل جسده فوق عظامه الكثير من اللحم، أما هيئته فوصفها الصحابة والتابعين بأنها كانت مهندمة حيث عُرف عن بن مسعود أنه كان نظيف الملبس، طيب الرائحة.

قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عن ساقي الإمام الحبر أنها أثقل عند الله –سبحانه وتعالى- من جبل أحد، وسبب قول ذلك الحديث الشريف هو مزاح وضحك بعض الصحابة مع بن مسعود عن حدة ساقيه النحيلتين، وهنا بشره النبي بمنزلته الكريمة عند الله، ولكنه لم يبشره حينها بالجنة جهراً مثل سعيد بن زيد كما يُذكر في بعض الأقاويل المغلوطة.

ثانياً: صفات حليف بني زهرة الأخلاقية

على الرغم من أن فقيه الأمة وحليف بني زهرة كان رقيق البنية إلا أنه كان ثقيل التقوى والمعرفة، وكان أكثر الصحابة علماً بالقرآن وأحكامه بعد رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، كما اتصف بن مسعود باللين وخصوصاً عند تلاوته لآيات كتاب الله العزيز، بالإضافة إلى العديد من الصفات الأخلاقية الأخرى كما يلي:

1) من صفات عبدالله بن مسعود –رضي الله عنه-التي حكاها الصحابة والتابعون أنه كان كثير الحكم ويحب وعظ الآخرين، وكانت لمواعظه تلك تأثير بالغ على المحيطين به بسبب بلاغته وحسن خلقه.

2) فطنة الإمام الحبر بن مسعود وأمانته جعلته مقرباً من رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، كما هيئته فضائله الأخلاقية الرفيعة ليصبح واحد من أهل المشورة ذوي الآراء الصائبة حينذاك، وتبين لنا ذلك في أحد الأحاديث الشريفة، حيث يقول النبي –عليه أفضل الصلاة والسلام- “رَضِيتُ لِأُمَّتي ما رضِيَ لها ابنُ أُمِّ عبْدٍ”.

صفات عبدالله بن مسعود

عبدالله بن مسعود عند الشيعة

اختلفت آراء الشيعة حول عبد الله بن مسعود فبعضهم رأى حسن فضائله وذكروا عنه كل الخصال الحميدة التي قالها فيه أشرف المرسلين، والبعض الآخر شرعوا في القول عن صاحب السواد وشقق الكلام إنه لم يكن مبايعاً وموالياً للإمام علي بن ابي طالب –رضي الله عنه-، وثبُت هذا الكلام في أقوال فقيه الشيعة (الفضل بن شاذان) حينما سُئل عن بن مسعود فقال ” لم يكن حذيفة مثل ابن مسعود لأن حذيفة كان ركنا وابن مسعود خلط ووالى القوم ومال معهم وقال بهم”.

وفاة عبدالله بن مسعود

هذا الصرح المتين الذي شيده (ابن أم عبد) طوال حياته بعلمه وفضائله لنصرة الدين، جعل الأسئلة تكثر حول نهاية رسالته في الدنيا وطبيعة وفاته، فنرى البعض يتساءل متى توفي عبد الله بن مسعود ؟، والبعض الآخر يود أن يعرف كيف توفى صاحب السواد وأين دفن بالتحديد في شبه الجزيرة العربية؟، فعبد الله بن مسعود الهذلي توفاه الله في الثانية والثلاثين من الهجرة النبوية في عهد الخليفة الراشد (عثمان بن عفان)، ويقال إنه توفي بسبب مرضه ولكنه لم يشتكِ على فراش الموت إلا من ذنوبه!.

توفي عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- في المدينة المنورة، وتم دفن جثمانه الطاهر في (بقيع الغرقد) الذي شرف من قبله باستقبال أجساد أهل رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.