كعب بن مالك | الصحابي الذي ذُكرت قصته في القرآن

قال حكيم ذات مرة “تعلم يا ولدي أن الصدق هو طوق النجاة من عذاب النار، ولك في كعب بن مالك عبرة، فرغم مخالفته لأوامر الرسول وتخلفه عن غزوة تبوك ، إلا أنه التزم الصدق ولم يختلق الأعذار الكاذبة لكي ينجو من الموقف، وثبت على إيمانه لذلك تقبل الله توبته”، والآن هيا بنا نتعرف على قصة كعب بن مالك التي ذكرت في القرآن الكريم.

نبذة عن حياة كعب بن مالك

هو كعب بن مالك ، عمرو بن القين بن كعب بن سواد بن غنم بن سلمة الأنصاري، مّن الله عليه بالإسلام قبل الهجرة، وكان في الجاهلية يسمى بأبي البشير وهو ضمن هؤلاء الذين شهدوا العقبة الأولى التي بايع الرسول فيها الأنصار، ولم يكن في صفوف المسلمين المقاتلين في غزوة بدر الكبرى  لسبب غير معلوم.

وهو من صحابة رسول الله، وأُطلق عليه شاعر الإسلام، وكان له قصائد كثيرة تحكي عن الغزوات وضراوة المحاربين المسلمين في الدفاع عن دين الله، كما يقال إنه روى ما يقارب من ثلاثين حديثًا، لكن ثلاثة منهم فقط هم المتفق عليهم من قبل الشيخين البخاري ومسلم.

وكعادة العرب قديمًا تزوج كعب بن مالك أكثر من امرأة وهن: عميرة بنت جبير بن صخر بن أمية، وصفية ذات الأصول اليمنية، وخيرة، ورزق كعب بن مالك الابناء من كل واحدة منهن، فمن الأولى أنجب ستة هم عبد الله وفضالة ووهب ومعبد وخولة وسعاد، أما الثانية فأنجبت له ولده عبد الرحمن وأنثى أسماها كبشة، أما الأخيرة لم يتوفر أي دليل تاريخي عن أسماء أبنائها.

تخلف كعب بن مالك عن غزوة تبوك

في العام التاسع الهجري تحديدًا في شهر رجب أمر سيدنا محمد المسلمين بجمع عتادهم والتجهز للانطلاق إلى منطقة عين تبوك الواقعة في شمال غرب شبه الجزيرة العربية، لأجل ملاقاة جيش الروم الذي توعد بالقضاء على الدولة الإسلامية الحديثة، إلا أن هناك مجموعة من المنافقين تخلفوا متعمدين عن القتال في سبيل الله مقدمين حججًا وأعذارًا لا قيمة لها، وهنا يتردد كثيرًا سؤال لماذا تخلف كعب بن مالك عن غزوة تبوك ؟ وهل هو يعد ضمن هؤلاء المنافقين أم لا؟ هذا ما سنوضحه بالتفصيل في السطور التالية.

من هم الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك؟

فسر قصة الثلاثة الذين خلفوا صحيح البخاري وغيره من كتب التفسير، وذكروا أنهم هم مرارة بن الربيع العمري وهلال بن أمية و كعب بن مالك ، وورد أنه بعد عودة الجيش منتصرًا دون قتال بسبب فرار جيش الروم، جمع النبي هؤلاء الثلاثة وسألهم عن سبب تخلفهم، وكل واحد منه اختلق عذرًا، إلا كعب الذي نطق بالحق، لأنه يعلم أن الله مطلع على ما في قلبه، وأن الكذب قد ينجيه من هذا الموقف لكن لن ينجيه من عقاب الله، لذا أخبر الرسول بأنه كان يؤجل تجهيز متاعه وتكاسل عن قضاء حاجاته مما منعه من الالتحاق بالجيش.

قصة كعب بن مالك

موقف رسول الله من تخلف كعب بن مالك

أمر رسول الله جميع المسلمين المهاجرين منهم والأنصار بمقاطعة هؤلاء الثلاثة الذين لم يحضروا غزوة تبوك، وهذا ما أثر كثيرًا على نفسية كعب بن مالك ، فقد رفض جميع أصحابه وأقرابه الحديث معه أو رد السلام عليه، وعندما كان يمشي في الأسواق يرفضوا التعامل معه انصياعًا لأوامر النبي، بل إن الرسول طلب من زوجته الذهاب إلى بيت أبيها، ووصلت مدة المقاطعة إلى خمسين يومًا، فشعر كعب بالوحدة والوحشة.

إيمان كعب وتقبل الله لتوبته

لزم كعب بن مالك منزله بعد أن قاطعه الجميع، والتزم الاستغفار والتضرع إلى الله لكي يتوب عليه، وخلال فترة المقاطعة حاول الكفار إغواءه لمعادة النبي، فمثلًا أرسل إليه ملك غسان رسولًا يخبره أنه سيناصره ضد المسلمين، إلا أنه رفض وتحلى بالصبر، حتى أتته البشرى.

فقد نادى أحد الصحابة يبشر هؤلاء الثلاثة بقبول الله توبتهم وتلى عليهم قوله تعالى في سورة التوبة (وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)، فخر ساجدًا شاكرًا وحامدًا لله، واتجه على الفور إلى المسجد فأسرع إليه طلحة بن عبيد وكان أول من يهنئه، فكان كعب لا ينساها لطلحة .

شرح حديث كعب بن مالك

قام العديد من المفسرين والفقهاء بـ شرح حديث كعب بن مالك الذي قاله عند تخلفه عن غزوة تبوك وهو ” لم أتخلف عن اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوةِ غزاها إلا في غزوة تبوك، غير أني تخلفت في غزوة بدر، ولم يعاتب أحدًا تخلف عنها”، كما ذكروا أيضًا حديثه وهو بين يدي الرسول حين قال ” إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا، لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذرٍ، ولقد أعطيت جدلاً، ولكني واللّه، لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني، ليوشكن الله أن يسخطك علي، ولئن حدثتك حديث صدقٍ تجد علي فيه، إني لأرجو فيه عفو اللّه، لا والله، ما كان لي من عذرٍ، واللَّه ما كنت قط أقوى، ولا أيسر مني حين تخلفت عنك”، فكان صدقه سببًا في قبول توبته.

مآخاة كعب والزبير بن العوام

بعد الهجرة كان الرسول يعمل على تأسيس دولة متكاملة الأركان، وأول ما بدأ به هو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، لكي يسود الود بينهم، ومنهم كعب بن مالك و الزبير بن العوام ، ويقال إن الزبير رأى كعب قد أصيب في غزوة أحد فقال لو مات لورثته، حتى نزلت الآيات التي تعطي الحق لأولي الأرحام فقط في الميراث، وفي رواية أخرى يقال أن الرسول آخى بين كعب وطلحة بن عبيد الله.

كعب بن مالك | شاعر الإسلام

خرج من بين صفوف المسلمين شعراء فصحاء ذاع صيتهم بين الناس أمثال حسان بن ثابت و كعب بن مالك، وكان لقب الأخير شاعر الإسلام، واشتهر بشعر المدح والرثاء مثل أبيات الشعر التي أرثى فيها سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، وكان الرسول يستمع إلى شعر كعب بن مالك الذي يروي فيه الحروب ويتباهي بقوة وشجاعة الجنود المسلمين، وعند شرح قصيدة كعب بن مالك في غزوة بدر وتلك التي أنشدها في خيبر يتبين مدى فصاحته وبلاغته، حيث قال:

قد علمت خيبر أني كعب                        مفرج الغمي جرئ صلب

وإذ شبت الحرب تلتها الحرب                   معي حسام كالعقيق عضب

نطؤكم حتى يذل الصعب                        نعط الجزاء أو يفيء النهب

بكف ماض ليس فيه عتب

وفاة كعب بن مالك

منذ دخوله الإسلام كرس كعب بن مالك حياته وشعره في خدمة هذا الدين، وقد عاهد الله ورسوله بعد قبول توبته على الطاعة والصدق، حتى توفاه المولى عز وجل في سنة 50 من الهجرة –حسب معظم الروايات- ويقال في عام 53 هجريًا أي في عهد خلافة معاوية بن أبي سفيان،عن عمر يناهز سبعة وسبعين عام تقريبًا، لكن لم يتم ذكر المدينة التي توفي فيها بشكل دقيق.

المغذى من قصة الثلاثة الذين تخلفوا عن الغزوة

1- تأجيل أداء الأعمال قد يكون سببًا في تدمير حياة الإنسان، وتحطيم عزيمته، والدليل على ذلك أن كعب كان في قرارة نفسه يريد الذهاب مع الرسول إلا أنه تهاون وتكاسل عن تجهيز عتاده.

2- الصدق منجي للإنسان من المصائب، فلولا صدق كعب مع الرسول وعدم اختلاقه أعذارًا كاذبة، وثبات إيمانه، لكان من الممكن ألا يتقبل الله توبته هو ومن معه.

3- طاعة الله ورسوله في كل شيء، فرغم صعوبة الموقف على أقارب كعب وأصحابه إلا أنهم أطاعوا النبي وقاموا بمقاطعته وعدم الحديث معه، حتى يدرك شناعة الخطيئة التي ارتكبها.

4- تحمل البلاء والصبر عليه دليل على قوة الإيمان، فقد كان أمام كعب فرصة ذهبية بالموافقة على خطاب ملك غسان لكي يضغط على المسلمين والنبي، إلا أنه رفض أن يخسر دينه وثبت على موقفه، أملًا أن يتقبل الله توبته.